مقالات عامة
انفض غبــار النوم و اسعد بأوقـــات السحر
هيا بنا ننفض غبار النوم عنا، ونسعد بأوقات السحر، ونسعد الآخرين بما يحققه الله على أيدينا وأيديكم من فتح، يعزُّ فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويقولون متى هو؟! قل عسى أن يكون قريبًا.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
معينات على قيام الليل
أولاً: الإقلال من الطعام
فإن كثرة الطعام مجلبةٌ للنوم، ولا يتيسر قيام الليل إلا لمن قل طعامه، ولقد بيَّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حد الشبع وآدابَه، فقال: "ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالةَ فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلثٌ لنفسه" (رواه أحمد ).
قال عبد الواحد بن زيد: من قوي على بطنه قوي على دينه، ومن قوي على بطنه قوي على الأخلاق الصالحة، ومن لم يعرف مضرته في دينه من قِبَل بطنه فذلك رجل من العابدين أعمى، وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى الشيطان من الأكول النوَّام، وقال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل تملكوا قيام الليل.
وجدت الجوع يطرده رغيف وملء الكفء من ماء الفرات
وقل الطعم عون للمصلي وكثر الطعم عون للسبات
ثانيًا: الاستعانة بالقيلولة
فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد وجَّه إلى الاستعانة بها ومخالفة الشياطين بها، فقال: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (رواه الطبراني وهو في السلسلة الصحيحة)، ومر الحسن بقوم في السوق فرأى صخبهم ولغطهم، فقال: أما يقيل هؤلاء؟! قالوا: لا.. قال: إني لأرى ليلَهم ليلَ سوء، وقال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمَّة للفؤاد، مقواة على قيام الليل.
ثالثًا: الاقتصاد في الكدِّ نهارًا
والمقصود به عدم إتعاب النفس بما لا ضرورة منه ولا مصلحة فيه، كفضول الأعمال والأقوال ونحوها، أما ما يستوجبه الكسب والحياة من الضرورات ولا غِنَى للمرءِ عن الكدِّ لأجله فيقتصد فيه بحسب ما تتحقق به المصالح.
رابعًا: اجتناب المعاصي
فالمعصية تُقعد عن الطاعة، وتُوجب التشاغل عن العبادات، وتَحرِم المؤمن من التوفيق إلى النوافل والفضائل؛ ولذلك تواتر عن السلف القول إن المعاصي تحرم العبد من القيام.. قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافًى، وأحب قيام الليل، وأُعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟! قال: ذنوبك قيَّدتْك، وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبتُه، قيل وما هو؟! قال رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مُراءٍ، وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصِف لي دواءً؟ قال: لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.
خامسًا: سلامة القلب من الأحقاد
سلامة القلب من الأحقاد على المسلمين، ومن البدع وفضول هموم الدنيا، فإن ذلك يشغل القلب ويضغط عليه، فلا يكاد يهتم بشيء سواه.
سادسًا: خوف غالب
أي لزوم القلب أن يتذكر قصر الأمل، فإنه إذا تفكر أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره.
سابعًا: الوقوف على فضائل القيام وثمراته
لأنها تهيِّج الشوق، وتُعلي الهمة، وتُحيي في النفس الطمع في رضوان الله وثوابه، وقد تقدم ذكر أهمها.
ثامنًا، وهو أشرف البواعث: حب الله وقوة الإيمان
لأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناجٍ به، والله مطلع عليه، مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب اللهَ تعالى أحب لا محالةَ الخلوةَ به وتلذذ بالمناجاة، فتحمله لذة المناجاة للحبيب على طول القيام.
أخي في الله: إن دعوة الإسلام اليوم لا تعتلي حتى يذكي دعاتها شعلهم بليل، ولا تشرق أنوارها فتبدد ظلمات جاهلية القرن الحالي ما لم تلهج بـ"يا حي يا قيوم"، وهذه وصية الإمام البنا "دقائق الليل غالية، فلا ترخِّصوها بالغفلة".. "إن النصر حُجب عنا لأننا لم نقدم بين يدي الله همسًا في الأسحار، ولا الدمع المدرار، وإنما النصر هبة محضة، يقر الله بها عين مَن يشاء من رجال مدرسة الليل في الحياة الدنيا"، ووصفهم ابن القيم قائلاً: