الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    8

    كان اليوم صائفا في طليطلة شديد الحر، وكنا صائمين في يوم من أيام الشهرالفضيل، ومع ذلك فما أصابنا الجهدُ ولا أدركنا التعبُ من التطواف بين أزقة ودروب المدينة العتيقة...وكانت طليطلة شديدةَ الشبه بفاس أو تطوان أوالرباط... أخذت منها فاسٌ طلعاتها وعقباتها، وأخذت منها تطوان ضيق أزقتهاودروبها، وأخذت منها الرباط اصطفاف دُورها في سماط طويل من الأبواب المتقنةالصُّنع، المزخرفة الواجهات، المقوسة المداخل، البهية الطلعة، الجميلة البناء، الفسيحة الأرجاء، الكثيرة الغرف، العالية في العمارة والبنيان...كنت أقول لنفسي وأنا أطََوّفُ في هاتيك المعاهد والمعالم: أيتهاالنفس إنك لست ههنا غريبة...لقد عرفتك هذه الدروب، وتلك الأزقة، وهاتيك المآذن والمنارات التي حولت كلها إلى كنائس أو غُيرت معالمها لتصبح فنادق ونُزلا، أو دورا للسكن أو للإستعمال العادي....أيتها النفس المحزونة التي أصابها الضنى والأسف...وغلب عليها الأسى..وأوشكت عبراتُها على الخد تنسكب...ودموعها من الأجفان تنهمر...ههنا كان أجدادك وههنا درج آباؤك ...ممن علم الدنيا وأسمع الشرق والغرب..وأبدع ما لم يبدعه إنسان...لأنه خدم الإنسان...وكان ساعيا في حضارة الإنسان...ورقي الإنسان...فمات إنسانا...وبقي بعدُ على مر الأزمان ذكرى للإنسان....





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  2. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    9

    اشتد الحر ونحن نطوف في دروب وأزقة طليطلة...وكانت بين أيدينا خريطة المدينة باللغة الإسبانية وكان بعض مرافقيّ يتقنون فهمها والتعبير بها...وكان وُكدنا أن نجد معلما تاريخيا إسلاميا، أو منارة مسجد أندلسي قديم...وكانت الخريطة التي بين أيدينا تدلنا على أن المساجد في طليطلة الإسلامية كثيرة...وأن من بين أهمها وأروعها وأبقاها على ضرباته الدهر مسجد باب المردوم...فجعلنا هدفنا البحث عن هذا المسجد والوقوف على ما تبقى منه....ومرت الساعة أويزيد ونحن في تجوال بين دروب طليطلة التي تتبدى من بعيد كنيستها الرئيسية التي كانت مسجدا حوّل وغير...وأسلمنا البحثُ مع الخريطة التي كانت بين أيدينا إلى الهدف المنشود والمقصد المطلوب...إذ وقفنا قريبَ يأسنا من الوقوف على الأثر الإسلامي البارز في طليطلة على المسجد المنوه به... كانت تلك اللحظات عسيرةً عليَّ ...فهأنذا وجها لوجه أمام دليل قاطع على الوجودالإسلامي في هذه المدينة التي كانت عاصمة القوط قبل الفتح...اقتربتُ من المسجد بخطى مترددة...ويدي ترتعش...ونفس يخيل إليها أنها ستجد داخل المسجد أهل المسجد من الأندلسيين الذين سكنوا هذه المدينة العجيبة...كان المسجد مغلق الباب...قد أوشك أن يسقط من القدم والبلى...وكان صغير الحجم...مرتفع السقف لا منارة له...يتوسط حديقة فيها أشجار وفيها قبور قديمة، الظاهر أنه قد دفن فيها مسلمون من أهل الأندلس في أزمنة سابقة مختلفة...وقد علت باب المسجد نقوش قرأت فيها:" لا إله إلا الله..." وأحيط المسجدُ وما فيه من حديقة وقبور بسياج لمنع من يريد الدخول...وسألنا عن سبيل لدخول المسجد فقيل لنا إن ذلك يؤدى عنه كذا كذا يورو...وأن الزيارة تقع في مدة وجيزة وفي مكان محدود لوجود أعمال الصيانة والترميم...فاستقر الرأي بعد إجالة نظرومشورة على عدم الدخول لأن باطن المسجد يُرى من ظاهره..





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  3. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    10

    استوقفتني قصة فتاة أمريكية آتية من أمريكا إلى طليطلة للبحث في تاريخ وحضارة الإسلام في الأندلس...كانت الفتاة في العشرين من عمرها...بادية الجمال...ظاهرة الجد والنشاط...واقفة أمام مسجد باب المردوم مشدوهة معجبة...تحمل بين يديها كاميرا صغيرة...تلتقط بها صورا عديدة للمسجد ولما حوله...وجدتها تدور حول المسجد وقد أغلقت أبوابه...وارتفعت أسوار الحديد المحيط به...تتساءل هل يمكنني الدخول...قلت لها بالإنجليزية ...ما كتب على الجدار الأمامي للمسجد يفيد أنه مغلق للصيانة وأن وقت الدخول بُعيْد الثانية زوالا...قالت مشيرة براسها نعم نعم، ثم سألت: هل أنت زائرسائح مثلي أم أنك باحث دارس لحضارة العرب في الأندلس...قلت لها بل أنا سائح زائر متألم...قالت:ولمه ؟؟؟ قلت:لأننا ضيعنا من بين أيدينا هذا المجد وهذا العز وهذه الحضارة الأندلسية الجميلة الساحرة...وهل أنت باحثة زائرة سائحة؟؟؟؟ قالت نعم إنني أبحث في الحضارة العربية الإسلامية الأندلسية منذ دهر...وأنا آتية من أقصى امريكا وحدي لكي أقف بنفسي على معالم هذه الحضارة العجيبة المدهشة..وههنا انتهى الحوار ومضت الباحثة لحال سبيلها تاركة فيما ذكرته عبرة...رجعت إلى نفسي قلت انظر إلى هذه الهمم، كيف لم تقنع بقراءة المسطور حتى قرنته بالمنظور....فتاة صغيرة شابة تجيء من امريكا لوحدها للبحث في تاريخ المسلمين وآثارهم الباقية في الأندلس...تبذل في سبيل الوصول إلى ذلك من المال والجهد والوقت الشيء الكثير...إنها الهمة الأندلسية القديمة التي طوفت الدنيا بحثا عن الكلمة الهادفة والعلم النافع والفائدة الزائدة هي التي أثرت في هذه الفتاة فغدت أندلسية أمريكية!!!





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  4. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    11

    قادتنا جولتنا في طليطلة الإسلامية التي كانت فيها حركة الترجمة نشيطة من العربية إلى اللغات الأوروبية الأخرى إلى كنيسة المدينة العظمى التي اختلطت فيها معالم الحضارتين الإسلامية والقوطية...كانت الكنيسة فارهة البناء..عظيمة العمارة...تزهو على بقية مباني المدينة بطول تاريخها الضارب في القدم من العهد القوطي إلى العهد الإسلامي إلى ما والى ذلك من عهود وأزمان....هممت أن أدخل إلى الكنيسة لكي أتفرج على معالمها ولأرى هل حولت إلى مسجد إسلامي زمن الحكم الإسلامي أم لا...ثم ذكرت أن بها صلبانا وتماثيل ...وأن بعض مرتاديها من النصارى يقومون بطقوسهم في صلواتهم وترانيمهم فتركت الدخول واكتفيت بالتفرج على بناية الكنيسة من خارجها...على أن السلطات الإسبانية لا تمنع المسلمين من دخول مثل هذه الكنيسة لكن بشرط أداء رسوم الدخول!!!!
    جاوزنا الظهر بقليل وكنا قريبا من العصر...ففكرنا أين يمكن أن نجمع بين الصلاتين فالسلطات تمنع من ممارسة الصلاة أمام الملإ في العراء...لكن بعد نظر وتشاور استقر رأينا على أننا على وشك مغادرة المدينة فلقد أتينا على أغلب معالمها تجوالا على الأقدام مذ ساعات....وفي الطريق إلى السيارة نزلنا منحدرا مؤديا إلى الباب الذي يخرج منه الناس من المدينة ...واجهنا بناء فخم كأنه قصر عربي أندلسي قديم أعيد ترميمه وتجديده فبدا في حالة جيدة....فسألنا بعض من كان قريبا منه فقال لنا إنه قصر الحكم...وفي أسفل المنحدر الذي شرعنا في النزول فيه اعترضتنا جملة من الحوانيت الصغيرة المصطفة على يمين النازل...كانت هذه الحوانيت تبيع تحف طليطلة ومقتنيات من النحاس تزين بها الدور والمنازل على أنها لون من ألوان الزينة والديكور...وشدني إلى ذلك منظر طليطلة وقد نحت على صينية من نحاس...وبدت المدينة فيه بمآذنها ومساجدها كما لو كانت ما زالت إسلامية عربية....ودخلنا حانوتا من تلك الحوانيت وكان صاحبه رجلا طاعنا في السن...تبدو عليه سمة تجارب الدهر...وحنكة العمر...سأله مرافقي الذي يحسن الإسبانية عن سعر قطعة من تلك القطع التحف التي مر وصفها...فأجاب بصوت يتقطع من الكبر...وفهمنا بعدُ أنه يهودي من يهود طليطلة الذين عمروها زمن حكم المسلمين...وأن ذريتهم فيها باقية إلى اليوم....ولا يخفى على قارئ تاريخ سقوط قلاع الأندلس ومدنها ما كان لليهود من دور في ذاك السقوط المريع....ثم لم ننشب بعد أن غادرنا طليطلة والقلب في كمد والنفس في حَرَق...والخاطر منكسر ودمع العين يكاد ينهمر...أنْ هوت عاصمة الثغر الأعلى طليطلة مبكرا وأخذها الإسبان انتزاعا...وهي ما زالت بأيديهم أسيرة....والأمر لله من قبل ومن بعد...





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  5. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    12

    ما إن عدت من طليطلة حتى سعيت أشد ما يكون السعي لكي أحظى بزورة إلى بقية مدن الأندلس الشهيرة: قرطبة وغرناطة وإشبيلية...وكانت هذه المدن في إقليم الأندلس بعيدة عن مدريد بعدي عن المغرب...فكانت تلك الشقة مانعا من أن أرغب إلى بعض من كان يحضرني في مجالس الدرس أن يصحبني زائرا متجولا في أندلس الأمس....فلم أجد بدا لما قاربت على إنهاء مهمتي في السابع وعشرين من رمضان من أن أقرر زيارة قرطبة وغرناطة في يومين من غرر أيام حياتي...ومهدت لذلك بجملة استعدادات...وأخذت للأمر اهبته من تعلم لبعض الكلمات الإسبانية التي لا غنى لي عنها في السفر... كالتذكرة والحافلة والوقت والفندق وغير ذلك مما أحتاج إلى النطق به لكي أَفهم وأُفهم....ولقد يعرف القارئ اللبيب أن الإسبان من اشد الناس تعصبا للغتهم واعتزازا بها...وهم وإن كان فيهم من يعرف غيرها فإنهم لا يعدلون بها لغة أخرى مهما حدث وحصل...وكذلك تكون العزائم ويكون الإعتزاز بالهوية والإنتماء...ولما شاء الله لي أن أشرع في الرحلة الأندلسية إلى الديار الغرناطية فالقرطبية...سافرتُ باكرا بعيْد الفجر من مدريد ميمَّما وجهي تلقاء غرناطة آخر معقل من معاقل المسلمين في الأندلس...فكانت الرحلة المشهودة التي لن أنساها ما حييت..





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  6. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    13

    خرجتُ بُعيْد فجر اليوم الثامن والعشرين من رمضان عام 1429هـ من GALAPAGAR برفقة بعض الشباب الذين كانوا يغشْون مجلسي ...متوجهين إلى محطة الحافلات في مدريد...قلت لمرافقي وأنا في السيارة:" ماذا ترى هل أذهب رأسا إلى قرطبة أم إلى غرناطة؟؟" قال مجيبا:" أنتَ بالخيار..ولأَنْ تذهب إلى غرناطة أولى، لأنها بعيدة من مدريد وقرطبة بينها وبين مدريد...وعلى كل حال، فسوف يخير الله لك...إذ الحافلة الجاهزة للإنطلاق من المحطة الآن ..هي التي سوف تحدد لك الوجهة..."...وصلنا بعد مضي وقت ليس بالقليل إلى المحطة...كانت الساعة تشير إلى قريب الثامنة صباحا...رافقني صاحبي إلى شباك التذاكر وسأل العامل هناك...عن الحافلة المنطلقة الآن...كانت حافلة غرناطة هي المنطلقة السابقة...قال لي صاحبي:" هذا من التوفيق الحسن...توكل على الله"..كان مرافقي يودعني على الباب المؤدي إلى مواقف الحافلات...لمح شابا في مقتبل العمر جائيا حاملا حقيبة...دل شكله على أنه مغربي مسافر إلى غرناطة...خاطب صاحبي الشاب قائلا:" هل أنت مغربي؟" قال الشاب:" نعم" قال صاحبي:" وهل أنت ذاهبٌ إلى غرناطة؟" قال الشاب برأسه نعم/ قال صاحبي:" إن لك صاحبا سيرافقك في السفر..وأشار إلي...أرجو أن تمد إليه يد المساعدة فإنه غريب في هذه البلاد..." ...قطع الشاب على صاحبي حديثَه قائلا:" سأكون في خدمة الأستاذ ، ولن أدعه حتى يقضي من هذه الرحلة نهمته".....ودعت مرافقي داعيا له...وتوجهت مع الشاب إلى الحافلة...وبعد ركوبنا لم تلبث الحافلة أن انطلقت في موعدها المحدد لم تتقدم ذلك لحظة ولم تتأخر عنه لحظة...وههنا ابتدأت فصول من درر جواهر الرحلة الأندلسية إلى الحضرة الغرناطية.....





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  7. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    14
    كان الشاب المغربي الذي صحبني في الحافلة من سكان غرناطة...فقلت في نفسي لأسألنه عن كل شيء عن هذه المدينة الساحرة الحالمة طيلة الطريق الذي سوف يمتد خمس ساعات على طريق سيار ناهج...فسألته عن الآثار الغرناطية الباقية للمسلمين ...وعن قصر الحمراء وعن المساجد والجوامع وعن العادات والتقاليد الإسلامية الأندلسية...وعن أحوال المسلمين اليوم من أبناء الجالية العربية والمسلمة...كانت أجوبة الشاب مقتضبة موجزة...وألفيته شهد الله شابا على جانب كبير من الخلق الكريم والأدب الجم...وطيب المعشر ودماثة الخصال...إلا أنه كما لاحظتُ يميل إلى النوم لأنه كما ذكر لي :" لم ينم الليلة الماضية ...وقد كانت أرجى ليلة في رمضان...لأنها قد تكون ليلة القدر...قال:"سهرت قائما أتهجد.."....تركتُ صاحبي وما قد أسلم له نفسه من الراحة والهجعة...ورجعت إلى نفسي متأملا هذا الطريق الذي يشق جبالا وأنهارا...فيها مناظر خلابة...من بساتين فيحاء ومروج خضراء...قلت: أهذا هو الطريق الذي سلكه الفاتحون الأوائل إلى طليطلة عاصمة مُلك لذريق...حيث كان هناك اللقاء الحاسم بين الجيشين...وبين الملتين...أم تراه طريق آخر...كم مر من هذا الطريق من عالم أندلسي راحل بين مدن الأندلس في عهود مختلفة من عصر دولة الإسلام في الأندلس: عصر الولاة، فعصر الخلفاء، فعصر ملوك الطوائف، فعصر المرابطين فالموحدبين فالمرينيين فعصر أواخر ملوك بني الأحمر..لابد أن يكون تحت ثرى هذه الطريق قبور وأجداث أندلسيين من مختلف طبقات المجتمع المسلم الذين سكن هذه الأرض ودرج عليها...لابد أن تكون قوافل المهاجرين زمن حرب الإسترداد ـ من المسلمين الذين سكنوا مدن الثغر الأعلى كسرقسطة وطليطلة قد مرت من هذا الطريق...وسلكت هذه الأودية...وقضت ليالي وأياما حتى تصل إلى مدن الجنوب الأندلسي حيث كان الإسلام قائما وظل دولته لم ينحسر بعدُ...هل شهد هذا الطريق فتكا بأندلسي مسلم في عهد محاكم التفتيش والقهر...هل أهريقت قطرة دم أندلسي مسلم بغير حق وقد أعطي أمان غادر صليبي حاقد؟؟؟ كنت أتحدث إلى نفسي بمثل هذه الأحاديث وقد نزل بي من الغم والكرب والحسرة ما الله بذلك عليم...ولم يرعني إلا والحافلة قد توقفت للراحة وإجمام النفس...فانقطع شريط الأحداث..وأفقت مما كنت فيه...





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  8. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    15

    لم يكن بين مدريد وغرناطة في الطريق السيار الذي سلكته الحافلة مدن أندلسية قديمة مبثوثة على جانبي الطريق...وغاية الموجود إشارات إلى بعض القرى التي يصعب القطع بأنها كانت عربية أندلسية فحولت أسماؤها إلى الأعجمية الإسبانية... خلا مدينة جيان الأندلسية التي ميزتُ اسمها بالحروف الأعجمية...وأثبت الواقع الجغرافي وجودها على الطريق إلى غرناطة...وهي كما في المصادر الأندلسية كورة جليلة طيبة كثيرة الثمرة غزيرة السقي باطراد العيون....قلت ومازالت كذلك ناضرة الأرضين...تشتهر بزيت الزيتون..وبالخضرة والجمال...تذكرتُ وأنا أمر على هذه الديار...بعضَ أهل الأندلس ممن قيل في نسبتهم جياني...آه..تذكرتُ فقيها مالكيا ومحدثا حافظا ...قلت لنفسي أين أبو الأصبغ عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي الذي ولد بجيان .. الذي خاصم ابن حزم و كان أحد مناوئيه الألداء...آه...أين أبو علي الغساني الجياني أحد أعلام الحديث والرواية في الأندلس...ومؤلف تقييد المهمل...تذكرت هذين الفاضلين ومددتُ نفَسا عميقا ...أتنفس فيه نسمات جيان التي نسب إليها مثل هذين العلميْن...وملأت الرئة بهوى جيان...عساه يُذهب عني ما أنا فيه من الحسرة والأسى على دروس هذا الناد...وأفول شمسه...وذهاب رسمه...
    حثت الحافلةُ السيرَ إلى غرناطة التي تبدت دُورها من بعيد ..تنادي تقول أنا شاهدة أنْ قد مر بواديَ قوم نزلت فيهم النبوةُ...وكانت فيهم الرسالةُ...وبُعث فيهم محمد ...قوم رباهم دينهم على بذل هذا الدين إلى كل أحد...فركبوا الصعب والذلول...فاتحين البلاد..مشرقا ومغربا...حتى وصلوا إلى بلاد القوط..فعبَروا إليه البحر وجازوا إلى العدوة...فدخلوها فاتحين ...وعمروها ...فكنتُ أنا مما عُمر ومُصر...ثم شيدوا بعدُ بأندلس حضارة هي ما وُسم في كتب التاريخ بـ:" الحضارة الأندلسية المسلمة"...






    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  9. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---





    16

    كانت الحافلة تقترب من غرناطة...وكلما اقتربت من تلك المدينة الساحرة ازداد الشوق وعيل الصبر لتداني الديار وقرب تحقق الرجاء...رمقت عيني وأنا أنظر إلى الطريق ونحن في أحواز غرناطة إشارات تدل على المرية أو مالقة قد كتبت بحرف عربي على ما قد تهيأ هناك من ورق مقوى ألصق بحجر أو جعل على عصا...وعلمت من بعد أن ذلك من صنيع بعض أهل شمال إفريقيا ممن يكثر استعمالهم لهذا الطريق...يرشدون بذلك التالف الآخذ في غير الطريق السالك إلى ذينك المدينتين اللتين قد يكون منهما الجواز إلى العدوة الأخرى...رجعت إلى نفسي أقول...كم شهدت هذه الديار من رحلات أهل العلم بالعربية الذين أقاموا لها سوقا، فأثمر ذلك قوة في العربية...في كلماتها ومفرداتها ونحوها وأصول قوانينها...فهذا ابن سيده المرسي الأعمى صاحب المحكم والمحيط الأعظم، وذاك ابن مالك صاحب الألفية الجياني الأندلسي، لقد كان للعربية في هذه البقاع دولة وصولة..واليومَ يُستحيى ههنا من كتابة كلمة منها..فسبحان مزيل النعم ومغير السقم...ومصرف الأحوال حالا بعد حال...اقتربت الحافلة كثيرا من غرناطة فبدت المدينة واقفا على رأسها جبل شُلير الذي تعلوه الثلوج صيفا وشتاء، ولذلك سماه أهل غرناطة قديما جبل الثلج...تبدت المدينة الساحرة من بعيد ممتدة على واد ينبسط على ربويتين عظيمتين يخترقهما نهر حدره...ربوة في الجنوب وهي ربوة الحمراء...وربوة في الشمال وهي ربوة البيازين والقصبة...رمقت عيني المجهدتين خضرة غرناطة...فأرضها تشتهر بالخصوبة والنضرة..لمكان جريان الأنهار والوديان فيها ..تذكرت وأنا أنظر إلى هذا الجمال والجلال...مقالة أحد مؤرخي غرناطة لسان الدين ابن الخطيب الذي يقول في الإحاطة في أخبار غرناطة:" ...ومن فضائلها أن أرضها لا تعدم زريعة ولا رعيا طول العام..
    بلد يحف به الرياض كأنمـا وجه جميل والرياض عـــذاره

    وكــــأنما واديه معصم غادة ومن الجسور المحكمــات سواره......





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  10. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: السدر المخضود والطلح المنضود في رحلة الفردوس المفقود ---

    17

    سرت فيَّ روح جديدة وأنا أطأ أرض غرناطة مع صاحبي المغربي الذي سعدت برفقته طيلة الرحلة من مدريد إلى غرناطة...كانت المدينة تبدو عصرية حديثة...بطابعها الأوروبي... وأحيائها الجديدة..التي بنيت بعد السقوط المريع للمسلمين..وما والى ذلك من عهود...قلت مخاطبا نفسي وأنا أمشي أول خطواتي أهذه هي غرناطة بني الأحمر...أين ما يدل على المجد الإسلامي...والأبهة العربية...والحضارة الأندلسية...والإزدهار الإنساني..أين قصور الحمراء..وجنة العريف ...وساحة الأسود...وقاعة استقبال السفراء...أين كانت مجالس العلم ومدارسه ومعاهده في غرناطة الإسلامية...أين مسجد غرناطة الجامع الذي كان فيه كرسي ابن رشيد السبتي حيث كان يملي من الجامع الصحيح حديثين فيتكلم عليهما سندا ومتنا وترجمة...أين كان دست بني زيري...ومجلس لسان الدين ابن الخطيب في الحكم ..أين ما قصه من أنباء في الإحاطة في أخبار غرناطة...أين كان ابن الرومية النباتي وابن ورد في غرناطة...يا إلهي أين مساجد غرناطة ودورها العربية...بخصاتها وأقواسها...ونباتها وزليجها ونقوشها...وزينتها وبهرجها...يا إلهي أكل ذاك الذي نقرؤه في الكتب ذهب وامحى...و درس وانقضى...يا رب أأنا أطوف في غرناطة...أم في مدريد...ومازلت في هواجسي وفي تاريخ المدينة الحمراء أطوف بمخيلتي حتى نبهني صوت صاحبي يقول لي أنت الآن في غرناطة محبوبتك...سوف نأخذ الحافلة إلى وسط المدينة حيث من هناك سنصَّعد إلى قصور الحمراء ونزور تلك المعاهد ...ونقتطف من وقتنا الحاضر ردحا من الزمن نعيش فيه في الزمان الماضي عساك تلقى في أزقة المدينة من يذكرك بتاريخها التليد...





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----