أقوال وأفعال تنافي التوحيد أوتنقصه
أقوال وأفعال تنافي التوحيد أوتنقصه
للشيخ صالح الفوزان
**************
ادعاء علم الغيب في قراءة الكفوالفنجان والتنجيم .. إلخ.
ما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه، وقد اختصاللّه تعالى بعلمه، وقال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِيالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}( النمل 65
فلا يعلم الغيب إلا اللّهسبحانه وحده، وقد يطلع رسله على ما شاء من غيبه لحكمة ومصلحة، قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِأَحَدًا}{إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْرَسُولٍ}( الجن26ـ 27
أي لا يطلع على شيء من الغيب إلا من اصطفاه لرسالته، فيظهره على ما يشاء من الغيب. لأنه يستدل على نبوته بالمعجزات التي منها الإخبار عن الغيب الذي يطلعه اللّه عليه. وهذا يعم الرسول الملكي والبشري، ولا يطلع غيرهما لدليل الحصر. فمن ادعى علم الغيببأي وسيلة من الوسائل - غير من استثناه اللّه من رسله - فهو كاذب كافر - سواء ادعىذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان أو الكهانة أو السحر آو التنجيم أو غير ذلك، وهذاالذي يحصل من بعض المشعوذين والدجالين من الإخبار عن مكان الأشياء المفقودةوالأشياء الغائبة، ومن أسباب بعض الأمراض فيقولون فلان عمل لك كذا وكذا فمرضتبسببه، إنما هو لاستخدام الجن والشياطين، ويظهرون للناس أن هذا يحصل لهم عن طريقعمل هذه الأشياء من باب الخداع والتدليس.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الكهان كأن يكون لأحدهمالقرين من الشياطين يخبره بكثرة عن المغيبات بما يسترقه من السمع. وكانوا يخلطونالصدق بالكذب، إلى أن قال: ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة: فواكه وحلوى وغيرذلك مما لا يكون في ذلك الموضع. ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أوغيرهما ) .
وقد يكون إخبارهم عن ذلك عن طريقالتنجيم - وهو الاستدلال بالأحوال الفلكَية على الحوادث الأرضية: كأوقات هبوبالرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدركمعرفتها بسمة الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها. ويقولون: من تزوج بنجم كذاوكذا حصل له كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا حصل لهكذا من السعود أو النحوس. كما يعلن في بعض المجلات الساقطة عن الخزعبلات حول البروجوما يجري فيها من الحظوظ. وقد يذهب بعض الجهال وضعاف الإيمان إلى هؤلاء المنجمينفيسألهم عن مستقبل حياته وما يجري عليه فيه وعن زواج وغير ذلك. ومن ادعى علم الغيبأو صدَق من يدعيه فهو مشرك كافر، لأنه يدعي مشاركة اللّه فيما هو من خصائصه. والنجوم مسخرة مخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تدل على نحوس ولا سعود ولا موت ولاحياة. وإنما هذا كله من أعمال الشياطين الذين يسترقون السمع.
السحر والكهانةوالعرافة
كل هذه الأمور أعمال شيطانية محرمة،تخل بالعقيدة أو تناقضها لأنها لا تحصل إلا بأمور شركية.
1 - فالسحر:
عبارةعما خفي ولطف سببه ، سمي سحراً، لأنه يحصل بأمور خفية لا تدرك بالأبصار - وهو عزائمورقى وكلام يتكلم به وأدوية وتدخينات، وله حقيقة. ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدانفيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره بإذن اللّه الكوني القدري - وهو عملشيطاني - وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بما تحبوالتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها ولهذا قرنه الشارع بالشرك حيث يقول النبيe" اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا : وما هي ؟ قال: الإشراك باللّه والسحر "الحديث. داخل في الشرك منناحيتين
الناحية الأولى: ما فيه من استخدام الشياطينوالتعلق بهم والتقرب إليهم بما يحبونه ليقوموا بخدمة الساحر. فالسحر من تعليمالشياطين - قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوايُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر( البقرة102
الناحية الثانية : ما فيه من دعوى علم الغيبودعوى مشاركة اللّه في ذلك، وهذا كفر وضلال، قال تعالى:( وَلَقَدْعَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْخَلَاقٍ( البقرة102
أينصيب وإذا كان كذلك فلا شك أنه كفر وشرك يناقض العقيدة ويجب قتل متعاطيه. كما قتلجماعة من أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم - وقد تساهل الناس في شأن الساحر والسحر،وربما عدوا ذلك فناً من الفنون التي يفتخرون بها ويمنحون أصحابها الجوائز والتشجيع،ويقيمون النوادي والحفلات والمسابقات للسحرة، ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين. وهذا من الجهل بالدين والتهاون بشأن العقيدة وتمكين للعابثين بها.
2 -الكهانة والعرافة :
وهما ادعاء الغيب ومعرفة الأمور الغائبة : كالأخبار بما سيقع في الأرض وما سيحصل، وأين مكان الشيء المفقود، وذلك عن طريقاستخدام الشياطين الذين يسترقون السمع من السماء. قال تعالى: (هَلْأُنَبِّئُكُمْعَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (الشعراء221 – 223
وذلك أنالشيطان يسترق الكلمة من كلام الملائكة، فيلقيها في أذن الكاهن، ويكذب الكاهن معهذه الكلمة مائة كذبة، فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة التي سمعت من السماء. واللّهالمنفرد بعلم الغيب. فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها أو صدق منيدعي ذلك فقد جعل للّه شريكاً فيما هو من خصائصه. والكهانة لا تخلو من الشرك، لأنهاتقرب إلى الشياطين بما يحبون. فهي شرك في الربوبية من حيث ادعاء مشاركة اللّه فيعلمه، وشرك في الألوهية من حيث التقرب إلى غير اللّه بشيء من العبادة. وعن أبيهريرة ـ رضي اللّه عنه ـ ، عن النبيe" من أتىكاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
ومما يجب التنبيه عليه والتنبه له:أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس بحيث يظهرون بمظهر الأطباء، فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله - بأن يذبحوا خروفاً صفته كذا وكذا أو دجاجة، أو يكتبون هم الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية بصفة حروزيعلقونها في رقابهم أو يضعونها في صناديقهم أو في بيوتهم. والبعض الآخر يظهر بمظهرالمخبر عن المغيبات وأماكن الأشياء المفقودة بحيث يأتيه الجهال فيسألونه عن الأشياءالضائعة فيخبرهم بها أو يحضرها لهم بواسطة عملائه من الشياطين - وبعضهم يظهر بمظهرالولي الذي له خوارق وكرامات كدخول النار ولا تؤثر فيه، وضرب نفسه بالسلاح، أو وضعنفسه تحت عجلات السيارة ولا تؤثر فيه أو غير ذلك من الشعوذات التي هي في حقيقتهاسحر من عمل الشيطان يجري على أيدي هؤلاء للفتنة، أو هي أمور تخيلية لا حقيقة لها بلهي حيل خفيفة يتعاطونها أمام الأنظار كعمل سحرة فرعون بالحبال والعصي 0
قال شيخالإسلام في مناظرته للسحرة البطائحية الأحمدية ( الرفاعية ) قال: ( يعني شيخالبطائحية ) ورفع صوته: نحن لنا أحوال. وكذا وكذا. وادعى الأحوال الخالقة كالناروغيرها واختصاصهم بها، وأنهم يستحقونتسليم الحال إليها لأجلها - قال شيخ الإسلام : فقلت ورفعت صوتي وغضبت: أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها: أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثلما تصنعون ومن احترق فهو مغلوب. وربما قلت: فعليه لعنة اللّه - ولكن بعد أن تُغسلجسومنا بالخل والماء الحار- فسألني الأمراء والناس عن ذلك فقلت: لأن لهم حيلاً فيالاتصال بالنار يصنعونها من أشياء من دهن الضفادع ومن النارنج وحجر الطلق فضج الناسبذلك، فأخذ يظهر القدرة على ذلك فقال: أنا وأنت نُلَفُّ في بارية بعد أن تطلىجسومنا بالكبريت، فقلت: فقم - وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك - فمدَّ يده يظهرخلع القميص . قلت: لا حتى تغتسل بالماء الحار والخل فأظهر الوهم على عادتهم فقال : من كان يحب الأمير فيحضر خشباً، أو قال حزمة حطب، فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع ولايحصل به مقصود، بل قنديل يوقد وأدخل أصبعي وأصبعك فيه بعد الغسل ومن احترقت أصبعهفعليه لعنة الله أو قلت فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل
والمقصود منه هنا بيان أن هؤلاءالدجالين يكذبون على الناس بمثل هذه الحيل الخفية.
تقديم القرابين والنذور والهداياللمزارات والقبور وتعظيمها
لقد سد النبيeكل الطرقالمفضية إلى الشرك، وحذر منها غاية التحذير . ومن ذلك مسألة القبور. فقد وضعالضوابط الواقية من عبادتها، والغلو في أصحابها، ومن ذلك :
1 - أنه حذرeمن الغلوفي الأولياء والصالحين. لأن ذلك يؤدي إلى عبادتهم. فقال:" إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكمالغلووقال "لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. إنما أنا عبد فقولوا : عبد اللّه ورسوله0
2 - وحذرeمن البناء على القبور - كما روى أبو الهياج الأسدي قال : قال لي علي بنأبي طالب رضي اللّه عنه :" ألاأبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّهeأن لاتدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويتهونهى عن تجصيصها والبناء عليها. عن جابر رضي اللّه عنه قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر. وأن يقعد عليه. وأن يبنى عليه بناء0
2 - وحذر eمنالصلاة عند القبور. عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: "لما نُزلَ برسول اللّه صلى الله عليه وسلم طفق يطرحخميصة له عن وجهه. فإذا أَغتم بها كشفها. فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهودوالنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنهخشي أن يتخذ مسجدا وقالe:" ألا وإن من كانقبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. فإني أنهاكمعن ذلك 0
واتخاذها مساجد معناه الصلاةعندها وإن لم يُبْنَ مسجد عليها. فكل موضع قصد للصلاة فيه اتخذ مسجدا. كماقالe: " جعلت لي الأرض مسجداًوطهوراًفإذا بني عليها مسجد فالأمرأشد.
وقد خالف أكثر الناس هذهالنواهي، وارتكبوا ما حذر منه النبيeفوقعوابسبب ذلك في الشرك الأكبر. فبنوا على القبور مساجد وأضرحة ومقامات. وجعلوها مزاراتتمارس عندها كل أنواع الشرك الأكبر. من الذبح لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم،وصرف النذور لهم، وغير ذلك. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن جمع بين سنة رسولالله ـ صلى الله عليه وسلم - في القبور وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه أصحابه. وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأىأحدهما مضادّاً للآخر مناقضاً له بحيث لا يجتمعان أبدا.
فنهى رسول اللّهeعن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها. ونهى عن اتخاذها مساجد. وهؤلاء يبنون عليها المساجد ويسمونها مشاهد. مضاهاة لبيوت اللّه. ونهى عن إيقادالسرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها. ونهى عن أن تتخذعيداً، وهؤلاء يتخذونها أعياداً ومناسك. ويجتمعون لها كاجتماعهم للعيد أو أكثر. وأمر بتسويتها - كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بنأبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن لا تدعصورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته وفي صحيحه أيضا عن ثمامةبن شُفيّ، قال :" كنا مع فضالةبن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال : سمعت رسولاللّه صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها
وهؤلاء يبالغون في مخالفةهذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت، ويعقدون عليها القباب إلى أن قال: فانظر إلى هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول اللّهeوقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور. وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه. ولا ريب أن في ذلك من المفاسد ما يعجز العبد عن حصره - ثم أخذ يذكر تلك المفاسد - إلى أن قال: ومنها أن الذي شرعه النبيeعند زيارةالقبور إنما هو تذكر الآخرة والإحسان إلى المزور بالدعاء له والترحم عليهوالاستغفار وسؤال العافية له. فيكون الزائر محسناً إلى نفسه وإلى الميت. فقلب هؤلاءالمشركون الأمر، وعكسوه، وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ودعاءه والدعاء بهوسؤال حوائجهم واستنزال البركات منه ونصره لهم على الأعداء ونحو ذلك. فصاروا مسيئينإلى أنفسهم وإلى الميت ولو لم يكن إلا بحرمانه بركة ما شرعه تعالى من الدعاءوالترحم عليه والاستغفار له.. وبهذايتضح أن تقديم النذور والقرابين للمزارات شرك أكبر، سببه مخالفة هَدي النبيeالحالة التي يجب أن تكون عليها القبور ، من عدمالبناء عليها وإقامة المساجد عليها ، لأنها لما بنيت عليها القباب وأقيدت حولهاالمساجد والمزارات ظن الجهال أن المدفونين فيها ينفعون أو يضرون، وأنهم يغيثون مناستغاث بهم، ويقضون حوائج من التجأ إليهم، فقدموا لهم النذور والقرابين، حتى صارتأوثاناً تعبد من دون الله ، وقد قال النبيe" اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد 0
وما دعا بهذا الدعاء إلالأنه سيحصل شيء من ذلك في غير قبرهe، وقد حصلفي كثير من بلاد الإسلام، أما قبره فقد حماه اللّه ببركة فيدعائهe. وإن كانقد يحصل في مسجده شيء من المخالفات من بعض الجهال أو الخرافين، لكنهم لا يقدرون علىالوصول إلى قبرهe. لأنقبره في بيته، وليس في المسجد، وهو محوط بالجدران - كما قال العلامة ابن القيم رحمهاللّه في نونيته :
فاستجابرب العالمين دعاءه... وأحاطه بثلاثة الجدران.
في بيان حكم تعظيم التماثيل والنصب التذكارية
التماثيل : جمع تمثال - وهو الصورة المجسمة على شكلإنسان أو حيوان أو غيرهما مما فيه روح - والنصب في الأصل: العَلَمُ وأحجار كانالمشركون يذبحون لإحياء ذكرى زعيم أو معظم على صورهم.
ولقد حذر النبيeمن تصوير ذوات الأرواح، ولا سيما تصوير المعظمين من البشر: كالعلماءوالملوك والعبّاد والقادة والرؤساء، سواء كان هذا التصوير عن طريق رسم الصورة علىلوحة أو ورقة أو جدار أو ثوب، أو عن طريق الالتقاط بالآلة الضوئية المعروفة في هذاالزمان، أو عن طريق النحت وبناء الصورة على هيئة التمثال. ونهىeعن تعليق الصور على الجدران ونحوها. وعن نصب التماثيل ومنها النصبالتذكارية. لأن ذلك وسيلة إلى الشرك، فإن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصويرونصب الصور، وذلكأنه كان فيقوم نوح رجال صالحون، فلما ماتوا حزن عليهم قومهم، فأوحى إليهم الشيطان أن انصبواإلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد، حتىإذ هلك أولئك ونسي العلم عبدتولما بعث اللّه نبيه نوحاًعليه السلام ينهى عن الشرك الذي حصل بسبب تلك الصورة التي نصبت امتنع قومه من قبولدعوته، وأصروا على عبادة تلك الصورة المنصوبة التي تحولت إلىأوثان{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّاَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوق وَنَسْرًا ) نوح23
وهذه أسماءالرجال الذين صورت لهم تلك الصور على أشكالهم إحياءً لذكرياتهم وتعظيماًلهم.
فانظر ما آل إليه الأمربسبب هذه الأنصاب التذكارية من الشرك باللّه ومعاندة رسله، مما سبّب إهلاكهمبالطوفان ومقتهم عند اللّه وعند خلقه، مما يدل على خطورة التصوير ونصب الصور، ولهذالعن النبيeالمصورين . وأخبر أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأمر بطمس الصور، وأخبر أن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه صورة، كل ذلك من أجل مفاسدها وشدة مخاطرها على الأمة في عقيدتها. فإن أول شرك حدث في الأرض كان بسبب نصب الصور، وسواء كان هذا النصب للصور والتماثيلفي المجالس أو الميادين أو الحدائق، فإنه محرم شرعاً لأنه وسيلة إلى الشرك وفسادالعقيدة. وإذا كان الكفار اليوم يعملون هذا العمل، لأنهم ليس لهم عقيدة يحافظونعليها فإنه لا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بهم ويشاركوهم في هذا العمل حفاظاً علىعقيدتهم التي هي مصدر قوتهم وسعادتهم.
حكم الاستهزاء بالدين والاستهانةبحرماته
الاستهزاء بالدين ردةعن الإسلام، وخروج عن الدين بالكلية. قال اللّه تعالى(قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}{لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65 ، 66
هذه الآية : تدل على أن الاستهزاء باللّه كفر، وأنالاستهزاء بالرسول كفر، وأن الاستهزاء بآيات اللّه كفر، فمن استهزأ بواحد من هذهالأمور فهو مستهزئ بجميعها. والذي حصل من هؤلاء المنافقين أنهم استهزؤوا بالرسولوصحابته فنزلت الآية. فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم، فالذين يستخفون بتوحيد اللّهتعالى ويعظمون دعاء غيره من الأموات وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوابذلك. كما قال تعالى: ( وَإِذَارَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُرَسُولًا}{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا) الفرقان41 – 42
فاستهزؤوا بالرسولeلما نهاهم عن الشرك. وما زال المشركون يعيبونالأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد، لما في أنفسهممن تعظيم الشرك. وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأبذلك لما عنده من الشرك. قال اللّه تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًايُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) البقرة165
فمن أحب مخلوقاً مثل ما يحب اللّه فهو مشرك. ويجبالفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه، فهؤلاء الذين اتخذوا القبور أوثاناَ تجدهميستهزئون بما هو من توحيد اللّه وعبادته، ويعظمون ما اتخذوه من دون اللّه شفعاء،ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذباً ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذباً. وكثير من طوائفمتعددة ترى أحدهم يرى أن استغاثته بالشيخ إما عند قبره أو غير قبره أنفع له من أنيدعو اللّه في المسجد عند السَّحَر. ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثيرمنهم يخربون المساجد ويعمرون المشاهد، فهل هذا إلا من استخفافهم باللّه وبآياتهورسوله وتعظيمهم للشرك وهذا كثير وقوعهفي القبوريين اليوم.
والاستهزاء على نوعين:
أحدهما : الاستهزاء الصريح كالذي نزلت الآية فيه وهو قولهم: ما رأينامثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا. ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء. أو نحو ذلك منأقوال المستهزئين. كقول بعضهم : دينكم هذا دين خامس. وقول الآخر : دينكم أخرق. وقولالآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدين. من بابالسخرية بهم. وما أشبه ذلك مما لا يحصى إلا بكلفة مما هو أعظم من قول الذين نزلتفيهم الآية.
النوع الثاني :غير الصريح، وهو البحر الذي لا ساحل له - مثل الرمز بالعين. وإخراج اللسان ومدالشفة. والغمز باليد عند تلاوة كتاب اللّه أو سنة رسول اللّهeوعند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرومثل هذا ما يقوله بعضهم : إن الإسلام لا يصلح للقرن العشرين،وإنما يصلح للقرون الوسطى، وأنه تأخر ورجعية، وأن فيه قسوة ووحشية في عقوبات الحدودوالتعازير، وأنه ظلم المرأة حقوقها حيث أباح الطلاق وتعدد الزوجات؛ وقولهم: الحكمبالقوانين الوضعية أحسن للناس من الحكم بالإسلام، ويقولون في الذي يدعو إلى التوحيدوينكر عبادة القبور والأضرحة: هذا متطرف، أو يريد أن يفرق جماعة المسلمين، أو هذاوهابي أو مذهب خامس، وما أشبه هذه الأقوال التي كلها سب للدين وأهله واستهزاءبالعقيدة الصحيحة ولا حول ولا قوة إلا باللّه. ومن ذلك استهزاؤهم بمن تمسك بسنة منسنن الرسولeفيقولون : الدين ليس في الشعر استهزاء بإعفاء اللحية - وما أشبه هذه الألفاظ الوقحة.
اللهم أنفعنا بما سمعنا (لا تنسونا من دعائكم )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقوووول للفائده