ويلي عمر - في قول أكثر أهل السنة - عثمان بن عفان ، ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ، ثُمَّ عُمَرَ ، ثُمَّ عُثْمَانَ ؛ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ ؛ وفي رواية : قَالَ : كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ( 2 ) . وقيل : بعد عمر على بن أبي طالب ؛ والأول أرجح ؛ قال ابن تيمية - : فلهذا قال أيوب وأحمد بن حنبل والدارقطني : من قدم عليًّا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار .ا.هـ . فإنه وإن لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني ؛ ومن نسبهم إلى الجهل والظلم فقد أزرى بهم . ولو زعم زاعم أنهم قدموا عثمان لضغن كان في نفس بعضهم على علي وأن أهل الضغن كانوا ذوي شوكة ، ونحو ذلك مما يقوله أهل الأهواء ؛ فقد نسبهم إلى العجز عن القيام بالحق ، وظهور أهل الباطل منهم على أهل الحق . هذا وهم في أعز ما كانوا وأقوى ما كانوا . فإنه حين مات عمر كان الإسلام من القوة والعز والظهور والاجتماع والائتلاف فيما لم يصيروا في مثله قط . وكان عمر أعز أهل الإيمان وأذل أهل الكفر والنفاق إلى حد بلغ في القوة والظهور مبلغًا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالأمور ؛ فمن جعلهم في مثل هذه الحال جاهلين أو ظالمين أو عاجزين عن الحق فقد أزرى بهم ؛ وجعل خير أمة أخرجت للناس على خلاف ما شهد الله به لهم ( 3 ) .
ويلي الخلفاءَ الأربعةَ الستةُ الباقون من العشرة ، الذين بشرهم النبي بالجنة ، وهم : طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن نفيل ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، أجمعين .
خيار عباد الله بعد نبيهــم ... هم العشر طُرًّا بُشروا بجنانوقوله : ( وسعدان ) أي : سعد وسعيد ، و ( الصهران ) أبو بكر وعمر ، ( والختنان ) عثمان وعلي .
زبير وطلح وابن عوف وعامر ... وسعدان والصهران والختنان
قال الإمام أبو منصور البغدادي : أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ، فيليهم الطائفة البدرية ، أي : الذين شهدوا بدرًا ، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر - المهاجرون نيف على ستين ، والأنصار نيف وأربعون ومائتان - فقد قال لعمر في بعض من شهدها : " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " ( 4 ) .
فيليهم أهل أحد الذين شهدوها ؛ فيليهم أهل بيعة الرضوان بالحديبية ، التي نزل فيهم : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيبًا [ الفتح : 18 ] ( 5 ) .
قال ابن الصلاح - : وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة ؛ وفي قول الشعبي : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ؛ وعن محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار أنهما قالا : هم أهل بدر ؛ روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه ؛ والله أعلم ( 6 ) .
قلت : فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار قد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [ التوبة : 100 ] ؛ والنص الصريح في تفضيل من أنفق من قبل الفتح وقاتل ؛ قال الله تعالى : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ الحديد : 10 ] .
والحاصل أن من قاتل مع النبي أو في زمانه بأمره ، وأنفق شيئًا من ماله بسببه ، لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا مَنْ مكان .
1 - ( مناقب الشافعي ) للبيهقي - تحقيق أحمد صقر : 1 / 434 .
2 - البخاري ( 3494 ) ، والرواية الأخرى ( 3455 ) .
3 - انظر ( مجموع الفتاوى ) : 4 / 428 .
4 - رواه أحمد : 79 ، 80 ، والبخاري ( 3007 ) ، ومسلم ( 2494 ) ، وأبو داود ( 2650 ) ، والترمذي ( 3305 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11585 ) عن عليٍّ .
5 - نقلا عن شرح النووي على مسلم : 8 / 118 ، بختصار وتصرف .
6 - انظر ( مقدمة ابن الصلاح ) ص 171 .