د.عائض القرني

قبل مدّة زرتُ دمشق فسطرتُ فيها هذه الرسالة
سَلامٌ من صِبَا بَردى أرقُّ ودَمعٌ لا يُكَفكَفُ يــا دِمِشقُ
ومعذرة اليَرَاعة والقَوافِي جَـلال الرزء عن وَصفٍ يَدقُ
دخَلتُكِ والأصِيلُ له ائتِلاقٌ ووجهك ضاحك القسمات طلقُ
السلامُ عليك يا أرض شيخ الإسلام، ورحمة الملك العلام، أيها الحضور الكرام، في دمشق الشام.
يا دمشق ماذا تكتب الأقلام، وكيف يرتّب الكلام، وماذا نقول في البداية والختام؟
في دمشق الذكريات العلمية، والوقفات الإسلامية، والمآثر الأموّية. وفيها يرقد ابن تيمية، وابن قيم الجوزية. وفي دمشق حلقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

يحق لحسّان أن ينوح على تلك الأوطان، ويسكب عليها الأشجان:
لله در عصابة نـادمتهم يوماً يحلق في الزمـان الأولِ
أبناء جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضلِ

تذكّرك دمشق بمعاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وبني غسان، والشعر والبيان، والمجالس الحسان. دمشق سماء زرقاء، وروضة خضراء، وقصيدة عصماء، وظلٌّ وماء، وعلوّ وسناء، وهمّة شمّاء.
ما أبقى لنا الشوق بقية، لما سمعنا تلك القصيدة الشوقية، في الروابي الدمشقية
قمر دمشقي يسافر في دمي وسنابلٌ وخمــــائلٌ وقبابُ
الحبُّ يبدأ من دمشق فأهلـه عشقوا الجمال وذوّبوه وذابوا

دخلنا دمشق فاتحين، وصعدنا رباها مسبّحين. فدمشق في ضمائرنا كل حين. وهي غنيّة عن مدح المادحين. ولا يضرّها قدح القادحين.
آه يا دمشق كم في ثراك من عابد، كم في جوفك من زاهد، كم في بطنك من مجاهد، كم في حشاك من ساجد. أنت يا دمشق سفر خلود، وبيت جود، منك تهبّ الجنود، وتحمل البنود. يصنع على ثراك الأحرار، ويسحق على ترابك الاستعمار، ويحبّك يا دمشق الأخيار. فأنت نعم الدار. تقطّع إليك من القلوب التذاكر، من زارك عاد وهو شاكر، ولأيّامك ذاكر، يكفيك تاريخ ابن عساكر، صانك الله من كل كافر.