8
كان اليوم صائفا في طليطلة شديد الحر، وكنا صائمين في يوم من أيام الشهرالفضيل، ومع ذلك فما أصابنا الجهدُ ولا أدركنا التعبُ من التطواف بين أزقة ودروب المدينة العتيقة...وكانت طليطلة شديدةَ الشبه بفاس أو تطوان أوالرباط... أخذت منها فاسٌ طلعاتها وعقباتها، وأخذت منها تطوان ضيق أزقتهاودروبها، وأخذت منها الرباط اصطفاف دُورها في سماط طويل من الأبواب المتقنةالصُّنع، المزخرفة الواجهات، المقوسة المداخل، البهية الطلعة، الجميلة البناء، الفسيحة الأرجاء، الكثيرة الغرف، العالية في العمارة والبنيان...كنت أقول لنفسي وأنا أطََوّفُ في هاتيك المعاهد والمعالم: أيتهاالنفس إنك لست ههنا غريبة...لقد عرفتك هذه الدروب، وتلك الأزقة، وهاتيك المآذن والمنارات التي حولت كلها إلى كنائس أو غُيرت معالمها لتصبح فنادق ونُزلا، أو دورا للسكن أو للإستعمال العادي....أيتها النفس المحزونة التي أصابها الضنى والأسف...وغلب عليها الأسى..وأوشكت عبراتُها على الخد تنسكب...ودموعها من الأجفان تنهمر...ههنا كان أجدادك وههنا درج آباؤك ...ممن علم الدنيا وأسمع الشرق والغرب..وأبدع ما لم يبدعه إنسان...لأنه خدم الإنسان...وكان ساعيا في حضارة الإنسان...ورقي الإنسان...فمات إنسانا...وبقي بعدُ على مر الأزمان ذكرى للإنسان....