18
ركبنا الحافلة من أرباض غرناطة ونواحيها البعيدة عن قصور الحمراء...سارت بنا الحافلة تطَّوف في المدينة...كنتُ جالسا على كرسي وبجانبي صاحبي المغربي أصلا الغرناطي دارا ومستقرا...أخذت في النظر إلى هذه المدينة التي شهدت آخر فصول تاريخ المسلمين الرسمي على أرض الفردوس المفقود...ما أكبرها وأرحبها ...وما أجملها وأنضرها...وما أبهجها وأخلبها للب الرجل الحازم...نظرت إلى جامعة غرناطة الحديثة التي مرت الحافلة بجانبها...قلت في نفسي أوَ يُعترف فيها بتاريخ المسلمين في هذه المدينة...أوَ تُدرس فيها علوم شرعية لطالما عرفتها هذه البقاع...وأذِنت لها تلك الساحات والردهات...أو يقال فيها إن التاريخ الثقافي لإسبانيا متصل بتاريخ المسلمين على أرضها...أو ليس يحتفى بابن حزم في قرطبة وثمتَ من يقول إنه مفكر إسباني !!! لنا فكرُه ونظراته ورأيه وشعره وأدبه وسيرته الذاتية الرائدة طوق الحمامة...وعليه إسلامُه وظاهريته فكل ذلك ليس يعنينا في شيء!!!!
مرت لحظات وأنا مستغرق في مثل هذه الأفكار التي تأتيني من الماضي نفحاتٍ تلهب مشاعري...وتُبكي ناظري...وتجعلني ذا أسى ظاهر، وعَبرة تكاد تفر من مقلتيَّ...فَطِن صاحبي إليَّ وأنا على تلك الحال فقال لي بصوت مسموع ذي نبرة...لقد وصلنا إلى وسط المدينة استعد للقاء من تهوى...وأحضر منك السمعَ والبصرَ...وإياك أن تبكي على ذاك المجد الذاهب...واصبر واحتسب فالله معوضنا دارا بدار...ومجدا بمجد...وتاريخا بتاريخ...