قصة فاعل الخير :
يقول أحد العاملين في أمن الطرق : حصل حادث لشاب في مقتبل العمر متدين يبدو ذلك من مظهره ، وعندما حملناه سمعناه يهمهم ، ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا ،سمعنا صوتاً مميزاً ، إنه يقرأ القرآن وبصوت ندي ، سبحان الله لا تقول : هذا مصاب ، الدم غطى ثيابه وتكسرت عظامه ، واستمر يقرأ بصوت جميل ، لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة ، كنت أحدث نفسي وأقول : سألقنه الشهادة ، وفجأة سكت ذلك الصوت ، التفت إلى الخلف ، فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد ، ثم انحنى رأسه ، وفارق الحياة ، وصلنا إلى المستشفى وأخبرناهم بالخبر ، فتأثروا من حادثة موته ، وذرفت دموعهم ، اتصل أحد الموظفين بمنزل المتوفى ، وكان المتحدث أخوه قال عنه : إنه يذهب كل اثنين إلى زيارة جدته الوحيدة في القرية ، وكان يتفقد الأرامل والأيتام والمساكين ، وكانت تلك القرية تعرفه ، فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية ، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين ، وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها ، فكانت نهايته تلك النهاية السعيدة ، والخاتمة الحسنة .
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ " ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ " [ رواه الترمذي ، وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
وما أكثر الذين يموتون اليوم من المسلمين على أعمالٍ صالحة ، وهي كثيرة ومنها :
أن يموت وهو ساجد ، أو وهو يقرأ القرآن ، أو وهو في طريقه لأداء الحج أو العمرة ، أو وهو ذاهب ليصل رحماً أو غير ذلك من أعمال البر والخير والصلاح .
الثانية والعشرون : المقتول دون مظلمته :
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " [ رواه النسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6447 ] .
ومعنى مظلمته : أي قصده قاصد بالظلم .
قال ابن جرير : " هذا أبين بيان ، وأوضح برهان ، على الإذن لمن أريد ماله ظلماً ، في قتال ظالمه ، والحث عليه كائناً من كان ، لأن مقام الشهادة عظيم ، فقتال اللصوص والقطاع مطلوب ، فتركه من ترك النهي عن المنكر ، ولا منكر أعظم من قتل المؤمن وأخذ ماله ظلماً " [ فيض القدير 6/253 ] .
الثالثة والعشرون : التبسم بعد الموت :
ليس هناك نص صحيح صريح ، بأن التبسم عند الموت من علامات حسن الخاتمة ، ولكن هذا يفهم من عدة نصوص ، فإن المحتضر إن كان من أهل السعادة ، فإنه يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه ، معهم أكفان من الجنة ، وحنوط من الجنة ، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس المطمئنة ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . رواه أحمد عن البراء رضي الله عنه.
فقد يبتسم المحتضر لذلك ، ومما يدل على هذا أيضاً ما رواه أحمد عن طلحة بن عبيد الله عندما زاره عمر وهو ثقيل وفيه: إني سمعت من رسول الله حديثاً ما منعني أن أسأل عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته، قال: فقال عمر: إني لأعلم ما هي، قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله إلا الله ؟ قال طلحة: صدقت هي والله.
ومحل الشاهد من الحديث قوله : أشرق لها لونه ، ولكن هذا مع النطق بالشهادة .
واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من علامات حسن الخاتمة لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة ، ولكن يستبشر له بذلك ، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه بأنه غير صالح ، فهذا كله من الغيب .