الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي سلسلة العائدون من الصوفية الى السنة

    السلام عليكم
    في هذه السلسلة سنقدم اكم اكثر من 30 شخصية علمية مرموقة تركت العقيدة الصوفية التي نشاءت عليها وتوجهت الى العقيدة الصافية عقيدة السلف الصالح :


    علامة الشام محمد بهجة البيطار من بيت غلاة الصوفية إلى إتباع السلفية
    محمد بهجة بن محمد بهاء الدين البيطار ، العالم الفقيه ، والمصلح الأديب ، والمؤرخ الخطيب ، ولد بدمشق في أسرة دمشقية عريقة ، جدها الأعلى من الجزائر.

    كان والده من شيوخ دمشق ، ومن مشايخ الصوفية الغلاة ، يقول الطنطاوي:
    " ومن أعجب العجب ، أن والد الشيخ بهجة كان صوفياً من غلاة الصوفية ، القائلين بوحدة الوجود ، على مذهب ابن عربي ، وابن سبعين والحلاج ... " [رجال من التاريخ ص416-417]

    نشأ في حجره ، وتلقى عليه مبادئ علوم الدين واللغة .. ثم درس على يد أعلام عصره ، مثل: جمال الدين القاسمي ، محمد الخضر حسين ، محمد بن بدران الحسني ، محمد رشيد رضا ..

    وكان تأثره بالشيخ جمال الدين القاسمي كبيراً ، قال عاصم البيطار ولد الشيخ بهجة:
    " وكان والدي ملازماً للشيخ جمال الدين ، شديد التعلق به ، وكان للشيخ – رحمه الله- أثر كبير ، غرس في نفسه حب السلفية ونقاء العقيـدة ، والبعد عن الزيف والقشور ، وحسن الانتفاع بالوقت والثبات على العقيدة ، والصبر على المكاره في سبيلها ، وكم كنت أراه يبكي وهو يذكر أستاذه القاسمي"

    فسبحان من يخرج الحي من الميت .. وقد أسهم في نشر العقيدة الصحيحة .. وتولى عدد من المناصب العلمية ..

    وقد اختير الشيخ "بهجة البيطار" في جمعية العلماء ، ثم في رابطة العلماء في دمشق.
    وتولى الخطابة والإمامة والتدريس في جامع "القاعة" في الميدان خلفاً لوالده ، ثم في جامع "الدقاق" في الميدان أيضاً ، استمر فيه حتى وفاته.

    تنقل في وظائف التدريس في سوريا والحجاز ولبنان ، كما أنه درّس في الكلية الشرعية بدمشق: التفسير والأخلاق ، ودرّس كذلك في دار المعلمين العليا وفي كلية الآداب في دمشق .. وبعد التقاعد قصر نشاطه على المحاضرات الجامعية والتدريس الديني.
    وكان الشيخ عضواً في المجمع العلمي العربي ، ومشرفاً على مجلته.
    سافر للحجاز وحضر مؤتمر العالم الإسلامي في مكة المكرمة عام 1345هـ ، وأبقاه الملك عبدالعزيز فجعله مديراً للمعهد العلمي السعودي في مكة ، ثم ولاه القضاء ، فاشتغل به مدة ثم استعفاه ، قولاه وظائف تعليمية ، وجعله مدرساً في الحرم ،وعضواً في مجلس المعارف .. ثم دعي الشيخ لإنشاء دار التوحيد في الطائف ..

    وكان خطيباً بارعاً يخطب ارتجالاً ..

    وقد كان سبباً في هداية عدد كبير من طلبة العلم والمثقفين والأدباء إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة ..
    ومنهم الشيخ الأديب علي الطنطاوي حيث يقول عن تلكم الحوارات :
    " " لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
    رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414

    ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
    " وكان اتصالي بالشيخ بهجـة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابيــة ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابيـــة ، وكان عندنــا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
    المرجع السابق: ص416

    ولقد ترك عدة مؤلفات قيمة منها:
    1 – مسائل الإمام أحمد:أبو داود "تعليق"
    2 – أسرار العربية: لابن الأنباري "تحقيق"
    3 – قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: محمد جمال الدين القاسمي "تحقيق وتعليق"
    4 – الإسلام والصحابة الكرام بين السنَّنة والشيعة
    5 – تفسير سورة يوسف
    6 – حياة شيخ الإسلام ابن تيمية: محاضرات ومقالات ودراسات
    7 – الرحلة النجدية الحجازية: صور من حياة البادية
    8 – حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر/ لجده عبدالرزاق البيطار "تحقيق وتقديم"
    9 – الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين ، وهو شرح الأربعين العجلونية: تأليف جمال الدين القاسمي "تقديم وتحقيق"
    10 – كلمات وأحاديث ، كان بعنوان: الثقافتان الصفراء والبيضاء

    توفي غرة جمادى الآخرة 1369هـ في دمشق ..

    رحم الله الشيخ محمد بهجة البيطار ، فقد كان يحمل لواء الدعوة السلفية في الشام حينما كانت الصوفية سائدة ، والتعصب للمذاهب الفقهية غالباً.

    * غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]

    نقلها
    المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
     
  2. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    علامة العراق الألوسي

    هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبدالله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي رحمه الله ، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير ، وقد كان صوفياً فمنّ الله عليه بالهداية فاتبع السنة ، ونبذ البدعة ، فأصبح سنياً سلفياً [وسنذكر مراحل حياته لاحقاً] .. تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: (لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما) أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي.

    وكان سلفياً مُحباً لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وناشراً لها ومدافعاً عنها لأنها دعوة الكتاب والسنة ، وقد أفرد كتاباً شرح فيه أحد رسائل الإمام وهي (مسائل الجاهلية) ..

    وقد جاهد في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً .. وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أوضار البدع.

    وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه ، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان؟!! ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان؟!! وأن تأثيره سار بين الناس؟! فأغروا والي بغداد (عبدالوهاب باشا) … فصدر الأمر بنفي السيد محمود وابن عمه السيد ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي رحمهم الله إلى الأناضول.

    فلما وصلوا للموصل قامة قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح .. فصدر العفو عنهم وعادوا بعد أن مكثوا شهرين في الموصل .. وعادوا منصورين ، فقام الشيخ عبداللطيف بن ثنيان في صحيفته الرقيب بالانتصار للشيخ والرد على تلك الوشايات والافتراءات وصدر مقالاً (الحمد لله عاد الحق لأهله)

    ولما هاجم الإنجليز العراق عام 1333هـ سعى الآلوسي طالباً النجدة من بعض الأمراء العرب لكنهم لم يستجيبوا لطلبه فعاد إلى بغداد ، واستمر بالتدريس والتأليف حتى سقطت بغداد بيد الإنجليز ، فعرضوا عليه القضاء فرفض وامتنع عن مخالطتهم ، ورفض جميع المناصب من الإفتاء والمشيخة وكل خدمة غير خدمة العلم الصحيح ونشره بين أفراد الأمة.
    وقبل عضوية مجلس المعارف ، ليتمكن من توسيع نطاق العلم في العراق ، وعضوية المجلس العلمي العربي بدمشق فخرياً ، توفي الإمام سنة 1342هـ.

    وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء .. يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي :
    محمود شكري فقدنا منك حبر هدى *** للمشكلات بحسن الرأي حلالا
    قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً *** إذا تقسّم فيها كان أجبالاً

    ورثاه تلميذه محمد بهجة الأثري بقصيدة منها:
    بغدادُ قد أقفرت من بعد مصرعه *** فقلقل الركبُ عن بغداد أهبالا
    هذي المدارس أضحت وهي باكية *** من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا

    ورثاه ناجي القشطني بقصيدة مطلعها:
    لا السجن يبكينا ولا التبعيدُ *** كلا والإرهابُ والتهديد
    سنطلُ نهزأ بالخطوبِ تَجلُّداً *** مهما استمر الضغطُ والتشديدُ
    ثم قال:
    محمود شكري أنت ناصر ديننا *** لله درُّ أبيك يا محمودُ
    أحييت بالتنقيدِ ميتَ عقائد *** ما مسّها فحص ولا تنقيد

    ورثي بالعديد من المراثي تجده العديد منها في كتاب (أعلام العراق) للشيخ محمد بهجة الأثري رحمه الله.

    من مؤلفات الإمام رحمه الله تعالى:
    1- تجريد السنان في الذب عن أبي حنيفة النعمان.
    2- صب العذاب على من سب الأصحاب (رد على الرافضة) .
    3- السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة (رد على الرافضة)
    4- المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الإثني عشرية (رد على الرافضة)
    5- سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين (رد على الرافضة)
    6- فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
    7- غاية الأماني في الرد على النبهاني (رد على داعية الشرك النبهاني في تجويزه الاستغاثة بسيد الخلق ورد على تهجمه على شيوخ الإسلام ومنهم الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب)
    8- الآية الكبرى على ضلال النبهاني في رائيته الصغرى (رد على هذا الضال)
    9- فتح المنان في الرد على صلح الإخوان من أهل الإيمان (وهو تتمة رد العلامة عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمهم الله الذي توفي قبل إتمامه في الرد على هذا الضال)
    10- كنز السعادة في شرح كلمتي الشهادة.
    11- تصريف الأفعال.
    12- المفروض من علم العروض.
    13- الدار اليتيم في شمائل ذي الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.
    14- تأريخ نجد
    والعديد من المؤلفات والتي زادت على الخمسين مؤلفاً ..

    وقد أخذ منه العلم وأجز العديد من طلبة العلم وعلى رأسهم الشيخ محمد بهجة الأثري والعلامة طه الراوي والشاعر معروف الرصافي وهو الذي لقبه بالرصافي رحمهم الله جميعاً…سيرة عطرة جداً..

    وفي هذا يقول العلامة الأثري:
    " ثم ما لبث الألوسي أن أصحر عن انحيازه في جرأة وقوة إلى الحركة السنية السلفية ، مع مقاومة الدولة العثمانيـة الصوفيــة لهذه الحركة الإصلاحيــة بكل قواها الرجعية ، واستعلن وقوفه إلى جانبها بكتابه (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان) الذي فرغ من تأليفه في غرة ذي الحجة سنة 1306هـ وطبع بالهند سنة 1309هـ

    وقد توفي – رحمه الله تعالى- 4/10/1342هـ على أثر مرض ألمَّ به في أواخر شهر رمضان من العام نفسه ، نسأل الله أن يرفع منزلته في عليين ..

    وهكذا النفوس الكبار ، الباحثة عن الحق ، وهذا هو العلم الذي يهدي للحق ، ويرشد صاحبه للبحث عنه ، ويتعالى على ما وجد عليه الآباء والأجداد ، لأنه يعبد الله لا يبعد ما وجد!!
    نسأل الله أن يبصر الغافل ، وينير بصيرة الجاهل ، ويرشد المسترشد السائل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
     
  3. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    علي الطنطاوي

    من لا يعرف الشيخ الأديب الأريب الخطيب محمد علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- .. الذي جاهد بنفسه وماله وأهله لخدمة هذا الدين .. إنه نبراس في الاقتداء في جانب الجهاد والتعبئة للمشاعر الدينية .. وهو أسوة في الأدب المحتشم الملتزم .. وهو قدوة في الاستكبار على الهوى واستصغار النفس لتقبل الحق شاءت أم أبت إذا بان له الحق بدليله ..
    فمن لا يعرف هذا الشيخ؟!!
    إن المنابر لتذكر خطبه المجلجلة .. والمساجد تذكر ركعاته الخاشعة المتأنية .. والصحف تذكر سيفه إذا سله .. والإذاعة لتذكر صوته الأخاذ بتلابيب القلوب ..

    علي الطنطاوي .. هذا الشيخ .. ولد في بيت صالح .. لكنه تربى على غير اعتقاد أهل السنة .. وسلك طريقة يخالف الجماعة ..
    كيف؟!!
    هل تريد أن تعرف الخبر؟!!
    الخبر يخبرك به الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- حيث يقول:

    " إنه نشأ أول أمره في وسط صوفي ، إذ كان والده نقشبندياً مثل أكثر المشايخ ، فتعلم منه كره ابن تيمية وكره الوهابية ، حتى إذا شخص إلى مصر ، وصحب خاله المرحوم الأستاذ محب الدين الخطيب ، بدأ ينظر إلى ذلك الموضوع بروح جديدة دفعته إلى إعادة النظر في أمر القوم .. بيد أنه لم ينته إلى الاستقرار إلا بعد اتصاله بالشيخ بهجة البيطار ، فمن هناك بدأت استقامتهُ على الطريقة والتزام الجادة ، وكان من أثر ذلك كتاباه اللذان أخرجهما عن حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب .. إلا أن هذا الاستقرار لم يأت بالمجان ؛ بل كلفه وأخاه عبدالغني –كما يقول- طويلاً من النقاش مع الشيخ بهجة ، غفر الله لنا وله ، فقد دخلا معه في معركة جدال حادة ، بلغت بهما حدَّ إغضابه ، وهو المعروف بوقار العلم وسعة الصدر ، والبعد عن التعصب ، حتى لم يعد لهما حجة يصح الاعتداد بها بعد أن اتضحت معالم الحق في أجلى بيان "
    علماء ومفكرين عرفتهم 3/192

    ويتحدث الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله تعالى- عن كيفية انتقاله من عقيدة الأشاعرة والماتريدية إلى عقيدة أهل السنة والجماعة ، يقول عن شيخه الذي اهتدي على يديه محمد بهجة البيطار –رحمه الله تعالى-:
    " لقد وجدت أن الذي أسمعه منه يصدم كل ما نشأت عليه ، فقد كنت في العقائــد على ما قرره الأشاعرة والماتريدية ، وهو شيء يعتمد في تثبيت التوحيـد من قريب أو بعيد على الفلسفة اليونانية ، وكنت موقناً بما ألقوه علينا ، وهو أن طريقة السلف في توحيد الصفات أسلم ، وطريقة الخلف أحكم ، فجاء الشيخ بهجة يقول: (بأن ما عليه السلف هو الأسلم ، وهو الأحكم) ... وكنت نشأت على النفرة من ابن تيمية والهرب منه ؛ بل وبغضه ، فجاء يعظمه لي ، ويحببه إليّ ، وكنت حنفياً متعصباً للمذهب الحنفي ، وهو يريد أن أجاوز حدود التعصب المذهبي ، وأن اعتمد على الدليل ، لا على ما قيل ... وتأثرت به ، وذهبت مع الأيام مذهبه مقتنعاً به ، بعد عشرات من الجلسات والسهرات في المجادلات والمناظرات ... )
    رجال من التاريخ لعلي الطنطاوي ص 414

    ثم يقول الشيخ علي الطنطاوي-رحمه الله تعالى-:
    " وكان اتصالي بالشيخ بهجـة قد سبب لي أزمة مع مشايخي ، لأن أكثر مشايخ الشام ممن يميلون إلى الصوفية ، وينفرون من الوهابيــة ، وهم لا يعرفونها ولا يدرون أنه ليس في الدنيا مذهب اسمه الوهابيـــة ، وكان عندنــا جماعة من المشايخ يوصفون بأنهم من الوهابيين ، على رأسهم الشيخ محمد بهجة البيطار ... "
    المرجع السابق: ص416

    الكلام الذي سبق في الحوار مع الطنطاوي .. جعل المقابل –وهو الشيخ محمد المجذوب رحمه الله- يقف مع هذه المسألة وقفات في [علماء ومفكرين عرفتهم للمجذوب 3/206-209 ] .. أدعك مع الحوار .. ومع تعقبات الشيخ [خالد أهل السنة] لبعض ما لم يوفق فيه الشيخ الطنطاوي –رحمه الله- :
    " بين الصوفية والسلفيــــة:
    م-:يا فضيلة الشيخ اسمحوا لي أن أقول لكم إنني والقراء الذين سيطلعون على ما سأكتبه عنكم نريد أن نعرف موقفكم النهائي من الدعوة السلفية والمسالك الصوفية؟
    الطنطاوي: لقد أسلفت الكلام عن موقفي عن السلفية عند حديثي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وترون ذلك واضحاً في ما كتبته عنه في مدخل الجزء الأول من الكتابين .. حيث بينت أنت انتقلت إلى أقصى الطرفين.

    م: وقد حدثتنا عن ترددك بينهما ..
    ط: أجل .. قد ترددت ثم استقررت على مذهب السلف ؛ ولكن هناك مشكلة واحدة .. أحب أن أقف عليها قليلاً ، شيخ الإسلام من أعاظم مفكري الإسلام ، وكذلك ابن حزم إمام عظيم ، ولكل منهما رأي عليه بعض الاعتراض.
    فابن تيمية ينكر التأويل إطلاقا ، وابن حزم ينكر القياس .. وقد عالجت هذه الناحيــة في كتابي (تعريف عام بدين الإسلام) "

    والآن نرجو أن تزيدونا إيضاحاً لموقفكم من الصوفية؟
    ط: الصوفيـــة ، كذلك مررت بها في مراحل ، قبل أيام كنت أقول لأحــد إخواني: والله إن الصوفيـــة هي البــــاب الكبير الذي تدفق منه علينا الفســـــاد ، والباب الآخر هو التشيـــع والشيوعيـة وكلهـــــا من أصـــل واحـــد.
    في مقدمة كتابي الأول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحدثت عن الوهابيــة وكيـف نشأنا على كراهتها ، ثم أردت أن امتحن نفسي فتساءلت: هل أنا وهابي؟!.
    لما أخرجت كتابي هذا بالشــام رد عليّ الشيخ الجويجاتي وغيره بكتاب أكبر ، لأني بنظرهم أصبحت وهابياً ،وفي الرياض ردوا عليّ كذلك بأنت كنت في كتابي على مذهب الشاميين!
    قلت قل تلك المقدمة: إذا كانت الصوفيـة هي إصلاح الباطن ومداواة أمراض القلوب ، ودفع الرياء ، والإخلاص ، إلى آخر ما ذكر في الرسالة القشيرية فهذا هو لب الإسلام، الذي إذا خلت منه العبادة صارت مجرد حركات لا مردود لها في علاج النفوس.
    أما التصوف الذي فيه وحدة الوجود ، وفيه الادّعاء بأن للقرآن ظاهراً هو غير الباطن ، وفيه ما يدعونه بالحقيقة المحمدية ، وما إلى ذلك من المفسدات فهو مرفوض تماماً .. وقد سبق لي أن كتبت في مجلة الرسالة قبل أربعين سنة أن كفر أبي جهل وأبي لهب إذا قيس بكفر محيي الدين بن عربي لكان في مستوى الإيمان .. ومن يومها شرع عمّي الشيخ عبدالقادر وحسني بك العظمة ومجموعة من المشايخ يناقشونني ويشددون عليّ النكير.

    م: نحن على علم بهذا كله ؛ ولكن الذي نسجله الآن سيقرؤه كثيرون فمن الضروري أن يطلعوا من خلاله على الحقيقة بشيء من التفصيل.
    ط: إن التصــوف الذي يتحدث عنه ابن القيّم في (مدارج السالكين) وفي (اصطلاح الصوفية) والذي كتب عنه آخرون من أصحاب العقيدة الصحيحة لا اعتراض عليه.

    م: نحن متفقون على أن كل سلوك يؤدي إلى تزكية النفس وما يستتبعها من التوهج الروحي مادام منسجما مع خط الكتاب والسنة فهو مقبول ومنشود ، أما أن يتحول هذا كله تخرصات هندية ويونانية تنتهي إلى القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود فذلك هو الضلال البعيد"
     
  4. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    عبدالقادر بن بدران الدمشقي
    نبذ الصوفية ولزوم منهج السلف

    هو الإمام العلامة المحقق المفسر المحدِّث الأصولي الشيخ عبدالقادر بن أحمد بن مصطفى ببن بدران الدمشقي –رحمه الله تعالى- ، ولد عام (1280–1346هـ) في بلدة "دوما"

    عاش ابن بدران في بيئة كانت فيها الصوفية منتشرة ، والجهل فيها متفشٍ ، وقد قرأ على بعض الشيوخ الذين كان مسلكهم صوفياً ، وصرح بفضل الله عليه ، وأنه اتبع منهج السلف ، الذي هو أحكم والقرون المفضلة ، ومنهج الأئمة المصلحين.

    يقول في هذا الصدد: ( إنني لما مَنَّ عليَّ بطلب العلم ، هجرت له الوطن والوسَن ، وكنت أطوف المعاهد لتحصيله وأذهب كل مذهب ... فتارة أطوح بنفسي فيما سلكه ابن سينا ... وتارة أتلقف ما سكبه أبو نصر الفارابي من صناعة المنطق ... ثم أجول في ميادين العلوم مدة – فارتدَّ إليَّ الطرف خاسئاً وهو حسير ... فلما هِمْتُ في تلك البيداء ، ناداني منادي الهدي الحقيقي: "هلمّ الشرف والكمال ، ودع نجاة ابن سينا الموهمة إلى النجاة الحقيقية ، وما ذلك إلا بأن تكون على ما كان عليه السلف الكرام من الصحابة والتابعين ، والتابعين لهم بإحسان ... ) فهنالك هَدأَ روعي ، وجعلت عقيدتي كتاب الله ، أكِلُ علم صفاته إليه بلا تجسيم ولا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ، وانجلى على ما كان على قلبي من رَيْن أورثَته قواعدُ أرسطوطاليس ، وقلت ما كان إلا من النظر في تلك الوساوس والبدع والدسائس ... إن مَن اتبع هواه هام في كل وادٍ ، ولم يبالِ بأي شِعب سلك ولا بأي طريق هلك ... ) [المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ص42-43]

    هذا جانب من عقيدته ، وهناك جانب آخر لا يقلّ عنه أهمية ، ألا وهو نبذ الخرافة والبدع المنكرة من الصوفية ، التي تختلق الكرامات وتنقلها عن أقطابها.

    من ذلك قوله –رحمه الله-: "أقول إن نقل الكرامات أصبح أمراً عسيراً ، لأن أصحاب الرجل (الولي والشيخ) يستعملون الغلو دائماً ، والأخبار تحتمل الصدق والكذب ... " ثم ينقل عن المتصوفة قصصاً وأخبراً عجيبة في هذا المجال [منادمة الأطلال ومسامرة الخيال]

    يقول الشيخ محمد بن ناصر العجمي متحدثاً عن عقيدة ابن بدران:
    وحدثني الأديب الكبير علي الطنطاوي ، حينما سألته عن العلامة ابن بدران فقال: "كانت الوهابية تُعَدُّ تهمة خطيرة مخيفة ، وكانوا يحذروننا من الاجتماع بهم ، فوقفت مرة في حلقة ابن بدران ، العالم الحنبلي المعروف ، وكان هناك طلاب يمرّون في الأسواق ، فرأوني في حلقة ابن بدران وقدّموا فيّ تقريراً إلى المشايخ ، فضُربت (فلقة) في رجلي" [علامة الشام:عبدالقادر بن بدران ص22]
    وسبب ذلك أن ابن بدران كان على منهج السلف ، ودمشق آنذاك ، وكذلك أكثر المدن السورية ، كانت على جمود المتصوفة ، والبعد عن مرونة العلماء المجتهدين في أيام الدولة العثمانية.

    فقد كان ابن بدران يظهر تعلقه بأئمة السلف: ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، فيقول: "كان ابن تيمية على منهاج ما كان عليه الصحابة والتابعون بإحسان ، ويناهض حصون العادات السيئة والبدع ، فيدُكّها ولا يخشى في الله لومة لائم .. فهبّ قوم قصروا عن مداه ، فعاندوه حسداً وبغياً .. ولاشك أنه بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ، فعليه رحمة الله تعالى" [الفتاوى القازانية ص207]

    أما مذهبه فقال محمد بن سعيد الحنبلي: "... وكان شافعياً ثم تحنبل ، وسبب ذلك – كما قاله بعض الخواص عنه:
    " كنت في أول عمري ملازماً لمذهب الإمام الشافعي –رحمه الله- سالكاً فيه سبيل التقليد ، ثم منَّ الله عليّ فحبب إليّ الاطلاع على كتب التفسير والحديث وشروحها ، وأمهات كتب المذاهب الأربعة ، وعلى مصنفات شيخ الإسلام وتلميذه الحافظ ابن القيم ، وعلى كتب الحنابلة ، فما هو إلا أن فتح الله بصيرتي وهداني من غير تحزب لمذهب دون مذهب ، فرأيت أنَّ مذهب الحنابلة ، أشد تمسكاً بمنطوق الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة ومفهومها ، فكنت حنبلياً من ذلك الوقت" [نبذة في ترجمة ابن بدران في آخر كتاب المدخل]

    لقد تميز ابن بدران بالعفة والأدب والعلم والتقوى ، مع الزهـــــد في حطــام الدنيا ..

    وقد أثنى عليه كل عالم منصف يعرف قدره وفضله:
    قال عنه الزركلي:
    " فقيــه أصولي ، عارف بالأدب والتاريخ كاره للمظاهر ، يقنع بالكفاف ، لا يُعنى بملبس أو بمأكل ، ضعف بصره قبل الكهولة ، وفلج في أعوامه الأخيرة" [الأعلام 1/37]
    وقال الأستاذ أدهم الجندي:
    "وبرع ابن بدران في سائر العلوم العقلية والأدبية والرياضية ، وتبحر في الفقه والنحو ، فكان –رحمه الله- علماً من الأعلام"
    وقال: "كان شيخاً جليلاً زاهداً في حطام الدنيا ، متقشفاً في ملبسه ومسكنه ومعيشته .. " [أعلام الأدب والفن: 1/224-225]
    وقال عنه محمد تقي الدين الحصني:
    " .. كان سلفيَّ العقيدة ، يبح التقشف ويميل بطبعه إلى الانفراد عن الناس ، والبعد عن الأمراء ، وله اختصاص في علم الآثار
    والكتب القديمة ، ومعرفة أسماء الرجال ومؤلفاتهم من صدر الإسـلام إلى اليوم" [منتخبات التواريخ لدمشق:2/762-763]
    وقال الشيخ محمد بن السعيد العثماني:
    " كان –رحمه الله- شيخاً جليلاً مقتفياً لطريقة السلف الصالح مدافعاً عنها ، صابراً على أذى الأعداء فيها ، تاركاً للتعصب ، مع الدين والتقوى والعفة والصلاح .. " [نبذة من ترجمة ابن بدران في آخر المدخل]
    وقال العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار في كلامه عن شيخيه جمال الدين القاسمي وابن بدران:
    "وكانت صلة ابن بدران بالقاسمي حسنة ، وكان للشيخين أمل كبير وسعي عظيم ، وفي تجديد النهضة الدينية العلمية في ديار الشام ، فقد أشبها –رحمهما الله- أئمة السلف تعليماً للخواص ، وإرشاداً للعوام ، وتأليفاً للكتب النافعة ، وزهداً في حطام الدنيا الزائلة" [مقدمة منادمة الأطلال]
    وقال محب الدين الخطيب حين ذكر وفاته في مجلة الفتح:
    " هو –أي ابن بدران- من أفاضل العلماء .. تلقى العلم عن المشايخ مدة خمس سنوات ، ثم انصرف إلى تعليم نفسه بنفسه ، فكان من أهل الصبر على التوسع في اكتساب المعارف ، من العلوم الشرعية والأدبية والعقلية ، وهو حنبلي المذهب .. " [الفتح،العدد 67]

    وقد عُينَّ مُفتياً للحنابلة ، ومُدرساً بالجامع الأموي .. وغير ذلك ..

    وقد ابتلي كثيراً ، من الحكام ومشايخ الدولة ، والصوفية ، والجهلة الأغمار ، وكان يشتكي من التعدي والحسد ، وتألبهم عليه ، يقول البارودي: " الشيخ ابن بدران أحد فقهاء قصبة دوماء ، وهو من العلماء المجددين . كان جريئاً لا يهاب أحداً ... " ثم ذكر أن من جرئته أعترض على بعض مخالفات رئيس بلدية دوما صالح طه ، فأصدر صالح طه أمراً من الوالي بإبعاد الشيخ ابن بدران عن دوما ، فانتقل إلى دمشق مدة سنيتن حتى انتهت مدة نفيه ، وقد أفاد أهل دمشق وانتشرت دعوته الإصلاحيـة السلفية ، وخدم تاريخ دمشق بتهذيب تاريخ دمشق ، وألف [الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام]

    ولقد ألف ابن بدران المؤلفات الكثيرة ، التي تشهد له بالفضل وسعة الاطلاع ، غير أن بعضها لم يكتمل ، بسبب ما أصيب به من داء الفالج في آخر عمره .. وقد بلغت مصنفاته (46 مصنفاً) . وفيما يلي ذكر أهم تلك المصنفات:
    1 – المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل
    2 – منادمة الاطلال ومسامرة الخيال
    3 – الروض الباسم في تراجم المفتين بدمشق الشام
    4 – العقود الدرية في الأجوبة القازانية
    5 – العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية
    6 – حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع "الجزء الأول"
    7 – تعليق على لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة
    8 – تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر "يقع في ثلاثة عشر مجلداً"
    9 – تاريخ دوما منذ فجر الدولة العباسية حتى القرن الرابع عشر الهجري
    10 – الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية
    11 – شرح روضة الناظر لابن قدامة
    12 – ديوان تسلية اللبيب عن ذكر حبيب

    وقد تتلمذ على يديه خلقٌ كثير ، من أبرزهم:
    1 – المؤرخ خير الدين الزركلي ، صاحب كتاب الأعلام.
    2 – العلامة محمد صالح العقاد الشافعي ، الذي كان يقال عنه: "الشافعي الصغير"
    3 – العلامة المؤرخ محمد أحمد دهمان ، وهو من أخص طلابه ، وقد أسس في حياة شيخه المطبعة والمكتبة السلفية بدمشق ، حيث طبع مؤلفات شيخه ابن بدران.
    4 – الأديب الشاعر محمد سليم الجندي ، من أعضاء المجمع العلمي في دمشق ، قال علي الطنطاوي عنه: " ما أعرف تحت أديم السماء أعلم منه بالعربية وعلومها" [دمشق للطنطاوي 114]
    5 – الشاعر الأديب محمد بن محمود البزم ، ترجم له الزركلي في الأعلام.
    6 – فخري بن محمود البارودي ، من رجال السياسة والأدب.
    وعلمـــاء آخرون ، إذ أنجب تلامذة أصبحوا أعلاماً خالدين ، كما يقول أدهم الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن" 1/225

    وقد أصيب آخر حياته بمرض الفالج ، فنقل للمستشفى وظل فيه ستة أشهر ، ثم خرج ، وتوفي – رحمه الله- في ربيع الثاني 1346. ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.

    * غالب هذه الترجمة استفادتها من كتاب [عُلماء الشام في القرن العشرين]
     
  5. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية
    هو محمد رشيد بن علي رضا بن شمس الدين بن بهاء الدين القلموني الحسيني .. يرجع نسبه لآل البيت .. ولد في 27/5/1282هـ في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام .. بدأ طلب العلم بحفظ القرآن والخط والحساب .. ثم درس في مدرسة "الرشدية" وكان التعليم بها بالتركية ، ولكن ما لبث أن تركها بعد سنة ليلتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية التي أسسها ويدرس بها شيخه حسين الجسر ، ودرس بها سبعة سنوات أثرت وغيرت في مجرى حياته .. وبدأت مرحلة تصوفه ..

    بداية شاذليــة:
    لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرأه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفيـة ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية ، وفصول من الفارياق ...
    وقد كان يقرأ ورد السحر ؛ وعندما يبلغ البيت التالي:
    ودموع العين تسابقني *** من خوفك تجري
    كان يمتنع عن قراءته،لأن دموعه لم تكن تجري،فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه .. وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع .. فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.

    ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات .. ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي صلى الله عليه وسلم فتركه .. وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة.

    سلوكه الطريقة النقشبنديــة:
    يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي" ..
    ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فأعتذر الشيخ وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله

    ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل .. فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها ، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحيـة الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها عجزت عن تأويل بعضها" ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد"

    ويصف رشيد الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ. ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك ؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه فإنه مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
    وذكر أمور كثيرة ..

    يقول عن هذه التجربة الصوفيــة:
    "وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه ، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه"

    هدايتـــه من الصوفية إلى السلفيــة:
    يعبر عن هذه التجربــة الصوفيــة بعد سنوات طويلة جداً في التصوف:
    " إنني قد سلكت الطريقة النقشبنديــة ، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها ، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر ، وما تقذف أمواجه من الجيف ، ثم انتهيت إلى مذهــــب السلــــف الصالحين ، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين"

    وقد تأثر بمجلة العروى الوثقى ومقالات العلماء والأدباء .. فتأثر بالأفغاني ومحمد عبده .. وتأثر بشدة وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة .. ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب –رحمهم الله تعالى- .. لقد أحدثت له حركة ونشاط بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في الصوفية ..

    إنكاره على أهل الطرق الصوفية:
    أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفيـة .. ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد "مقابلة المولوية" ويقول رشيد في ذلك: "حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أما دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه ايوان بالنظارة ، وفي صدره شيخهم الرسمي ، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس ، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية ، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة ، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض ، ويمدون سواعدهم ، ويميلون أعناقهم ، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون"
    أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بالأعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى ؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها .. فقام حيث قال: "قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف ، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عليه لأنه إقرار له وإن يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: {اتخذوا دينهم هزواً ولعباً} وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمك الله" ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينـة .. وكانت لصيحته السلفية هذه أن أتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض ..

    ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع. ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إن أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريق. فرد عليه رشيد منكراً: "هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟
    فقال: لا ؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفســاد. فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسـان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.

    ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!

    وبقي الخلاف بينهما ، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار ، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد ، وقد رد الجسر على رشيد ، ورد رشيد على الجسر في مجلته.

    وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر) .. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية ، ونقاء دعوة شيخ الإسلام .. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأتي إلا من هوى وهوس الصوفية!!

    فرحم الله الشيخ المصلح الكبير محمد رشيد رضا على ما قدم وبذل في نصح وفضح الصوفية .. وتقبل الله توبته وأوبته من الطرق المضلة .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
     
  6. الصورة الرمزية أبو فراس

    أبو فراس تقول:

    افتراضي

    أخي الكريم بارك الله فيك
    نفع الله بك
    وأثابك الله
    ولاحرمت الأجر
    أخوك المحب
     
  7. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    أبو بكر خوقير


    ذهب أبو بكربن محمد عارف خوقير- إلى الحرم المكي بعد أن تفقه على مذهب أبي حنيفة ، فكان أن لزم حلقة أحد القبوريين ولقبه بعض العلماء بشيخِ الكذابين أحمد زيني دحلان –عامله الله بما يستحق- ، وكان الحرم بإشراف بعض الأشراف الذين عادوا التوحيد وأهله فرفعوا من شأن القبوريين ، وعكف هذا الشاب عند دحلان سنوات عديدة حتى هلكَ دحلان ، وكان الشاب قد قارب الثانية والعشرين من عمره ..

    أكمل مسيرته العلمية ، وسار يشق طريقه ، وأوصاه شيخه عبدالرحمن بن سراج الحنفي مفتي مكة المشرفة مع بعض زملائه النجباء بأن يتفقهوا بالمذهب الحنبلي ليكون من علماء الحجاز من يتولى منصب الفتوى في هذا المذهب ، لأن علماء الحنابلة النجديين لم يكن الأشراف يحبون أن يشغلون هذا المنصب ، لما حصل بينهم وبين أهل نجد من جفوة.

    سار الشيخ وتضلع بالعلم حتى اشتد عضده ، وكان له يوم مشهود ، التقى بالعلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي النجدي –رحمه الله تعالى- شارح النونية ، أحد الجبال في العلم ، فلازمه طلبة العلم في الحجاز ، وكان منهم هذا الشاب فقرأ عليه في علم التوحيــد والفقه الحنبلي ، وكان لدرس التوحيــد تأثير عجيب ، حيث تناقشا بالحجة والبرهان ، وطال النقاش مدة من الزمن ، حتى شرح الله صدر هذا الشاب لمعتقد التوحيد ، فتبرأ من القبورية والوثنية وأعلن توبته وسلوكه معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ، وكان الفضل للشيخ ابن عيسى والذي قد هدى الله على يديه في الديار الحجازية من كبار طلبة العلم من القبورية والأشاعرة كالشيخ عبدالقادر التلمساني المغربي الأشعري ثم السلفي صديق هذا الشاب ، والعلامة محمد نصيف فرحمه الله على ما بذل وقدم .

    بعد هذا قام أبو بكر ودرس كتب السلف في العقائد ، فأصبح داعية للتوحيـد الخالص ، فبدأ يحارب الشرك والبدع والخرافات ، ويناظر ويجادل ويؤلف الرسائل المفيدة في ذلك ، لا سيما في توسل العوام بالقبور وطلب الحاجة من الأموات ، ومن يشدون الرحال للأولياء ، ويقدمون لهم النذور والقرابين ، ويتمسحون بالقبور رجاء البركة ، ويتذللون لأصحابها راجين منهم الخير لهم ، ودفع الضر عنهم ، والله يقول: {ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً}

    ثم كانت سًنَّةُ الله ، فقد رفع أمر خوقير إلى الشريف حسين بن علي ، فآذوه ومنعوه من الدَّعوة ، ومن التدريس بالبيت الحرام ، ثم زج به في السجن ، في غرفة وحده ، بالدور الأسفل لقصر الحكم (القبو) .
    ويقول أحد شهود العيان وهو الأستاذ عمر عبدالجبار: "لقد شاهدت الشيخ أبا بكر خوقير أثناء دخولي السجن في غرفته بملابس رثة ، وهو أشعث ، طال شعره ولحيته ، إذ لا يُسمح لسجين باستعمال مقص أو موسي ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، وقال: (إن الله مع الصابرين ، ولي أسوة بإمامنا أحمد بن حنبل)

    ولبث في السجن ثمانية عشر شهراً ، ثم سجن ثانية بتهمة ملفقة نحو سبعين شهراً ، يعني زهاء سبع سنوات.

    يقول الشيخ الأمير عبدالله بن فيصل الفرحان ، وكان من جملة المرابطين بالرغامة والمحاصرين لجدة مع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، فيقول:
    إن جيش الملك عبدالعزيز بقيادة خالد لؤي قد دخل مكة المشرفة –زادها الله تكريماً- وانطلق الجيش والإخوان –رحمة الله عليهم- يهدمون الأضرحة والقباب ، ويُأَمِّنون ساكني البلد الحرام ، ويطوفون بالبيت العتيق ، ثم عمدوا إلى السِّجن ، وأخرجوا الشيخ خوقير ومن معه.

    وفي فجر ذلك اليوم بينما الشيخ خوقير يؤم تلاميذه ومن معه في السجن إذ رأوا على وجهه البشر والسرور فألحوا عليه جداً عن سر ذلك ، فأنبأهم أنه بينما هو نائم إذ رأى جماعة قد اقتحموا السجن ، وفكُّوا الحديد الذي في أرجلهم ، وأطلقوا سراحهم ، فسأل عن أولئك القوم ، فقيل: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكان الشيخ ومن معه في السجن لا يعلمون ما يدور في الخارج من أحداث جسام ، وإذا برؤيا الشيخ تقع مثل فلق الصبح ، إذ دخل الإخوان السجن –وكان فيهم من يعرفه- وأذن مؤذن منهم: يا خوقير ، يا خوقير ، فأخرجوا الشيخ ومن معه"

    وكان الشيخ قد عُين مفتياً للحنابلة سنة 1327هـ ، واشتغل بعد فك أسره بالاتجار بال
    كتب ، فكانت له مكتبة في باب السلام ، وعُين مدرساً بالحرم المكي الشريف ، واشتغل بكتابة المؤلفات المفيدة ، إلى أن توفي –رحمة الله عليه- بمكة سنة 1349هـ ، واجتمع الناس لشهود جنازته ، وأتبعوه ثناءً صالحاً وأسفاً طويلاً.

    ومن ثناء العلماء عليه ما وصفه المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله تعالى- بعد أن ألتقى به عدة مرات بـقوله: "صديقنا العالم العامل المصلح الشيخ أبو بكر خوقير" وقال عنه: "أكبر علماء السلفيين وفقهاء الحنابلة في الحجاز"

    ووصفه العلامة المؤرخ عبدالستـار الدهلوي –رحمه الله تعالى- بقوله: "الإمام المحدث السلفي الأثري الشهير ... صديقنا الفاضل السلفي ، ورفيقنا الكامل الأشري"

    ووصفه العلامة محمد منير آغا الدمشقي –رحمه الله تعالى- بقوله: "الشيخ الوقور والمجاهد الغيور" وقال: "فدرس المرحوم المترجم له المذهب الحنبلي وتمكن فيه وبرع"

    وأثنى عليه العلامة صالح القاضي –رحمه الله تعالى- بقوله: " وكان آية في علم الحديث ، تلقى علومه في الهند ، وفي السمجد الحرام ، ودرس فيه زمناً ، وكان من أخص زملائنا في مكة ، وله شهرة وصيت ذاع رحمه الله"

    ووصفه العلامة عبدالمعطي السقا الشافعي الأزهري –رحمه الله تعالى- بقوله: "الفاضل العلامة ، والحبر البحر الفهامة ، الأستاذ الشيخ أبو بكر خوقير المدري بالحرم الشريف المكي"

    وقد أثنى عليه جمع من علماء الأزهر عندما قرظوا كتابه [ما لابد منه في أمور الدين] من أبرزهم محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي نظارة الحقانية المصرية.

    رحلاته:
    كان للشيخ أبي بكر خوقير عدة رحلات إلى الهند لجلب الكتب السلفية ونشرها بمكة المكرمة ، وكان يستغل الفرصة ليتلقى عن كبار علمائها ، وكان له رحلات إلى مصر ، طبع خلالها بعض مؤلفاته، وكانت لهُ لقيا بعلماء الأزهر وقد احتفوا به جداً ، وأثنوا على كتبه غاية الثناء.

    مؤلفاته:
    1 – ما لا بد منه في أمور الدين
    وقد قرظه عدد كبير من علماء الأزهر وعلى رأسهم مفتي نظارة الحقانية المصرية.
    2 – فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال
    وهو كتاب قيم رد فيه على أحد الضالين ، وأبان طريق الحق بدليله.
    3 – تحرير الكلام في الجواب عن سؤال الهندي في صفة الكلام
    4 – التحقيق في الطريق في نقد طرق المتصوفة.
    5 – مختصر في فقه الإمام أحمد
    6 – مسامرة الضيف في رحلة الشتاء والصيف
    7 – السجن والمسجونين
    8 – ما لا يسع المكلف جهله
    9 – ما لا غنى عنه شرح ما لابد منه
    10 – حسن الاتصال بفصل المقال في الرد على بابصيل وكمال
    11 – ثبت الأثبات الشهيرة

    رحم الله هذا الجبل الأشم ، والبحر المتلاطم ، فقد فقدت الأمة بوفاته أحد عظمائها ، ومن الواجب التعريف به وتحقيق ونشر كتبه ، فقد جاهد ونافح وأوذي وصبر ، رحمك الله يا أبا بكر ورفع منزلتك في عليين

    المراجع
    مقدمة كتابي :
    ما لا بد منه في أمور الدين بقلم العنبري
    فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال بقلم الشهال
     
  8. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    الأستاذ : عبد المنعم الجداوي

    لقد كنت من كبار معظّمي القبور ، فلا أكاد أزور مدينة بها أي قبر أو ضريح لشيخ عظيم إلا وأهرع فوراً للطواف به ... سواء كنت أعرف كراماته أو لا أعرفها .. أحياناً أخترع لهم كرامات ... أو أتصورها .. أو أتخيلها.. فإذا نجح ابني هذا العام .. كان ذلك للمبلغ الكبير الذي دفعته في صندوق النذور ..وإذا شُفيت زوجتي ، كان ذلك للسمنة التي كان عليها الخروف الـذي ذبحته للشيخ العظيم فلان ولي الله !..
    وحينما التقيت بالدكتور جميل غازي ، وكان اللقاء لعمل مجلة إسلامية تقوم بالإعلان والنشر عن جمعية العزيز بالله القاهرية ، والتي تضم مساجد أخرى ، ورسالتها الأولى ((التوحيد))، وتصحيح العقيدة ، وبحكم اللقاءات المتكررة .. كان لابد من صـلاة الجمعة في مسجـد العزيز بالله .. وهاجم (( الدكتور جميل )) في بساطة ، وبعقلانية شديدة هذا المنحنى المخيف في العقيدة ، وسماه : شركاً بالله ؛ وذلك لأن العبد في غفلة من عقله يطلب المدد والعون من مخلوق ميت!!..
    أفزعني الهجوم ، وأفزعتني الحقيقة .. وما أفزع الحقيقة للغافلين ... ولو أن (( الدكتـور جميل )) اكتفى بذلك لهان الأمر .. لكنه في كل مرة يخطب لا بدّ أن يمس الموضوع بإصرار .. فالضّريح لا يضم سوى عبد ميت فقط .. بل قد يكون أحياناً خالياً حتى من العظام التي لا تنفع ولا تضرّ ..!
    • في أول الأمر اهتززت .. فقدت توازني .. كنت أعود إلى بيتي بعد صلاة كل جمعة حزيناً .. شيء ما يجثم فوق صدري .. يقيد أحاسيسي ومشاعري .. أحاول في مشقة أن أخرج عن هذا الخاطر ... هل كنت في ضلالة طوال هذه الأعوام ؟ ..أم أن صديقي (( الدكتور )) قد بالغ في الأمر .. فأنا أعتقد أن كل من نطق بالشهادة لا يمكن أن يكون كافراً لهفـوة من الهفوات أو زلةٍ من الزلات .. !
    شيء آخر أشعل في فؤادي لهباً يأكل طمأنينتي في بطء ... إن الدكتور يضعني في مواجهة صريحة ضـد أصحاب الأضرحة الأولياء ، والخطباء على المنابر صباح مساء .. يعلنونها صريحة : إن الذي يؤذي ولياً .. فهو في حرب مع الله سبحانه وتعالى ، وهناك حديث صحيح في هذا المعنى .. وأنا لا أريد أن أدخـل في حرب ضد أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنني أعوذ بالله من أن أدخل في حرب معه - جل جلاله- ...!
    وقلت : إن أسلم وسيلة للدفاع هي الهجوم .. واستعدت قراءة بعض الصفحات من كتاب ((الغـزالي)) (( إحياء علوم الدين )) ، وصفحات أخرى من كتاب (( لطائف المنن ))(لابن عطاء الاسكندري )،وحفظت عن ظهر قلب الكرامات ، وأسماء أصحابها ، ومناسبات وقوعها ، وذهبت الجمعة الثانية ، وكظمت غيطي وأنا أستمع إلى الدكتور ، فلما انتهى من الدرس وأصرَّ على أن يدعوني لتناول طعام الغداء، وبعدالغداء .. تسلمته هجوماً بلا هوادة ، معتمداً على عاملين :
    الأول : هو أنني حفظت كمية لا بأس بها من الكرامات .
    والثاني : أنني على ثقة من أنه لن يتهور فيداعبني بكفيه الغليظتين ؛ لأنني في بيته ! وتناولت طعامه فأمنت غضبه ، وقلت له : والآتي هو المعنى ، وليس نص الحوار : (( إن الأولياء لا يدرك درجاتهم إلا من كان على درجتهم من الصفاء ، والشفافية ، وأنهم رجال أخلصوا لله .. فجعل لهم دون الناس ما خصهم به من آيات وأن .... وأن ... وأن .. وانتظر الدكتور حتى انتهيت من هجومي .. وأحسست أنه لن يجد ما يقوله .. وإذا به يقول :
    • هل تعتقد أن أي شيخ منهم كان أكرم على الله من رسوله ..؟
    • قلت مذهولاً : لا ..
    -إذاً كيف يمشي بعضهم على الماء ... أو يطير في الهواء .. أو يقطف ثمـار الجنـة وهو على الأرض .. ورسول الله لم يفعل ذلك .. ؟
    كان يمكن أن يكون ذلك كافياً لإقناعي أو لتراجعي .. لكنه التعصب - قاتله الله - !! كَبُرَ عليّ أن أسلّم بهذه البساطة ، كيف ألقي ثقافة إسلامية عمرها في حياتي أكثر من ثلاثين عاماً .. قد تكون مغلوطة .. غير أني فهمتها على أنها الحقيقة ، ولا حقيقة سواها !!
    • وعدت أقرأ من جديد في الكتب التي تملأ مكتبتي .. وأعود إلى (( الدكتور )) ، ويستمر الحوار بيننا إلى ساعة متأخرة من الليل - فقد كنتُ من كبـار عشاق الصوفية .. لمـاذا ؟ لأني أحب أشعارهم وأحبّ موسيقاهم ، وألحـانهم التي هي مزيج من التراث الشعبي ، وخليط من ألحان قديمـة متنوعة ... شرقية ، وفارسية ، ومملوكية ، وطبلة إفريقية أحياناً تدقّ وحدها .. أو ناي مصري حزين ينفرد بالأنين ، مع بعض أشعارهم التي تتحدث عن لقاء الحبيب بمحبوبه وقت السَّحر ..!
    لهذا وللأسباب الأخرى .. أحببت الصوفية .. وكنت أعشقها ، وأحفظ عن ظهر قلب الكثير من شعر أقطابها ..لاسيما (( ابن الفارض ))، وكل حجـتي التي أبسطها في معارضة (( الدكتور )) ، أنه وأمثاله من الذين يدعون إلى (( التوحيد )) لا يريدون للدين روحاً ، وإنما يجردونه من الخيال ، وأنهم لا بد أن يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب الكرامات ؛ لكي يدركوا ما هي الكرامات .. ! فلن يعرف الموج إلا من شاهد البحر ، ولا يعرف العشق إلا من كابد الحب - وهذا أسلوب صوفي - أيضاً - في الاستـدلال ، ولهم بيت شهير في هذا المعنى!.
    وحتى لا يضطرب وجداني ، وتتمزق مشاعري ... حاولت أن أنقطع عن لقاء (( الدكتور )) .. ولكنه لم يتركني .. فوجئت به يدق جرس الباب ، ولم أصدق عيني .. كان هو .. قـد جاء يسأل عني .. وتكلمنـا كالعادة كثيراً وطويلاً .. فلمـا سألني عن سبب عدم حضوري لصـلاة الجمعة معه ...
    قلت له بصراحة :
    - لقد يئست منك !..
    قال : ولكني لم أيأس منك .. أنت فيك خير كثير للعقيدة .
    قلتُ : إنه يستدرجني على طريقته ، ولمحت معه كتاباً من وضعه عن سيرة الإمام (( محمد بن عبد الوهاب ))
    فقلت له : أعطني هذه النسخة .. هل يمكن ذلك ... ؟
    قال : هذه النسخة بالذات ليست لك ، وسوف أعدك بواحدة .
    وهذه هي طريقته للإثارة دائماً .. لا يعطيني ما أطلب من أول مرة .. فخطفتُ النسخة ، ورفضت إعادتها له !..
    • وبعد منتصف الليل بدأت القراءة .. وشدني الكتاب موضوعاً وأسلوباً .. فلم أنم حتى الصباح !..
    كان الكتاب - على حجمه المتواضع - كالإعصار ، كالزلزال .. أخذني من نفسي ليضعني على حافة آفاق جديدة .. حكاية الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) نفسه .. ثم قصة دعوته ، وما كابده من معاناة طويلة .. حينما كانت في صدره حنيناً ، وكلما
    قرأت صفحة وجدت قلبي مع السطور . فإذا أغلقت الكتاب لأمر من الأمور يتطلب التفكير أو البحث في كتب أخرى .. استشعـرت الذنب؛ لأنني تركـت الشيـخ في (( البصرة )) ولم أصبر حتى يعود .. أو تركته في بغداد يستعد للسفر إلى ( كردستان ) .. ولا بد أن أصـبر معه حتى يعود من غربته إلى بلده !..
    يقول الدكتور في كتابه (( مجدد القرن الثاني عشر الهجري شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .
    وبعد هذا التطواف والتجوال هل وجد ضالته المنشودة ..؟ لا ، فإن العـالم الإسلامي كله كان يعـاني نوبات قاسية من الجهل والانحطاط والتأخر .. عاد الرجل إلى بلده يحمل بين جوانحه ألماً ممضّاً ، لما أصـاب المسلمين من انتكاس وتقهقر في كل مناحي حياتهم .
    عاد إلى بلده وفي ذهنه فكرة تساوره بالليل والنهار .
    لماذا لا يدعو الناس إلى الله ؟
    لماذا لا يذكرهم بهدي رسول الله .. ؟
    لماذا ... لماذا ...
    إذًا ، فهذه العقيدة التي يريدها (( الدكتور)) لم تأت من فراغ ... فمنذ القرن الثاني عشر الهجري ... والإمام محمد بن عبد الوهاب ... يُفكّر ، ويقدّم ؛ لكي يهدم صروح الأضرحة ، ويحطّم شبح الخرافات ، ويُطارد المشعوذين الذين لطخوا وجه الشريعة السمحاء...بخزعبلاتهم التي اكتسبت مع الأيام قداسـة ، تخلع قلوب المؤمنين ... إذا فكروا في إزالتها وفي ذلك يقول الكاتب : (( ماذا كان وقْع هذه الأعمـال على نفوس القوم ..)) .
    ويجيب المؤرخون على ما يرويه الأستاذ أحمد حسين في كتابه (( مشاهداتي في جـزيرة العرب )) (( إن القوم لم يقبلوا مشاركة الرجل فيما قام به من قطع الأشجار ، وهدم القباب ، بل تركوا له وحده أن يقوم بهذا العمل ، حتى إذا ما كان هناك شر أصابه وحده ..!)) .
    هل يكون ما يزلـزل كياني الآن هو الخوف الذي ورثتـه .. ؟ وهو نفس الذي جعل الناس في بلدة ( العُيَيْنة ) : موطن الشيخ ، يتركونه يزيل الأشجار ، وقبة قـبر ( زيد بن الخطاب ) بنفسه .. خوفاً من أن تصيبهم اللعنات المختلفة من كرامات هذه الأماكن وأصحابها .
    ومضيت أقرأ ومع كل صفحة أشعر أنني أخلع من جدار الوهم في أعمـاقي حجراً ضخماً .. وحينما بلغت منتصف الكتاب كانت فجوةً كبيرةً داخلي قد انفتحت ، وتسلل منها ومعها نور اليقين .. ولكن في زحمة الظلمة التي كانت تعشعش في داخلي .. كان الشعاع يُومض لحظة ويختفي لحظات ..!
    • لقد استطاع (( الدكتور )) أن ينتصر ... تركني أحارب نفسي بنفسي ، بل جعلـني أتابع مسـيرة التوحيد مع شيخها محمد بن عبد الوهاب ، وأشفق عليه من المؤامرات التي تحاك ضده ، وحوله، وكيف أنه حينما أقام الحد على المرأة التي زنت في ( العيينه )..غضب حاكم (( الإحساء )) ( سليمان بن محمد بن عبد العزيز الحميدي ) ، واستشعر الخطر من الدعوة الجديدة وصاحبها ... فكتب إلى حاكم العيينه (( ابن معمر )) يأمره بكتم أنفاسها ، وقتل المنادي بها ، والعودة فوراً إلى حظيرة الخرافات والخزعبلات .
    ولما كان (( ابن معمر )) قد ارتبط مع الشيخ في مصاهرة ... فقد زوجه ابنته ... فإنه تردد في قتله ، ولكنه دعاه إلى اجتماع مغلق ، وقرأ عليه رسالة حاكم (( الإحساء )) ثم رسم اليأس كله على ملامحـه ، وقال له : إنه لا يستطيع أن يعصي أمراً لحاكم (( الإحساء )) ، لأنه لا قِبَل له به .... ولعلها لحظة يأس كشفت للشيخ عن عدم إيمان (( ابن معمر )) ... ولم تزد الشيخ إلا إصرارًا على عقيدته ، وقوة توحيده .. فالحكام الطغاة لا يحاربون دائماً إلا داعيـة الحق .. وقبل الشيخ في غير عتاب أن يغادر ( العيـينة )..مهاجراً في سبيل الله بتوحيده .. باحثاً عن أرض جديدة يزرعه فيها !..
     
  9. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    بقية القصة للمجداوي

    في الصباح استيقظتُ على ضجة في البيت غير عـادية .. واعتـدلت في فراشي ، ووصَلَتْ إلى أذني أصوات ليست آدمية خالصة ، ولا حيوانية خالصة .. ثغـاء ، وصيـاح ، وكلام ..غير مفهوم العبارات .. وقلت : لا بد أنني أعاني من بقية حلم ثقيل .. فتأكدت من يقظتي ، ولكن (( الثغاء )) هذه المرة اخترق طبلة أذني .. ودخلت عليّ زوجتي تحمل إليَّ أنباء سارةً جدًا ... وهي تتلخص في أن ابنة خالتي ـ التي تعيش في أقصى الصعيد ، ومعها زوجها ، وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ـ قد وصلوا في قطار الصعيد فجراً، ومعهم (( الخروف )) ...!
    وظننت أن زوجتي تداعبني .. أو أن ابنة خالتي - وكنت أعرف أن أولادها يموتون في السنوات الأولى -، قد أطلقت على طفل لها اسم ( خروف ) لكي يعيش مثلاً . وهي عادات معروفة في الصعيد . وقبل أن أتبين المسألة .. أحسست بمظاهرة من أولادي تقترب من باب حجـرة نومي .. وفجأة وبدون استئـذان اقتحم الباب (( خروف )) له فروة ، وقرون ، وأربعة أقدام ... واندفع في جنـون من مطاردة الأولاد له .. فحطّم ما اعترض طريقه .. ثم اتجه إلى المرآة ، وفي قفزة (( عنترية )) اعتدى على المرآة بنطحة قوية ، تداعت بعدها ، واحدثت أصواتاً عجيبة ، وهي تتحطم !..
    تَمَّ كل ذلك في لحظـة سريعـة .. وقبل أن استرد أنفاسي ، وخيل إليّ أن بيتنـا انفتح على حديقة الحيوانات .. رغم أنني أسكن في العباسيـة ، والحديقـة في الجيزة .. ولكن وجدت نفسي أقفز من على السرير ، وخشيت زوجتي ثورة (( الخروف )) ، وتضاءلت فانزوت في ركن .. ترمقني بعينيها ، وتشجعني لكي أتصدى لهذا الحيوان المجنون .. الذي اقتحم علينا خلوتنا .. ولكن الصوت والزجاج المتناثر زاد من صياج الحيوان .. ولمحت في عينيه ، وفي قرنيه الموت الزؤام .. واستعدت في ذهني كل حركات مصارعي الثيران ، وأمسكت بملاءة السرير ، وقبل أن أجرب رشاقتي في الصراع مع (( الخروف )) دخلت ابنة خالتي وهي في حالة انزعاج كامل .. فقد خيل لها أنني سوف أقتله ... وصاحـت - وهي على يقـين من أنني سأصرع :
    - حاسب ، هذا خروف (( السيد البدوي)) .
    ونادته فتقدّم إليها في دلال ، وكأنه الطفـل المدلّل .. فأمسكت به تُربتُ على رأسه ، وروت لي أنها قدمتْ من الصعيد ، ومعها هذا الخروف البكر الرشيق الذي انفقت في تربيته ثلاثة أعوام هي عمر ابنها؛ لأنها نذرت للسيد البدوي إذا عاش ابنها .. أن تذبح على أعتابه (( خروفاً )) ، وبعد غد يبدأ العام الثالث موعد النذر !..
    • كانت تقول كل هذه العبارات وهي سعيدة .. وخرجت إلى الصالة لأجد زوجها ، وهو في ابتهـاج عظيم .. يطلب مني أن أرافقهم إلى (( طنطا )) .. لكي أرى هذا المهرجان العظيم ؛ لأنهم نظراً لبعد المسافة اكتفوا بالخروف .. فأما الذي على مقربة من (( السيد البدوي )) فإنهم يبعثون بِجِمال .. وأصبح عليّ أن أجامل ابنة خالتي لكي يعيش ابنها ، وإلا اعتُبرت قاطعاً للرحم ... لا يهمني أن يعيش ابن خالتي أو يموت، ولا بد أن أذهب معهم إلى مهرجان الشرك ، وفي نفس الوقت كنت أسأل نفسي .. كيف أقنعها بأنهـا في طريقها إلى الكفر .. ؟ وماذا سيحدث حينما أحطم لها الحلم الجميل الذي تعيش فيه منذ ثلاث سنوات ... ؟
    وقلت : أبدأ بزوجها أولاً ؛ لأن الرجال قوامون على النساء .. وأخذت الـزوج إلى زاوية في البـيت ، وتعمدت أن يرى في يدي كتاب : (( الإمام محمد بن عبد الوهاب )) .. ومدّ يده فجعل الغـلاف في ناحيته ، وما كاد يقرأ العنوان حتى قفز كأنه أمسك بجمرة نار!..
    قرأ زوج ابنة خالتي عنوان الكتاب - الذي يقول : إن في الصفحات قصة (( الشيخ محمـد بن عبد الوهاب )) ودعوته - وهتف صارخاً : ما هذا الذي أقرؤه ...؟ وكيف وصلني هذا الكتاب ..؟ لا بد أن أحدهم دسه عليَّ !!.. فهو يعرف أنني رجل متزن ... أحرص على ديـني ، وعلى زيارة الأضرحة ، وتقديم الشموع ، والنذور ، وأحياناً القرابين المذبوحة والحية ، كما يفعل هو تماماً .. ورأيت في عينيه نظرة رثاء... إلى ما رماني به القدر في تلك النسخة ... وكان عليَّ أن أقف منه موقف الدكتور جميل غازي مني سابقاً .. وشاء الله أن يكون ذلك بمثابة الامتحان لي .. وهل في استطـاعتي أن أطبق ما قـرأت أم لا .. ؟ وهـل استوعبت عن يقين ما قرأت أم لا .. ؟ والأهم من ذلك هو مدى إصراري على عقيدتي وإقناع الآخرين بها - أيضاً - ، فالذي لا يؤثر في المحيط الذي يعيش فيه .. هو صاحب عقيدة سلبـية ... غير إيجابيـة .. فليس من المعقول في شيء .. أن أطوي (( توحيدي )) على نفسي ، وأترك الآخرين يعيشون في ضلالة ؛ لأنهم بعد فترة سوف يغرقونني في خرافاتهم .. وعليه فلا بد أن أجـادلهم بالتي هي أحسن .. لا أتركهم يشعرون أن الأمر هينّ .. لا بد أن أنفرهم من شركهم .. وهم لا بد أن يتراجعوا ؛ لأن (( الخـرافة )) - نظراً لأنها تقوم على ضلالات هشة - لا يكاد الشك يدخلها حتى يهدمها .. والحق في تعقبها إذا كان لحوحاً .. قضى عليها ... أو على أقل تقدير أوقف نموها حتى لا تصيب الآخرين .. ومن أجل ذلك كله قررت أن أتوكل على الله ، وأبدأ الشرح للرجل ... ولم تكن المهمة سهلة .. فلا بد أولاً أن أطمئنه ، وأزيل ما بينه وبين سيرة الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب )) .. ثم ما ترسّب في ذهنه من زمن عن ( الوهابية والوهابيين ) .. ففي أول الحديث.. اتهم (( الوهاب )) بعدد من الاتهامات يعلم الله أن دعوة (( التوحيد )) بريئة منها .... براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام !..
    ورحت أحاول في حماس شديد .. أشرح له سر حملات الكراهية ، والبغضاء التي يشنها البعض على دعوة (( التوحيد )) .. وكيف أنها أحيت شعائر الشريعة ، وأصول العبادات ، وفي ذلك القضاء على محترفي الدّجل ، وحراس المقابر ، وسدنة الأضرحة ، والذين يُكدّسون الأموال عاماً بعد عام .. من بيع البركات ، وتوزيع الحسنات على طلاب المقاعد في الجنة .. فالمقاعد محدودة والوقت قد أزف ..! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..!
    ولمحت على ملامحه بعض سمـات الخير .. نظر في دهشة .. كأنه يفيق من غيبوبة ... ورغم ذلك فقد راح يتشنج ، ويدافع عن أهل الله الذين ينامون في قبورهم لكن يتحكمون بأرواحهم في بقية الكـون ، وأنهـم يدعون كل ليلة جمعة للاجتماع عند قطب من الأقطاب ... وحتى النساء من الشهيرات يلتقين - أيضـاً - مع الرجال الأقطاب ، وينظرون في شؤون الكون ...!
    • ولم أكن أطمع في زحزحته عن معتقدات في ضميره عمـرها أكثر من ثلاثين سنة ... فاكتفيت بأن طلبت منه أن ينظر في الأمر .. هل هؤلاء الموتى من أصحاب الأضرحة... أكرم عند الله أم رسول الله ؟!! ثم يفكر طويلاً ، ويجيء إلىَّ بالنتيجة ... دون ما تحيّز أو تعصّب .. ووعدني بأن يُفكّر ، ولكنه فقـط يطلب مني أن أرافقهم في رحلتهم الميمونة إلى (( طنطـا )) ... فقلت له : إن هذا هو المستحيل لن يحدث .. وإذا كان مصمماً على الذهاب هو وزوجته إلى (( السيد البدوي )) حتى يعيش ابنهما .. فالمعنى الوحيد لذلك هو أن الأعمار بيد (( السيد البدوي)).. وحملق فيَّ وصاح :
    لا تكفر يا رجل ..؟
    فقلت له :
    - أينا يكفر الآن .. ؟ أنا الذي أطلب منك أن تتوجه إلى الله .. ؟ أم أنت الذي تُصرّ على أن تتوجه إلى (( السيد البدوي )) ..؟
    وسكت واعتبر هذا مني إهانة لضيافته ، وأخذت زوجته والخروف وابنها ، وانصرفـوا من العباسـية في القاهرة إلى (( طنطا )) ، وحيثما وقفت أودعهم ..
    همست في أذن الزوج : أنه إذا تفضل بعدم المرور علينا بعد العودة من مهرجان الشرك .. فإنني أكون شاكراً له ما يفعل ... و إلا لقي مني ما يضايقه .. وازداد ذهول الرجل ، ومضى الركب الغريب .. يسوق الخروف نحو (( طنطـا )) ..!
    وانثنت زوجتي تلومني ؛ لأنني كنت قاسياً معهم ، وهم الذين يخافون على طفلهم .... الذي عاش لهم بعد أن تقدم بهما العمر ، ومات لهما من الأطفال الكثير .. وصحت في زوجتي ، إن الطفل سيعيش فذلك لأن الله يريد له أن يعيش ، وإن كان سيموت فذلك لأن الله يُريد له ذلك.. ولا شريك لله في أوامره ولا شريك له في إرادته.
     
  10. الصورة الرمزية علم ودعوة وجهاد

    علم ودعوة وجهاد تقول:

    افتراضي

    وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها .. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونياً ؛ ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني : ماذا فعل بي الكتاب ؟ أو ماذا فعلت به ؟ واضطـررت أن أقـول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه ... والتقينا في الليـل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد ، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعـدول عن شركهم .. مع أنني منذ أيام فقط .. كنت لا أقل شركًا عنهم ، وقلت له : ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي ..؟
    قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة .. وأردت الاحتجاج على أنني من ( الأشياء ) ولست من الآدميين ، لكن الدكتور لم يتوقف ، وقال : لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب ، فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!! .
    وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من (( طنطا )) إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة ، وأنها غاضبة مني ، وشكتني لكل شيوخ الأسرة ، وفي الأسبوع الثاني فوجئت بجرس الباب يدقّ .. وذهب ابني الصغير ؛ ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي :

    - إبراهيم الحران ...
    (( الحران )) .. إنه زوج ابنة خالتي .. ماذا حدث ..؟
    هل جاءوا بخروف جـديد ، ونذر جديد لضريح جديد ... أم ماذا .. ؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ، ولو بالضرب .. ومشيت في ثورة إلى الباب .. وإذا بهذا (( الحران )) يمـد يده ليصافحني ، ودَعَوْته إلى الدخول فرفض .. إذًا لماذا جاء ..؟ وفيم جاء ؟ ، وابتسم ابتسامة مغتصـبة وهو يقول : إنه يطلب كتاب (( الشيخ محمد بن عبد الوهـاب )) الذي عندي ، وحملقـت فيه طـويلاً ، وجلست على أقرب مقعد ..!
    سقطت قلعة من قلا ع الجاهلية .. لكن لماذا ؟ وكيف كان السقوط ؟ جاء صاحـبي إبراهيم يسعى بقدميه .. يطلب ويلحّ في أن يبدأ مسيرة التوحيد .. لا بد أن وراء عودته أمـراً ، ليس من المعقـول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً .. !
    ورحمة بي من الذُّهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني .. بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها ، وقال :
    - لقد مات ابني عقب عودتنا ... ! إنا لله وإنا إليه راجعـون .. هذا هـو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه .. وبدلاً من أن يذهب إلى الأطباء ليعـالج مع زوجته ، بعد التحليلات اللازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مرض في دم الأب أو الأم .. اقتنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته .. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!
    لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما ، وحملا معهما بعض أجزاء من (( الخروف )) الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح (( السيد البدوي )) .. فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لهـا إجـراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنـزلة معوية .. وقد تصدَّى لهـا الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ، وانتظرت الأم - بجهلها - أن يتدخل (( السيد البدوي )) .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر .. ذهبت به للطبيـب الذي أذهله أن تترك الأم ابنهـا يتعذب طوال هذه الأيام ... فقد استغرق مرضه أربعة أيام ... وهزَّ الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. (( أدوية )) وحقـن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ، ولم يقو جسمه على المقاومة .. فمات !
    من موت الطفل بدأت المشـاكل .. كانت الصدمة على الأم.. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقـاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية ، بعد أن جعلته الصدمة يبصر أن الأمر كله لله .. لا شـريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسـارة .. واعترف لي : بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطنّ في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت .. ! فقلت له: بعض الكلام الذي يُخفّف عنه ، والذي يجب أن يُقال في مثل هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه . فهو لم يكمل .. ماذا حدث للسيدة المنكوبة ، وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟
    فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ !
    فأجاب - وهو مطأطئ الرأس - : إن أهلها يصرون على الطواف بها على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية .. ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى (( سيدة )) لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزداد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء..!
    وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصرّ على أن تُعْـرض على طبيب .. أو يطلقهـا لهم ؛ لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره ...!
    * * * * *
    • أثارتني قصته ، رغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من (( الدكتور جميل )) إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلبها بين يديه .. وعلى غلافهـا الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني (( نواقض الإسلام )) من كلمات شيخ الإسلام (( محمد بن عبد الوهاب )) : { من يُشْرك بالله فقد حرَّم اللهُ عليه الجنّة ومأْواهُ النَّارُ وَما للظَّالمين مِنْ أنصار } [المائدة:72 ] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
    ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف واشترط أن يعيـده لي بعـد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق (( التوحيد))
    انصرف إبراهيم ، والمأساة التي وقعت له تتسرب إلى كياني قطرة بعد قطرة .. فهي ليست مأساة فرد ، ولا جمـاعة ، وإنما هي مأساة بعض المسلمين في كثير من الأمصـار .. الخـرافة أحب إليهم من الحقيقة ، والضلالة أقرب إلى أفئدتهم من الهداية ، والابتداع يجتذبهم بعيداً عن السنة ..!
    حاولت الاتصـال تليفونياً (( الدكتور جميل )) .. فقد كنت أريد أن أنهـي إليه أخبار ( إبراهيم ) ولكني لم أجده فبدأت العمل في كتابات لمجلة شهرية تصدر في قطر .. اعتادت أن تنشر لي أبحاثاً عن الجريمة في الأدب العربي ، وصففت أمامي المراجع ، وبدأت مستعيناً بالله على الكتابة ، وإذا بالتليفـون يدق .. كان المتكلم مصدراً رسمياً في وزارة الداخلية ـ يدعوني بحكم مهنتي كصحفي متخصص في الجريمة ـ لحضـور تحقيق في قضية مصرع أحد عمال البلاط ، وكان قد عثر على جثته في جُوال منذ يومين ..!!
    تركت كل ما كان يشغلني إلى مكان التحقيق .. والغريب في الأمر .. أن يكون الأساس الذي قامت عليه هذه الجريمة هو السقوط أيضاً .. في هاوية الشرك والدّجل والشعوذة .. بشكل يدعو إلى الإشفاق .. فالقتيل كان يدّعي صحبة الجن ، والقدرة على التوفيق بين الزوجين المتـنافرين ، وشفاء بعض الأمراض وقضاء الحاجات المستعصية ... إلى جانب عمله في مهنة البلاط..!
    أمّا المتهم القاتل .. فكان من أبناء الصعيد .. تجـاوز الخمسين من عمـره ،وكان متزوجاً من امرأة لم تنجب .. فطلقها وتزوج بأخرى في السابعة عشرة من عمرها لكنها هي الأخرى لم تنجب ... وبلغه من تحرياته أن مطلقته قامت بعمل سحر له - نكاية فيه - يمنعه من الإنجاب مع زوجته الجديدة . فاتصل بذلك الرجل الذي كان شاباً لم يتجاوز الأربعين .. واتفق معه على أن يقوم له بعمل مضاد .. وتلقف الدجـّال فرصة مواتية ... وذهـب معه إلى البيت .. وكتب له الدجال بعد أن تناول العشاء الدّسم .. بعض مستلزمات حضـور الجن من بخور وشموع وعطور ، وذهب الرجل ليشتريها .. وترك ( الدجّال ) وزوجته الحسناء في البيت ..!
    خرج الرجل مسرعاً يشتري البخور الذي سيحرق تمهيدًا لاستحضار الجـن .. وترك الدجـّال الشاب مع الزوجة الحسناء ..وكان لا بد أن يحدث ما يقع في مثل هذه المواقف .. فقد حاول المشعوذ أن يعتدي على الزوجة . إذ راودها في عنف ليفتك بشرفها ، وهي العفيفة الشريفة .. فقامت لتغـادر البيت إلى جارة لها .. حتى يصل زوجها .. وإذا بهـا تجد زوجها على الباب .. فقد نسى أن يأخذ حافظة نقوده وروت له في غضب ما وقع من الدجّال ، وانفعل الزوج الصعيدي ، وحمل عصـاة غليظة ودخل على الدجال في الغرفة ، وانهال عليه بالعصا .. حتى حطم رأسه .. بعدها وجد نفسه أمام جثة لا بد أن يتخلص منها .. فجلس يفكر !
    خرج ليلاً فاشترى جُوالاً ، وعـاد فوضع الجثَّة فيه ، وانتظر حتى انتصف الليل .. ثم حمل الجثة على كتفه ، وألقى بها في خلاء على مقربة من الحي الذي يسكنون فيه .. وعاد إلى غرفته يحاول طمس الآثار ومحوها .. وظن أنه تخلص من الدجال الشاب إلى الأبد !
    ولكن رجال الشرطة .. بعد عثورهم على الجثة .. بدأوا أبحاثهم عن الجُوال الذي يحتوي على الجثـة .. وما كادوا يعرضونه على البقالين في المنطقة ، حتى قال لهم أحدهم : إن الذي اشتراه منه هو فلان ، وكان ذلك بالأمس فقط ، وألقت الشرطة القبض على الرجل ، وفتشت غرفتـه فوجـدت الآثار الدالة على ارتكاب الجريمة .. وضُيِّقَ عليه الخناق فاعترف بتفاصيل الجريمة!
    **********
    • لم يكن حضوري هذا التحقيق صدفة، فكل شيء يجري في ملكوت الله بقـدر ..إذ يسـوق لي هذه الجريمة المتعلقة - أيضاً - بفساد العقيدة .. لتجعلني أناقش مع الآخرين.. قضية العقيدة والخرافة من بذورها الأولى .. ولماذا تروج الخرافة ، وتتغلغل في كيانات البشر دون وازع ؟ هل لأن الذين يتاجرون بها أوسع ذكاء من الضحايا ؟
    وماذا يجعل الضحايا ـ وهم ملايين ـ يندفعون إلى ممارستها ، والإيمان بها، والتعصب لها... ؟ أم أن (( الوثنية )) التي هي الإيمان بالمحسوس والملموس .. التي ترسبت في أذهان العالمين سنـين طويلة تفرض نفسهـا على الناس من جديد . تساندها الظروف النفسية لبعض البشر . الذين يعجزون عن الوصول إلى تفسير لها!!؟
    • فالقاتل والقتيل في هذه الجريمة... كلاهما فاسد العقيدة .. لا يعرفان من الإسلام سـوى اسمه .. فالقتيل مشعوذ يمشي بين عباد الله بالسـوء ، ويكذب عليهم ، ويدّعي أنه على صلة بالجن ، وأنه يُشْفي ويُسْعد ، ويشفي ويمرض بمعـاونة الجن ، وفي ذلك شرك مضـاعف مع الإضرار بالناس .. أما القاتل فهو من فرط جهالته يعتقد أن إنساناً مثله في وسعه أن يجعله ينجب ولدًا أو بنـتاً ! وقد يكون عـذره أنه في لهفته على الإنجاب ألغى عقله ... غير أنه لو أن له عقيدة سليمة .. تُرسِّـخُ في ذهنه أنَّ الله بلا شركاء ، وأن النفع والضر بيد الله فقط ، وتُؤصِّل هذه المفاهيم في أعماقه .. ما كان يمكنه أن يستسلم لدجال .. ولا استطاعت عقيدته أن تحميه من السقوط في أيدي مثل هذا المشعوذ!!
    • وفي كثير من الأحيان يصل الأمر... ببعض المتعصبين إلى أن يجعل من نفسه داعية للخرافة .. يروج لها ، ويدافع عنها ، وعلى استعداد للقتال في سبيلها .. فقد نجد من ينبري في المجالس .. فيروي كيف أن الشيخ الفـلاني أنقذه هذه الأيام من ورطة كانت تحيـق به ، وأنه كان لن يحصل على الترقية هذا العام لولا أن الشيخ الفلاني صنع له تحويطة ، وأنه كان على خلاف مع زوجته وضَعَهُما على حافة الطلاق لولا أن الشيخ الفلاني كتب له ورقة وضعها تحت إبطه .. إلخ ..