السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه .



تزوج قرد ! وماذا تعتقدون أنه تزوج ، أكيد مقرودة مثله ، قردة طبعاً ، يعني راح يتزوج غزالة مثلاً ، المهم حصل الزواج ، وفي يوم من الأيام والقردة في

أحضان زوجها القرد ، جاءها قرد شاب صغير شقي لعَّاب ، وغمزها ، فانتبهت ، فأشار إليها _ يعني الحقي بي _فانسلت بهدوء من بين أحضان الزوج

الغافل النائم ، ولحقت بذلك القرد الشاب ، فهربا بعيداً جداً ، حيث حصلت الخيانة الزوجية هناك ، فزنيا _ والعياذ بالله _ ثم عادت إلى زوجها ، وأخذت

مضجعها بين يديه ، وبينما هي تفعل ذلك ، إذ انتبه الزوج لها ،فاستيقظ من نومه ، وإذا به يشم رائحة غريبة ، فصاح وصرخ مستنجداً بمن حوله ، فأتت

القرود من كل حدب وصوب ، وبدأت القرود في التحقيق مع القردة الزانية حتى اعترفت بفعلتها الشنيعة ، ثم أتوا بالقرد الذي زنا بها ، وحفروا لهما حفرة

فوضعوهما فيها ،وقام الجميع برميهم بالحجارة حتى الموت .



هذه القصة ليست من نسج الخيال ، أو ضرب من الأمثال ، بل هي قصة صحيحة موجودة في صحيح البخاري مختصرة ، وفي غيره مطولة ، رواها عمرو

بن ميمون رضي الله عنه ، وهو صحابي جليل ، والصحابة كلهم عدول ، كما هو معلوم عند العلماء وغيرهم ، حتى قال عمرو بن ميمون رضي الله عنه : لقد

رجمتهما مع القرود ، وإليك حديث البخاري :


عن عمرِو بن مَيمونٍ رضي الله عنه قال : " رأيتُ في الجاهليةِ قِردةً اجتمعَ عليها قِرَدةٌ قد زَنَت فرَجموها، فرَجمتها معهم " [ أخرجه البخاري ] .

وللعلماء مع هذا الحديث كلام ، ولي مع هذه القصة وقفات :

الوقفة الأولى : تحريم الزنا :

الزنا حرام ، وفيه تعد لحدود الله تعالى ، وهو جريمة بشعة ، فيه اختلاط الأنساب ، وضياع الأسر ، وتفرق الأبناء ، ولم يُحل في ملة قط ، لفظاعته وبشاعته

وقذارته ، ولقد جاءت الأدلة من كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة على تحريمه ، وتجريم فاعله ومرتكبه .


قال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } [ الإسراء32 ] ، وانظر إلى قوله تعالى : { ولا تقربوا الزنى } ، ولم يقل سبحانه : { ولا

تزنوا } ، لأن التحذير من قرب الزنا ودواعيه ودوافعه أبلغ في الزجر والنهي .


وقال تعالى : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }[ الفرقان68 ] .


فالذين يوحدون الله ، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره ، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به : من كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد

زواج ، أو قتل نفس عدوانًا ، ولا يزنون ، بل يحفظون فروجهم , إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ في الآخرة

عقابًا أليماً شديداً .


وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَشْرَبُ

الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " [ متفق عليه ] .


قال ابن المنذر رحمه الله في كتاب الإجماع : " وأجمعوا _ أي العلماء _ على تحريم الزنا " [ 160 ] .



الوقفة الثانية : عقوبة الزاني والزانية في الدنيا :


نظراً لأن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب ، وعظيمة من عظائم الخطوب ، فإن جل وعلا رتب عليه عقوبة في الدنيا ، فالزاني إما أن يكون أعزباً أو متزوجاً .

فإن كان أعزباً وزنا فإنه يقام عليه الحد ، بجلده مائة جلدة ، ويسجن ويبقى في غياهب السجن مدة من الزمن كما يحكم عليه القضاء ، فإن تكرر منه الفعل

فإنه يرجم .

قال تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور2 ] .


أما إذا كان الزاني _ الزانية _ متزوجاً فإنه يرجم حتى الموت .

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ ، فَشَهِدَ

عَلَىٰ نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَىٰ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَلَعَلَّكَ ؟ " قَالَ : لاَ وَاللّهِ إنَّهُ قَدْ زَنَى الأَخِرُ ، قَالَ : فَرَجَمَهُ ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ : " أَلاَ

كُلَّمَا نَفَرْنَا غَازِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، خَلَفَ أَحَدُهُمْ لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، يَمْنَحُ أَحَدُهُمُ الْكُثْبَةَ، أَمَا وَاللّهِ إنْ يُمْكِنِّي مِنْ أَحَدِهِمْ لأُنَكِّلَنَّهُ عَنْهُ " [ أخرجه مسلم ] .


عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً،الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ

وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " [ أخرجه مسلم ] .


ففي الزنا تحد لقوة الله وقدرته وجبروته وبطشه ، وارتكاب نهيه ، فمن حكمة الله تعالى أنه لا يأخذ بالذنب لأول وهلة ، وأول مرة ،بل يملي للظالم لعله

يتوب ويرجع عن غيه وفساد قلبه ، وانتكاس فطرته ، فإن لم يعد فقد أنزل الله بالعالم اليوم بلاءً يعرفه كل إنسان ، هذا البلاء سببه جريمة الزنا واللواط

والشذوذ الجنسي عند الجنسين ، فما داء الإيدز إلا نذير للبشر ، لمن شاء أن يتوب أو يقع في المقدَّر ، وكم هي الإحصاءات العالمية التي تشير إلى ارتفاع

معدل الإيدز في العالم نتيجة ارتكاب فاحشة الزنا _ أعاذانا الله منها _ فهذه العقوبة الدنيوية بسبب تعد الحدود الإلهية ، وفعل الفواحش

الشهوانية ، والنزوات الشيطانية ، وارتكاب الجرائم البشعة الجنسية .


فقارن أيها المسلم بين لذة دقائق أو ثوان ، وعقوبة مئات السنين أو آلافها في نار جهنم ؟

وتأمل هذا الحديث العظيم في خطورة الزنا على الأمم والأفراد ، عن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا قال :

أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ! خَمْسٌ خِصَالٌ إذا ابتليتم بهن ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ

قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلاَفِهِمْ الَّذِين مَضَوْا . . . " [أخرجه ابن ماجة وغيره وصححه الحاكم

والذهبي ، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 7978 ] .


وربما سأل سائل فقال : ليس في القرآن آية تدل على الرجم ؟

والجواب : أن آية الرجم كانت موجودة في كتاب الله تعالى ، ثم نُسخت لفظاً وبقيت حكماً ، وهي قوله تعالى : { والشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إذَا زَنَيا فارْجُمُوهُمَا البَتَّةَ

نَكَالاً مِنَ الله والله عَزِيزٌ حَكِيم } [ كانت موجودة في سورة الأحزاب ثم نُسخت أي رفعت لفظاً ،وحكمها باق إلى يوم القيامة ] .


وقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَىٰ مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ ،وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ

مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَىٰ ، إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ ، أَنْ يَقُولَ

قَائِلٌ : مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللّهُ ، وَإنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَاب اللّهِ حَقٌّ عَلَىٰ مَنْ زَنَىٰ إذَا أَحْصَنَ ، مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إذَا قَامَتِ

الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الإِعْتِرَافُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .


ثم اعلم أيها المسلم أن السنة جاءت لتدل على ما أجمله القرآن ، وتفسر ما أُبهم من الكتاب العزيز ، وجاءت مكملة لكثير من الأحكام التفصيلية ، ومما جاء

فيها وجوب الرجم على الزاني والزانية المتزوجين ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً ،والغامدية ، وصاحبة العسيف رضي الله عنهم

أجمعين ، ورجم اليهودي ، ثم رجم أصحابه من بعد ، وهكذا تقبلت الأمة هذا الحكم بالتنفيذ والسمع والطاعة ، وهذا محل إجماع بين العلماء لم يخالف فيه

أحد البتة .

فهذا الدين محفوظ بحفظ الله له ، لا يستطيع التشكيك فيه إنسان أو جان أو شيطان ، لأن الله تعالى أنزله وتكفل بحفظه ، فلله الحمد والفضل والمنة .


فائدة مهمة :

من وقع في فاحشة الزنا ، ثم تاب وأقيم عليه الحد رجماً أو جلداً ، فهذا الحد كفارة له يوم القيامة بألا يمسه العذاب بإذن الله تعالى ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ

الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ _ صلى الله عليه وسلم _ فِي مَجْلِسٍ ، فَقَالَ : " تُبَايِعُونِي عَلَىٰ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللّهِ شَيْئاً ، وَلاَ تَزْنُوا ، وَلاَ

تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَىٰ مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذٰلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً

مِنْ ذٰلِكَ فَسَتَرَهُ اللّهِ عَلَيْهِ ، فَأَمْرُهُ إلَىٰ اللّهِ ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ، وَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .