الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..



    (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50)
    قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ } "إذ" هذه تأتي كثيراً في القرآن، والمُعرِبون يقولون: إنها مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكرْ إذْ يعني اذكر هذا للأمة حتى تعتبر به ويتبين به فضيلة بني آدم عند الله.
    وقوله: { لِلْمَلائِكَةِ } هم عالم غيبي خلقهم الله من نور. كما أعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خلقهم من نور[27] . وأعلمنا الله تعالى في القرآن أنه خلق الجنَّ من نار، وأنه خلق البشر من طين، إذاً المخلوقات التي نعلمها هي، الملائكة من نور، والجن من نار، والإنسان من طين، فالملائكة إذاً عالم غيبي والإيمان بهم أحد أركان الإيمان، والملائكة على خلاف الشياطين كما يتبين من الآية، وهم أقدر من الشياطين وأطهر من الشياطين، ولهم من النفوذ ما ليس للشياطين، فالشياطين لا يمكن أن يَلِجُوا إلى السماء، بل من حاول أُتبع بالشهاب المحرق، والملائكة يصعدون فيها، فهم يصعدون بأرواح بني آدم إلى أن تصل إلى الله، وهم أيضاً قد ملؤوا السموات، فيجب علينا أن نؤمن بالملائكة إيماناً لا شك فيه، وأنهم عالم غيبي، لكن قد يكونون من العالم المحسوس بقدرة الله، كما كان جبريل ، فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق وهو واحد وهذا يدل على عظمة خِلقته، وعظمة خِلقة جبريل تدل على عظمة الخالق جلَّ وعلا، أحياناً يأتي جبريل الذي هذا وصفه وهذا خلقه على صورة إنسان، ولكن ليس تقلبه هكذا بقدرته هو، ولكن بقدرة خالقه جلَّ وعلا، والله أعطاه القدرة على التقلب والتكيف بقدرة الله جلَّ وعلا.
    وقوله تعالى: { اسْجُدُوا لِآدَمَ } قال بعضهم: سجود تحية، وليس سجوداً على الجبهة، قالوا ذلك فراراً من كونه سجوداً على الجبهة، لأن السجود على الجبهة لا يصح إلا لله، ولكن الذي يجب علينا أن نأخذ الكلام على ظاهره ونقول: الأصل أنه سجود على الجبهة. وإذا كان امتثالاً لأمر الله لم يكن شركاً كما أن قتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب، وإذا وقع امتثالاً لأمر الله كان طاعة من الطاعات، فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أُمر بذبح ابنه فامتثل أمر الله وشرع في تنفيذ الذبح، ولا يخفى ما في ذبح الابن من قطيعة الرحم، لكن لما كان هذا امتثالاً لأمر الله عز وجل صار طاعة، ولما تحقق مراد الله تعالى من الابتلاء نسخ الأمر ورفع الحرج، إذاً فالسجود لآدم لولا أمر الله لكان شركاً، لكن لما كان بأمر الله كان طاعة لله.
    وآدم: هو أبو البشر خلقه الله عز وجل من طين وخلقه بيده[28] ، قال أهل العلم لم يخلق الله شيئاً بيده إلا آدم وجنة عدن، فإنه خلقها بيده وكتب التوراة بيده[29] جل وعلا، فهذه ثلاثة أشياء كلها كانت بيد الله، أما غيرُ آدم فيخلق بالكلمة (كن) فيكون، وهو نبي، وليس برسول؛ لأن أول رسول أرسل إلى البشرية هو نوح عليه الصلاة والسلام، أرسله الله لما اختلف الناس: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ )(البقرة: الآية213)، أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. فكان أول رسول نوحٌ عليه الصلاة والسلام[30] وآدم نبي مُكلَّم[31] . فإذا قال قائل كيف يكون نبياً ولا يكون رسولاً؟
    الجواب: يكون نبياً ولا يكون رسولاً؛ لأنه لم يكن هناك داع إلى الرسالة، فالناس كانوا على ملة واحدة والبشر لم ينتشروا بعد كثيراً ولم يفتتنوا في الدنيا كثيراً، نفر قليل، فكانوا يستنون بأبيهم ويعملون عمله، ولما انتشرت الأمة وكثرت واختلفوا أرسل الله الرسل.
    ( اسْجُدُوا ) امتثالاً لأمر الله { إِلاَّ إِبْلِيسَ } لم يسجد. وإبليس هو الشيطان ولم يسجد، بَيَّنَ الله سبب ذلك في قوله: { كَانَ مِنَ الْجِنِّ } فالجملة استئنافية لبيان حال إبليس أنه كان من الجن أي: من هذا الصنف وإلا فهو أبوهم.
    (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)أي: خرج عن طاعة الله تعالى في أمره، وأصل الفسوق الخروج، ومنه قولهم فسقت التمرة إذا انفرجت وانفتحت.
    فإذا قال قائل: إن ظاهر القرآن أن إبليس كان من الملائكة؟
    فالجواب: لا، ليس ظاهر القرآن؛ لأنه قال: { إِلاَّ إِبْلِيسَ } ثم ذكر أنه { كَانَ مِنَ الْجِنِّ }، نعم القرآن يدل على أن الأمر توجه إلى إبليس كما قد توجه إلى الملائكة، ولكن لماذا؟ قال العلماء إنه كان - أي: إبليس - يأتي إلى الملائكة ويجتمع إليهم فوجه الخطاب إلى هذا المجتمع من الملائكة الذين خُلقوا من النور ومن الشيطان الذي خُلق من النار، فرجع الملائكة إلى أصلهم والشيطان إلى أصله، وهو الاستكبار والإباء والمجادلة بالباطل لأنه أبى واستكبر وجادل، ماذا قال لله؟ {قال أنا خيراً منه } [الأعراف: 12] ، فكيف تأمرني أن أسجد لواحد أنا خير منه؟ ثم علل بعلة هي عليه قال: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(الأعراف: الآية 12). وهذا عليه فإن المخلوق من الطين أحسن من المخلوق من النار، المخلوق من النار، خلق من نار محرقة ملتهبة فيها علامة الطيش تجد اللهب فيها يروح يميناً وشمالاً، ما لها قاعدة مستقرة، ولقد ذكر ابن القيم - - في كتابه "إغاثة اللهفان" فروقاً كثيرة بين الطين وبين النار، ثم على فرض أنه خلق من النار وكان خيراً من آدم أليس الأجدر به أن يمتثل أمر الخالق؟ بلى، لكنه أبى واستكبر.
    قال الله عز وجل لما بين حال الشيطان:
    ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ).
    ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ ) الخطاب يعود لمن اتخذ إبليس وذريته أولياء من دون الله فعبدوا الشيطان وتركوا عبادة الرحمن، قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60)
    (وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يّـس:61)
    قوله: { وَذُرِّيَّتَهُ } أي: من ولدوا منه، سُئل بعض السلف - سأله ناس من المتعمقين - فقالوا هل للشيطان زوجة؟ قال إني لم أحضر العقد، وهذا السؤال لا داعي له، نحن نؤمن بأن له ذرية أما من زوجة أو من غير زوجة ما ندري، أليس الله قد خلق حواء من آدم؟ بلى، فيجوز أن الله خلق ذرية إبليس منه كما خلق حواء من آدم.
    وهذه المسائل - مسائل الغيب - لا ينبغي للإنسان أن يورد عليها شيئاً يزيد على ما جاء في النص؛ لأن هذه الأمور فوق مستوانا، نحن نؤمن بأن لإبليس ذرية ولكن هل يلزمنا أن نؤمن بأن له زوجة؟
    الجواب: لا يلزمنا.
    ( أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ) أي تتولونهم وتأخذون بأمرهم من دون الله { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } هذا محط الإنكار، يعني كيف تتخذون هؤلاء أولياء وهم لكم أعداء؟ هذا من السفه ونقص العقل ونقص التصرف أن يتخذ الإنسان عدوه وليا.
    ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) أي بئس هذا البدل بدلاً لهم، وما هو البدل الخير؟
    الجواب: أن يتخذوا الله ولياً لا الشيطان.
    وقوله: { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ } يمكن أن نقول إنها بمعنى الكافرين لأنهم هم الذين اتخذوا الشيطان وذريته أولياء على وجه الإطلاق، ويمكن أن نقول إنها تعم الكافرين ومن كان ظُلمهم دون ظلم الكفر، فإن لهم من ولاية الشيطان بقدر ما أعرضوا به عن ولاية الرحمن.


    ***




     
  2. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..



    (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف:51)
    قوله تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)يعني أن هؤلاء الذين اتخذهم الناس أولياء من دون الله ليس لهم حق الكون وبالتدبير، فالله عز وجل ما أشهدهم خلق السموات والأرض؛ لأن السموات والأرض مخلوقتان قبل الشياطين.
    (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ) يعني ما أشهدت بعضَهم خلق بعض. فكيف تتخذونهم أولياء وهم لا شاركوا في الخلق ولا خلقوا شيئاً بل ولا شاهدوه، وفي هذه الجملة دليل على أن كل من تكلم في شيء من أمر السموات والأرض، بدون دليل شرعي أو حسي فإنه لا يُقبل قوله، فلو قال: إن السموات تكونت من كذا والأرضُ تكونت من كذا وبعضهم يقول: الأرض قطعة من الشمس وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا دليل على صحته.
    فإننا نقول له: إن الله ما أشهدك خلق السموات والأرض، ولن نقبل منك أيَّ شيء من هذا، إلاَّ إذا وجدنا دليلاً حسياً لا مناص لنا منه، حينئذٍ نأخذ به؛ لأن القرآن لا يعارض الأشياء المحسوسة.
    ( وَمَا كُنْتُ ) الضمير في { كُنْتُ} يعود إلى الله.
    (كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (أي: أنصاراً ينصرون ديني، لماذا؟ لأن المضل يصرف الناس عن الدين، فكيف يتخذ الله المضلين عضدا، وهو إشارة إلى أنه لا ينبغي لك أيها الإنسان أن تتخذ المضلين عضدا تنتصر بهم، لأنهم لن ينفعوك بل سيضرونك، إذاً لا تعتمد على السفهاء ولا تعتمد على أهل الأهواء المنحرفة؛ لأنه لا يمكن أن ينفعوك بل هم يضرونك، فإذا كان الله لم يتخذ المضلين عضدا فنحن كذلك لا يليق بنا أن نتخذ المضلين عضدا؛ لأنهم لا خير فيهم ، وفي هذا النهي عن بطانة السوء وعن مرافقة أهل السوء، وأن يحذر الإنسان من جلساء السوء.

    ***
    (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) (الكهف:52)
    قوله تعالى:{ وَيَوْمَ يَقُولُ } أي اذكر يوم يقول:{ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } فينادونهم ولا يستجيبون لهم، وهذا يكون يوم القيامة، يقال لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم أولياء شفعاء.
    ( فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ) فهذه الأصنام لا تنفع أهلها بل تُلقى هي وعابدوها في النار، قال الله :
    (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) (الأنبياء:98)
    ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ) الموبق هو مكان الهلاك، يعني أننا جعلنا بينهم حائلاً مهلكاً حيث لا يمكن أن يذهبوا إلى شركائهم، ولا أن يأتي شركاؤهم إليهم، أرأيت لو كان بينك وبين صاحبك خندق من نار هل يمكن أن تذهب إليه لتنصره، أو أن يأتي إليك لينصرك؟
    الجواب: لا يمكن، هؤلاء يجعل الله بينهم يوم القيامة { مَوْبِقاً }.

    ***
    (وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً) (الكهف:53)
    قوله تعالى: {وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ} المجرمون يعني الكافرين، كما قال عز وجل : { إنا من المجرمين منتقمون} [السجدة: 22 .(فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا) [فظنوا] أي أيقنوا: { مُوَاقِعُوهَا } والظن يأتي بمعنى اليقين كما في قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } [البقرة: 46] ، أي: يوقنون أنهم ملاقو الله، وإلاَّ فالظن الذي هو ترجيح أحد الأمرين المشكوك فيهما لا يكفي في الإيمان.
    ( وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ) يعني لم يجدوا مكانا ينصرفون عنها إليه، وهذه الجملة معطوفة على (رأى) وليست داخلة تحت قوله ظنوا، لأنه لو كان داخلاً في الظن لقال "ولن"، يعني أنهم لما رأوْها وظنوا أنهم مواقعوها لم يجدوا عنها مصرفاً أي مكاناً ينصرفون إليه لينجوا به منها.

    ***

    يتبع بإذن الله تفسير باقي الآيات




     
  3. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..


    (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف:54)

    قوله تعالى: { صَرَّفْنَا } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: { وتصريف الرياح} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { صَرَّفْنَا } أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
    ( مِنْ كُلِّ مَثَلٍ)أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
    الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }، قوله: {وَكَانَ الإنسان}، بعض المفسرين يقول: { الإنسان} يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول {الإنسان} من حيث الإنسانية.
    ( شَيْءٍ جَدَلاً ) يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود : "ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا" وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم"[32] هل قال الصحابة "لِمَ"؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم { الإنسان } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
    قوله: { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } هذا وقع في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: "ألا تصليان"، قال علي : "إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا"، فانصرف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يضرب على فخذه ويقول: { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }[33] ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"[34] فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.
    ***




     
  4. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..



    (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً) (الكهف:55)


    قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ } يعني ما منع الناس عن الإيمان والاستغفار نقص البيان، فقد ذكر الله أنه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل، وكان الواجب على الإنسان إذا ضربت له الأمثال أن يؤمن. لكنه ما منعهم من الإيمان نقصٌ في البيان، فالأمر والحمد لله بين واضح أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية[35] لكنه العناد.
    ولهذا قال جلَّ وعلا: (إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً) أي ما ينتظرون إلاَّ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلاً.
    وقوله: { وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ } يعني يطلبون مغفرته، فالمؤمن كثير الاستغفار لربه، والكافر إذا آمن لا بد أن يستغفر الله بما وقع فيه من الذنوب، فإذا آمن واستغفر زال عنه ما كان من الذنوب. قال تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38)
    وقوله: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً } يعني مقابلة ومعاينة ومباشرة، وما هي سنة الأولين؟
    الجواب: هي أخذهم بالعذاب العام، لكن لم يأخذ الله هذه الأمة بعذاب شامل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه ألا يهلك أمَّته بسنة بعامة[36] فأجاب الله دعاءه.

    ***




     
  5. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..


    (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً) (الكهف:56)
    قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } هذه وظيفة الرسل ما نرسل المرسلين من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، إلاَّ لهذين الأمرين: مبشرين ومنذرين، يعني ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان بل هم مبشرون ومنذرون، يبشرون المؤمنين وينذرون الكافرين.
    ( مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) منصوبة على الحال من المرسلين، يعني إلاَّ حال كونهم مبشرين ومنذرين.
    ( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) المجادلة هي المخاصمة وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد يَجْدُلُ حجته للآخر والجَدْل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل المجادلة، إذاً يجادل أي يخاصم، والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك في الرسل يقولون: ) أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا)(التغابن: الآية6)، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً)(المؤمنون: الآية24)، ويجادلون في البعث فيقولون: {من يحي العظام وهى رميم} [يس: 78] ، ويجادلون في الآلهة يقولون: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فعيسى عليه السلام من حصب جهنم، وغير ذلك من المجادلة، وقد أبطل الله مجادلتهم بعيسى قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى )(الأنبياء: الآية101)، ومنهم عيسى (أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)(الأنبياء: الآية101)ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيباً من هذه الآية، يعني أن فيه نصيباً من الكفر والعياذ بالله لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، فإذا قال قائل: "الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس، كيف يقال إنها باطل وهي شبهة؟".
    فالجواب: إذا كان غرضهم منها أن يُدحضوا الحق، مثل الذين ينكرون حقيقة استواء الله على العرش ويقولون: إنه لو استوى على العرش لكان "جسماً"، فهؤلاء جادلوا بالباطل من أجل أن يدحضوا الحق الذي أثبته الله لنفسه، وأما مسألة أن الله "جسم" أو غير "جسم" فهذه شيء آخر، المهم أنهم أتوا بهذه الكلمة من أجل إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه "جسم أو غير جسم"، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء، وأما مسألة أنه "جسم أو غير جسم" فهذا مبحث آخر، وهو أننا لا نثبت اللفظ "جسم" ولا ننكره، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى حق قائم بذاته موصوف بصفاته يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، وينزل إلى السماء الدنيا، وينْزِل ليفصل بين العباد، ويعجب ويفرح ويضحك، المهم أنه كلما رأيت شخصاً يجادل يريد أن يدحض الحق، فله نصيب من هذه الآية.
    ( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً) ( وَاتَّخَذُوا) أي صيروا. (آيَاتِي) يعني القرآن.
    (وَمَا أُنْذِرُوا ) أي ما أنذروا به من العذاب اتخذوها { هُزُواً } مثال ذلك أن الكفار استهزؤوا لما أخبر الله عز وجل عن شجرة الزقوم )إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (الصافات:64) ، يعني في قعره، فصاروا يضحكون كيف تخرج في أصل الجحيم، وهي شجرة أبعد ما يكون عن النار، النار حارة جافة والشجرة رطبة، فجعلوا يستهزئون ويقولون: هذا من هذيان محمد صلى الله عليه وسلم، فاتخذوا ما أنذروا به هزواً والله عز وجل قال (فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (الصافات:66) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ(54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (الواقعة:55) ، يملؤون بطونهم من هذه الزَّقوم ملئاً تاماً ثم تحترق من العطش، فماذا يسقون؟ يسقون ماءً حاراً (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } أي على ما في بطونهم { مِنَ الْحَمِيمِ }، ومع ذلك يشربون شرباً ليس عادياً بالنسبة إلى البشر، ولكنه شرب الإبل الهيم، العطاش، هذه الشجرة التي يهزؤون بها هي التي يملؤون بها بطونهم في جهنم.
    ***
    التعديل الأخير تم بواسطة طيف المدينة ; 30 Sep 2011 الساعة 03:45 PM




     
  6. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..



    (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (الكهف:57)
    قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ } أي ذكره الواعظ بآيات ربه الكونية، كأخذه الأمم المكذبين، أو الشرعية كالقرآن.
    ( فَأَعْرَضَ عَنْهَا )ولم يقبلها، أي لا أ حد أظلم منه، فإن قيل: ما الجمع بين هذه الآية، وبين الآية التي في أول السورة وهي قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) ونحوها؟
    فالجواب: بأحد وجهين:
    الأول: أن الأفضلية باعتبار ما شاركه في أصل المعنى، فقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } يعني من أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها من الذين يُذَكَّرون فيُعرِضون، قد يذكر الإنسان فيعرض، لكن أشد ما يكون أن يذكر بآيات الله ثم يعرض عنها، وفي افتراء الكذب قد يفتري الإنسان الكذب على فلان وفلان، وأعظم ما يكون الافتراء عليه هو الله ، وأنت إذا أخذت بهذه القاعدة سلمت من إشكال كبير.
    الثاني: وقيل: إن "أظلم" و"أظلم" يشتركان في الأظلمية ويتساويان فيها بالنسبة لغيرهما، وفيه نظر لأنه لا يمكن أن نقول: إنّ من ذكر بآيات ربه فأعرض عنها أنه يساوي من افترى على الله كذباً، أو من منع مساجد الله أن يُذْكر فيها اسمه يساوي من كذب على الله، ونحو ذلك.
    قوله: { بِآياتِ رَبِّهِ } الكونية والشرعية؛ الكونية أن يقال له: إن كسوف الشمس والقمر يخوف الله بهما عباده فيعرض عنها ويقول: أبداً خسوف القمر طبيعي، وكسوف الشمس طبيعي، ولا إنذار ولا نذير، وهذا إعراض، أما الآيات الشرعية فكثير من يذكر بآيات الله ويعرض عنها.
    ( وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) يعني نسي ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي والاستكبار وغير ذلك مما يمنعه عن قبول الحق، لأن الإنسان والعياذ بالله كلما أوغل في المعاصي، ازداد بعداً عن الإقبال على الحق كما قال الله : ) فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)(الصف: الآية5)، ولذلك يجب أن يُعلم أن من أشد عقوبات الذنوب أن يعاقب الإنسان بمرض القلب والعياذ بالله، فالإنسان إذا عوقب بهلاك حبيب أو فقد محبوب من المال، فهذه عقوبة لا شك، لكن إذا عوقب بانسلاخ القلب فهذه العقوبة أشد ما يكون. يقول ابن القيم :
    [ والله ما خوفي الذنوب فإنها لعلى طريق العفو والغفران ]
    [ وإنما أخشى انسلاخ القلب من تحكيم هذا الوحي والقرآن ]
    هذا هو الذي يخشاه الإنسان العاقل، أما المصائب الأخرى فهي كفارات وربما تزيد العبد إيماناً.
    ( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ) أي صيرنا.
    ( عَلَى قُلُوبِهِمْ ) أي قلوب من { ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ }، وأعيد ضمير الجمع على مفرد باعتبار المعنى؛ لأن "مَن" سواء كان اسماً موصولاً أو شرطية يجوز في عود الضمير إليها أن يعود على لفظها فيكون مفرداً أو يعود على معناها فيكون مجموعاً أو مثنى حسب السياق، فإذا قلت: "يعجبني من قام" فهنا عاد على اللفظ، وإذا قلت: "يعجبني من قاما" فهنا يعود على المعنى، وكذلك لو قلت: "يعجبني من قاموا" وقد يراعى اللفظ مرة والمعنى مرة أخرى وتعود الضمائر لمراعاة الأمرين في سياق واحد، قال تعالى: { ومن يؤمن بالله وعمل صالحا } فهنا روعي اللفظ، وفي قوله: { يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار } روعي اللفظ أيضاً، وقوله: {خالدين فيها أبدا } روعي فيها المعنى، وفي قوله: { قد أحسن الله له رزقا} روعي اللفظ، كل هذا جاء في سياق واحد: ) وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً)(الطلاق: الآية11)، فروعي اللفظ أولاً ثم المعنى ثانياً ثم اللفظ ثالثاً.
    ( أَكِنَّةً ) أي: أغطية تمنعهم من { أَنْ يَفْقَهُوهُ } أن يفقهوا القرآن فلا يفهمونه، وفي هذا الحث على فقه القرآن، وأنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن ويتعلم معناه، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل.
    ( وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ) أي صمماً. تأمل، والعياذ بالله، القلوب عليها غِطاء فلا تفقه، والآذان عليها صمم فلا تسمع، فلا يسمعون الحق ولا يفهمونه.
    ( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ) يعني لو أرشدتهم يا محمد إلى الهدى.
    ( فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً ) أي ما دامت قلوبهم في أكنة، وفي آذانهم وقرٌ لن يهتدوا، فمن أين يأتي الهدى، والآذان لا تسمع الحق والقلوب لا تنقاد للحق والعياذ بالله؟! فإن قال قائل: هل في هذا تيئيس للرسول صلى الله عليه وسلم من أنه وإن دعا لا يقبل منه أو فيه تسلية له؟
    فالجواب: في هذا تسلية له، وأنهم إذا لم يقبلوا الحق فلا عليك منهم(فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً )
    ***




     
  7. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..


    (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (الكهف:58)
    قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} هذا فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقول: لماذا لم يعاجلوا بالعقوبة، كيف يكذبونني وأنا رسول الله ولم يعاقبهم؟! ولكن بَيَّن الله له أنه هو {الْغَفُور } أي الذي يستر الذنوب ويتجاوز عنها.
    ( ذُو الرَّحْمَةِ ) أي صاحب الرحمة الذي يلطف بالمذنب. ولهذا قال: { لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ } يعني لو أراد الله أن يؤاخذ الناس بما كسبوا لعجل لهم العذاب، وقد بين الله عز وجل هذا العذاب في آيات أخرى فقال: )وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً) (فاطر:45) أي لأهلكهم في الحال، ولكن
    ( يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً )"بل" هذه للإضراب الإبطالي، يعني بل لن يسلموا من العذاب إذا أُخر عنهم، لهم موعد { بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) }، أي مكاناً يؤولون إليه، وهذا يوم القيامة، ويحتمل أن يكون ما يحصل للكفار من القتل على أيدي المؤمنين كما قال عز وجل : )قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) (التوبة:15) ، إذاً يحتمل أن يكون المراد ما سيكون عليهم من القتل، والأخذ في الدنيا، أو ما سيكون عليهم يوم القيامة الذي لا مفر منه.
    ***
    (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (الكهف:59)
    قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ } أي: قرى الأمم السابقين، قد يقول قائل هنا إشكال: فإن القرى جماد، والجماد لا يعود عليه الضمير بصيغة الجمع، يعني أنك لا تقول مثلاً: "هذه البيوت عمرناهم" ولكن تقول: "هذه البيوت عمرناها"، فلماذا قال: "أهلكناهم"؟
    فالجواب: قال هذا؛ لأن الذي يهلك هم أهل القرى، وفي هذا دليل واضح على أن القرى قد يراد بها أهلها، وقد يراد بها البناء المجتمع، فالقرية أو القرى تارة يراد بها أهلها وتارة يراد بها المساكن المجتمعة، قال تعالى: )وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59) ، فالمراد بالقرى هنا أهلها، وقال تعالى: ) إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة)(العنكبوت: الآية31)والمراد بالقرية هنا المساكن المجتمعة.
    ( لَمَّا ظَلَمُوا ) المراد بالظلم هنا الكفر، أي: حين كفروا. { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً } يعني جعلنا لإهلاكهم موعداً، والله يفعل ما يشاء، إن شاء عجَّل العقوبة وإن شاء أخر، لكن إذا جاء الموعد لا يتأخر: ولهذا قال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه: )يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (نوح:4) ، فهو أجل معين عند الله في الوقت الذي تقتضيه حكمته.

    ***

    يتبع بإذن الله تفسير باقي الآيات




     
  8. الصورة الرمزية Opto.Hamza

    Opto.Hamza تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..

    [align=center]
    جزيت ِ الفردوس الأعلى ... أختناا الفاضلة // طيف المدينة ...

    موضوع غاية في الروعة ... ويستحق التثبيت والتقييم ...

    بوركت الجهود الرآئعة ،،
    [/align]
     
  9. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عماد الفلسطيني مشاهدة المشاركة
    [align=center]
    جزيت ِ الفردوس الأعلى ... أختناا الفاضلة // طيف المدينة ...

    موضوع غاية في الروعة ... ويستحق التثبيت والتقييم ...

    بوركت الجهود الرآئعة ،،[/align]

    اللهم آمين ولكم بالمثل

    شكراً لكم أخي الفاضل وبارك الرحمن فيكم




     
  10. الصورة الرمزية طيف المدينة

    طيف المدينة تقول:

    افتراضي رد: ..( تفسير سورة الكهف )..


    (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (الكهف:60)


    قوله تعالى (وَإِذْ) مفعول لفعل محذوف والتقدير "اذكر إذ قال"، يعني واذكر إذ قال موسى لفتاه؛ أي: غلامه يوشع بن نون، وكان موسى - عليه الصلاة والسلام - ابن عمران قام يخطب يوماً في بني إسرائيل فقام أحدهم وقال: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ قال موسى: "لا"، وذلك بناء على ظنه أنه لا أحد أعلم منه، فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله، فقال الله عز وجل إنَّ لي عبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين، وذكر له علامة وهي أن تفقد الحوت، فاصطحب حوتاً معه في مِكْتَل[37] وسار هو وفتاه يوشع بن نون، جاء ذلك في البخاري[38] ، لينظر من هذا الذي هو أعلم منه ثم ليتعلم منه أيضاً، كان الحوت في المكتل، فلما استيقظا مع السرعة لم يفتشا في المكتل، وخرج الحوت بأمر الله من المكتل ودخل في البحر.
    ( لا أَبْرَحُ )أي لا أزال، والخبر محذوف والتقدير "لا أزال أسير".
    ( مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ) قيل: إنه مكان الله أعلم به، لكن موسى يعلم، وقيل: إنه ملتقى البحر الأحمر مع البحر الأبيض، وكان فيما سبق بينهما أرض، حتى فتحت القناة وهذا ليس ببعيد، وسبب ذلك أن الله أوحى إليه أن عبداً في مجمع البحرين أعلم منك.
    ( أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أو هنا للتنويع، يعني إما أن أبلغ مجمع البحرين أو أمضي في السير حقباً أي: دهوراً طويلة، وقيل: { أَوْ } بمعنى "إلاَّ" أي حتى أبلغ مجمع البحرين إلاَّ أن { أَمْضِيَ حُقُباً) أي: دهوراً طويلة قبل أن أبلغه، لكن الوجه الأول أسد، فتهيئَا لذلك وسارا، وسبب قوله هذا أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن عبداً لنا هو أعلم منك عند مجمع البحرين، فسار موسى إليه طلباً للعلم.
    (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) (الكهف:61)
    قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا } أي: موسى وفتاه.
    ( مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ) أي: بين البحرين.
    ( نَسِيَا حُوتَهُمَا ) أضاف الفعل إليهما مع أن الناسي هو الفتى وليس موسى، ولكن القوم إذا كانوا في شأن واحد وفي عمل واحد، نسب فعل الواحد منهم أو القائل منهم إلى الجميع، ولهذا يخاطب الله عز وجل بني إسرائيل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (البقرة:50) (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة)(البقرة: الآية55)، مع أنهم ما قالوا هذا؛ لكن قاله أجدادهم.
    (نَسِيَا حُوتَهُمَا) نسيان ذهول وليس نسيان ترك، وهذا من حكمة الله عز وجل ، أن الله أنساهما ذلك لحكمة، وهذا الحوت قد جعله الله سبحانه وتعالى علامة لموسى، أنك متى فقدت الحوت فثَم الخضر، وهذا الحوت كان في مِكْتَل وكانا يقتاتان منه، ولما وصلا إلى مكان ما ناما فيه عند صخرة، فلما استيقظا وإذا الحوت ليس موجوداً، لكنه أي: الفتى لم يتفقد المكتل ونسي شأنه وأمره، هذا الحوت - سبحان الله - خرج من المكتل، ودخل في البحر وجعل يسير في البحر، والبحر ينحاز عنه.
    ( فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ) أي اتخذ الحوت طريقه في البحر.
    ( سَرَباً )أي مثل السرب، والسرب هو السرداب يعني أنه يشق الماء ولا يتلاءم الماء، وهذا من آيات الله، وإلا فقد جرت العادة أن الحوت إذا انغمر في البحر يتلاءم البحر عليه، لكن هذا الحوت من آيات الله، أولاً: أنه قد مات، وأنهما يقتاتان منه، ثم صار حياً ودخل البحر ثانياً: أنه صار طريقه على هذا الوجه، وهذا من آيات الله تبارك وتعالى.


    ***