إن الأخلاق الحسنة هي أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها ، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق.
يقول شوقي رحمه الله:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وبقدر بُعد مجتمع من المجتمعات أو أمة من الأمم عن محاسن الأخلاق ، واتصاف أبنائها بالأخلاق السيئة الرديئة يكون الضنك والشقاء، بما يعني أن هذا المجتمع يعاني أزمة أخلاقية ربما تؤدي إلى انهياره.
وفي هذا المقال نبين بعض مظاهر أزمة الأخلاق راجين من وراء التنبيه عليها إلى تجنبها والعمل على علاجها.
ومن أهم هذه المظاهر:
النفاق الاجتماعي
فبعض الناس يحسن اللعب على كل الحبال فتراه يأتي كل قوم أو مجموعة بما يحبون ولو كان ذلك مخالفا لما اتى به الآخرين بل لو كان مخالفا لمبادئه هو وقناعاته، فهو مع الجميع وإن كانوا متضادين لكن يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ، نعم.. لقد وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الوجهين، وأخبر أنه من شرار الخلق؛ لعظم جرمه وفساد طويته وخبث محاولاته وبشاعة مواقفه وفساد صنيعه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تجدون من شرار الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".
إن ذا الوجهين يجمع بمحاولاته بين مجموعة من المحرمات يرتكبها عمداً ومع سبق الإصرار تدفعه إلى ذلك نفسيته المريضة فتحمله على الكذب"وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار". وتحمله تلك النفس الخبيثة على النميمة، واليمين الفاجرة واللعن والغيبة وكل ذلك جالب سخط الله عليه ووسائل هلكةٍ تعرضه للوعيد الشديد, قال سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ*هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ*مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}(10-12) سورة القلم.
المتكبرون المتفيهقون
ومن مظاهر أزمة الأخلاق عند بعض الناس حالة الكبر التي تسيطر عليهم، فيتعالون على خلق الله ويظنون أنهم أعلى من الناس وأفضل منهم، إنهم المتفيهقون الذين وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعض صفاتهم حين سئل عنهم بأنهم المتكبرون؛ إذ من أبرز صفات المتكبر التعاظم في كلامه، والارتفاع على الناس في الحديث، وإذا كان مثقفاً فإنه يحاول التحدث بالغريب من الكلام إظهاراً لفضله، كما يحلو له! وازدراءً لغيره، تلك علة خلقية تشعر بضعف نفسية المتفيهق، ولذلك يكون بعيداً في الدنيا عن قلوب الناس، معزولاً عن خيارهم، مقروناً في الآخرة بمن أبغضهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا, وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون".
إنهم يعيشون أزمة حقيقة سببها ضعف نفوسهم ومرض قلوبهم، إذ لو كانوا يعلمون ويفقهون لتواضعوا ولرفعهم الله بذلك التواضع عنده وعند خلقه:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخـان يعـلـو بنفسـه **** على طبقات الجو وهـو وضيع