فحقوق واجبة, ليست من باب الندب والاستحباب, قال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله:
"أيها الكفيل, إذا ألقيت مسؤولية الطفل في مراتع وخيمة؛ أخشى أن يضاعف لك العذاب ضعفين: تعذب على تشويه تلك الجوهرة المكرمة عذاباً نكيراً، وتحوز من تلك الجناية العامة نصيباً مفروضاً."
فقد توعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم نبذل النصح, وقال الغزالي رحمه الله : (فالصبي أمانة عند والديه, وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة, وهو قابل لكل ما يـُـنقش, ومائل إلى كل ما يمال إليه؛ فإن عوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له)
أين من يأخذ بيد ولده اليوم ليتعلم دينه؛ فيدخله معاهد تحفيظ القرآن الكريم, ويدله على مجالس أهل العلم, ويأتيه بالكتب والأشرطة, ويعظم عنده فرائض الله عليه؟! أين من يسخط ويشتد غضبه على ولده إن وجده يقصر في حقوق الله تعالى، ويثيبه إن وجده ملتزما مستقيما؟! أليست الصورة معكوسة؟!!
أن الأب يفرح بتفوق ابنه في الدنيا, ولا يحزن على تخلفه عن الدين.. وإلا فاصدقني القول: أليس فرحك بنجاح ولدك في الثانوية العامة- مثلاً- أشد من فرحك بإتمامه لحفظ القرآن الكريم؟!
ولو خيرت بينهما لاخترت الأولى (الدنيا)؟!
المأساة- أيها الإخوة- أننا نربي أولادنا لأنفسنا؛ لكي ينفعونا ويحملوا عنا.. لسنا نربيهم لله, ليكونوا مؤمنين موحدين على الجادة, أولياء لله , وهذا هو الإشكال00
ولذلك يكمن الخطر في أمرين:
أولهما:
الإخلاص لله في تربية الولد
ينبغي أن نتساءل: لماذا نحرص على أن نربي أولادنا تربية صالحة؟
= هل لينفعونا كباراً حين نكبر ونحتاج إليهم؟
= هل لنفتخر بهم أمام الناس ونتباهى بهم عند الآخرين؟
= هل لكيلا نعير بهم وتسوءنا سيرتهم؟
هذه نيات باطلة ومآس ظاهرة, لعلها السر الأكبر في فساد الأولاد؛ فإن النيات الفاسدة لا يصلح معها العمل,؛ فيجب إن أردنا ذرية صالحة أن نصحح نياتنا: أننا إنما نربيهم لأن الله أمرنا بذلك.
إن استشعارهذه المسؤولية واجب علينا..
أن هذه التربية تكليف من الله عز وجل, وأنها فريضة نؤجر بفعلها ونأثم على تركها.. تعميق هذا المعنى في القلب( أنك تؤدي واجباً فرضاً حتماً لازماً يراقبك فيه الله وسيحاسبك) يجعلك تؤدي هذه المهمة كما يحب هو ويرضى، لا كما تبتغي وتهوى. وأيضا بهذه النية تستجلب إعانته وتثبيته وتوفيقه, فكم من حريص على تربية الأبناء شغوف بها وهو غير موفق؛ فتأتي النتائج العكسية.
والأمر الثاني
شكر نعمة الولد
نعم : إننا لم نشكر نعمة الله علينا أن وهبنا الأولاد- وهي النعمة التي لا يدري عِظمها إلا من حرمها- وكان من أوليَّات ذلك: أن نحسن تربيتهم ليكونوا عبيداً لله الذي خلقهم لنا ورزقنا إياهم, واستخلفنا في رعايتهم, فمن يكفر بنعمة الله فلا يشكرها؛ فإن الله شديد العقاب, فيبتليه من جنس النعمة فتصير عليه نقمة, فيرهقه الأولاد بمتطلباتهم فلا يقدر عليها, ويحزنوه بانحراف سلوكياتهم وفساد أخلاقهم؛ طغياناً وكفراً.
أما المؤمنون الشاكرون لأنعم الله جل وعلا, المحافظون على أولادهم من الضلال؛ فيرزقهم رزقا حسناً, فيبرهم أبناؤهم, ويكونون خيراً لهم في دينهم ودنياهم: قال ربي، وأحقُّ القولِ قولُ ربي: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا = فانظر - أيها الوالد- ماذا عساك أن تصنع حين يعاتبك الله تعالى على نعمة, فيقول: "ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً؟ وسخرت لك الأنعام والحرث ؟ وتركتك ترأس وتربع؟ فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا, فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني" [مسلم ، وتربع: أي تغنم].
ينساك الله كما نسيت أولادك وضيعتهم , وتركتهم في براثن الجاهلية؛ فاغتالتهم شياطين الإنس والجن..
ألا فاستعد للقاء الله وحسابه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
ه ح