الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    4 ـ آية قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية:
    ومن الآيات التي زعموا أنها (آية السيف): آية سورة التوبة في قتال أهل الكتاب، وهي قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة: 29).

    قالوا: هذه الآية تأمر بقتال أهل الكتاب الذين وصفتهم الآية بما وصفتهم به، من اليهود والنصارى، ولم تشترط لقتالهم: أن يكونوا قاتلوا المسلمين، وعلى الذين آمنوا أن يقاتلوا هؤلاء حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
    ومن الواضح لمن تدبر آيات القرآن، وربط بعضها ببعض: أن هذه الآيات نزلت بعد غزوة تبوك، التي أراد النبي فيها مواجهة الروم، والذين قد واجههم المسلمون من قبل في معركة مؤتة، واستشهد فيها القواد الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم على التوالي: زيد بن حارثه، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة.
    فالمعركة مع دولة الروم كانت قد بدأت، ولا بد لها أن تبدأ، فهذه الإمبراطوريات الكبرى لا يمكن أن تسمح بوجود دين جديد يحمل دعوة عالمية، لتحرير البشر، من العبودية للبشر: "أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" (آل عمران: 64).
    وهم الذين بدءوا المسلمين بقتل دعاتهم والتحرش بهم، وهو المعهود والمنتظر منهم، فهذه معركة حتمية لا بد أن يخوضها المسلمون، وهي كره لهم.
    الرسول الكريم أقدم على غزوة تبوك حين بلغه أن الروم يعدون العدة لغزوه في عقر داره في المدينة، فأراد أن يغزوهم قبل أن يغزوه، ولا يدع لهم المبادرة، ليكون زمامها بأيديهم. وهذا من الحكمة وحسن التدبير.
    فالآية الكريمة هنا تأمر باستمرار القتال لهؤلاء الروم الذين يزعمون أنهم أهل كتاب، وأنهم على دين المسيح، وهم أبعد الناس عن حقيقة دينه.
    ولكن هذه الآية لا تقرأ منفصلة عن سائر الآيات الأخرى في القرآن، فإذا وجد في أهل الكتاب من اعتزل المسلمين، فلم يقاتلوهم، ولم يظاهروا عليهم عدوا، وألقوا إليهم السلم، فليس على المسلمين أن يقاتلوهم، وقد قال الله تعالى: في شأن قوم من المشركين: "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً" (النساء:90).
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوا الحبشة ما ودعوكم"[29] والحبشة نصارى أهل كتاب، كما هو معلوم.
    وقال العلامة رشيد رضا: في تفسير قوله تعالى: "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" هذه غاية للأمر بقتال أهل الكتاب ينتهي بها إذا كان الغلب لنا، أي قاتلوا من ذكر: عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم، أو على بلادكم، أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم، أو تهديد أمنكم وسلامتكم، كما فعل الروم، فكان سببا لغزوة تبوك، حتى تأمنوا عدوانهم بإعطائكم الجزية في الحالين اللذين قيدت بهما، فالقيد الأول لهم، وهو: أن تكون صادرة عن يد أي قدرة وسعة، فلا يظلمون ويرهقون، والثاني لكم، وهو: الصغار المراد به كسر شوكتهم، والخضوع لسيادتكم وحكمكم، وبهذا يكون تيسير السبيل لاهتدائهم إلى الإسلام بما يرونه من عدلكم وهدايتكم وفضائلكم، التي يرونها أقرب إلى هداية أنبيائهم منهم. فإن أسلموا عم الهدى والعدل والاتحاد، وإن لم يسلموا كان الاتحاد بينكم وبينهم بالمساواة في العدل، ولم يكونوا حائلا دونها في دار الإسلام.
    والقتال لما دون هذه الأسباب التي يكون بها وجوبه عينيا أولى بان ينتهي بإعطاء الجزية، ومتى أعطوا الجزية: وجب تأمينهم وحمايتهم، والدفاع عنهم، وحريتهم في دينهم بالشروط التي تعقد بها الجزية، ومعاملتهم بعد ذلك بالعدل والمساواة كالمسلمين، ويحرم ظلمهم وإرهاقهم بتكليفهم ما لا يطيقون كالمسلمين، ويسمون (أهل الذمة) لأن كل هذه الحقوق تكون لهم بمقتضى ذمة الله وذمة رسوله. وأما الذي يعقد الصلح بيننا وبينهم بعهد وميثاق، يعترف كل منا ومنهم باستقلال الآخر فيسمون (أهل العهد) والمعاهدين.[30]
    وقال العلامة الشيخ محمود شلتوت في رسالته (القرآن والقتال):
    (وقد جاء في سورة التوبة بعد هذه الآيات آيتان ربما أوهم ظاهرهما خلاف ما تقرر هذه الآيات في سبب القتال، نسوقهما هنا، ونبين ما يدلان عليه في ضوء الآيات المتقدمة التي تعتبر ـ لكثرتها ووضوحها ـ أصلا في مشروعية القتال وسببه يجب أن يتحاكم إليه ويخرج ما سواه عليه.
    أولا: قوله تعالى: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة: 29).
    ثانيا: قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين" (التوبة: 123).
    فالآية الأولى تأمر المسلمين باستمرار مقاتلة طائفة هذه صفتها (لا يؤمنون بالله، : إلخ) قد ارتكبت من قبل مع المسلمين ما كان سببا للقتال من نقض عهد وانقضاض على الدعوة، ووضع للعراقيل في سبيلها، فهي لا تجعل عدم الإيمان وما بعده سببا للقتال، ولكنها تذكر هذه الصفات التي صارت إليهم، تبيينا للواقع، وإغراء بهم مع تحقق العدوان منهم؛ غيروا دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دونه، يحللون لهم بالهوى ويحرمون، غير مؤمنين بتحليل الله ولا تحريمه، وليس عندهم ما يردعهم عن نقض عهد، ولا مصادرة حق، ولا رجوع عن عدوان وبغي.
    هؤلاء هم الذين تأمر الآية باستمرار قتالهم حتى تأمن شرهم، وتثق بخضوعهم، وانخلاعهم من الفتنة التي يتقلبون فيها، وجعل القرآن على هذا الخضوع علامة، هي دفعهم الجزية، التي هي اشتراك فعلي في حمل أعباء الدولة، وتهيئة الوسائل إلى المصالح العامة للمسلمين وغير المسلمين.
    وفي الآية ما يدل على سبب القتال الذي أشرنا إليه وهو قوله تعالى: (وهم صاغرون)، وقوله: (عن يد) فإنهما يقرران الحال التي يصيرون إليها عند أخذ الجزية منهم، وهي خضوعهم، وكونهم بحيث يشملهم سلطان المسلمين؛ وتنالهم أحكامهم، ولا ريب أن هذا يؤذن بسابقية تمردهم، وتحقق ما يدفع المسلمين إلى قتالهم.
    هذا هو المعنى الذي يفهم من الآية، ويساعد عليه سياقها، وتتفق به مع غيرها، ولو كان القصد منها أنهم يقاتلون لكفرهم، وأن الكفر سبب لقتالهم لجعلت غاية القتال إسلامهم، ولما قبلت منهم الجزية وأقروا على دينهم.
    أما الآية الثانية: (قاتلوا الذين يلونكم...) فليست واردة مورد الآيات السابقة في بيان سبب القتال وما يحمل عليه، وإنما جاءت إرشادا لخطة حربية عملية تترسم عند نشوب القتال المشروع فعلا، فهي ترشد المسلمين إلى وجوب البدء عند تعدد الأعداء بقتال الأقرب فالأقرب عملا، على إخلاء الطريق من الأعداء المناوئين، وتسهيلا لسبل الانتصار.[31]
    وهذا المبدأ الذي قرره القرآن من المبادئ التي تعمل بها الدول المتحاربة في هذا العصر الحديث، فلا تخطو دولة مهاجمة خطوة إلا بعد إخلاء الطريق أمامها، والاطمئنان إلى زوال العقبات من سبيلها.
    وبهذا يتبين أنه لا صلة للآيتين بسبب القتال الذي تضافرت الآيات الأخرى على بيانه[32]. انتهى.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  2. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    بعض الآيات التي ادَّعوا نسخها بآية السيف:
    لا يتسع المجال هنا لنتعرض للآيات الكثيرة والوفيرة التي زعموا أنها نسخت بآية السيف، فهذا ذكره يطول.

    فإنهم لم يتركوا آية تدعو إلى الرفق واللين، أو العفو والصفح، أو الصبر والدفع بالتي هن أحسن، أو غير ذلك مما هو أساس في مكارم الأخلاق التي أعلن محمد عليه الصلاة والسلام أنه بعث ليتممها – إلا قالوا عنها: نسختها آية السيف.
    فقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل: 125) قالوا : نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت: 34) قالوا: نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة: 256) قالوا: نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (الأعراف: 199) قالوا: نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" (الأنفال: 61) قالوا: نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى: "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" (النساء: 90) قالوا : نسختها آية السيف.
    وقوله تعالى لرسوله: "واتبع ما يُوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين" (يونس: 109) قالوا: نسختها آية السيف.
    ومثلها كل ما أمر فيه الرسول بالصبر، مثل قوله تعالى: "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون" (الروم: 60)، وقوله تعالى: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم" (الأحقاف: 35)، وغيرها.
    وسنختار هنا بعض هذه الآيات مما يحتاج إلى بيان في موضوع الجهاد والقتال، لنلقي عليها شعاعا، يبين الصواب من الخطأ، ويميز الحق من الباطل.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  3. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    أـ آية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم):
    ومن الآيات التي ادعوا فيها أنها نسختها (آية السيف) قوله تعالى في سورة البقرة: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (البقرة: 190). والمراد: نسخت مفهومها. إذ مفهوم المخالفة في قوله "قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم": ألا نقاتل من لا يقاتلنا.

    قال أبو جعفر النحاس:
    قال ابن زيد[33]: هي منسوخة، نسخها: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" (التوبة: 36).
    وعن ابن عباس: أنها محكمة، روى عنه ابن أبي طلحة: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" قال: لا تقتلوا النساء والصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده، فمن فعل ذلك فقد اعتدى.
    قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح القولين، من السنة والنظر.
    فأما السنة، فحدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان[34]. وهكذا يروي أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب: لا تقتلوا النساء والصبيان والرهبان في دار الحرب فتعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين.
    قال أبو جعفر: والدليل على هذا من اللغة: أن (فاعَل) يكون من اثنين، فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك، فهذا لا يكون في النساء ولا الصبيان، ولهذا قال من قال من الفقهاء[35]: لا يؤخذ من الرهبان الجزية، لقول الله عز وجل: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر..." إلى "..حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة: 23). وليس الرهبان ممن يقاتل، فصار المعنى: فقاتلوا في طريق الله وأمره: الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، فتقتلوا النساء والصبيان والرهبان، ومن أعطي الجزية، فصح أن الآية غير منسوخة[36]. انتهى.
    ونحن مع الإمام أبي جعفر النحاس في أن هذه الآية محكمة وليست منسوخة، إذ الأصل في آيات القرآن هو الإحكام، وجاء حكمها ساريا نافذا، ولا نسخ إلا بدليل قاطع، ولا دليل. ونزيد على ما قاله أبو جعفر: أنها نهت بمفهومها عن قتال من لم يقاتلنا، ولم ينسخ هذا المفهوم أيضا.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  4. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    ب ـ آية: (لا إكراه في الدين):
    ومن الآيات التي قالوا: إن آية السيف نسختها قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة: 256).

    والذي أراه: أن مثل هذه الآية لا تنسخ؛ لأنها معللة بعلة لا تقبل النسخ، فهي تبين أن الدين الحق –وهو دين الإسلام- لا يقبل الإكراه، ولا يجوز الإكراه، لعلة ظاهرة، وهو: أنه لا يحتاج إلى إكراه قط، لجلاء بنيانه، ووضوح دلائله، يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآية: يقول تعالى: (لا إكراه في الدين): أي لا تكره أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره له، ونور بصيرته: دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا. وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عاما. انتهى[37].
    ومما يحتج به لهذا القول: ما ذكره أبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ) بإسناده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لعجوز نصرانية: أسلمي أيتها العجوز تسلمي، إن الله بعث محمدا بالحق، قالت العجوز: أنا عجوز كبيرة، وأموت إلى قريب. فقال عمر: اللهم اشهد. ثم قال (لا إكراه في الدين)[38].
    ورجح النحاس أن الآية مخصوصة بأهل الكتاب، لما رواه النسائي، بإسناده إلى ابن عباس قال: كانت المرأة تجعل على نفسها –إن عاش لها ولد- أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير، كان فيهم من أبناء الأنصار! فقالت الأنصار: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
    قال أبو جعفر: قول ابن عباس في هذا الآية أولى الأقوال لصحة إسناده، وأن مثله لا يؤخذ بالرأي، فلما خبر أن الآية نزلت في هذا، وجب أن يكون أولى الأقوال، وأن تكون الآية مخصوصة.[39]
    ونحن مع أبي جعفر النحاس، ومع ابن عباس رضي الله عنهما في أن الآية نزلت فيما ذكره من قصة الأنصار، ولكن المقرر عند جمهور العلماء: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولفظ الآية عام، يتناول السبب وغيره.
    ومما يؤكد ما جاءت به هذه الآية من نفي الإكراه بصيغة مطلقة: ما جاء القرآن المكي من مثل قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس:99) بهذا الاستفهام الإنكاري، وقوله تعالى على لسان نوح لقومه: "أَرَأَيْتُمْ إِن كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" (هود:28).
    ومما يؤيد ما دلت عليه الآية من النفي المطلق للإكراه في الدين: ما عللت به الآية ذلك. بقوله تعالى: (قد تبين الرشد من الغي) فلا حاجة إذن إلى الإكراه، ولا مبرر له.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  5. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    جـ ـ آية (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها):
    يقول الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها...).

    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما تخافن من قوم خيانة أو غدرا، فانبذ إليهم على سواء، وآذنهم بحرب، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحرب: إما بالدخول في الإسلام، أو بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح، فاجنح لها، بقول: فمل إليها وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه.
    ثم ذكر الطبري قول قتادة وابن زيد بأن هذه الآية نسختها آية براءة (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)... إلخ ثم رد عليه قائلا: فأما قول قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فنقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة، ولا فطرة عقل.
    قال: وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره، على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه، فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا[40]. انتهى.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  6. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    د ـ من عجائب ما قالوا في النسخ:
    ومن عجائب ما قالوا في النسخ في القرآن: ما قاله الإمام أبو بكر بن العربي: من أغرب آية في النسخ، قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (الأعراف: 199)، أول الآية منسوخ، وآخرها منسوخ، وأوسطها محكم[41]!! يعني قوله تعالى (خذ العفو) منسوخ، وقوله: (وأعرض عن الجاهلين) منسوخ. وطبعا الناسخ هنا: آية السيف فيما يزعمون.

    وهذا مع أن هناك من المفسرين من قالوا: إن هذه الآية جمعت مكارم الأخلاق، فكيف تنسخ، والرسول عليه السلام قد قال عن نفسه "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" أو مكارم الأخلاق"[42].
    فأما قوله: (خذ العفو) ففسر بأخذ العفو من المال، وقيل: نسخته الزكاة المفروضة. وفسر بأنه أخذ العفو من أخلاق الناس، يعني الأمر بالاحتمال، وترك الغلظة والفظاظة، كما قيل وجاء هذا التفسير عن عبد الله وعروة ابني الزبير بإسناد صحيح[43].
    قال النحاس: وهذا أولى ما قيل في الآية، لصحة إسناده، وأنه عن صحابي يخبر بنزول الآية، وإذا جاء الشيء هذا المجيء لم يسع أحدًا مخالفته، والمعنى عليه: (خذ العفو): أي السهل من أخلاق الناس، ولا تغلظ عليهم، ولا تعنف بهم. وكذا كانت أخلاقه صلى الله عليه وسلم: أنه ما لقي أحدًا قط بمكروه في وجهه، ولا ضرب أحدًا بيده، وقيل لعائشة رضوان الله عليها: ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان خلقه القرآن[44].
    ورجح الطبري أن هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم في علاقته بالكفار، أمره بالرفق بهم بدلالة السياق[45].
    وخالفه غيره، فقال: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالأخلاق السهلة اللينة لجميع الناس، بل هذا للمسلمين أولى، وقد قال ابن الزبير – وهو الذي فسر الآية: والله لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقيت، كما أمر الله عز وجل[46]. فهو يراها محكمة باقية.
    وفي الآية (وأمر بالعرف) والعرف: هو المعروف، وهو: أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وقد جاء هذا في الحديث.
    ومنها: (وأعرض عن الجاهلين) زعم ابن زيد: أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال، وقال غيره: ليست بمنسوخة، وإنما أمر باحتمال من ظلم. وما بعد هذه الآية يدل على ذلك: "وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله" (الأعراف: 200).
    وقد فسر ابن القيم هذه الآية الكريمة تفسيرًا حسنًا في سياق حديثه عن جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان تعامله مع الناس.
    قال رحمه الله في الهدي النبوي:
    (فأمره -عز وجل- باتقاء شر الجاهلين بالإعراض عنهم، وباتقاء شر الشيطان بالاستعاذة منه، وجمع له في هذه الآيات مكارم الأخلاق والشيم كلها، فإن ولي الأمر له مع الرعية ثلاثة أحوال: فإنه لا بد له من حق عليهم يلزمهم القيام به، وأمر يأمرهم به، ولا بد من تفريط وعدوان يقع منهم في حقه، فأمر بأن يأخذ من الحق الذي عليه ما تطوعت به أنفسهم وسمحت به، وسهل عليهم، ولم يشق، وهو العفو الذي لا يلحقهم ببذله ضرر ولا مشقة، وأمر أن يأمرهم بالعرف، وهو المعروف الذي تعرفه العقول السليمة، والفطر المستقيمة، وتقر بحسنة ونفعه، وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضا لا بالعنف والغلظة. وأمره أن يقابل جهل الجاهلين منهم بالإعراض عنه، دون أن يقابله بمثله، فبذلك يكتفي شرهم.)[47]
    ومن الخطأ البين، أن يعتبر كل أمر جاء به القرآن بالإعراض عن المشركين: منسوخًا بآية السيف، فهذا من التوجيه الخلقي، في القرآن، وتكوين الجانب الأخلاقي في الشخصية الإسلامية.
    وقد جاءت عدة آيات تأمر بذلك، وذكر ابن كثير وغيره في تفسيرها: أنها محكمة غير منسوخة.
    منها ما جاء في سورة الأنعام: "اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الأنعام: 106)، فهو مأمور أن يتبع وحي الله إليه، مؤتمرا بأوامره، منتهيا عن نواهيه، معرضا عن المشركين، غير مبال بهم، وفي سورة الحجر: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" (الحجر: 94).
    أمره أن يصدع بما أمره الله به، مبلغا رسالة ربه، ولا يبالي بالمشركين الذين يقفون في وجهه، ويصدون عن سبيله.
    وفي سورة السجدة يقول تعالى: "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ* قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ" (الآيات: 28 - 30).
    يذكر القرآن هنا: أن المشركين يستعجلون يوم الفتح، وهو يوم القضاء والفصل بينهم وبين المسلمين. وهو: إما يوم القيامة، الذي يفصل الله فيها بين الخلائق جميعا، أو يوم العذاب الذي ينزل الله فيه بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وإن أي لم ينفع هؤلاء الإيمان لو آمنوا؛ لأنه إيمان المضطر الذي لم يعد له خيار، فلا يقبل كما قال تعالى: "فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" (غافر:85).
    فأمر الرسول أن يعرض عنهم، كما قال ابن كثير: أي أعرض عن هؤلاء المشركين، وبلغ ما أنزل إليك من ربك، وانتظر فإن الله سينجز لك ما وعدك، سينصرك على من خالفك، إنه لا يخلف الميعاد، وقوله: (إنهم منتظرون): أي أنت منتظر، وهم منتظرون، يتربصون بكم الدوائر، وسترى أنت عاقبة صبرك عليهم... إلخ[48].
    وفي سورة النجم يقول تعالى: "فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا. ذلك مبلغهم من العلم" (النجم: 29 - 30). والإعراض في الآية لا يخرج عن معناه في الآيات السابقة، وهو الذي مدح الله به جماعة من المؤمنين بقوله: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (القصص: 55).
    ومثل الأمر بالإعراض: الأمر بالتولي عن المشركين، كما قال تعالى: "فتولّ عنهم حتى حين" (الصافات: 171)، وقوله: "فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر" (القمر: 6)، وقوله: "فتولّ عنهم فما أنت بملوم" (الذاريات: 54).
    وكما أمر الرسول الكريم أن يعرض عن المشركين: أمر أيضًا أن يعرض عن المنافقين، كما في قوله تعالى في سورة النساء: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا" (النساء: 63).
    وفي نفس السورة يقول سبحانه عن هؤلاء المنافقين: "وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً" (النساء:81).
    فالإعراض عن المنافقين في الآيتين لا يتصور أن يدعى أنه نسخ بآية السيف، لأن المنافقين لا يجاهدون بالسيف، إذ هم في الظاهر مسلمون، تجري عليهم أحكام المسلمين، ولكن معنى الإعراض عنهم: ألا يبالوا بهم وبمكايدهم، ولا يجعل موقفهم عقبة في سبيل دعوته.
    وروى البخاري في التفسير باب "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"... حديث ابن عباس: أن عيينة بن حصن ـ الزعيم البدوي القبلي المعروف ـ قدم المدينة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان ممن يدنيهم عمر ويستشيرهم.. فطلب منه عيينة أن يستأذن له ليدخل على عمر، ففعل، وأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل! فغضب عمر حتى همّ به.. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى قال لنبيه (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) وإن هذا من الجاهلين: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله.[49]
    فانظر: كيف استدل الحر بالآية، وكيف قبلها عمر، ووقف عندها، ولم يقل: إن هذه الآية منسوخة، فهذا لم يقله أحد من هؤلاء، لا عمر ولا تاليها الحر بن قيس، ولا راويها ابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  7. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    آية السيف نسخ آخرها أولها
    ومن غرائب ما قالوه في النسخ ما ذكره العلامة ابن العربي في قوله: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار، والتولي والإعراض والكف عنهم، فهو منسوخ بآية السيف وهي قوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة: 5)، نسخت مائة وأربعا وعشرين آية، ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهو قوله: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة فخلوا سبيلهم" (التوبة: 19).[50]

    وقد زاد الأستاذ الدكتور مصطفى زيد في كتابه القيم (النسخ في القرآن الكريم) على ذلك مما قال المفسرون وبعضهم، فأوصلها إلى مائة وأربعين آية، زعموا أنها نسختها آية السيف، وهي الآية التي ذكرها بان العربي عند الأكثرين، أو غيرها كما سنبين.
    ورد الدكتور زيد رحمه الله على هذه الأقوال كلها ردا علميا رصينا موثقا بالأدلة.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  8. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    تأويل الزركشي لآية السيف ومعنى النسخ فيها:
    وذهب الإمام الزركشي في (البرهان) مذهبا مغايرا لمن قبله في تأويل معنى النسخ الذي ذكروه بآية السيف، وتفسيره تفسيرا جديدا، بحيث لا يلغي حكم النص المنسوخ بالكلية، بل هو يبقى على سبب يرتفع بارتفاعه، ويعود بعوده وهو ما ذكره في بيان النوع الثالث من أنواع النسخ:

    الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب؛ كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر وبالمغفرة للذين يرجون لقاء[51] الله ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك. وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وإنما هو نسء؛ كما قال تعالى (أو ننسها) فالمنسأ هو الأمر بالقتال، إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى.
    قال الزركشي:
    وبهذا التحقيق تبين ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف: أنها منسوخة بآية السيف، وليست كذلك بل هي من المنسأ، بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امتثاله أبدا. وإلى هذا أشار الشافعي في (الرسالة) إلى النهي عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل الدافة[52]، ثم ورد الإذن فيه، فلم يجعله منسوخا، بل من باب زوال الحكم لزوال علته؛ حتى لو فاجأ أهلَ ناحية جماعة مضرورون تعلق بأهلها النهي.
    ومن هذا قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم…" (المائدة: 105)، كان ذلك في ابتداء الأمر[53]، فلما قوي الحال وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمقاتلة عليه. ثم لو فرض وقوع الضعف كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" عاد الحكم، وقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت هوى متبعا، وشحا مطاعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك"[54].
    وهو سبحانه وتعالى حكيم أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم حين ضعفه: ما يليق بتلك الحال، رأفة بمن تبعه ورحمة، إذ لو وجب لأورث حرجا ومشقة؛ فلما أعز الله الإسلام وأظهره ونصره، أنزل عليه من الخطاب ما يكافئ تلك الحالة من طالبة الكفار بالإسلام، أو بأداء الجزية – إن كانوا أهل كتاب- أو الإسلام أو القتل إن لم يكونوا أهل كتاب.
    ويعود هذان الحكمان – أعني المسالمة عند الضعف والمسايفة (استخدام السيف) عند القوة – بعود سببهما، وليس حكم المسايفة ناسخا لحكم المسالمة، بل كل منهما يجب امتثاله في وقته[55]. انتهى.
    وقد نقل السيوطي في (الإتقان) معنى هذا النص، وإن لم يشر إلى أنه أخذه من الزركشي رحمه الله، كعادته فيما ينقل.
    وهذا التفسير من الزركشي للنسخ بآية السيف يحسن أن يقبل إذا أخذناه في حالة الجهاد الواجب، مثل جهاد العدو إذا احتل أرضا وعجز المسلمون عن مقاومته، كما في حالة احتلال روسيا للجمهوريات الإسلامية، وضمها قسرا إلى الاتحاد السوفيتي، وإدخالها رغم أنفها وراء الستار الحديدي. فهنا نقول: الجهاد لمقاومة هذا العدو (منسأ) ومؤجل حتى تتاح الفرصة، وتواتي القوة لمقاومته، والتحرر من نيره، أما تفسير الإنساء هنا بأنه في حالة الضعف نكف أيدينا عن الناس، وفي حالة القوة نقاتل العالم كله: من قاتلنا ومن كف يده وألقى إلينا السلام، فهذا ما نرفضه؛ لأنه ينافي الآيات الأخرى في سورة البقرة وفي سورة النساء، وفي سورة الأنفال، وفي سورة الممتحنة وغيرها. بل في سورة التوبة نفسها، حتى بعض الآيات التي قيل فيها: إنها آية السيف، مثل قوله تعالى: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) لأن الآية هنا تأمر بالرد بالمثل. وهذا من العدل المشروع الذي لا يختلف في شرعيته اثنان.
    وهل من المنطق أن نقول للناس (الأمريكان وأمثالهم): نحن لا يجب علينا أن نقاتلكم الآن، لأننا ضعفاء عسكريا، ولا نملك من الأسلحة ما تملكون، ولكن حين نملك مثل ما تملكون أو قريبا منه: سنقاتلكم جميعا؟!
    هل يسوغ أن نقول هذا للناس: إننا تركنا قتالكم لضعفنا، ويوم نقوى ففرض علينا أن نغزوكم في عقر داركم حتى تسلموا أو تعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون؟
    إننا إذا قلنا هذا، فقد أغرينا العالم كله بحربنا، والوقوف ضد أطماعنا وتوسعنا، والتضامن لصد خطرنا، وإيقاف زحفنا!!.
    وسيقول الناس عنا: إن أخلاقيات المسلمين غير ثابتة، فهم يبيحون لأنفسهم في حالة القوة ما لا يبيحون لها في حالة الضعف. ولا يمكننا أن نطمئن إلى المسلمين في معاهدة أو مصالحة، لأنهم يحترمون ذلك ما داموا عاجزين، فإذا قدروا تغير الحكم، وأباح لهم دينهم ما كان محظورا عليهم في التعامل مع الآخرين.
    وهذه ـ ولا شك ـ سمعة سيئة للإسلام وأهله، تضر بهم وبدعوتهم، وتجعلهم أشبه بما كنا نعيبه على الغربيين، الذين يقولون: إن الغاية تبرر الوسيلة، وإن المعاهدات إنما هي حجة على الضعيف.


    [1] تفسير ابن كثير (1/149) طبعة الحلبي.
    [2] إعلام الموقعين (1/28، 29).
    [3] الموافقات (3/75).
    [4] انظر : تفسير ابن كثير (1/149) طبعة الحلبي.
    [5] انظر : تفسير ابن كثير (1/149) طبعة الحلبي.
    [6] انظر : تفسير المنار (1/414) وما بعدها. الطبعة الرابعة لدار المنار.
    [7]
    [8] في الأصل: بما نسخ الله من التوراة بالقرآن والإنجيل، وأعتقد أن في العبارة تقديما وتأخيرا. وقع سهوا من ناسخ أو طابع، فإن التوراة والإنجيل هما المنسوخان، وهما متلوان، وإلا لقال: وهي متلوة.
    [9] البرهان: (2/30).
    [10] الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (4/84، 83).
    [11] الموافقات (3/64). وقد أشار إلى أبي جعفر النحاس صاحب كتابـ(الناسخ والمنسوخ) وما أشار إليه من كتابه مذكور في ص761-764 طبعة مكتبة الفلاح. بتحقيق د. محمد عبد السلام محمد.
    [12] انظر : تفسير الطبري : (14/40-42). والنسخ في القرآن (2/564، 565) .
    [13] انظر السيوطي في الإتقان : (3/71، 72).
    [14] انظر تفسير الطبري في الآيات 1- 5 في السورة : 14/ 95، 137.
    [15] انظر تفسير الطبري في الآيات 6 – 15 في السورة : 138-162.
    [16] انظر: النسخ في القرآن الكريم لمصطفى زيد (2/504، 507).
    [17] انظر: تفسير الطبري (14/140) طبعة دار المعارف – والناسخ والمنسوخ للنحاس (494-496).
    [18] انظر: المحرر الوجيز (6/412) طبعة قطر.
    [19] تفسير الطبري (14 / 241، 242)
    [20] في الكشاف في تفسير الآية: حال من الفاعل أو المفعول به (2/ 188، 189) .
    [21] انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (6/486) طبعة مؤسسة دار العلوم بدولة قطر، وانظر : تفسير القرطبي (8/136) ، طبعة دار الكتب المصرية.
    [22] انظر: تفسير الطبري (14/269) طبعة دار المعارف بتحقيق محمود محمد شاكر.
    [23] انظر: نظم الدرر للبقاعي (8/478) طبعة العثمانية –حيد آباد – الهند.
    [24] انظر : تفسير الطبري (14/ 260 – 270)
    [25] نظم الدرر للبقاعي (8/477، 478) .
    [26] متفق عليه، وقد تقدم عن ابن عباس. اللؤلؤ والمرجان (859و1219).
    [27] الفتح (7/400) طبعة دار ابن حيان.
    [28] المغني (13/6، 7).
    [29] رواه النسائي في الجهاد في حديث طويل في قصة حفر الخندق. عن أبي سكينة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وتمامه: "واتركوا الترك ما تركوكم"، وحسنه الألباني في صحيح النسائي برقم (2976) وحسنه أيضا في صحيح الجامع الصغير (3384) وفي سلسلة (الصحيحة): (772).
    [30] انظر: تفسير المنار (10/ 278، 279) .
    [31] قد وقف بعض من يقصد الكيد للإسلام عند ظاهر هذه الآية: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) وزعم أن الدين الإسلامي يأمر بقتال الكفار عامة، حصل اعتداء منهم أم لم يحصل، حتى يؤمنوا ويدينوا بالإسلام – قال: وقد استقر الحكم في الشريعة على هذا. والواقع أن المراد من كلمة الكفار في الآية ونظائرها، المشركون المحاربون الذي قاتلوا المسلمين واعتدوا عليهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، ووقفوا فتنة للناس في دينهم وهم الذين تحدثت عن أخلاقهم أوائل سورة التوبة.
    وكذلك المراد في كلمة (الناس) الواردة بحديث (أمرت أن أقاتل الناس)، فإن الذي يتوقف انتهاء قتاله على ما ذكر في الحديث بالإجماع هم مشركو العرب خاصة. أما غيرهم فيكفي في انتهاء قتالة أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
    وبهذا تتفق الآيات بعضها مع بعض، ويجمع بينها وبين الأحاديث ويسقط مثل ذلك الزعم الباطل. شلتوت.
    [32] انظر: القرآن والقتال ص37- 78 طبعة دار الفتح ـ بيروت.
    [33] هو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ.
    [34] الحديث متفق عليه، وقد تقدم.
    [35] هكذا يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم، بخلاف الشافعية، فهو يرى أخذها من الرهبان، انظر: الأم: 4/98، المغني : 9/341.
    [36] الناسخ والمنسوخ (107، 108) .
    [37] تفسير ابن كثير (1/310) طبعة الحلبي.
    [38] الناسخ والمنسوخ للنحاس (259) .
    [39] المصدر السابق.
    [40] انظر: تفسير الطبري (14/ 40-43) بتحقيق محمود محمود شاكر.
    [41] انظر: أحكام القرآن : (1/338) والبرهان للزركشي (2/41) وقبل ابن العربي قاله هبة الله الضرير في كتابه.
    [42] رواه ابن سعد في الطبقات والحاكم وصححه.
    [43] رواه البخاري في التفسير. (4643، 4644) . وأبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ) ص448.
    [44] رواه مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل والوتر.
    [45] انظر: جامع البيان (9/155) .
    [46] انظر: الناسخ والمنسوخ (449).
    [47] زاد المعاد (3/162) طبعة الرسالة.
    [48] تفسير ابن كثير (3/464، 465) طبعة الحلبي.
    [49] رواه البخاري في التفسير 4642).
    [50] انظر البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/41) ، والإتقان للسيوطي (3/69) وأحكام القرآن لابن العربي.
    [51] إشارة إلى الآية 14 من سورة الجاثية.
    [52] في الأصل (الرأفة) وهو تحريف ناسخ أو طابع يقينا. والدافة : القوم الذين دفوا أي دخلوا على المدينة من خارجها.
    [53] هذا غير مسلم، فهذه الآية في سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن، فلا يعتبر ما نزل فيها (في ابتداء الأمر) .
    [54] رواه أبو داود في الملاحم (4341) والترمذي في التفسير (3060) وقال: حسن غريب وابن ماجة في الفتن (4014) والحاكم وصححه (4/322) ووافقه الذهبي.
    [55] البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/ 42، 43) طبعة عيسى الحلبي، بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  9. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    إن الدين للعقلاء فقط: «كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون».
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  10. الصورة الرمزية عبدالله الكعبي

    عبدالله الكعبي تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Albayaan مشاهدة المشاركة
    إن الدين للعقلاء فقط: «كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون».

    بارك الله فيكم أخي الكريم البيان، وهذا جهد تشكر عليه

    وحيث إني بعد لم أقرأ لنفاة النسخ، والأسماء التي ذكرتها فوق الرأس والعين، فلا تعليق لدي...
    ولكني أود سؤالك، هل ثمة مفسدة تترتب على القول بالنسخ غير ما تعرض له القرآن الكريم من تشكيكات المستشرقين والعلمانيين مستغلين في ذلك موضوع النسخ خصوصا في موضوع آية السيف ونسخها ما سبقها؟ هل شكل هذا الاستغلال لباب النسخ باعثا ـ ولو في اللاوعي ـ لدى منكري النسخ من المعاصرين لتبني هذا الرأي مع أنه مهجور أصوليا، ولم يذكره العلماء إلا رأيا لليهود وبعض الشيعة وأبي مسلم الأصفهاني المعتزلي (على خلاف في تصوير مذهبه هل هو نفي للنسخ حقيقة أو للتسمية فقط)؟

    ألا يُلقي مثل هذا الأمر لو ثَبت ظلالا من عدم الموضوعية على أبحاث نفاة النسخ، فأبحاثهم ربما تكون دفاعية مؤدلجة لا وصفية موضوعية وإن بدت في الظاهر كذلك.

    واسمح لي بسؤال آخر ما هي الثمرة الفقهية المترتبة على مثل هذا الرأي؟ أعني قولهم هذا هل سيؤدي إلى تغيير بعض الأحكام التي قيل إنها منسوخة أم ماذا؟