بالنسبة للرجلين اللذين دخلا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد حلقا لحاهما و أعفيا شواربهما فكره النظر إليهما و قال : ويلكما...و بالنسبة للمجوسي الذي دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد حلق لحيته و أعفى شاربه فقال عليه الصلاة و السلام : ويحك... ما مدى صحة هاتين القصتين؟
هل هما قصة واحدة؟ هل كراهة النظر إليهما تدل على تحريم فعلهما؟ هل إنكار صنيعهما يدل على تحريمه؟ ما الفرق بين ويلك و ويحك؟ هل لقائل أن يقول ان حلق اللحية مع إعفاء الشارب كبيرة و يستدل بقوله عليه الصلاة و السلام (ويلكما)؟ هل يشرع الإنكار على الكفار و هل هم مخاطبون بفروع الشريعة؟
1- قال القاضي عياض(يكره حلق اللحية وقصها وتحريقها وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها وقد اختلف السلف في ذلك فمنهم من لم يحد بحد - كالامام الطبري- بل قال لايتركها الى حد الشهرة ويأخذ منها وكره مالك طولها جدا ومنهم من حد بما زاد على القبضة فيزال ,ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة).
2- وأما حديث المجوسي فهو مشهور ولا أعلم مصدره وقد بلغني أن القصتين باطلتين وعلى فرض ثبوته ,فهما كانا يتعبدان بإطالة الشوارب حيث انهما قالا :ربنا امرنا بإطالة الشوارب وحلق اللحية ,فرد عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور. وليس هذا محل البحث والنزاع ,ولايوجد من يتعبد بإطالة الشوارب وجز اللحية .
3- كلمة ويلك او ويحك لاتفيد التحريم الا بقرينة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يمشي بين القبور وعليه نعلان فقال (يا صاحب السبتيتين ويحك الق سبتيتيك) الحديث رواه اهل السنن . وهنا النهي للكراهة الا اذا كانت الارض حارة من الشمس او فيها ما يؤذي كالشوك فيجوز لبس النعال لحديث (يسمع قرع نعالهم),والعرب يكثرون من قول ويلك لكل ما فيه تحذير بل انهم يأتون بها للمدح أيضا ويلك وويحك ما اشجعك!!. فلا يستفاد منها تحريم ,غاية ما فيها ,الانكار عليهم لأنهم نسبوا فعلهم المستقبح الى ربهم ,ونسب رسول الله فعله الحسن الى الله تعالى .
4- الانكار على الكفار مع مراعاة الظروف الموضوعية والمصالح والمفاسد مطلوب وهم مخاطبون بالفروع والأصول على الراجح من الأقوال الثلاثة للأصوليين,ولكن من باب الأولويات لاينكر عليهم امر مختلف في تكليفهم به وإنما ينكر عليهم في أمر متفق على تكليفهم به كالتوحيد والنبوة والمعاد والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المجوسيين حلق اللحية كما قد يتوهم وإنما أنكر عليهم نسبة المستقبح الى الله تعالى وهذا متعلق بالأصول والعقائد وجاء موضوع اللحية والشارب كمثال فحسب ,فالمجوس عندهم نكاح المحارم ويزعمون أن الله أمرهم بذلك ونكاح المحارم من الفروع وليس من الأصول فالإنكار عليهم هو في نسبة القبيح الى الله تعالى وأما نفس نكاح المحارم فيخاطبون به بعد الإقرار بأن الله تعالى لاينسب اليه القبيح .
5- حلق الشارب واستئصاله مثله عند مالك رحمه الله وكثير من الفقهاء ,والمثله الأكبر عندما ترى الرجل وقد حلق شاربه واطلق لحيته ,ولو حلق لحيته وهذب شاربه فهو أخف من حيث المثله ,وليس في الأمر كبيرة ,لا من قريب ولا من بعيد وخصوصا بعد ان نقلنا كلام القاضي عياض,وتصريحه بالكراهة وجعل المبالغة في تعظيمها كجزها وحلقها .