الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية عبدالله الكعبي

    عبدالله الكعبي تقول:

    افتراضي بائع السعادة


    هذا الفتى الضئيل النحيل، الذي لا يتجاوز الثانية عشرة، يشعل شفقتي ويسرق دهشتي كلما رأيته.


    هل هو إلى هذه الدرجة من العوز الذي يدفعه لأن يلهث أمام الإشارات الضوئية، حاملاً زجاجات الماء البلاستيكية، يعرضها على سائق كل سيارة، بوجه غضّ وأمل، لاقتناء واحدة منها؟

    هل ظروفه تجبره على ترك المدرسة وامتهان هذا العمل المضني، تحت سيف الشمس وجبروت القيظ وسطوة الرطوبة؟

    منذ بشائر الصباح حتى عتمة الليل أراه واقفاً يعرض سلعته البسيطة، يدلل عليها ويرجو العابرين لشرائها، العرق يتصبب من جبهته وأبواق السيارات تنهال عليه من كل صوب.

    قميصه بال وبنطاله ممزّق ونعاله ذاوية، شعره مهلهل وتضاريس الحرمان والضنك محفورة على وجهه.

    دراجته الهوائية التي عفى عليها الزمن يطرحها على الرصيف الأوسط وإلى جانبها يضع كرتونة صغيرة بها زجاجات الماء.

    في أغلب الأوقات عندما أراه قادماً أفتح نافذتي وأقتني زجاجة حتى لو لم أكن ظمآن وأجزل له العطاء، فينشرح صدره ويتمتم بكلمات الشكر.

    كنت أتأسى لحاله وأشفق عليه وأتمنى له وضعاً أرحب، خصوصاً وهو في مثل هذه السن المبكرة.

    ساورني شك في أنه محروم من حنان الوالدين.

    فلو كان أبوه على قيد الحياة فانه بالطبع لن يسمح لفلذة كبده الذي لم يتخط عتبة الطفولة أن يتجرّع الآلام ويذوق مرارة الشقاء.

    ثم ذهبت بي الظنون إلى أن الأب ربما كان عاجزاً عن العمل وأسرته كبيرة العدد فلم يجد الطفل مناصاً من التضحية وطلب الرزق، وربما كان أبوه رجلاً بلا قلب، قد طلّق أمه وقذف بها مع أطفالها إلى لهيب الدنيا لتقاسي الآلام وويلات الحياة من دون أدنى رحمة أو مساعدة.

    قبل يومين كنت ماراً من هناك وهالني ما رأيت، لم أر ذلك الوجه الطفولي الذي اعتدت أن أراه وإنما رأيت دراجة هوائية معجونة وزجاجات ماء متناثرة في الأرجاء، وآثار دماء تلطخ الشارع.
    التعديل الأخير تم بواسطة طيف المدينة ; 08 Oct 2011 الساعة 11:12 PM سبب آخر: إضافة ختم التميّز ..