على القول برجحان الرأي القائل بوجوب إعفاء اللحية، هليصبح هذا الرأي مرجوحا إذا أمر ولي الأمر بخلافه؟
ليس لولي الأمر إصدار قرار ملزم بوجوبإعفاء اللحية أو بتقصيرها وحلقها ,لأن هذا امر لايساس به الناس وإنما يساسونبالثوابت القطعية وبكل ما ترتب على الاخلال به حصول المفسدةالعامة وبكل ما ترتبعليه المصلحة العامة, والامور المتعلقة بالشخص ليس لولي الأمر فيها مدخل فولايةالانسان على نفسه في امور متعلقة بشخصيته لاتتعلق بحق الغير له عليها الولايةالخاصة , وقد تقرر عند الفقهاء أن (الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة) فلذا لوأصدر ولي الأمر قرارا بوجوب اعفاء اللحية أو قرار بوجوب حلقها فإنه لايطاع في ذلككله من حيث الإلزام وذلك لعدم الاختصاص وللتعسف في استعمال الحق ولاينبغي تسطيحهذه المسألة والا ستدلال بقوله تعالى (اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأوليالأمرمنكم) فطاعة اولي الأمر في الأمور التي تدخل ضمن اختصاصه وهي (حراسة الدينوسياسة الدنيا) لأننا سندخل في دوامة التنازع (فإن تنازعتم في شئ فردوه الى اللهوالرسول) ولم يقل واولي الأمر منكم -هنا-أي أن طاعة ولي الأمر تنزع عند التنازع بينالرعية وبين السلطان.
فيرد الجميع الى الكتاب والسنة وبهذا رد ابو حازم على سليمان بن عبد الملكلما قال له سليمان (اما ان الله افترض طاعتنا - واستدل بالآية- فقال له ابو حازم ولكنالله نزعها عند التنازع فقال فإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ) وموضوعاللحية لايخفاكم ما فيه من تنازع فولي الأمر إن كان عالما فله حق الفتيا ولكن ليسله حق الإلزام لما تقدم ,ولايقولن قائل (حكم الحاكم يرفع الخلاف)لأن هذا متعلقهحقوق الغير ,وليست المسائل المتعلقة بالحرية الشخصية ,والرسول عليه الصلاة والسلاملم يلزم الصحابة رضي الله عنهم في ماهو اعظم من اللحية وهو الخلافة من بعدهوإنما ابدى رايا وعرضعرضا فقال (يابى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبابكر)متفق على صحته,بل ان تدخلالسلطان في لأمور الشخصية للناس يعني ماذا يأكلون وماذا يشربون وكيف يسرحون شعرهموبمذا يتطيبون الخ ,حمق ما بعده من حمق ,وقد يقول قائل الا يؤثر ذلك على الهوية بأننجعل الحبل على الغارب ؟
قلنا: موضوع الهوية موضوع خطير لايتم بالإلزام والجبر وإنما بالإقناعوالتأثير ورفع مستوى الوعي لدى الأمة ,فهذا من اختصاص العلماء والمفكرين والمثقفين ,وأما السلطان فليس له إلا أن يسوس الناس بما يصلح دينهم ومعاشهم ,والخلاصة انالسؤال أعلاه لايمكن فرضه ولايترتب عليه فيما لو وقع حكم شرعي ,بل يكون ظلما ,بليكون امرا بمعصية سواء امر بالاعفاء أو أمر بالحلق ,لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة ,ونفس الأمر فيما لو أمرهم بتقصير الثياب او اطالتها ,بل ان الصحابة قالوا يارسولالله لو سعرت ؟يعني لما غلا السعر بالمدينة فرفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعر ,وقال :أن الله هو المسعر القابض الباسط واني لأرجو ان القى الله وليس احد يطلبنيبمظلمة في دم ولا مال.يعني ليس من اختصاصي التسعير ان كان بسبب العرض والطلب وليس للمتلاعبين فيهمدخل ,فكيف بالأمور الشخصية المحضة ,حتى أن الفقهاء قالوا:ليس من حق الأب أن يلزمابنه أن يتزوج من امرأة بعينها ,أو يطلق امرأة بعينها,من غير سبب شرعيواضح.
وجاءت امراة الى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ان اباها زوجها وهي كارهة فرد رسول الله نكاحها .
لماذا؟ لأن الزواج امرشخصي كالطعام والشراب ,لااجبار فيه .وولاية الاب ولاية خاصة هنا ,وللأسف الشديد أنقد نبتت نابتة من الجهال السذج قاموا بترويج امر ليس من الدين ,وهو ان السلطان تجب طاعته في كل شئ ,وهذا غلط محض ,فالسلطان وكيل عن الأمة ووكالته مقيدة وليست مطلقة وقد فصلهاالفقهاء كالعلامة الماوردي فليرجع الى كتاب الأحكام السلطانية له,فهو يوفر للناسالأمن والأمان ويحمي الثغور ويقيم الدين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيمالعلماء وينشر المعارف ويقيم السوق ويحارب البطالة والبطالين ويحارب الفقر ويطورالمجتمع في شتى الميادين ويقيم الحق والعدل والحريات ,ويستثمر الطاقات البشرية ,ويقوم الفقهاء العدولبمراقبة سياساته في الداخل والخارج وفق المنظور الشرعي والمصلحي ,وأما ماعدا ذلك ,فليس له فيه وكالة .
ولو تأملنا لوجدنا ان الله تعالى وتقدس قد ترك لنا حرية الاختيار في اكثرامور حياتنا فلا يمكن أن نكون ملكيين أكثر من الملك