الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية ام حفصه

    ام حفصه تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    بارك الله لنا في عمر وعلم الشيخ الدكتور العودة وحفظه الله من كل مكروة
    وجزيت خيرا اخي ابو لؤي لهذا الانتقاء الاكثر من رائع وخساره ان لا يثبت هذا الموضوع الذي يتناول جوانب من نشاط الشيخ العودة والذي لا اخفيه ان محاضراته ودروسه اخرج منها وانا اكثر ايجابيه لمواجهه الحياة على حب وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ----





    الدمعه- طيف- رضى رزقتم الجنه بلا حساب ----والجميع----
     
  2. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    الإسلام اليوم/ أيمن بريك
    د.سلمان العودة: من الحفاظ على كرامة المرأة ألا يتحول جمالها إلى أداة للمتعة


    أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن أجمل ما يكون الإنسان حينما يكون على فطرته وصفته التي خلقه الله تعالى عليها، مشيرًا إلى أن الإعلام يتفنن في عرض الجمال الجسدي وابتذاله، لافتًا إلى أن هناك مدعاة كبيرة لمحاربة الجمال الرأسمالي.
    وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "جمال" ـ: إنه من شُكر نعمة الله على الجمال ألا يُبتذل هذا الجمال أو يُمتهن أو يُعرض للعيون المتطلعة والنظرات الجائعة، موضحًا أن مسابقات ملكات الجمال لها أثر ضخم وسلبي على الحياة الإنسانية، مؤكدًا أنه من الحفاظ على كرامة الإنسان، وليس المرأة فحسب، ألا يتحول الجمال إلى أداة للمتعة.
    الإعلام.. والإغراء الجسدي
    وأوضح الدكتور العودة أن الكثير من البنات والشباب اليوم يشتكون من أنهم حينما يكونون بمفردهم ربما يدمنون النظر إلى الشاشات والتي فيها الكثير من المناظر، حيث يتفنن الإعلام اليوم في عرض الجمال الجسدي وابتذاله، بحيث تحول الأمر من جمال روحاني ونوراني وجمال مشرق إلى أن يكون جمالًا متكلفًا مبتذلًا وموظفًا للإغراء وللزينة وللتسويق والإثارة، وبمقابل ذلك هو لا يقدم للناس الأشياء الضرورية التي يريدون أن يعيشوها.
    وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: إن هذا الشاب لا يستطيع أن يتزوج بسهولة، ولكنه يجد في كثير من وسائل الإعلام ألوان الإغراءات والإثارة، مشيرًا إلى أن دُور الأزياء والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية وكذلك الاستعراضات الجسدية الضخمة الهائلة كما أنها أفسدت مفهوم الجمال حتى عند أصحابه، فإنها كذلك أفسدت مفهوم تذوق الجمال عند أولئك الناس، لأن الجمال لا يمكن فصله عن الحق، أو الخير، أو الحياة، لافتًا إلى أن هذا لا يعني أن الجمال موظف في هذه الأشياء، فالجمال قيمة بذاته، بل وقيمة في الكون والحياة واللغة، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان ربما يقرأ رواية أدبية، ويصفها بأنها جميلة، لأنها فعلًا جميلة بلغتها وبواقعيتها، حتى لو لم يكن لها مقصد محدد في البناء الاجتماعي أو التوجيه، ولكن أيضًا لابد أن يكون ثمّ حالات من التوجيه أو من الكتابة تستهدف صياغة حياة الإنسان والوفاء للقيم التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية.
    الجمال الرأسمالي
    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الجمال قيمة أنزلت لتُستشعَر وتعاش وليس فقط لتهذب، وكأنها ابتلاء، قال الشيخ سلمان: هذا معنى رائع، فالجمال ليس فقط من أجل أن يُهذب وكأنه خُلق من أجل أن نمتنع منه وفقط وليس لشيء آخر، ولكن في مقابل هذا المعنى الجميل والضروري هناك صور خاصة في العصر الحاضر، وهو عصر التبرج الإعلامي، حيث هناك مدعاة كبيرة جدًا إلى محاربة ذلك الجمال الرأسمالي الذي يُقصد من ورائه "تشييء الأشياء" كما يقال، حيث تحول جمال المرأة إلى سلعة، كما تجد أن الفتاة ذات الخمس عشرة ربيعًا يوجد معها فريق من الوصيفات وفريق من الموظفين ويلبسونها ثيابها ويربطون لها حذاءها ويصحبونها والكاميرات تلاحقها في كل مكان والمجلات تنشر صورها والقنوات الفضائية تستضيفها.
    وأضاف فضيلته: كما أنها تجد نفسها في حالة من الحراك المستمر والعمل الدؤوب والعروض المتسارعة خلال اليوم والأسبوع، فربما كانت يومًا من الأيام في طفولتها تحلم بالنجومية ووجدت هذه النجومية بهذه الطريقة، ولكن مع الوقت تبدأ تشعر بالإنهاك الجسدي، والخواء الروحي، والاغترار، وتبدأ تتساءل: هل سيستمر هؤلاء الناس معها حينما تفقد ولو بعض مقوماتها الجسدية أو حينما ينافسها جسد آخر يكون أكثر لياقة وشبابية؟، وعلى سبيل المثال، فقد كانت إحدى العارضات في لقاء صحفي تقول: إنها ظلت تعمل بشكل دؤوب، وفي يوم من الأيام أصيبت بإغماء أثناء التصوير، وبعدما أفاقت كان هذا الإغماء الحسي سببًا في إفاقتها العقلية، فبدأت تدرك أنه إلى متى وأنا بهذه الصورة؟ وهل هؤلاء الناس يحبونني لذاتي أم يحبونني لمجرد الاستمتاع بجمال وشيء يخصهم وهم مستعدون للتخلي عني؟ وهل معيار الجمال هو شيء أعرفه أنا عن نفسي أم الجمال هو شيء أنا أعرفه من خلال الآخرين الذين يطلبون المواعدات أو ينظرون أو يستمتعون أو يعبرون عن إحساس معين قد يكون إحساسًا بالشهوة وليس إحساسًا بمتعة الجمال الحقيقي؟.
    ملكات الجمال؟!!
    وفيما يتعلق بمسابقات ملكات الجمال والتي تسللت إلى البلاد العربية مؤخرًا، قال الشيخ سلمان: إن الكثيرين يحتجون على مثل هذه المسابقات حتى من غير المسلمين، مشيرًا إلى أنه عندما تكون هناك مسابقة جمال في الولايات المتحدة، أو في بريطانيا، أو غيرها، ويحدث أن يشارك فيها -أحيانًا- بعض المسلمات، فإننا نجد كثيرًا من علماء المسلمين والمراكز الإسلامية تصدر بيانات دعوة إلى عدم الاشتراك فيها، وتحريم مثل هذا الاستعراض الجسدي، والتأكيد على أنه لا يتناسب مع قيم الإسلام الذي يوصي بحفظ هذا الجمال، مؤكدًا أنه من شُكر نعمة الله تعالى على هذا الجمال ألا يُبتذل أو يُمتهن أو يُعرض للعيون المتطلعة والنظرات الجائعة، لافتًا إلى أن هذه المسابقات أثرها ضخم جدًا وسلبي حتى على الحياة الإنسانية.
    وأضاف فضيلته أن هناك من يظن أن كثيرًا من ملكات الجمال كما يسمونهن وعارضات الأزياء في قمة السعادة، لأن كل شيء متوفر عندهن، والأموال موجودة، والسيارات الفخمة الحديثة، والموديلات الجديدة، والكاميرات تلاحقهن في كل مكان، ويتصدرن صفحات المجلات، وأشياء كثيرة من هذا القبيل، ولكن الواقع أن كثيرًا منهن تصرّح بأن الأمر عكس ذلك تمامًا، فكل واحدة منهن تشعر في داخلها بخواء، وأنها تلهث بسرعة حتى لا تفقد الفرص، كما تشعر بالخطر الشديد من منافسة أو تأثير الزمن وتجلياته وآثاره على وجهها وعلى كثير من المعالم التي تتأثر في الجسد.
    القبح المتخيّل
    وأكد الدكتور العودة أنه من الحفاظ على كرامة المرأة، بل وعلى كرامة الإنسان بحد ذاته، رجلًا كان أو امرأة، أن لا يتحول الجمال إلى أداة للمتعة، مشيرًا إلى أن الجمال قبل أن يكون جمال الجسد، فإنه جمال الأخلاق، وجمال الروح، وجمال الإيمان بالله، وجمال التواضع ومعرفة النفس، وجمال القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة، فالجمال هو عبارة عن شيء ينبثق من داخلنا، فليس عطاء الآخرين لنا أو انطباعهم عنا هو ما يعبر عن الجمال، ولذلك فإننا نجد أن بعض الناس عندهم مشكلة ما يسمى بـ"القبح المتخيّل"، وعلى سبيل المثال، فإن أكثر من عشرة ملايين إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية يعالجون في المصحات النفسية مما يسمونه بـ "القبح المتخيّل"، حيث يتوهم الإنسان أنه قبيح مع أنه قد يكون جميل الصورة، ولذلك بعضهم دائمًا تجد أن المرآة معه في كل مكان، وينظر باستمرار إليها بشكل غير منقطع، وقد يكون هذا بسبب تأثير الطفولة، أو بسبب تعيير من الوالدين -أحيانًا- بطريقة مازحة، مثل الأب الذي دائمًا يعيّر ولده، ويقول له يا "أبو خشم"، على سبيل الدعابة، لكن الابن لم يتقبل هذه المزحة، ويكبر وهو يشعر بمشكلة في أنفه، وقد يقول الناس: أنفك ما مثله أبدًا، لكن هو غير مقتنع.
    وأردف فضيلته: وكذلك عندما يقول الأب لابنه "يا دبدوب"، حيث تجد أن الابن يكبر ويشعر بأنه سمين وأن وزنه أكبر من اللازم، مما يولّد عنده حالة اكتئاب، كما أن الأم التي كثيرًا ما تعاتب بنتها على كثرة الوقوف أمام المرآة تلقي عليها كلمات تورّث عند البنت حالة معينة، حيث تشير دراسات عديدة إلى أن 63% من نساء العرب عندهن إحساس بالخوف على الأقل من أن لا يكن جميلات، وهذا يجعل هناك عشرات المليارات تصرف سنويًا على عمليات وأدوات التجميل والمكاييج وغيرها، مشيرًا إلى أن هناك مثلًا أو كلمة، تقول: "نحن نحب الجمال، ولكن القبح أيضًا نحن نشفق عليه فنحبه".
    عمليات التجميل
    وفيما يتعلق بأن هناك المليارات التي تهدر على عمليات التجميل، قال الشيخ سلمان: لقد قسمنا العمليات التجميلية إلى ثلاثة أقسام:
    1 ـ الإصلاح: ومن ذلك أن يكون عند الإنسان أصبع زائد أو خلل معين في الجسم فيتم تعديله، فهذا لا شك أنه جائز.
    2 ـ التغيير: وهو متفق على تحريمه، يقول تعالى: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: من الآية119)، أي: تحويل الذكر إلى أنثى أو تحويل الأنثى إلى ذكر، هذا إذا كان فعلًا هناك ذكر يريد أن يتحول إلى أنثى، أو أنثى تريد أن تتحول إلى ذكر، لكن في حالة وجود إنسان مشكل، أي: فيه صفات الذكورة وصفات الأنوثة فإن هذا يخضع لأحكام شرعية وفقهية وتقديرات طبية مختلفة.
    3 ـ التحسين: ومن ذلك مثلًا شد الصدر أو شفط الدهون أو شد الوجه أو نفخ الشفتين أو الأسنان أو ما أشبه ذلك، فهذه التي ربما يكون منها الشيء الذي يحتاج إليه حاجة شديدة من خلال وجود ضرر أو حرج نفسي، وفيها ما لا يحتاج إليه وأنه مجرد طلب المزيد أو مجرد الاستمتاع أو متابعة الموضة أو تقليد مذيعة عربية أو غير عربية بسبب كثرة نظرة البنات إليها، حيث تجد أن كثيرًا منهن ربما تقترح على أهلها ليس فقط أنها سوف تقوم بتصفيف شعرها على وفق نظرتها لكن ربما حتى إجراء عمليات معينة، وهذا نوع من العبث بخلق الله -سبحانه وتعالى- وتضيع الأموال وتضييع حاضر الإنسان ومستقبله، وذلك لأن الإنسان ربما تتغير نظرته ويتغير مزاجه وقد يُغير من الأفضل للأسوأ أحيانًا، وفيها ما هو بين ذلك مما هو محل اجتهاد للفقهاء.
    التوعية مطلوبة
    وردًّا على سؤال يقول: لقد كان في السعودية ثلاثة أو أربعة مراكز تجميل، لكن الآن أصبح هناك أكثر من خمسة وثلاثين مركزًا للتجميل و85% من الزبائن وهن من النساء، فإلى أين يمضي المؤشر؟ وهل نحن الآن في حدود المعقول أم أن الأمر تحول إلى ظاهرة سلبية؟، قال الشيخ سلمان: إنني أعتقد أن الأمر فيه جانب سلبي كبير، من خلال تأثير وسائل الإعلام، وعروض الأزياء، وعروض الجمال، والتواصل الكوني الضخم، وضخّ دور الأزياء العالمية التي يقف خلفها كثير من الأثرياء والتجار والرأسماليين، وأيضًا الشركات والمصانع تقوم أساسًا على هذا الاستعراض الجسدي. كل هذا له تأثير ضخم على البنات بدرجة أساسية، لأن البنت أكثر تطلبًا للجمال، وكذلك الأولاد طبعًا يقع من جرّاء ذلك لهم قدر ونصيب، مما يؤكد على ضرورة التوعية بهذا المعنى، والتركيز على أن الإنسان أجمل ما يكون حين يكون على فطرته وصفته التي خلقه الله تعالى عليها.
    وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلق بالمكياج العادي أو الكحل أو بعض المساحيق التجميلية العادية، فإن هذه ربما يكون مظهرًا لإبراز جمال الأنثى، لكن هناك عمليات تجميل فيها تغيير وتحكّم ولها آثار سلبية، وبعضها ربما يكون كبيرًا، متسائلًا: لماذا لا نتوقع أن هناك مبالغة إذا كان هناك قنوات فضائية متخصصة لاستعراض هذه العمليات وعرض البنات قبل العملية وبعد العملية وبطريقة مفرطة جدًا، والكثيرون يتابعونها، حيث لا تستطيع أن تقول إن هذه قناة أمريكية أو شرقية أو غربية، لأن الفضاء مختلط تمامًا؟!
    غض البصر
    وردًّا على سؤال يقول: لقد أودع الله في الجنس البشري فطرة حب الجمال وأودع الجمال أيضًا في بعض من بشره، فما الذي يباح للرجل أن ينظر إليه في غير العلاقة الزوجية؟ وكيف يمكن أن ينظر؟ وماذا عن النظرة الأولى؟ وما الحكمة من غض البصر؟ وإلى أي مدى يغض الرجل نظره؟ قال الشيخ سلمان: إنه لا شك أن الجمال قد يوجد مع الحلال وقد يوجد مع الحرام، فهذا أمر واضح في الشريعة، وعلى سبيل المثال، فإن الله -سبحانه وتعالى- حرّم على الرجال لبس الحرير، وهذا لا يعني أن الحرير ليس فيه جمال، وهكذا عدد من الأشياء التي ربما يكون الحكم فيها المنع أو يبتلى بها الإنسان، والإنسان لا يُبتلى إلا بما يحب، ولذلك لم يخلق الله في الإنسان غريزة أو حاسة إلا وخلق في الكون ما يستجيب لها، سواء غريزة التملك أو غريزة النظر إلى الأشياء الجميلة أو غريزة الاستماع أو غريزة الكلام، فكل الغرائز المخلوقة في الإنسان خلق الله في الكون وفي الحياة ما يوافقها ويستجيب لها، وبإزاء ذلك خلق الله أشياء ابتلى الإنسان بغض الطرف عنها، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(النور: من الآية30)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)(النور: من الآية31)، ولم يقل سبحانه وتعالى: (يغضوا أبصارهم)، ولكن قال عز وجل: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).
    وأضاف فضيلته أن هذا دليل على أن البصر لا يُغض مطلقًا فهناك، جمال مباح وجمال مشروعٌ الاستمتاعُ به، وجمال معفو عنه، مثلما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اصرف بصرك، فإن لك النظرة الأولى وليس لك الثانية"، مما يشير إلى أن كون الإنسان نظر نظرة عادية ليس فيها تشهٍّ ولا تؤثر على قلبه، والمعيار أو الترمومتر الداخلي الذي يعبر عن اتجاه النظر في داخلك، فهذا لا شيء فيه؛ ولذلك فالإنسان على نفسه بصير، فليست العبرة بالكلام أو بالحدود، وإنما العبرة بمؤشر في داخل النفس يعرفه الإنسان، فالأمر يتوقف على الغرض من النظرة، وامتداد هذه النظرة وأثرها، فهناك حديث عند الحاكم، وإن كان فيه مقال، لكن معناه جيد- أنه "إذا غض الإنسان بصره عن شهوة حرام أورثه الله تعالى إيمانًا يجد لذته في قلبه"، وكما يقول الشاعر:
    كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
    فالكثير من المصائب التي تصيب القلوب والحب الذي يفضي -أحيانًا- إلى ضرر عظيم ربما يكون بسبب إدمان النظر.
    مفهوم الجمال
    وفيما يتعلق بمعنى أو مفهوم الجمال، قال الشيخ سلمان: إن الجمال في حد ذاته معنى ربما تستطيع القلوب أن تتعامل معه وتفهمه، لكن تحار العقول واللغات في تعريفه، فدائمًا ما يقولون: إن أكثر الأشياء مرورًا على الألسنة وترديدًا هي أكثر الأشياء غموضًا وإعجازًا، ولعل تذوق الإنسان للجمال، ومعرفة وجوده هو سر من أسرا الله -سبحانه وتعالى-، ولذلك فإن الجمال محل إطباق وإجماع من الناس، وكذلك التفريق بين الأشياء الجميلة وغير الجميلة، والتعاطي مع هذه الأشياء والسعي في تحصيلها.
    وأضاف فضيلته: ولكن يختلف الناس بعد ذلك في تعريفات الجمال وتجلياته، وهل هو حقيقة ذاتية موضوعية في الأشياء أم هو صفة منطبعة على النفس تختلف تبعًا لذلك من شخص إلى آخر، ولذلك فإننا نجد أن معايير الجمال ليست محل اتفاق بين الفلاسفة ولا بين العلماء ولا بين الشعوب ذاتها، فالجمال هو من الأشياء التي نرددها دائمًا ونتعاطى معها وبشكل بسيط، حتى الأطفال الصغار، ولكن أكبر العلماء والفلاسفة لم يستطيعوا أن يصلوا إلى ما نعبر عنه بأنه تعريف محدد وموضوعي وجامع ومانع لفكرة الجمال.
    هجر جميل
    وفيما يتعلق بورود لفظ "الجمال" في القرآن الكريم، قال الشيخ سلمان: لقد ورد في القرآن لفظ الجمال ثماني مرات؛ فمرة بلفظ "جمال"، كما يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل:6)، حيث نجد أن لفظ الجمال في هذه الآية الكريمة يتعلق بالحيوان وما يملكه الإنسان، يشمل جمال الأشياء، أي: جمال صورها، كما يشمل جمال التملك لها والشعور بامتلاكها وسماع أصواتها ومشاهدتها، فكل ذلك من الجمال، ولهذا قال تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ)، حيث نجد أن في الآية معنى قرآنيًا رائعًا، وهو أن الله تعالى لم يصفها أنها جميلة، وإنما قال لنا أننا نملك فيها الجمال، مما يؤكد أن الجمال ليس فقط الشيء الحسي بالأشياء، وإنما هو إحساسنا بتملكها وبنعمة الله تعالى علينا، ولذلك فإن الإنسان ربما يستجمل أشياء لأنها جزء من طبيعته وعادته وشخصيته ومتعته، ولا يستجمل أشياء أخرى لأنها لا تخصه أو لأنها لعدوه، وهذا معنى القرآن.
    وأضاف فضيلته: كما ورد الجمال في سبعة مواضع بلفظ الجميل وليس الجمال، وهذا أمر ملفت للنظر، وقد قمت ذات مرة بجمع الآيات التي فيها هذا المعنى فوجدت، على سبيل المثال، أن في قوله تعالى: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)(المزمل: من الآية10)، خطابًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودعوة لهجر المعاندين والمستكبرين والمعادين، ولكن مع ذلك وصف الهجر بأنه جميل، مما يشير إلى أن الهجر المقصود في هذه الآية هو الهجر الذي ليس فيه جفاء أو إغلاظ أو اعتداء أو بغي، ولكنه عبارة عن نوع من المتاركة الجميلة التي تهيئ لمصالحة؛ ولهذا قال تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)(الممتحنة: من الآية7)، مما يؤكد أنه يوجد ما يسمى بـ"الهجر الجميل"، وذلك في حالة الهجر والترك والمصارمة.
    صفح.. وجمال أخلاقي
    وأردف الدكتور العودة أن الله -سبحانه وتعالى- يقول في موضع آخر: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا) (المعارج:5)، وفي هذا إشارة إلى حالة المخالطة؛ ولهذا ـ كما في الحديث ـ فإن «الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، فالله عز وجل في هذه الآية الكريمة وصف الصبر مع الناس بأنه جميل، كما قال تعالى في آية ثالثة: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)(الحجر: من الآية85)، فكلمة الصفح في هذه الآية تشير إلى العفو والتجاوز وفتح صفحة أخرى مع الناس في حال حدوث أي مشكلة، كما أن وصف الصفح بأنه جميل، إشارة إلى أن الله تعالى يحب العفو والصفح: «إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى»، فهذه من المعاني الجميلة التي تشير إلى أنه في حالة المخالطة يجب أن يكون هناك الصفح الجميل والصبر الجميل، وفي حالة المتاركة يكون هناك الهجر الجميل.
    وتابع فضيلته: بل لقد وجدت في القرآن الكريم قول الله -سبحانه وتعالى-: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)(الأحزاب: من الآية49)، وهذا فيما يتعلق بحالة الانفصال بين الزوج والزوجة، أي أنه لا يكون هناك سبّ ولا عيب ولا نقد ولا تعيير ولا استذكار للماضي ولا شيء من هذا القبيل، ولكن سراح فيه جمال وأخلاق، متسائلًا: أنه إذا كان الأمر هكذا في حالة الفراق، فكيف سيكون الأمر في حالة الإمساك؟، لافتًا إلى أنه سيكون أكثر جمالًا وأخلاقًا، بحيث تكون حالة العلاقة الزوجية من المعاني التي يُطلق عليها لفظ الجمال، فالجمال الحسي معروف، لكن المقصود في هذه الآية هو الجمال الأخلاقي والمعنوي في التعامل بين الرجل والمرأة.
    المثلث الأفلاطوني.. وكتاب الجمال
    وذكر الشيخ سلمان أن العلماء كثيرًا ما يتحدثون عما يسمونه بـ"المثلث الأفلاطوني"، والذي يتمثل في "الحق، والخير، والجمال"، حيث توارد العلماء على ذكر أن هذه القيم الثلاث هي القيم الأساسية، فقيمة الحق متعلقة بالمعرفة وحقائق المعرفة، وقيمة الخير متعلقة بالأخلاق، وقيمة الجمال متعلقة بتذوق الجمال والعلاقة بين الأشياء، مشيرًا إلى أننا عندما ننظر إلى القرآن الكريم نجد أنه يوجد به إشارة إلى هذه الأشياء الثلاثة في سياق واحد دون أي تكلف، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)، حيث ذكر كلمة الحق الذي هو المعرفة الصحيحة، ثم يقول تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر:85)، فذكر الجمال، وفيما يتعلق بالخير الذي هو الأخلاق فإن هذه القيمة واضحة من خلال قوله تعالى: (فَاصْفَحِ)، فالصفح هو قمة الأخلاق والعفو والتجاوز عن المخطئين، فهذه المعاني الثلاثة كلها مدرجة في هذه الآية الكريمة، فالقرآن الكريم هو كتاب الجمال، لأنه به جمال اللغة، وجمال التعبير، وجمال التشريع.
    ولفت فضيلته الانتباه إلى أنه فيما يتعلق بذات الله -سبحانه وتعالى- الذي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»، فإنه يوجد في القرآن الكريم وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -سبحانه وتعالى- جميل في ذاته جمال الذات، وصفاته، فله من الصفات العليا أجملها وأكملها وأعظمها وأزكاها، والصفات السالمة من كل النقائص، فنحن عندما نصف شيئًا بأنه جميل نعني أنه يتحقق على أكمل الوجوه، وأنه سالم من المنغصات أو العوارض العكسية، فالله -سبحانه وتعالى- له من الصفات أجملها وأكملها وأزكاها.
    جمال التشريع
    وأوضح الدكتور العودة أن الجمال في الذات الإلهية هو أيضًا جمال التشريع، لأن تشريعات الله -سبحانه وتعالى- وأحكامه هي في غاية القوة والإحكام والحكمة والجمال، حتى لو كان فيها تأديب فإن مقصدها ونهايتها هي الجمال، وكذلك جمال الله تعالى في مخلوقاته؛ من خلق السماوات وخلق الأرض وخلق الإنسان، فهذا الجمال الذي في الكون هو خلقه -سبحانه وتعالى-، بل إن ذلك يشمل أيضًا جمال القَدَر فيما يُقدّر الله -سبحانه وتعالى- وفيما يفعل وفيما يترك وحتى فيما يكره الإنسان، وعلى سبيل المثال، فقد جاءني هذا الأسبوع عدة رسائل إخطار عن وفيات شباب وبنات، كبارًا وصغارًا، وحوادث، وأمراض، وكأن هذا الأسبوع هو أسبوع الحصاد، وكما يقول الشاعر:
    ربما تكره النفوس من الأمر له فرجةٌ كحل العقال
    فالجمال الإلهي في جمال الشريعة؛ في أوامرها ونواهيها وعقوباتها، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»، وفي رواية أنهم سألوه: كيف تعرف أمتك أو من لم يأت من أمتك؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "بالغرة والتحجيل من أثر الوضوء"، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يبين أنه يعرف يوم القيامة من لم يأت من أمته بجمال الوجوه الجمال النوراني الذي هو أثر من جمال دنيوي فيه طاعة لله -سبحانه وتعالى- بالوضوء والطهارة والنظافة، مما يشير إلى أن التشريع يحفز على الجمال، وكان -صلى الله عليه وسلم- جميلًا في كل شيء..
    نَبيٌ رَماهُ اللَهُ بِالحُسنِ يافِعًا لَهُ مِنْ كُلّ مَكْرُمَةٍ صُوَر
    وَلَمّا رَأى المَجدَ اِستُعيرَت ثِيابُهُ تَرَدّى رِداءَ سابِغَ الذَيلِ وَأتَزَر
    كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في جَبينِهِ وَفي خَدِّهِ الشِّعرى وَفي جيدِهِ القَمَرْ
    فقد كان، صلى الله عليه وسلم، مثل الشمس والقمر، كما يقول جابر بن سمرة.
    الجمال.. والفطرة
    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الفطرة الإنسانية أودعها الله استحسانًا لجمال البشر، قال الشيخ سلمان: إن تذوق الجمال هو شيء فطري بدون شك، فالله أودع في النفوس تذوق الجمال المادي، والذي هو الانطباع الأول، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان عندما يرى الأشياء أو الأشخاص للمرة الأولى، فإنه ربما يستحسن هذه الأشياء بشكل عفوي، حتى حينما يكون أميًّا أو غير متعلم فإنه ربما يحكم على الصور وعلى الأشياء بجماليتها أو بضد ذلك، ولكن الجمال المادي أو الحسي هو أيضًا أول الأشياء ذبولًا إذا كان بمفرده، فإذا لم يكن هذا الجمال الحسي الذي يفيض على الملامح والعينين والوجه والقسمات والقامة والشفتين مدعومًا بجمال الروح المتألقة بجمال العقل العارف الواعي المثقف، وبجمال اللغة الكريمة التي يتعاطى بها الإنسان، وجمال العلاقة التي يحكمها الإنسان مع الآخرين، وجمال التواضع، فإنه كثيرًا ما يداخل الغرور هذا الجمال، ولذلك فإن العوام كثيرًا ما يقولون: البنت العادية أكثرًا حظًا من البنت المفرطة في الجمال، وهذه ليست قاعدة، لكنها تحدث -أحيانًا- بسبب أنه ربما يخالط الجمال شيء من الغرور، ولا شك أن الغرور الأخلاقي هو نهاية القبح؛ ولذلك فإن الغرور لا يجتمع مع الجمال الحسي الحقيقي، فسرعان ما يظل هذا الجمال الحسي سحابة أو غمامة من الظلام والكآبة والاكتئاب الذي يمنع من كمال الاستمتاع به.
    وأردف فضيلته أننا حينما ننظر إلى هذا الكون الذي هو بيتنا ومسكننا، فإن النظرة المادية للجمال تجعل الناس يقفون فقط عند حدود أو جدران هذا المسكن، بينما إذا كان عند الإنسان جمال الروح، وجمال الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- فإنه سيتجاوز حدود هذا المسكن أو هذا البيت وجدرانه إلى تذوق الجمال الأعظم، وهو الجمال الإلهي، مضيفًا: لقد سألت نفسي هذا الصباح عما إذا كنت أتعرّف إلى ربي بكونه جميلًا كما أخبر عنه نبيه -عليه الصلاة والسلام- لأتجاوز حدود الجمال المادي والحسي إلى الجمال الأعظم، يقول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23،22)، من انتظار رؤية الله -سبحانه وتعالى- في الدار الآخرة ورؤية هذا الجمال الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟، مشيرًا إلى أن هذا من المعاني الضخمة والهائلة والكمالات والجلال والنورانية، مؤكدًا أن الإنسان بحاجة إلى أن يمر بقلبه ولو سريعًا على بعض هذه المعاني ويقف عندها.
    جمال.. وزينة
    وردًّا على سؤال يقول: ما الفرق بين الجمال والزينة؟، قال الشيخ سلمان: إن الجمال هو عبارة عن إحساس الإنسان بالشيء، واحتج بقوله -سبحانه وتعالى-: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ)(النحل: من الآية6)، مما يشير إلى أن الجمال هو عبارة عن انطباع الإنسان عن الأشياء، فهو ليس وصفًا ذاتيًا للأشياء، وإنما هو تعبير عن رؤية الإنسان نفسه، بينما الحسن قد يكون وصفًا ذاتيًّا، كما يقول محمود غنيم:
    قد يأخذ الحسن بالألباب متزرًا وليس يأخذ بالألباب عريانًا
    إن الفتاة إذا أخفت محاسنها أفضى إليها الكمال الحسن ألوانًا
    والله -سبحانه وتعالى- يقول في محكم التنزيل ـ وقوله أبلغ ـ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)(الأحزاب: من الآية52)، ولم يقل: (ولو أعجبك جمالهن)، مما يشير إلى أنه صفة ذاتية، سواء كان ذلك متعلقًا بحسن المرأة ـ أو أي شيء آخر ـ بحيث يكون الحسن صفة فيها، أو يوجد فيها مجموعة من المواصفات التي تجعلها توصف بأنها حسناء، في حين أن الجمال ربما فيه توسع في اللغة، لكن لو اجتمعا لكنا نعبر بأن الجمال هو انطباع الإنسان، الذي يشاهد الحسن، عن هذا الحسن، فيُعبر عنه بأنه جمال؛ ولهذا قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل:6).
    وأضاف فضيلته أنه فيما يتعلق بـ"الزينة"، فإنه قد ظهر لي من جمع الآيات القرآنية الواردة في كلمة "زينة" أن الزينة تطلق على ما يتكلفه أو ما يفعله الإنسان، ولهذا قال: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ)(طـه: من الآية59)، لأن الناس يجتمعون ويعرضون أجمل وأزين ما لديهم، وكذلك عندما قال -سبحانه وتعالى-: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)(النحل: من الآية8)، أي أن الناس يتزينون بها ويزينونها، وهكذا في نصوص كثيرة جدًا، يقول تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ)(الحديد: من الآية20)، أي: يُزين الناس بها ويتزينون بها، حتى المال يتزينون به، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)(النور: من الآية31)، فإن الذي يظهر لي من أقوال المفسرين أن المقصود بالزينة في هذه الآية هو الزينة التي تتصنعها المرأة وتتكلفها؛ ولهذا قال بعضهم: الكحل، وقال بعضهم: الخضاب، لأن هذا مما لا سبيل إلى إخفائه، وعلى ذلك فإن لفظ الزينة يقصد به ما يتكلفه الإنسان ويفعله.
    الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
    وأردف الدكتور العودة: بينما هناك لفظ ربما يكثر ترداده في القرآن الكريم، وهو ليس ببعيد عنها، وهو لفظ التسوية، حيث تجده -مثلًا- في قوله -سبحانه وتعالى-: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:7)، أو قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى:3،2)، مشيرًا إلى أن لفظ التسوية ليس ببعيد عن هذه المعاني، وكأنه يجمعها كلها، فأساس الزينة وأساس الجمال وأساس الحسن هو وجود قدر من التناسق في خلق الله، يقول تعالى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )(الملك: من الآية4،3)، فهذا جمال الصورة، وكذلك عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)(النحل: من الآية78)، فإن السمع من أجل الاستمتاع بالأصوات الجميلة، لافتًا إلى أن الشريعة ليست منابذة ولا مناقضة ولا معاندة للصوت الجميل إذا كان هذا الصوت الجميل يدعو إلى خير أو إلى بر أو معروف أو إلى معنى جميل ليس فيه فتنة ولا إثارة ولا إغراء بالفاحشة.
    واستطرد فضيلته: وكذلك الصورة، فالله -سبحانه وتعالى- عندما يقول: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ)، فإن الأبصار من أجل منّة ونعمة النظر إلى الجمال؛ سواء أكان هذا الجمال في الكون، أو في خلق الله -سبحانه وتعالى-، أو النظر المباح أو النظر المشروع، فقد يكون النظر واجبًا -أحيانًا-، وكذلك قوله -سبحانه وتعالى-: (وَالْأَفْئِدَةَ)، فالجمال المعنوي والروحاني يُدرَك بالقلب والفؤاد، وإن كان العقل قد يعجز عن تعريفه، ولكن يكفي الإحساس باللذة والمتعة والبهجة والنعمة الإلهية في خلق هذه الأشياء.
    وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن المشكلة تكمن في أن الرجل العربي يربط الجمال بالمرأة فقط، وأن المرأة العربية محظوظة نسبيًا، لكون الشعراء القدامى وصفوا منثور شعرها وبريق مقلتيها ونور وجهها الذي اختفى حاليًا مع الضغوط، قال الشيخ سلمان: إنهم لا يصفون شيئًا محددًا، فهذا الجمال لا وجود له إلا في الأعيان، كما يقال، والأذهان فقط، مثل إنسان يتخيل ويصف، كما أنك عندما تقرأ في كتب الأدب أو حتى في الكتب المعاصرة مواصفات الجمال عند الشعوب أو غيرها، فإن هذا ليس له وجود إلا في أعيان في فلانة وفلان أو في البلد الفلاني أو في النهر الفلاني أو الغابة الفلانية أو في المقطوعة الشعرية الفلانية، فالجمال في هذه الحالة وجوده في أشياء محددة.
    وأضاف فضيلته أن شعوب العالم كلها غالبًا ما تفتتن بالجمال الحسي وتقدمه على غيره، ولكن في الحضارات ذات البُعد الإيماني مثل الحضارة الإسلامية تجد معاني الجمال عن الإحساس بجمال الله -سبحانه وتعالى- والتعرّف إلى الله تعالى، إضافة إلى جوانب أخرى، مثل: الحب والخوف والرجاء، وكذلك بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يوصف بالجمال، فإن المقصود هو هذا الوصف، وكذلك يوسف -عليه الصلاة والسلام- كما في سورة يوسف: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(يوسف: من الآية31)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: إنه أوتي شَطر الحسن.
    جمال النبوة
    وأوضح الدكتور العودة أن هذا الجمال هو بدون شك جمال حسي في جودة المواصفات، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في وجهه استدارة القمر ونور الشمس، وكذلك في شعره وفي عينيه وفي شفتيه وفي وجنتيه وفي أنفه وفي شعر رأسه وفي قامته، ولكن مع ذلك كان جمال الأخلاق عنده -صلى الله عليه وسلم-، وجمال الصفح، وجمال العقل الكبير، وجمال النبوة التي تجري في دمه -صلى الله عليه وسلم- وجمال الإعجاب، فأولئك الصحابة الذين وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ما وصفوه بعيني إنسان بعيد، وإن كان حتى البعيد شهد له بذلك، لكن الصحابة وصفوه بعيني محب، وهذا من جماله -صلى الله عليه وسلم-.
    وذكر فضيلته: ولذلك فإنهم كما يقولون: "الحب أعمى"، مما يؤكد أن الجمال ليس معيارًا ذاتيًا موضوعيًا وإنما هو يعتمد على تذوق الإنسان، لافتًا إلى أننا عندما نقول: إن "الجمال أعمى"، فإن هذا يشير إلى أن إنسانًا ربما تكون عنده زوجة عادية جدًا وقد يكون في نظر الناس أجمل منها, ولكن هو لا يرى في النساء إلا هي، وذلك لأنه من خلال معاشرتها والجلوس معها وجد أنها استحوذت عليه وملكت زمامه وأشبعت الحاجات النفسية والعقلية والجسدية الموجودة عنده، فتحقق بذلك معنى الجمال فيها.
    توهم القبح
    وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن الجمال نسبي يختلف من شخص لآخر، لكن القبح يكاد يكون متفقًا عليه، وأنا أعاني من أن بطني بعد ثلاث ولادات أصبح قبيحًا، قال الشيخ سلمان: إن القبح نسبي أيضًا، ولكن المشكلة تكمن في أن الأخت صاحبة المداخلة عندها إحساس قوي بأن بطنها بعد ثلاث ولادات أصبح قبيحًا جدًا، وهذا إحساس عندها، فجزء عندها هو إحساسها، في حين أنه ربما الآخرون لا ينظرون إلى الشيء بنفس القدر، لكن عندما تشعر هي بأن هذا الشيء قبيح، فإنه يصبح هناك مشكلة نفسية -أحيانًا-، لافتًا إلى أن بعض العمليات قد ينصح بها ليس فقط لتغيير الجسم أو مشكلة في البدن بقدر ما هي نوع من المعالجة النفسية لهذا الإحساس الذي يصعب إزالته عن النفس، فعندما يشعر الإنسان بأنه قبيح فعلًا، فإن هذا الإحساس يحتاج إلى معالجة، وأن يعيد الإنسان النظر في ذاته، وأن لا يدخل عنده الوهم.
    وأضاف فضيلته أن الوهم في بعض الأحيان يكون أكثر خطورة من الحقيقة، فإذا كان عند الإنسان حقيقة معينة وهي أنه قبيح، فإنه من الممكن أن يعالج هذا القبح، لكن إذا كان عنده توهّم القبح، فإن هذا يحتاج إلى عملية تجميلية نفسية لإزالة هذا الإحساس بالوهم، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بهذه الحالة فإنه يمكن أن ينظر في الأمر طبيب إذا كان هناك تأثير كبير على العلاقة الزوجية ويؤثر على وضعها النفسي وعلى علاقتها الزوجية، وربما هذا يتمادى بالتأثير على العلاقة بين الزوجين، والأطباء ينصحون بها، وليس لها آثار ضارة أو تداعيات سلبية، فيخضع إلى ما يمكن أن يقرره الأطباء.
    جمال الانطباعات
    وفيما يتعلق بأن المرأة قد يربكها جانب معين وتنسى المقومات الجمالية الأخرى، قال الدكتور العودة: هذا صحيح، فضلًا عن الاعتياد، لأنه غاية الجمال، وعلى سبيل المثال، فإن مخالطة أجمل الناس جمالًا مرة ومرتين وثلاثًا وأربعًا وخمسًا، تنسي أنه جميل، وتصبح تنظر إليه بشكل عادي، لأن هذه النظرة أصبحت مألوفة، وليست كالنظرة الأولى تستدعي عندك نوعًا من الإعجاب، وعلى العكس من ذلك، فإن الكثير من الناس الذين يجلسون معي طويلًا فإن الإنسان ربما لا يستطيع أن يصف ملامحهم.
    وأضاف فضيلته أن ذلك يرجع إلى أن الملامح في هذه الحالة تكون ملامح نفسية، بأن هذا الإنسان أحبه، أو أرتاح له، أو معجب به، ولذلك فإن الملامح بحد ذاتها قد ذابت أو تلاشت أو تماهت عندي؛ مما يؤكد أن غاية الجمال أو حتى وجود القبح مع المخالطة والمجالسة يذهب وتبقى الانطباعات، أو الجمال الروحي وجمال الانطباع وجمال الأخلاق وجمال العلاقة بين الطرفين.
    نكران الجميل
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن بعضهم إذا بلغ من العمر مبلغًا هو وزوجته فإنه ما زال يلجأ إلى الهجر الجميل معها، قال الشيخ سلمان: إن الهجر بين الزوجين لا يسمى الهجر الجميل، فالله -سبحانه وتعالى- عندما ذكر السراح الجميل فيما يتعلق بالطلاق، فإن مقابله الإمساك الجميل، كما قال: "فإمساك بمعروف"، فالإمساك الجميل أو الإمساك بمعروف لا يتفق مع الهجر الجميل للزوجة، ولكن الهجر الجميل يكون مع الخصوم أو الأعداء الذين يتطلب الأمر أن يصبر عليهم الإنسان ويهجرهم هجرًا جميلًا، فلا يكافئ السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح قدر المستطاع، ويتجاوز.
    وأوضح فضيلته أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن هجر الزوجة إلا في حالة خاصة، وفي الفراش، وفي وقت معين، ولا يجوز أن يستمر هذا الهجر إلى ما لا نهاية، مشيرًا إلى أن القيام بهذا الأمر بعد سن الستين أو السبعين قد يعد نوعًا من نكران الجميل، لأن هذا الإنسان تمر عليه الأيام والليالي ويهرم ويكبر وتبدأ التجاعيد في وجهه، ويبدأ العجز والضعف في بدنه، وهو يحمل ملف من الأخطاء والسقطات، مؤكدًا أن الوفاء من أعظم معاني الجمال والأخلاق. وعلى سبيل المثال، فإنني أذكر أن امرأة تقول لزوجها: تعاملني بهذه الطريقة بعد أربعين سنة؟! قال: والله ما لك عندي عيب إلا هذا!
    معانٍ بسيطة.. ولكن
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك في الموقع الإلكتروني للبرنامج، يتحدث عن أن الجمال لا يمكن أن يحصر فقط في الجمال البشري بل في لثغة الطفل الصغير وهو يقول "بابا "، وفي السجود، وفي ساعات السحر، وفي حضن الأم
    لافتًا إلى أن هذه المعاني البسيطة، أو كلمات الأم الجميلة، وتذوق العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- لا تكون مجرد إحساس بالعبء أو التكذيب كما يسميه بعض الفقهاء، ولكن الإحساس بجمالية هذه العلاقة، بكرم الله وعطائه في السجدة، حينما يسجد الإنسان ربما لدقيقة أو نصف دقيقة، تضخ في عقل الإنسان وفي روحه طاقة روحانية غير عادية يواجه بها صعوبات الحياة، ويحقق بها قدرًا من النجاح يستطيع أن يتغلّب به على مشكلاته، وأن المشكلة دائمًا فيه وليست في الآخرين.
    وأضاف فضيلته أن هذا السجود لله -سبحانه وتعالى- وهذا الانقطاع يطارد أوهام الغرور والإعجاب: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78)، ويصنع في الإنسان البساطة والعفوية والتواضع، ويجعل السمع والأبصار والأفئدة، التي هي أدوات تذوق الجمال، تعمل بشكل سليم وصحيح، بحيث نسمع الأشياء الجميلة، ومن ضمنها القرآن الكريم، كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»، والله -سبحانه وتعالى- يستمع لهذا النبي ويستمع لغيره: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)(المجادلة: من الآية1)، فاستماع الإنسان لهذه الأصوات الجميلة وتذوق هذه المعاني شيء لا يمكن أن يقدره الإنسان قدره.
    لغة سحرية
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: هناك جمال الكلمة، وجمال الأخلاق، وجمال المنطق، وجمال الروح، وجمال الأسلوب، وجمال المقام، وأنا أراها كلها مجتمعة في الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة، قال الشيخ سلمان: إن هذا من جمال أذنه في الاستماع وجمال لسانه في التعبير، مؤكدًا على ضرورة أن نعوّد أنفسنا على أن نختار الكلمات الأحسن والأجمل، وليس فقط الحسنة أو الجميلة، قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(الإسراء: من الآية53)، فالحسن في ذات الكلمة، والجمال هو في تذوقنا لهذه الكلمة الجميلة التي تصدر من الآخرين، ولذلك نحن نعبر عن إحساس الأخ صاحب المداخلة بأنه جمال، ونحاول أن نعبر بكلمتنا عن الحسن أو نحاول أن نرتقي إلى الحسن.
    الحسن الفطري
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن أفضل تعريف للجمال هو الجمال، والحب هو الحب، قال الشيخ سلمان: إننا لا بد وأن نبادل المستمعين عبارات الحب، فالأخ صاحب المداخلة هو المستمع الجميل، وهو يعبر عن الجمال بأنه الجمال، فهو يعبر بالنظرة الإيجابية، وأن نتفاءل بالأشياء، وأن ننظر إلى الجانب الحسن منها، حينها سنجد الأشياء كلها جميلة، لافتًا إلى أنه ربما يشير إلى الاختيار الحسن في الزواج: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، موضحًا أن هذا وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن يريد الزواج بالبحث عن المرأة الصالحة، مع قدر معتدل من الجمال بطبيعة الحال.
    غشّ.. وتدليس
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يقول: إن هناك استبيانًا أظهر أن كثيرًا من الشباب قالوا: إن الجمال هو مجرد المشاهدة العابرة، ولكن عند الزواج يختار الصلاح، وأن المكياج قد يحقق جمالًا وقتيًّا، قال الشيخ سلمان: إن الجمال يذبل مع الوقت، مشيرًا إلى أن هناك أناسًا يقومون بالغش أو ما يسميه الفقهاء تدليسًا عند الرؤية الشرعية، حيث تأتي المرأة ووجهها ربما مليء بالمساحيق والمكاييج والتشكيلات التي لا تعبر عن شخصيتها، وهذا خطأ كبير.
    وأضاف فضيلته أن الرؤية الشرعية ينبغي أن يكون فيها قدر من رؤية المرأة على طبيعتها أو قريبة من طبيعتها، بعيدة عن المبالغة في التزيين أو في التزييف -إن صح التعبير-، ولكن من جهة أخرى، فإن الإنسان عندما يكون مقبلًا على زوجته يراها بشكل، وعندما يقضي وطره منها ربما يراها بشكل آخر أحيانًا، فينبغي على الإنسان أن يدرك هذا المعنى، وألا يكون حبه مرهونًا بحالة وصال جسدي.

    الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الاثنين 30 ذو الحجة 1431الموافق 06 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  3. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
    سلموا المفاتيح لأولادكم


    الأم غاضبة على البنت المراهقة .. تتحدث بحزن شديد كيف أن هذه المخلوقة التي حملتها تسعة أشهر جزءاً من جسدي ، وأطعمتها من زادي ، وأمددتها بنسغ الحياة من روحي ، وحضنتها سنين عدداً ، فهي امتداد لجسدي وروحي .. أصبحت تتمرد على أوامري ، وتضرب عرض الحائط بكل توجيهاتي ..
    لم أستطع أن أجمع بين خيال الطفولة .. صغيرتي ملفوفة في مهدها الأول بين ذراعي .. وسهر ليلي الطويل لأرضعها وأهزها حتى تهدأ وتنام .. وبين امرأة أصبحت في طول قامتي ، صوتها يغلب صوتي ، وهي تنحاز لصديقاتها جلّ وقتها ، ما بين مطعم ، أو تمشية في سوق ، أو استراحة ، ولا يبدو لديها استعداد أن تنضبط في مواعيد دخول أو خروج ، وردها دوماً هو :
    -أنا حرة وليس لأحد عليّ سلطان !
    حديث الأم مؤلم موجع ، ودافع الأم نبيل ، إنها تخاف على بنتها من تأثيرات تجهلها ، وتدرك أن البنت لا زالت في غرار صباها , ولا زال طريقها إلى تجارب الحياة وخبراتها في بدايته الأولى ، ولذا فهي تتأثر بلين القول ، أو تتساهل في خطوة عادية تجرّ وراءها خطوات .
    من ذا يُشكك في رقي هذه الدوافع وسلامتها وأهمية وجودها عند أي أم؛ لتؤدي دورها في التربية والرعاية والاهتمام ؟ وما معنى الأمومة إن لم تكن هذه المعاني حاضرة فيها ؟
    وبقدر رسوخ هذا المعنى وعظمته حضر في ذهني معنى آخر .. أن الولد (ذكراً أو أنثى) هو كائن مستقل ؛ يأخذ طريقه للحياة كمخلوق آخر, يكبر ليحصل على المسؤولية والتكليف الشرعي , حتى يصبح محاسباً مسؤولاً عما يعتقد ويقول ويفعل .. حتى لربما صار على النقيض من والديه .
    حكى لنا الله في القرآن : قصة نوح النبي وابنه الكافر ، وقصة إبراهيم النبي ووالده الكافر ، وأشار إلى أحوالٍ جرت في عهد النبي الخاتم من تخالف في الدين والمعتقد بين آباء وأبناء ، ولذا قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (التوبة:23) ، ثم عقّب بقوله : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24) .
    وقد يكون التباعد بين الآباء والأولاد دون ذلك ، فيكون الأب مطيعاً والابن عاصياً ، أو بعكس هذا .. فثمّ استقلال تام في نهاية المطاف ، (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164) ، وعَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ:
    أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي فَقَالَ مَنْ هَذَا مَعَكَ ؟ قَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ (أَمَا إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائى ، وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
    أجد من ملاحظتي للأنماط التربوية أن من الآباء من ينحاز للأصل الأول ، فتغلبه النظرة للأبناء باعتبارهم امتداداً له ، ويستحضر بصفة مستمرة ، وربما ضارة ، أنه فعل لهم وفعل , وكأنه يمنّ عليهم بما عمل ، مع أن الحنان والرعاية فطرة إلهية حتى لدى الحيوان ، وربما عيّر أب ابنه وذكّره بأنه نطفة منه , وهو قد بلغ الستين أو قارب !
    ونتيجة لهذا يتجاهل بعض الآباء حاجات الابن في تلك السن المبكرة ، وميله لمن هم في مثل سنه ومستواه, يشاركونه الحديث واللغة والاهتمام والدراسة والميل والعادة .
    ويتجاهل آخرون متغيرات الزمن وطوارئه بين ما كانوا عليه أيام الشباب وما عليه أبناؤهم الآن ، ويريدون منهم أن يأكلوا ويشربوا ويلبسوا أو يتصرفوا كما كان آباؤهم يفعلون حين كانوا في مثل سنهم .
    ولذا كان علي -رضي الله عنه- يقول : " لا تُكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم " .
    فثمت متغيرات في شتى النواحي بين الأجيال يجب اعتبارها ، لئلا تكون التربية قسراً وإكراهاً يقتل شخصية أبنائنا ويفقدهم الثقة بأنفسهم ..
    إن مصادرة شخصية الولد من شأنها أن تصنع عنده عقوقاً لأنه يريد أن يحقق ذاته ولو غضب والداه ، أو تصنع عنده ضياعاً وضعفاً في الشخصية لأنه قرر أن يستسلم لإرادة والديه مع عدم رضاه داخلياً , مما يجعله مشتتاً مرتبكاً ، وهنا تنشأ وتكبر العُقد النفسية وحالات الاكتئاب والقلق ، ثم النفاق والتصنع والازدواجية .
    ومن المربين من ينحاز للأصل الثاني فيمنح الأولاد حرية مطلقة من أول الأمر ولا يسمعهم كلمة " لا " ولا يشعرهم بأنهم جزء من منظومة " الأسرة " يستوجب عليهم الانتماء لها , أن يشاركوها برامجها والتزاماتها ومواعيدها وقيمها الأخلاقية العليا ، وأن يتدربوا على احترام رموزها ورجالاتها ، ومنهم الأبوان خاصة ، ولذا قرن الله حق الأبوين بحقه فقال سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(الإسراء: من الآية23) .
    وفي قصة جريج الشهيرة وهي في الصحيح أنه قال : أمي وصلاتي ! وفضّل صلاته فدعت عليه أمه واستجيب دعاؤها ..
    وقد عنّ لي الجمع بين هذه الآية الكريمة ، وهذا الحديث الشريف في شأن جريج فقلت في قصيدة لأمي (رحمها الله) :
    سهاد عيني يسير في محبتكم قد طالما هتفت شوقاً لمرآك
    وخفق قلبي ما ينفك يحفزني إليك ما كان خفق القلب لولاكِ
    لو اعترضت صلاتي لم يكن لمماً فالله أردف نجواه بنجواكِ
    إن الأولاد يعيشون مرحلة خطرة تتحكم في بقية أعمارهم وحياتهم ، وإذا غاب عنهم الإرشاد والتوجيه والتحذير ، وبمعنى أعمّ " التربية " فسيكون من العسير عليهم أن ينجحوا في مضمار الحياة وأن يكونوا فاعلين مؤثرين
    ولذا قال سابق البربري :
    قد ينفعُ الأدَبُ الأحداثَ في مَهَلٍ وليس يَنفَعُ عند الكَبرَة الأدَبُ
    إنَّ الغُصُونَ إذا قوَّمتها اعتَدَلَت ولن تَلِينَ إذا قَوَّمتَها الخُشُبُ
    ولهؤلاء وأولئك أقول :
    أعطوا أولادكم المفاتيح !
    أعطوهم مفاتيح المسؤولية فلا تصادروا شخصياتهم ، وامنحوهم حق التدريب والعمل والمحاولة والخطأ أمام أعينكم وفي حياتكم حتى تطمئنوا قبل الرحيل إلى أن الأمور ستكون بخير ، دعهم يتولون مناصبهم ووظائفهم التي تقتضي سنة الحياة أن تؤول إليهم حتى لا يختلفوا بعد موتكم اختلافاً يضر بهم وبالتراث والميراث الذي يصير إليهم ، ويضر بالقرابة والجيران والصداقات .. وكم من نار تحولت إلى رماد .. كما قيل:
    أرى ناراً قد انقلبت رماداً سوى ظل مريض من دخانِ
    وكم من رماد تحته جمر ، كما قيل :
    أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام
    فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام
    إذا لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام !
    أعطوهم مفاتيح البناء بالاعتماد على النفس والثقة بها ، والصدق والإخلاص ، فلا شيء يربي على الكذب والمراوغة مثل التربية القاسية ..
    لا يحملنكم الحب على المبالغة في الخوف ، فمردود هذا على الأولاد هو التحفيز على المغامرة الشديدة إن كانوا أقوياء الشخصية ، أو الاستسلام والانهيار إن كانوا ضعفاء .. وقديماً قالت العرب : " ومن الحب ما قتل " .
    أعطوهم مفاتيح النجاح بالتوجيه الهادئ ، والجلسات الحميمية ، والعلاقات السمحة ، والصبر الطويل ، والكلمات الحكيمة التي تظل تجلجل في أسماعهم ما داموا على قيد الحياة يذكرونها ويذكرونكم معها بالخير ويسلمونها لمن بعدهم .
    لا تظنوا أن الغضب الدائم والعتب المستمر والهجر الطويل هو الحل .. فما قيمة أن يعملوا لكم أشياء وهم يكرهونها في قرارة نفوسهم ، أو يتركوا لكم أشياء ونفوسهم تتحرق شوقاً إليها ..؟!
    سيجدون يوماً أنفسهم أحراراً في الفعل والترك ، فليكن جهدنا الكبير في غرس حب الإيمان والصدق والعمل والأخلاق في قلوبهم ، وكره الفجور والجهل والكسل والفوضى وأهلها ، (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(الحجرات: من الآية7) .
    أن نغرس في نفوسهم حب الصلاة لا يقل أهمية عن أدائهم للصلاة ذاتها ، وأن نربيهم على كره الكذب والسرقة لا يقل أهمية عن تركهم لها .
    ولا تدعوا على أولادكم إلا بخير حتى لو غضبتم .. الدعوات الصالحة الصادقة من الوالدين مظنة الإجابة وأن تفتح لها أبواب السماء فاجعلوا دعواتكم لهم جزءاً من مشروع التربية والتوجيه والأمل الجميل .
    (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)(الفرقان: من الآية74)

    الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 05 محرم 1432الموافق 11 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  4. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
    أئمة الطريق الثالث

    الموقع التاريخي للأئمة الأربعة يلهم سنّة التعايش الرشيد التي كرّسها هؤلاء الأعلام ، كانوا امتداداً لمن سبقهم ، واتفقوا على تعظيم أسلافهم من المؤمنين ، وأثنوا على الصحابة والقرابة وأمهات المؤمنين أزواج النبي الطاهرات ، متمثلين قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10)
    ولم يسمحوا للخلاف الذي جرى بين السالفين أن يكون أداة لشتم التاريخ, والكفر بالأسلاف , والتشكيك في رجال الصدر الأول .
    ولذا اتفقوا على تجنّب محاكمة المختلفين ، أو الدخول بينهم إلا بخير .
    وتعايشوا مع الاختلاف الجاري في دوائرهم الأربع الفقهية, وما وراءها بروح التقبّل والهدوء ، ولم يسمحوا أن يكون انتشار علومهم سبباً للصدام والتعارك .
    بل لعلهم أصّلوا مبدأ التعايش مع المتغيرات السياسية والاجتماعية من حيث تعاملهم معها, ورسمهم للخطة الملائمة إزاءها .
    والملحوظ أن أيّاً منهم لم يقبل ولاية رسمية للقضاء أو المظالم أو غيرها ، وفي الوقت ذاته لم يكن حزب معارضة ، ولم يسند أو يدعم الخارجين على سلطة الدولة ، وإن كانوا جميعاً تعرّضوا للاتهام بشيءٍ من ذلك ، وامتُحنوا فيه ، إلا أن السّياق يدلّ على أن ذلك لم يكن صحيحاً ، ولكنهم كانوا ضحية الفكرة التي ترى أن من لم يكن معي فهو ضدي ، فكان استقلالهم الفكري سبباً في الاشتباه وكثرة الوشاية وسوء الظن ، بل وتفسير القول أو الفتوى تفسيراً سياسياً .
    وهم في حقيقة الأمر يمثلون الطريق الثالث بين مجموعة السلطة ومجموعة المعارضة ، وهذا يمكنهم من أداء دور ريادي وعظيم في حفظ التوازن داخل المجتمع بين مكوناته المختلفة ، من سلطة وشعب ، وتيارات فكرية وعلمية ، وانتماءات عرقية وقبلية ، واختلافات مذهبية .
    إن وقوفهم على مسافة واحدة من هذه المكونات ، واحتفاظهم بقدر من الاتصال يسمح بأن يكونوا نقطة توازن وانضباط؛ تحفظ المجتمع الإسلامي من الانخراط في مزيد من الصراعات الداخلية أو التمزق وانفراط العقد .
    وهذه مهمة يُحتاج إليها اليوم أشد الحاجة في ظل اتّساع الفجوة وضعف ثقافة التعايش بين الناس مما يحضّر لنزاعات تستعدّ للظهور كلما آنست ظروفاً تخدمها .
    فوجود مرجعية علمية ودوائر وسيطة تعزز قوة الضعيف وتنهنه اندفاع القوي ، وتتوسط في المعضلات ، وتنشر الوعي الضروري للحياة والفهم والتسامح ، وتشجّع على العدل وحفظ الحقوق له مما يخدم السلم الاجتماعي والأمن الوطني في أي بلد ، ويحول دون ظهور تيارات العنف والغلو والتطرف في أي اتجاه .
    في بلاد العالم حكومات قوية تقابلها مجتمعات قوية أيضاً ، بروابطها وتنظيماتها ونقاباتها ومؤسساتها السياسية والتطوعية والاجتماعية ، وهذا يجعل الشعب قوياً بحكومته ، والحكومة قوية بشعبها .
    ومعظم البلاد الإسلامية تفتقد هذا التوازن الضابط لمركز القوة ، الحافظ للاتصال ، إنها " المؤسسات الوسيطة " أياً كان عنوانها ، المقبولة على نطاق واسع ، رسمي وشعبي ، المعنية بأداء هذه المهمة الخطيرة التي قد لا يفطن لها الناس إلا حينما تبدأ في التآكل والتفتت .
    إن الاختلاف المذهبي والطائفي ، بل والملّي ، فضلاً عمّا دونه ، ليس مؤهلاً دائماً للصراع والتطاحن ، والنص القرآني الكريم يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) (الرحمن:10) ، فداخل الدائرة الإسلامية يتم التحاكم إلى الأحوال الضابطة ، والقواعد الجامعة ، والضروريات الشرعية ، وحين يتعذّر ذلك بسبب اتساع الخلاف وتجاوز المحكمات ، وعدم القدرة على تلافيه بالحوار والمجادلة الحسنة ، تبقى الدائرة الأوسع ، وهي دائرة (لِتَعَارَفُوا)(الحجرات: من الآية13) ، لتكون المعرفة بينكم أساساً للعلاقة ، ولتتبادلوا المعارف ، ولتتعاملوا بالمعروف والبر والإقساط .
    وربما تلتقي مصلحتك ومصلحة مخالفك في نقطة واحدة من منافع التجارة أو الإدارة أو الصحة أو التنمية أو الصناعة أو غيرها .
    ومن نافلة القول أن آراء هؤلاء الأئمة لم تكن نشازاً بالنظر إلى ما قبلها ، فهي محصلة الموروث الفقهي السابق ، يضاف إليه آراء واجتهادات جديدة لم يسبقوا إليها في مسائل ونوازل ، بل في التأصيل والتقعيد ذاته .
    وعليه فإن من الخطأ الزعم بأن أقوالهم تنسخ ما قبلها وتلغي ما سواها .
    والواقع أن عمل الفقهاء الكبار في المذاهب ، وإن كان يسير ضمن الإطار العام غالباً ، إلا أنه لا يخلو من اختيارات تخالف المذهب ، بل تخرج عن أقوال الأئمة الأربعة .
    وقد تتبعت اختيارات الإمام ابن قدامة في المغني فرأيت له أقوالاً وترجيحات حسنة خالف فيها الأئمة الأربعة بعدما ساق مذاهبهم .
    ومثل هذا تجده في كل مذهب فقهي ، لأن أقوال الصحابة والتابعين والأئمة السابقين من فقهاء السلف ليست أقل أهمية ، وفيها ثروة عظيمة ، وفقه أصيل ، واستنباط ممن عاصر التنزيل ، وهم أهل اللغة ، وقد حفظت أقوالهم كما في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومصنفات ابن المنذر ، وكثير من السنن كسنن سعيد بن منصور والبيهقي ، والذي يقرأ متغيرات الحاضر الضخمة قد يرى أن توسيع دائرة الاختيار من أقوال السلف خارج الأربعة يبدو أمراً ملحاً .
    إنها اجتهادات جوهرية لرجال القرون المفضلة ، المنصوص على خيريتها ، وهي تضيف مادة جديدة وهائلة للفقه الإسلامي ، وتحقق له التنوع والاتساع .
    ولئن كان عصر من العصور لا يحتاج إلى استدعاء تلك الأقوال والاعتبار بها ، والبناء عليها ، فمن اليقين أن هذا ليس هو عصرنا الذي نعيش فيه .
    وقد صنف ابن رجب الحنبلي كتاباً سماه (فضل علم السلف على علم الخلف) ولئن كان العلم خير كله ، فإن فضل علم السلف يجري على الأصول والفروع معاً ، وخاصة أن فقه الصحابة بالذات كان في الفترة الأولى التي ظل فيها الفقه مقترناً بالحياة بتنوعها وحيويتها وثرائها ، وشهدت فقهاء عظاماً كأبي بكر وعمر ومعاذ وعلي وابن عباس وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.

    الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 26 شعبان 1431الموافق 07 أغسطس 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  5. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
    أئمة العلم والأخلاق

    إن من الأساسيات الراسخة التي أرساها الأئمة إقرارهم بالاختلاف وأنه حتمية لا سبيل إلى تجاوزها أو إلغائها ، ولكن سبيلها البحث والعلم والتحري ، وهذا معيار لأهمية البناء العلمي الذي بموجبه جرى الخلف بينهم .
    وإقرارهم بالإخاء والحب الذي هو برهان على أهمية البناء الأخلاقي الذي بموجبه جرى التصافي .
    وقد نجد من بعدهم من اختلفوا فتحاربوا .
    ونجد من توادعوا وتساكنوا لكن على غير علم ومعرفة .
    ولذا صرفوا جل وقتهم في التعلم والتعليم ، وكان أبو حنيفة فقيه أهل العراق بغير منازع ، ومالك فقيه المدينة والحجاز ، ولم يُفت حتى شهد له أربعون من علماء المدينة ، وهو من أثبت الناس في الحديث ، والشافعي إمام في العديد من العلوم ، كاللغة والفقه والأصول ، ومن ثقات المحدثين ، وأحمد كان من الحفاظ الكبار .
    كان أبو حنيفة أميل إلى الفقه ، وأحمد أميل إلى الحديث ، ومالك والشافعي وإن كانوا معدودين في مدرسة الحديث إلا أن لهم بصراً وأخذاً في الفقه قلّ نظيره .
    وكان مالك يقول للعمري : (طلب العلم ليس أقل من العبادة لمن صلحت نيته).
    وقال الشافعي : (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة).
    فحفظوا مقام العلم ، كما حفظوا مقام الأخلاق ، وأيّ علم بغير أخلاق فهو علم بلا عمل ، أو هو صورة العلم لا حقيقته ، فإن من أعظم العلم معرفة القطعيات ، ومن أعظم القطعيات معرفة القطعيات العملية ، ولذا فقد اتفقوا واتفقت الأمة كلها على وجوب محبة المؤمنين بعضهم بعضاً ، وعلى تحريم التباغض والتحاسد بين المؤمنين ، وعلى أن رباط الإخاء الإيماني لا يزول إلا بزوال أصل الإيمان من القلب ، وإن كان يتفاوت بتفاوته ، كما اتفقوا على حفظ الحقوق المنصوصة ، والالتزام بالأخلاق المفترضة بين الناس .
    قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
    وقد يستوحش الشيوخ من الأقوال التي تطرق آذانهم لأول مرة ، ولم يسمعوها من أساتذتهم فينكرونها ، ثم يكون الغضب واللجاج وتراكم المشاعر السلبية المفضية إلى التفرق .
    ويحسن في هذا السياق إيراد كلمة الإمام أحمد -رحمه الله- : " لم نزل نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فأصلح بيننا ".
    لم يتحول الأمر إلى اصطفاف عقائدي مؤدلج ضد أهل الكوفة بحيث يكون معقد الولاء والبراء عليه ، ولا خلط الأئمة بين الأصول الثابتة المحكمة ، وبين الفروع المتغيرة الاجتهادية ، ومن هنا رحبوا بمدرسة الإمام الشافعي الجامعة ، والتي فيها قبس من مالك ، وآخر من أبي يوسف ، وشعبة من العراق ، وأخرى من الحجاز ، وتم لها النضج في مصر فجمعت ما تفرّق في البلاد .
    وهكذا تكون المدارس التربوية أو الفقهية المتخالفة بحاجة إلى استعداد نفسي صادق لفهم المخالفين والتماس العذر لهم ، وترحيب بالمشروع العملي الميداني لتقريب وجهات النظر ، أو لتخفيف حدة النزاع .
    وكان من جراء هذا التواضع العلمي ، والاستعداد النفسي ، مراجعة الأئمة لآرائهم ومواقفهم واجتهاداتهم وتعديلها إذا اقتضى الأمر .
    كان للشافعي قول قديم بالعراق ، وأحدث قولاً جديداً بعد انتقاله إلى مصر ، كان ذلك بسبب زيادة علمه وفهمه ، وبسبب نضجه الحياتي ، ومعايشته بيئة جديدة مختلفة عما عرف من قبل ، وفيها عوائد وأعراف وأحوال لم يعهدها في العراق ، فضلاً عن السن الذي وصل إليه ومن الحجة للشافعي في ذلك ما تواتر من الفروق بين مجتمع المدينة ومجتمع مكة ، وقد ألف المناوي كتاباً سماه (فرائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهد واحد) ، وقد وجد في كل مذهب من المذاهب الأربعة روايتان أو قولان للإمام نفسه في مسائل عديدة .
    يقول أبو يوسف : " ما قلت قولاً خالفت فيه أبا حنيفة ، إلا وهو قد قاله ثم رغب عنه " .
    وقد خالف أبو حنيفة هنا نفسه ، ثم خالفه تلاميذه في معظم مسائل المذهب ، مع رجوعهم إلى الأصول والقواعد التي كان يقول بها .
    وفي مذهب مالك نقل عنه إلى العراق نحو سبعين ألف مسألة ، فاختلف الناس في مذهبه لاختلاف نشرها في الآفاق .
    أما في المذهب الحنبلي فثمّ ما يعرف بالوجهين والقولين ، والتي جمعت في طائفة كبيرة من كتب التلاميذ والرواة .
    والمذهب الحنبلي غني بالروايات المتعددة ، التي تكون أحياناً بعدد الأقوال المأثورة في المسألة ، وفي المغني وغيره شيء كثير من ذلك .
    وهذا يعود إلى طبيعة المسائل الفرعية وأن الأمر فيها قريب كما قال ابن تيمية.
    إن الرجوع إلى رأي المخالف لا يكون إلا من إمام صادق ، مراده الله والدار الآخرة ، وهم كانوا كذلك .
    لم يذعنوا لأتباعهم وتلاميذهم ، ولا فتحوا آذانهم لنقل الحديث عن زيد وعبيد ، على سبيل الذم والوقيعة وإيغار الصدور ، ولا حزبوا من وراءهم على طاعتهم واتباعهم ، وعيب مخالفيهم ، ولم يكونوا مذعنين لإرادة الطلاب ، ولا مأخوذين بكثرتهم ، بل كانوا مستقلين استقلالاً ذاتياً عن الأتباع مع حفظهم لحقوقهم ومقاماتهم .

    الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 19 شعبان 1431الموافق 31 يوليو 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  6. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    الإسلام اليوم/ متابعات
    د.العودة وشيخ الأزهر يؤكدان على ضرورة توحيد أهل السنة


    أكد فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة (الإسلام اليوم) والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على ضرورة توحيد أهل السنة لمواجهة الصور المغلوطة على الإسلام والمسلمين في الغرب.
    وخلال زيارة قام بها الشيخ العودة أمس الاثنين لمشيخة الأزهر الشريف في القاهرة دعا الجانبان إلى وجوب وحدة أهل السنة والجماعة، بجميع أطيافهم لاسيما علماء السعودية والأزهر الشريف لتنسيق الجهود في مجال الدعوة.
    وأوضح مصدر بالمشيخة لموقع "أون إسلام" الإلكتروني أن شيخ الأزهر أشار خلال اللقاء إلى أنه لا يمكن للعالم الإسلامي التحدث مع الغرب، ولا مواجهة الصور المغلوطة على الإسلام والمسلمين إلا من خلال توحيد كلمتهم الأمر الذي يتطلب وجود حوار وتنسيق داخلي.
    وبحسب المصدر ذاته فإنه ستكون هناك زيارات أخرى قريبة لعلماء سعوديين إلى الأزهر الشريف؛ لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل حول أسماء هؤلاء العلماء، لافتا إلى أن زيارة الشيخ سلمان تأتي على أساس أن الأزهر هو المرجعية العليا ومنهجه هو المنهج الوسطي الذي يجمع المسلمين ولا يفرقهم.
    يشار إلى أن الدكتور سلمان قد قام بزيارة ودية لشيخ الأزهر في مكتبة بالمشيخة خلال أكتوبر الماضي حيث تباحثا وقتها في أهمية التواصل بين علماء السعودية وعلماء مصر، وضرورة العمل على تقارب علماء المسلمين جميعاً في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والتركيز على جوانب الاتفاق بدلاً من الوقوف الطويل حول المسائل الخلافية.
    وكما أبدى سماحة شيخ الأزهر ترحيبه بعقد مؤتمر لعلماء العالم الإسلامي، واستعداده لاستقبالهم وضيافتهم على مدى أسبوع كامل لبحث المسائل المهمة بصورة مباشرة، بعيدًا عن البحوث الأكاديمية النظرية.
    وتطرق اللقاء إلى أهمية التواصل بين المدارس الفقهية المختلفة وألا يحول الانتساب الفقهي دون التعارف والتعاون، وقد صرّح سماحة شيخ الأزهر بهذا الخصوص إلى أنه ماضٍ في إعادة الحياة والفاعلية إلى الرواقات التاريخية في الأزهر التي تدرس المذهب الحنبلي، والمذهب الشافعي، والمذهب المالكي، والمذهب الحنفي.
    وقد عرض الدكتور سلمان للشيخ جهود مؤسسة الإسلام اليوم ومكتبها في القاهرة وموقعها الإلكتروني الذي أصبح من أكثر المواقع الإسلامية حضورًا وتأثيرًا بفضل الله.
    الكاتب: الإسلام اليوم/ متابعات الثلاثاء 08 محرم 1432الموافق 14 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  7. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة
    الإنسان أولاً


    ركب إلى جواري في الطائرة ذات مرة شاب غريب ، بدت عليه ملامح الحزن والكآبة والانعزال عن الآخرين ، وكأنه يتوجس خيفة من كل أحد يجالسه أو يحادثه أو يصافحه .. ويتساءل عن نوع الأذى الذي ينوي إلحاقه به !
    خطر في بالي أن هذا الشاب هو بيت مغلق بأقفال ، ولكي تلج إلى هذا البيت لأي غرض كان عليك أن تبحث عن المفاتيح .
    ربما تريد أن تدخل مع هذا الإنسان أو غيره في مشاركة تجارية ، أو في مشروع تقني ، أو منجز ثقافي ، أو تطمع في دعوته إلى خير ، أو حمايته من شر ، أو تريد أن تنتفع منه بحكم وجود حالة إيجابية لديه يمكن توظيفها .. وهب أنك تريد أن تقدم له خدمة ما يحتاجها ..
    أنت هنا أمام ثري ، أو مبدع ، أو قارئ ، أو منحرف ، أو شحاذ ، أو ما شئت ..
    هو إنسان قبل أن يكون أياً من ذلك ، ويوم ولد لم يكن له لون ولا شيء معه (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(النحل: من الآية78) ، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..)(الأنعام: من الآية94) .
    وأي محاولة تواصل تتجاوز مبدأ الإنسانية ستمنى بالفشل .
    ومن حسن الحظ أنك أنت إنسان أيضاً فلديك الكثير من المعرفة المفصلة والواقعية عن الإنسان وحاجاته وضروراته ومداخله ومشاعره وأحاسيسه .
    لم يكن بمعزل عن الحكمة الإلهية العظيمة أن يبعث الله رسله من الناس ، مثلهم يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويتزوجون وينجبون ، ويصحون ويمرضون ، وتصيبهم اللأواء .
    ولكل إنسان أسوار لا ينبغي تقحمها ولا تجاوزها ، ومداخل تناسبه بيد أنها تحتاج إلى اللطف والبصيرة وحسن التأتي .
    وحين قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ..) رواه مسلم
    كان يرسم منهجاً نبوياً رائعاً في التعامل مع الآخرين ، أن تضع نفسك في موضع الإنسان الذي أمامك وأنت تتعامل معه ، ما الذي يروقه ويعجبه منك ؟
    أن تثني عليه بخير ، ولا أحد إلا ولديه من الخير ما يمكن أن يثنى به عليه ، وبصدق ، دون خداع أو تزيّد .
    أن تعرب له عن محبتك وتقديرك لشخصه الكريم .. وكيف لا تقدّر إنساناً كرمه ربه واصطفاه وأحسن خلقه ، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) ، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر:32) ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) .
    انظر في عينيه ، وابتسم له بصفاء ، وصافحه بحرارة ، وتحدث إليه وأنت منبسط هاش باش ، واختر الكلمات الجميلة السحرية
    أَضاحك ضَيفي قَبلَ إِنزال رحله وَيُخصَب عِندي وَالمَحَلُّ جَديب
    وَما الخَصبُ للأَضياف أَن يَكثُر القِرى وَلَكِنَّما وَجه الكَريم خَصيب
    قبل أن تعطيه المال ، أو توفر له الاحتياج ، أو تجود عليه بما يطلب ، أعطه وجهك وقلبك واحترامك وتقديرك ، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً)(البقرة: من الآية263) ، اصنع هذا لزوجك الذي تدوم معه عشرتك طوال الحياة ، واصنعه لولدك الذي خرج منك فأصبح كياناً مستقلاً له شخصيته وتكوينه وحسابه ومسؤوليته الكاملة في الدنيا والآخرة .
    واصنعه مع زميلك في العمل أو شريكك أو جارك الذي تلقاه كل يوم أو كل صلاة .
    واصنعه مع الخادم أو السائق دون ازدراء لإنسانيته أو تحقير لشخصيته ، واعتقد في داخلك أنه إن كان الله فضلك عليه في الدنيا بمال أو منصب فربما يكون فضله عليك في الآخرة بتقوى أو إيمان أو سريرة من إخلاص أو عمل صالح .
    واصنعه مع الغريب الذي تراه لأول مرة ، وربما لا تراه بعدها لتوفر لديه انطباعاً إيجابياً عنك ، وعن الفئة أو الجماعة التي تنتمي إليها ، ولتمنحه قدراً من الرضا والسرور والفرح والاغتباط ، وتبعث إليه برسائل من السعادة سوف يكافؤك الله العظيم بما هو خير منها عاجلاً ، فالمعطي ينتفع أكثر من الآخذ ؛ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً .
    واصنع ذلك بصفة أساسية لأولئك الناس الذين تريد أن توجههم أو تنتقدهم أو تقدم لهم نصحاً يحميهم من ردى أو يحملهم على هدى وأنت عليهم مشفق بار راشد فإياك أن تتعسف أو تتهم أو تجفو في أسلوبك فتحكم على محاولتك بالفشل المحتم حتى قبل أن تشرع فيها ، وكان الإمام أحمد يقول : " قلما أغضبت أحداً قفبل منك " .
    فإلى أولئك الذين يتبوؤون مقام التعليم والدعوة والإصلاح والاحتساب نهدي هذه الكلمات النورانية النابعة من عمق التجربة ، والمتوافقة مع هدي الأنبياء ومنهجهم ، ونص القرآن ودعوته ، رزقنا الله الحكمة والبصيرة وكفانا شر نفوسنا الأمارة بالسوء .

    الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة السبت 12 محرم 1432الموافق 18 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  8. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    الإسلام اليوم/ أيمن بريك
    د.العودة: الشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل والتفاؤل وليس الهروب والانتحار


    أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن الشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل والتفاؤل والانتماء للحياة، وليس الهروب والانتحار، مشيرًا إلى أنه لولا وجود قدر من الشجاعة عند بعض الأمم لما كان هناك طائرة تطير ولا سيارة تمشي ولا أي خدمة من الخدمات.
    وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "شجاعة" ـ: إن كل هذه الأشياء بدأت بقدر من الشجاعة والمغامرة المحسوبة والمدروسة، لافتًا إلى أن هناك شعوبًا عندها حالة من الإقدام على أشياء، ربما يشاهدها الإنسان في البداية أمرًا مرعبًا ومثيرًا للاستغراب بالنسبة له، ولكنها سرعان ما تتحول إلى أمر عادي يتقبله جميع الناس، ويصبح هناك محاولة لاستكشاف ما هو أبعد من ذلك.
    وأوضح الدكتور العودة أنه لابد أن يتحلى الإنسان بشجاعة العقل في الفهم، وشجاعة الابتكار، واقتناص الفرص، وعلى سبيل المثال، فإنه قد سئل معاوية -رضي الله عنه-: أأنت شجاع؟ قال:
    شجاعٌ إذا ما أمْكَنَتْنيَ فُرْصَةٌ وإنْ لم تكنْ لي فُرْصَةٌ فجبانُ
    وأوضح الدكتور العودة أن هذا يؤكد أنه بدون أن يكون عند الإنسان شجاعة، فإنه لن يستطيع أن يقتنص الفرص، أو أن يحقق الإبداع، سواء كان هذا الإبداع أدبيًّا أو شعريًّا أو تقنيًّا، أو اكتشافًا، مشيرًا إلى أن الغالب على الناس اليوم في معظم المجتمعات، وخاصة المجتمعات الإسلامية، كون الإنسان مرهونًا دائمًا بثقافة ومجاراة القطيع، والخضوع للمألوف، والاندماج مع الناس بما يصل ويفضي إلى أن يفقد الإنسان قيمته الذاتية ويصبح رقمًا غير معتبر ولا محسوب إلا ضمن إطار معين، وتختفي معه الشجاعة الشخصية، حيث إننا ربما نجد الإنسان يمارس الشجاعة جماعيًا من خلال المجموعة المتواصلة المتلاحمة التي تقوم بدور معين، سواء كان هذا الدور هو دور هجوم أو دفاع أو عمل معين، لكن بدون أن يكون عنده شجاعة ذاتية، أو اعتراف بقيمته الذاتية، أو إحساس بمسؤوليته الشخصية، فالشجاعة مثلما يقول المتنبي:
    الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
    وكذلك:
    وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
    فالشجاعة مرتبطة بالبصيرة، والحكمة، والعقل:
    إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
    وتابع فضيلته أن الشجاعة فضيلة معروفة عند العرب، ولذلك فإن الكثير من العرب عندهم شجاعة ذاتية أو ما يسمونه هم شجاعة فيما يتعلق بالجانب المادي البحت، لكن الشجاعة بمفهومها الشامل المتمثل في الشجاعة مع النفس، والشجاعة مع الآخرين، حتى مع المنافس، مثل أن تهنئه بنجاح أو تفرح له أو تغتبطه بتفوقه ولا تشعر بالغيرة من ذلك، أو الشجاعة مع من هو فوقك، بأن تراجعه أو تصحح له أو تنتقده دون أن يفضي ذلك أيضًا إلى الإطاحة، فإنها من الأمور التي يجب أن تحظى باهتمام أكبر.
    الهروب عن مسئوليات الحياة إلى الانتحار ليس شجاعةً
    وفيما يتعلق بأن هناك من يعتبر أنه من الشجاعة الهروب من موقف معين بالانتحار أو غيره من القرارات المهلكة، قال الشيخ سلمان: إن الشباب أكثر شجاعة من الكبار، مع أنهم أكثر تطلعًا للحياة وانتماءً إليها، بينما الإنسان كلما كبر يكون تشبثه بالحياة أكثر، مشيرًا إلى أن هذا أمر مؤكد وملموس، ولذلك فإننا نجد أن الشباب هم الذين يقدمون على العمليات التي تتم في حالات حروب أو غيرها، بينما الإنسان إذا كبر يبدو أنه ـ لا أستطيع أن أقول أنه فقد شجاعته.. يمكن أن نصحح هذا المفهوم لكن ـ ربما أضاف إلى الشجاعة معنى آخر وهو معنى الرؤية والشمولية وتراكم الخبرات، فأصبح عنده إيمان بالحياة، ولذلك فإننا يجب ألا نعتقد أن الشجاعة فرار من الحياة، ولكنها في حقيقة الأمر انتماء للحياة، "اطلب الموت توهب لك الحياة"، والشجاعة الحقيقية هي شجاعة الأمل، والتفاؤل، والانتماء للحياة، وليس الفرار أو الهرب من الحياة، كما يقول:
    تَأَخَّرتُ أَستَبقي الحَياةَ فَلَم أَجِد لِنَفسي حَياةً مِثلَ أَن أَتَقَدَّما
    وقد كان العرب يُعيّرون الإنسان الذي يموت على فراشه -أحيانًا- ويقولون: "مات حتف أنفه"، وهذا قد يقال -أحيانًا- مثلما قال السموأل:
    وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ
    يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
    فـ "مات حتف أنفه" ليست مسبة أو نقصًا أو عيبًا، وربما مُنح الإنسان الشجاعة وهو يموت حتف أنفه كما يقولون.
    وأوضح الدكتور العودة أن الإقدام على الانتحار ليس شجاعة، ولكنه هروب، فالذين يُقدمون على الانتحار هم أكثر الناس ضعفًا وربما عجزًا حتى عن مواجهة المشكلات أو تحملها أو الصبر عليها، مشيرًا إلى أن هناك تقريرًا يقول: إن نسبة الانتحار بين السعوديين تضاعفت، مما يشير إلى أن هناك مشكلات وصعوبات في الحياة، وأزمات نفسية، وقد يرجع ذلك إلى غياب المرشد والموجّه الذي يمكن أن يمنح الإنسان جرعة من الطمأنينة والأمل ولو بالكلمة الطيبة، وعلى سبيل المثال، فإن "هتلر" عندما فشلت مساعيه انتحر هو وعشيقته، وكذلك وزير الإعلام في حكومة هتلر انتحر هو وزوجته وبناته الست، حيث قام بتجريعهم السم حتى ماتوا جميعًا!، وهذا مشهد كثيرًا ما يحدث ويعتبره البعض شجاعة، لافتًا إلى أن هذا يمكن أن يكون شجاعة كما تقتضيها النفس وليست شجاعة كما يقتضيها الحق، فالشجاعة مرتبطة بالحق، والعدل مع النفس ومع الآخرين.
    وأردف فضيلته: أما حكم النفس -أحيانًا- بسبب أزمة نفسية أو ظرف عابر أو فشل، فإن هذا لا يعد شجاعة بأي حال من الأحوال، مشيرًا إلى أن كون الإنسان يعاني من فشل أو من كلام الناس أو من ملاحقة الإعلام فيعجز فينتحر، فإن هذا ليس بشجاعة، وعلى سبيل المثال، فإن هذا الأسبوع انتحر ابن مدير البنك الذي حكم عليه في أكبر جريمة سرقة أمريكية، في حين أن الشجاعة هي القدرة على مواجهة القلق الذي يعتري الإنسان في داخله وهو يهم بممارسة قدر من حريته أو قدر من حياته -أحيانًا-، مؤكدًا أن الانتحار هو نوع من الفشل والجبن عن مواجهة الحياة؛ ولذلك فإن الإنسان الذي ينتحر بعدما يبدأ بهذا العمل يواجه صعوبة ضخمة في داخله وألمًا شديدًا وندمًا، ولكنه في حالات كثيرة لا يستطيع إيقاف نفسه عن القيام بذلك.
    وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن الانتحار هو قمة الضعف، قال الشيخ سلمان: هذا أكيد، فالانتحار يكون نتيجة عدم القدرة على مواجهة الحياة، كما أنه ناتج عن ضعف في الإيمان؛ لأن المؤمن بالله -سبحانه وتعالى- يدري أن الحياة هي منحة وصدقة من الله -سبحانه وتعالى-، والله يوجب علينا أن نقبل صدقته، كما أن الحياة وظيفة الله تعالى عيننا فيها، وليس لأحد أن يستقيل من هذه الحياة بمحض إرادته وإنما على الإنسان أن يواصل ويصبر، وبدون أمل فإن الإنسان سيكون في مضيق، لكن علينا أن نقتبس الأمل من الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-، ومن الدعاء والتضرع والثقة بالتغيير والثقة بأن الله تعالى يدّخر لنا ما هو خير وأفضل حتى لو طال البلاء، فعلى الإنسان أن يؤمن بأن ما عند الله خير وأبقى.
    الدعاء للمنتحر
    وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تتحدث عن أن الانتحار منتشر في هولندا، وتتساءل: هل يجوز الترحّم على المنتحر؟، قال الشيخ سلمان: إنه من الشجاعة التسامح، والسلام مع النفس ومع الآخرين، فالشجاعة ليست هي الحرب، ولكن صناعة السلام -كما يقول عليّ عزت بيجوفتش- تتطلب شجاعة أكثر مما تتطلبه الحرب، وكثير من الناس ربما يكونون معك وأنت ذاهب إلى الحرب لكن حينما تكون ذاهبًا للسلام ربما لا يكونون معك، لأنهم قد يعتبرون هذا نوعًا من الخيانة -أحيانًا- أو عدم الوفاء للمبادئ، وهذه من الأشياء التي يجب أن تعالج، فالحرب ليست مطلوبة بذاتها وليست هدفًا ولا غاية بذاتها، وإنما هي ضرورة يفضي إليها الأمر.
    وأضاف فضيلته أنه ليس هناك شيء في الترحم على المسلم حتى لو كان منتحرًا، فالانتحار ليس كفرًا، ولكنه معصية لله -سبحانه وتعالى-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استغفر للمنتحر عندما رآه في المنام، وجاء أحدهم وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رآه في الجنة، وأنه قد غطى يديه وأنه قطع يديه حتى شخبت أوداجه ومات فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ»، فدعا له بالمغفرة، وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك الصلاة على بعض هؤلاء من باب التأديب والزجر لئلا يُقدِم الناس على مثل أحوالهم، لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز الدعاء له.
    العرب.. والشجاعة
    وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن شعر الشجاعة يكاد يكون هو الغالب على الشعر العربي، قال الشيخ سلمان: وشعر الفخر والرثاء أيضًا، ولكننا كثيرًا ما نعلِّم أطفالنا منذ الصغر الكثير من قصائد ودواوين الحماسة المتداولة، حيث إن محفوظاتنا الشعرية غالبها ينتمي إلى الحماسة والشجاعة، وكما يقولون فإن "الشجاعة صبر ساعة"، وعلى سبيل المثال، فإنه من محفوظاتنا المشهورة لقطري ابن الفجاءة:
    أَقولُ لها وقَدْ طارَتْ شعَاعًا مِن الأَبْطال: وَيْحكِ لا تُرَاعِي
    فإِنَّكِ لو سَأَلْتِ بقَاء يَوْمٍ على الأَجَلِ الذي لَكِ لَنْ تُطاعي
    فَصَبْرًا في مَجالِ المَوْتِ صَبْرًا فَما نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطاعِ
    ومَنْ لا يُعْتَبَطْ يَسْأَمْ ويَهْرَمْ وتُسْلمْهُ المَنُونُ إِلى انْقِطاعِ
    وما للْمرءِ خَيْرٌ في حَياة إذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المتاع
    كما أننا كثيرًا ما نجد أنهم يقولون: إن أشجع بيت قالته العرب هو قول العباس ابن مرداس:
    أَشُدّ عَلى الكَتيبَةِ لا أُبالي أَحتفي كانَ فيها أَم سِواها
    وذلك على الرغم من أن المتأمل في هذا البيت لا يجد له معنى غريبًا أو جميلًا، لكن الشاعر ربما اختصر الشجاعة الحسية والشجاعة في مجال الحرب، وذلك لأنه ربما من المشكلات اليوم أن الشجاعة أصبحت مرتبطة عند الناس ذهنيًا وعقليًا بالحرب، وبل وأحيانًا بالحرب التقليدية على وجه الخصوص التي هي السيف، والتي فيها تتخيل أن الأشلاء تتطاير وتتقطع، أو الذي قطعت يده فأصبح يقاتل بها، وغيرها من الأمثلة.
    شجاعة النبي عليه الصلاة والسلام
    وفيما يتعلق بشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الشيخ سلمان: لقد ورد في صحيح البخاري في "باب الشجاعة في الحرب والجبن"، حديث أنس -رضي الله عنه-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَشْجَعَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ. قَالَ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً. قَالَ َانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ سَبَقَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ «لَمْ تُرَاعُوا». قَالَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِى طَلْحَةَ عُرْىٍ فِى عُنُقِهِ السَّيْفُ فَجَعَلَ يَقُولُ لِلنَّاسِ «لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا» وَقَالَ «إِنَّا وَجَدْنَاهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ»، أي: يُثني على الفرس أنه سريع وكذلك أنه ليس هناك خوف، وكذلك في حنين، يقول تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)(التوبة: من الآية25)، حيث هرب الناس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ثابت في مكانه لا يتحرك ويقول: «أَىْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» حتى فاؤوا ورجعوا إليه وقاتلوا وانتصروا من جديد بشجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وثباته.
    وأضاف فضيلته أن شجاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليست فقط في الحرب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُكثر من القتل والإثخان في الحروب، بل ربما لا يكاد أن يكون قتل أو باشر قتل أحد، اللهم إلا أنهم اختلفوا في واحد أو اثنين، بينما الشجاعة الحقيقية للنبي -صلى الله عليه وسلم- تتمثل في كونه يُقدم ولذلك فإنهم -أحيانًا- يقولون في تعريف الشجاعة: إنها "القدرة على التغلب على القلق الذي يداخلك حينما تهمّ بممارسة ذاتك أو بالتعبير عن نفسك أو بممارسة حريتك الحقيقية، فالقدرة على التغلب على هذا القلق الداخلي هي الشجاعة الحقيقية، والتي هي عبارة عن الكلمة التي تقولها لأول مرة أو هي الموقف الذي تتخذه لأول مرة أو الخطوة التي تتخذها لأول مرة وتكون مثقلًا أنت بتردد وبتخوّف.
    وأوضح الدكتور العودة أن أعظم شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي شجاعته في الإعلان بالتوحيد في وسط مجتمع وثني مشرك، يقول تعالى: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف: من الآية59)، فقد كان يوجد الكثير من الموحدين والحنفاء في مكة والذين لا يقرون الأساطير والوثنيات والخرافات التي كانت موجودة عند العرب أو عند غيرهم، ولكنهم لم يكونوا يجرؤون على مواجهة الناس بذلك، لأن المواجهة في هذه الحالة تسبب للإنسان نوعًا من العزلة الاجتماعية، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يريد أن يتجافى عمن حوله وأن يخسر الناس من حوله، وكان هذا في كثير من الأحيان هو الذي يحمل الإنسان على أن يطأطئ رأسه وأن يُسلّم، فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا بأمر من الله -سبحانه وتعالى- يجهر بالدعوة فهذا هو أعظم الشجاعة، ولهذا قال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)، وأمره بالصبر وبالمواصلة، فالشجاعة من معانيها الصبر والإيمان، والصبر على الدعوة.
    وأردف فضيلته: كما أنه من معاني الشجاعة الإحجام -أحيانًا- عن الموقف الذي لا يكون مدروسًا أو لا يكون صحيحًا، ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجّل أشياء كثيرة لأنها ليست من صلب الموضوع؛ مثلما أجّل قضية بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وهذه من الشجاعة، فلا تقول إنه لم يكن شجاعًا في مواجهة ما سيقوله الناس؛ فقد قال: «وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافَ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ»، ولكن كان ذلك رحمة بالناس أنفسهم، وليس خوفًا على نفسه، وإلا فإنهم اتهموه بأنه "ساحر، وشاعر، وكاهن، وكذاب.." إلى آخره، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يشفق عليهم أن تنكر قلوبهم فيستأني بهم ويُقدّم الأمور الأساسية والجوهرية.
    شجاعة الصحابة
    وأوضح الدكتور العودة أننا حينما ننظر إلى الصحابة -رضي الله عنهم-، سنجد أن عليَّ بن أبي طالب من أشجع الصحابة، وأشعاره مشهورة في الشجاعة، والتي منها:
    لِمَنْ رايةٌ سَوْداءُ يَخْفق ظِلُها إذا قيل قَدِّمْها حُصَيْنُ تقدَّما
    فقدّمها بالموت حتى يزيرها حياض المنايا تقطُر السمّ والدَّما
    فعليّ -رضي الله عنه- كان، كما يعبرون، قطعة من الموت، حيث كان يطلق ذلك على الرجل الذي هو في غاية الشجاعة، كما أخذ الحسين -رضي الله عنه- هذا المعنى عن والده، لافتًا إلى أن بعض الناس يظن أن الانتماء للسُّنة كأنه مجافاة للحسين أو كأنه ميل إلى يزيد، في حين أن السنة يحبون الحسين ولا يحبون يزيدَ، كما سئل الإمام أحمد: أتحب يزيد؟ قال: لا ولا كرامة. قيل: لماذا لا تسبّه؟ قال: وهل سمعت أباك يسبّ أحدًا؟!، بينما الحسين -رضي الله عنه- هو سيد شباب أهل الجنة، وعندهم له قدر ومكانة وفضل.
    وتابع فضيلته: لقد كانوا يسألون عليًّا -رضي الله عنه-: أين نجدك في الحرب؟ قال: حيث كنت!، أي في المكان الذي كنت فيه أول مرة، مما يشير إلى أنه لا يتزحزح أو يذهب ويجيء، وإنما هو ثابت في مكانه؛ ولذلك يقول الشاعر العربي على سبيل المدح، وهو معنى لطيف:
    وَكَأَنَّ الإِلَهَ قَد قالَ في ال حَربِ كونوا حِجارَةً أَو حَديدًا
    أي: كأنه حجارة أو حديد يجلس في مكانه حتى يَقتل أو يُقتل، وكذلك فإنه عندما سئل علي -رضي الله عنه-: كيف تنتصر على خصمك؟ قال: إذا واجهت خصمي أشعر بأنني سأقتله، وهو أيضًا يشعر بأنني سأقتله، فأكون أنا وهو عونًا على نفسه، مشيرًا إلى أن هذا قد يعبر عن أن الشجاعة -أحيانًا- تكون مرتبطة بالهيبة والتاريخ، وخاصة تاريخ الإنسان، وبالجرأة المتراكمة الموروثة لهذا الإنسان والتي ربما تعطي رعبًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»، وقال -سبحانه وتعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(آل عمران: من الآية151)، وبالمقابل فإن معاوية -رضي الله عنه- أيضًا كان يتمثّل في الشجاعة بأبيات كثيرة:
    أبَتْ لي عفَّتي وأبَى بلائي وأخْذِي الحمدَ بالثمن الرَّبيحِ
    وإعطائي على المكروه مالِي وإقدامي على البطلِ المُشيحِ
    وقولي كلَّما جشَأتْ وجاشتْ مكانكِ تُحمَدي أو تَسْتَريحي
    فكان العرب يعتمدون على مبدأ الشجاعة ويحفظون معانيها ومراميها ومقاصدها، كما أن الشعر ربما يجرئ على الشجاعة، حتى إن بعضهم يقول: إنني أهمّ أن أهرب في الحرب فأتذكر قول فلان أو فلان في الشعر وفي الهروب وفي الانسحاب فأُقدم وأثبت وأحجم عن الهرب.
    الجبن.. وإتقان الخوف
    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن نتعوذ من الجبن، كما أن أكثر ما كانت العرب تمقته في الرجل هو الجبن، قال الشيخ سلمان: إن الجبن والبخل هما أكثر داءين يعيبان الرجل عند العرب وعند غيرهم، فالجبن له فلسفة معينة، كما قال أحدهم: "لو كان عندي أكثر من روح يمكن أن أضحي بواحدة وأحتفظ بالأخرى ربما رأيتموني أكثر الناس إقدامًا"، ولكنه يدري أنها روح واحدة، وإذا فاتت فلا سبيل إلى عودتها، كما أن الجبن هو نوع من الخوف الذي يراود الإنسان، وعلى ذلك فإن الجبن لا يكون في المعركة فقط، ولكنه يكون أيضًا في مواجهة النفس، وفي مواجهة المرض، كما أنه يجعل الإنسان عنده حالات من القلق أو التردد أو التوجس، فالجبن عبارة عن ضعف يلحق النفس الإنسانية، وإلا فإنه حتى الناس الذين قد يظنون أنفسهم جبناء إذا لحمت الأمور وجدتهم من الشجعان وأقدموا، وهذا كثيرًا ما يتحدث الناس عنه، فربما يظن الإنسان أنه لا يتحمل لكن إذا وجدته في الموقف رأيته يُقدِم وينسى ما هنالك.
    وفيما يتعلق بما قاله الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين: إن "الشجاعة هي إتقان الخوف وليست غياب الخوف"، قال الشيخ سلمان: إن هذه المقولة تحتمل أمرين، فإنه إما أن يكون صاحب المقولة عنده فلسفة تشير إلى أن الجبن هو الشجاعة الحقيقية، ولكن الوجه الآخر هو أن يكون المقصود بإتقان الخوف وضع الخوف في موضعه ومكانه، بحيث أنه لا يطغى على الإنسان ولا يغيب الخوف، ولذلك فإنه عندما سئل بعض الشجعان: لماذا تُقدِم وأنت تعرف أن الموت أمامك؟ قال: أنا أُقدم لأني أعرف أن الموت أمامي ولذلك كراهية له أنا أهجم عليه!، كما أن بعضهم يعرف أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر، إضافة إلى ذلك فإن المؤمن يدري أنه: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)(المنافقون: من الآية11)، فيكون إقدامه ليس طلبًا للموت ولكن هو نوع من الهرب من الموت، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يقول لخالد بن الوليد: "اطلب الموت توهب لك الحياة".
    شجاعة مع النفس
    وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن الشجاعة هي أن تعرف نفسك وأن تكون شجاعًا معها، قال الشيخ سلمان: إنني أعتقد أن هذا هو أساس الشجاعة، بل وأهم صورها هي شجاعة الإنسان مع نفسه قبل أن يكون شجاعًا مع الآخرين، مشيرًا إلى أنه من الشجاعة مع النفس: القدرة على الاعتذار والذي يعد نوعًا من الشجاعة الضخمة مع النفس، وألا يكون الاعتذار الذي يقدمه الإنسان ليقول للناس "أنا شجاع"، فهذا مزلق آخر، حيث نجد أن بعض الناس قد يعتذر ليقول لهم إنني جريء على الاعتذار وإنني شجاع، فليس هذا هو المقصود، ولكن لابد أن يكون الإنسان قد اعتذر إلى نفسه، أي أنه في داخله اعتراف بأنه أخطأ ولكن شجاعته تكون بإعلان هذا الاعتراف الداخلي، وبذلك يكون شجاعًا مع نفسه أولًا، ثم شجاعًا مع الآخرين.
    وأضاف فضيلته أنه إذا أخطأ الإنسان، ونبهه الآخرون إلى خطئه، وأنه قد وقع في الخطأ فعلًا، ولكنه يرى أنه على صواب، فإن هذا يعد ظلمًا للنفس، لكن إذا اعترفت النفس لك بالخطأ، فإن الشجاعة تكون هي القدرة على التعبير عن هذا الاعتراف، متسائلًا: متى رأينا مسؤولًا كبيرًا يعترف بخطئه شخصيًا أو خطأ مؤسسته وفريقه؟، مشيرًا إلى أن المسئول ربما يعتقد أن اعترافه بالخطأ يُسقط قيمته أو ينزلها، بينما الواقع يشير إلى أن هذا ربما يكون مدعاة لآلاف المقالات التي تشيد بهذا الموقف، فضلًا عن أنه سيكون قدوة لكثير من الناس، سواء للزوج بأن يعترف بالخطأ مع زوجته أو العكس، أو للابن بأن يعترف بالخطأ مع أبيه أو العكس، أو للموظف بأن يعترف بالخطأ مع رئيسه أو العكس، بحيث تصبح ثقافة معرفة الخطأ جوهرية وتؤثر في ضبط علاقتنا مع الآخرين.
    وذكر الدكتور العودة أن الشجاعة لا تكون مرتبطة فقط بحرب أو بظروف خاصة ولكن هناك الشجاعة اليومية؛ فالشجاعة خلق نبيل، مثل الكرم والوفاء والعفة، مشيرًا إلى أن الشجاعة لا تطلق على معنى مذموم؛ ولذلك فإن صفات مثل: التردد والتهور والاندفاع المفرط ليست بشجاعة ولا يوصف صاحبها أو من تنطبق عليه بأنه شجاع، فالشجاعة هي وسط بين رذيلتين كما يقال، لافتًا إلى أن كون الإنسان يكون عنده هذه القدرة على التصحيح، والاعتذار، فإن هذا تراكم لا أقول يومي بل لحظي، فالشجاعة ليست شيئًا نحصل عليه دفعة واحدة وإنما هو شيء نبنيه نحن لبنة لبنة.
    شجاعة أدبية
    وتعقيبًا على مداخلة، تقول: هناك أمور معينة يمكن أن يقوم بها الإنسان فتخذله الشجاعة الأدبية مع الآخرين، قال الشيخ سلمان: إنه على الإنسان أن يتحلى بالشجاعة، وعلى سبيل المثال، فإذا كان هناك طالب يريد أن يسأل أستاذًا أو شيخًا أو محاضرًا، تجد أنه يتردد، وخاصة إذا كانت الأسئلة مباشرة، لكن إذا كان السؤال مكتوبًا، فإنه يمكن أن يكتب وقد يكتب بلغة مختلفة، وذلك بخلاف ما إذا كان الإنسان يواجه الآخرين وجهًا لوجه، فربما يكون عنده تردد في القدرة على التعبير أو القدرة على السؤال، ولذلك فإنه لابد أن يتحلى الإنسان بشجاعة السؤال.
    وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الكثير من المواقف تحتاج شجاعة من رجل ما ليقوم ويصدح بكلمة معينة، حتى وإن كانت الجماهير كلها تخالفه، إلا أن التاريخ يذكر له ذلك، قال الشيخ سلمان: لقد كنت أفكر: من الأكثر حاجة إلى الشجاعة، وأيهما أدعى أن يخاف منها: الجماهير أم الحكومات؟، فوجدت أن هذا ربما يختلف من مجتمع لآخر، وذلك لأن بعض المجتمعات تحكمها حكومات شمولية أو مستبدة، وعلى سبيل المثال، فإن كلمة ربما تقول لصاحبها دعني أو تكون سببًا في مصادرة حريته أو غيابه أو قتله -أحيانًا- وهذا يحدث -أحيانًا- بعيدًا عن المحاكم، وبعيدًا عن القانون والإعلام، حيث هناك حالات كثيرة ينطبق عليها هذا، خاصة في عالمنا العربي، لافتًا إلى أن مواجهة مثل هذه الأمور تتطلب قدرًا من الشجاعة غير عادي، لكن العادة أن الشعوب لا تواجه مثل ذلك، فالذي يحدث في الغالب أن الناس يخرجون من تلك المجتمعات ويذهبون إلى مجتمعات تمنحهم حرية ثم يتكلمون بطريقة لا تعدّ شجاعة، لأنهم بعيدون عن موضع الخطر، وربما هذا الإنسان الذي ابتعد ونأى لم يكن شجاعًا مع نفسه، فأصبح عنده حالة غضب أو ثأر أو انفعال أبعدته عن أن يكون عادلًا أو صادقًا، لأن الصدق قرين الشجاعة.
    وضرب فضيلته مثالًا لذلك، بقصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- في اعتذاره عندما تأخر عن الغزو، مما يدل على أنه من دون صدق فإنه ليس هناك شجاعة حقيقية، ولكن عندما تمنح الحكومات شعوبها قدرًا معتدلًا أو هامشًا من الحرية فإن الإنسان يبدأ يفكر بأن صول العامة -أحيانًا- أشد من صول السلطان، لأنه يكون هناك حالات من الأذى بشكل آخر، فقد تجد أن أحدًا مقربًا منك لا يتفق مع هذا التوجه فيقع منه الأذى، ولذلك فإن الجاحظ يقول: "تأملت الذين يُقدمون على القتل فوجدتهم ثلاثة: إما متدين، أو غيران – ونحن نعرف أن العشق والعاشقين لهم حالات كثيرة جدًا من الاندفاع- أو رجل يريد أن يدفع ضيمًا عن نفسه لشعوره بضيم أو قهر داخلي، فتقع منه الشجاعة".
    وأكد الشيخ سلمان على أهمية أن يكون عند الإنسان القدرة على الصبر، مشيرًا إلى أن الإنسان ليس مطلوبًا منه أن يتعرّض كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ»، هذا مؤكد، ولكن أحيانًا الإنسان يسأل نفسه أيضًا: لو أن الإنسان رضي عنه الخلق كلهم، فماذا يكون أضاف إلى نفسه؟، فربما يكون قد حقق شيئًا بسيطًا، لكن لم يقدم أو يضف للحياة معنًى جميلًا، وهذا يؤكد أن مجرد الرضا ليس مطلبًا بذاته، كما أن أشخاص الناس لا يجب أن تكون مطلبًا لذاتها، ولكن المقصود هو التأثير على الآخرين وإيصال الخير لهم وزرع الأمل في نفوسهم، أو أعطاء أفكار جديدة لهم، وأحيانًا ربما لا يتقبلونها، موضحًا أنه على الإنسان أن يكون عنده توازن ما بين الحق الذي يؤمن به وما بين القدْر الذي يتحمله، وعلى سبيل المثال، فإن هناك كلمة تقول: "ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقد ولكن الشجاعة هي أن تعتقد كل ما تقوله".
    سلمان العودة.. وقناعة داخلية
    وردًّا على سؤال يقول: كم مرة تعتقد أن سلمان العودة كان شجاعًا في مواجهة أي من التيارين هنا وهناك، قال الشيخ سلمان: إنني لا أسميها شجاعة، ولكن ربما عدم تقدير -أحيانًا- للعواقب، فلو توقع الإنسان ماذا سيحدث ربما يقول لم يكن هناك داعٍ.
    وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن السعودية بالذات يوجد بها احتدام يصل إلى القلق أو على الأقل شيء من حراك غير إيجابي يحتاج أحيانًا شجاعة، قال الشيخ سلمان: إنه لا يوجد أحد الآن في هذا الجانب يمتدح بالشجاعة، وذلك لأن هناك قدرًا من الحراك والحرية التي تسمح للإنسان أن يكتب أو يتكلم، كما أن الناس اليوم منقسمون، وعلى سبيل المثال، فإنك عندما تقدم رأيًا تجد الذين يؤيدونه أضعاف الذين يعترضون عليه، مشيرًا إلى أن بعض الذين يعترضون بسبب طريقتهم في الاعتراض، وخاصةً في توظيف المعنى الشرعي، تكون هناك مدعاة للإنسان أن يتألم، ولكنني وجدت أن الصلة بالله حتى لو كانت في ركعة أو سجدة قليلة تمنح الإنسان هذا القدر من الشجاعة، لأن الإنسان الذي يزايد على صلتك بالله أو يهددك بالآخرة أو بالوعيد هو ليس منفردًا بالصلة بالله سبحانه وتعالى.
    ولكنك تملك ذلك أيضًا وتستطيع أن تأخذه مباشرة، بأن تتجه إلى الله تعالى مباشرة بدون واسطة من فلان أو علان، وهذا يمنح الإنسان سكينة داخلية، وخاصةً عندما يكون الإنسان عنده قناعة داخلية ليس فقط بما يقول، ولكنه مؤمن بما يقوله، وكذلك عنده قناعة داخلية بأن القدر الذي قاله هو معقول ليس فيه نوع من الإطاحة بالمجتمع أو التسرع أو خطأ الحسابات، ومع ذلك الإنسان بشر، يخطئ ويصيب.
    شجاعة المرأة
    وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة في الموقع الإلكتروني تقول: إن المرأة العربية جُبلت على الخنوع والخضوع والطاعة والسير بجوار الحائط حتى لو كانت على حق، في حين أن الأمر يجب أن يكون عكس ذلك، قال الشيخ سلمان: إن الأخت الكريمة صاحبة المداخلة تستحق أن توصف بالشجاعة، وليس أدل على شجاعتها من هذا البوح الذي باحت به، مشيرًا إلى أن الشجاعة في النساء مثلها في الرجال، في مجالها ونمطها وسياقها الحياتي، كما أن الكثير من النساء تملك الشجاعة داخل بيتها، ومع زوجها، وأهلها، أما مع المجتمع فإن المرأة ربما أضعف من أن تواجه أحيانًا المجتمع بأشياء غير مألوفة حتى لو كانت صحيحة، ولذلك فإن الأمر ليس فصلًا بين الرجل والمرأة، فالله -سبحانه وتعالى- جعل المسئولية مشتركة، يقول تعالى: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران: من الآية195).
    وأضاف فضيلته: كما أن المدافعة عن الحقوق، سواء كانت حقوق المرأة أو الرجل، هي معنى مشترك، يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(التوبة: من الآية71)، مشيرًا إلى أنه ليس مطلوبًا أن يكون المجتمع منشطرًا إلى قسم أنثوي وقسم ذكوري، وكل طرف يهاجم الطرف الآخر، ولكن ينبغي أن نبتكر نحن نوعًا من التعاون بين هؤلاء الناس جميعًا؛ رجالهم ونسائهم، يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(التوبة: من الآية71).
    نماذج تظهر فيها الشجاعة
    وتعقيبًا على تقرير الحلقة، والذي تحدث بأن الغش التجاري في العالم العربي تسبب في خسائر تقدر بـ"خمسين مليار دولار"، قال الشيخ سلمان: إن الغش التجاري أو الفساد الإداري أو المالي، هو بمثابة نماذج تظهر فيها الشجاعة، حيث يجب على الإنسان أن يكون عنده شجاعة أن يواجه رئيسه بوجود حالة غش أو فساد، وكذلك فإنه من الشجاعة أن يكون عند الإنسان القدرة على الحديث عن أصحاب القضايا الذين يتعرضون لنهب أو سلب أو حالات غش، والقدرة على مواصلة القضية، ليس من باب نفع الذات؛ ولكن من باب الرقي بالمجتمع وصناعة الوعي عند الناس.
    وأضاف فضيلته أننا بحاجة إلى تأكيد معنى الشجاعة التي هي العدالة والصدق مع النفس، والحكمة والاعتدال في مواجهة عيوب وسلبيات داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أو مواجهة ممارسات لا تتفق مع الشريعة، ولا مع الواقع أو المصلحة، ولكن ربما تحولت إلى عادة عند الناس، وأصبحت عرفًا جاريًا بينهم، وعلى سبيل المثال، فإن كثيرًا من الناس عندما تعاتبه يقول لك: "هذا شيء طبيعي.. كل الناس يعملونه"، أو يقول: "ليس هناك ضرر على أحد"، مؤكدًا أننا بحاجة إلى تراكم شجاعة معتدلة في هذا الخصوص، وليس فقط من جهات رسمية، ولكن شجاعة الإعلام، والنقد، وشجاعة الفرد العادي في التوجيه، وكذلك شجاعة الإنسان في الاعتذار من الخطأ.
    شجاعة الإجرام
    وفيما يتعلق بأن البعض يرى أن من صور الشجاعة ما يقوم به البعض من نشر الذعر في المجتمع ويعتبرونها (مرجلة) وانتزاع الحق باليد، وهو ما يمكن أن نسميه بـ"شجاعة الإجرام" وأخذ الأشياء كلها عنوة، قال الشيخ سلمان: وذلك مثل الفتوّات في روايات نجيب محفوظ وغيرها، حيث كثيرًا ما يتحدث عن مثل هذه النماذج، والتي تمثل أحيانًا حالة من الإجرام، لافتًا إلى أن الإنسان في هذه الحالة لا يوصف بالشجاعة، كما أنه من الخطأ أن تعتبر هذه شجاعة، فبعضهم يقول: "هذه جرأة"، ولكن هناك فرق بين الجرأة وبين الشجاعة، فالشجاعة أكثر أخلاقية كما أن فيها نوعًا من العقلانية، بينما الجرأة هي اندفاع قد لا يكون مدروسًا، وقد لا يكون في مكانه الصحيح، وتكون شجاعة الإنسان كما تريد النفس وليس شجاعة كما يريد الحق وكما يقتضي العدل والصواب، كما أن الشجاعة ممارسة ذاتيه، وعلى سبيل المثال، فقد كان هناك رسّام كان يرسم وأمه لا يعجبها أن يرسم وهو مصرّ على الرسم، وكانت الأم في كل مرة توبخه وتعاتبه، وفي مرة من المرات وبخته بشدة فرسم ونام وهو متردد بين ممارسة هواية ذاتيه مباحة وبين طاعة أمه، فرأى في النوم أنه ينتحر.
    وعندما صحا من النوم سأل أحد المعبرين قال له: إن ذلك يرجع إلى أنك خلال ممارستك لشيء مرفوض أسريًا أو عائليًا، فإنك في هذه الحالة كأنك تنفصل عن مجتمعك، وهذا الانفصال هو نوع من العزلة والموت، بينما الحياة في التواصل مع الناس من حولك، سواء مع والدتك أو أسرتك، وهذا لا يتم إلا بترك أمر أنت تريده وتختاره، وكأن الإنسان في هذه الحالة يكون في خيار ما بين ممارسة ما يحب ويهوى وما بين طاعة من حوله، وهذا بالطبع يحتاج إلى قدر من الوعي.
    الإيمان يغرس الشجاعة
    وردًّا على سؤال يقول: كيف يمكن للإيمان أن يغرس الشجاعة في نفوسنا؟، قال الشيخ سلمان: إن الأمر هو عبارة عن محاولة وتراكم، ومع الوقت عندما يتحوّل الإيمان إلى إجراءات عملية ومواقف يومية، فإن الإنسان في موقفه الآني وفي اللحظة التي يعيشها يحاول أن يستدعي الإيمان ليكون عاصمًا من اليأس، فلا يقدِم على ما لا يجمُل ولا يليق، كما يستدعي الإيمان ليكون معززًا للصبر والثقة فيُقدم الإنسان ويثبّت قدميه ويمضي في شيء، وكما يقول الشاعر:
    وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
    إِذا صحّ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُراب
    وفي هذا تقدير لقيمة الإنسان، وذلك بدلًا من أن يكون الإنسان فقط ترسًا في آلة، أو رقمًا في عديد، يحاول الإنسان أن يعطي لنفسه قيمة ذاتيه من خلال إيمانه بالله، مشيرًا إلى أن الإيمان يعزز قيمة الإنسان الذاتية حتى ضمن المجتمع، فهو لن ينفصل عن مجتمعه ولن يتمرد، فالشجاعة ليست حالة تمرد على المجتمع، كما أنها ليست حالة ثورة مطلقة ورفض لكل شيء أو تحطيم لقيم ومعانٍ سامية باقية، ولكن الشجاعة هي أيضًا إعطاء النفس قدرًا من الاستقلال والمسئولية.
    من الشجاعة محاسبة النفس
    وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يتحدث عن الشجاعة بوصفها الوقوف مع النفس، وعن المحاسبة، وكيف كنا مُغرقين في الدنيا، قال الشيخ سلمان: إن هذا له علاقة ببداية العام الهجري الجديد، فالوقوف مع النفس وإن كنت أرى أنه ليس شيئًا سنويًّا يتردد، إلا أن الوقوف مع النفس شجاعة، والشجاعة هي موقف يومي بل لحظي، ولذلك فإنه على الإنسان باستمرار أن يكون يقظًا مع نفسه، مشيرًا إلى أنه ليس هناك من شيء يضر بالآخرين مثلما تكون الغفلة عن النفس، فالإنسان ربما يكون مشغولًا بدنيا أو بخير أو بعلم أو بدعوة، ولكنه مشغول حتى عن نفسه، فلا يراقب نفسه، ولا يعرف حقيقة الدوافع؛ ولذلك فإن عمر -رضي الله عنه- كان يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزينوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر، يقول تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)".
    وأوضح الدكتور العودة أنه لا بأس أن يبني الإنسان عمارة أو دولة.. ليكن ذلك، أو يجمع المال، وليكن مليارديرًا، فلا حرج في ذلك "فنعم المال الصالح للرجل الصالح"، ولكن هذا يجب أن لا ينسيه الصلة بالله -سبحانه وتعالى-، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)(الحج:من الآية 77)، وأن لا ينسيه فعل الخير، يقول تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:من الآية 77) )، ويقول أيضًا: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17)، حيث يجب محاسبة النفس قبل الموت وقبل حياة البرزخ، وهي حياة الناس في قبورهم قبل الآخرة، يقول تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)، والبناء للدنيا والآخرة، فهما ليسا شيئًا منفصلًا؛ فالدنيا مزرعة الآخرة، والإنسان يمكن أن يعمل للدنيا بجهده، ومع ذلك يكون هذا العمل مقدرًا للآخرة، والله -سبحانه وتعالى- يأجرنا ويثيبنا على العمل المصحوب بالنية الطيبة، وأن يستغني عن الناس، وأن يغني أولاده: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

    الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك الاحد 13 محرم 1432الموافق 19 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  9. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    عبد العزيز محمد قاسم
    "الفاروق عمر".. دراما إسلامية أم فانتازيا فضائية؟


    طالعت قبل أيام قلائل صورة معبّرة تشي بالكثير لراصدٍ مثلي لمسيرة الإعلام الإسلامي أو الهادف؛ ذلكم أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ظهر في الصورة وبجانبه الشيخ الوليد الإبراهيم رئيس مجلس إدارة (مجموعة MBC ) والشيخ سلمان العودة والدكتور وليد سيف وبعض المرافقين، وكما جاء في الخبر؛ كان حديث هؤلاء مع شيخ الأزهر حول الدراما وأهمية توظيفها في محتوى إيجابي، وعرضوا مشروعاً متكاملاً يبدأ بمسلسل (الفاروق عمر).
    وبحسب الخبر المرفق مع الصورة، فإن المسلسل سيتطرق لإحدى أهم حقب التاريخ الإسلامي؛ إذ يجسّد سيرة ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعرب القائمون على العمل عن رغبتهم في التواصل بشأنه مع المراجع الإسلامية ومجامع الفقه في العالم الإسلامي.
    لم يذكر الخبر موقف شيخ الأزهر من تمثيل شخصية بحجم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ظل ممانعة قوية من قبل الشرعيين السعوديين -وغيرهم من فقهاء العالم الإسلامي- الذين لا يرون أبداً تمثيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كانت سامية الهدف والرسالة، واكتفى شيخ الأزهر بتوجيه "مجموعة طيبة من النصائح والملحوظات وأهمية توظيف الإعلام والتقنية في الحفاظ على شباب المسلمين وربطهم بدينهم وتوعية الأجيال بمقدساتهم".
    كتبت في مقالات عديدة أن الدراما باتت الأولى في التأثير فضائياً، بل تجاوز دورها إلى كتابة التاريخ وترسيخه -بتأثير بالغ- في وعي الأجيال الجديدة بما لا تفعله المناهج والكتب والصحف والدوريات التاريخية، ولعل مسلسل الملك فاروق -قامت ذات الشبكة الإعلامية بإنتاجه- نموذجٌ مثالي للتدليل على ذلك؛ فقد فاجأت الجميع بصورة مغايرة تماماً لما قرؤوه وتعلموه في مناهجهم أو الكتب التي كتبت في مصر عن الملكية، وقد شوّهها عسكر يوليو، وبدا الملك الشاب فاروق في صورة غير التي صوّرها ضباط الثورة بأنه سكّير وعربيد وزير نساء وجبان، لا سيما أن الممثل السوري تيم الحسن بوسامته وإتقان دوره؛ سحر المشاهدين، وكسب تعاطفهم، وقلب كل الانطباع السابق عن ذلك الملك المخلوع. وأبهرنا المسلسل عبر ديكوراته الباذخة، وجودة إخراجه، وحسن أداء الممثلين، علاوة على أنه صوتٌ وصورة، أكثر بكثير مما قرأناه من نتفٍ يسيرة تائهة عن الملك فاروق، وعبر سطور جامدة لا حياة فيها سوى الخيال فقط.
    في نهاية الأسبوع الفارط كنت في القاهرة، والتقيت مجموعة من القيادات المتخصصة التي تعمل في الفضائيات الإسلامية، ورأيتهم متذمرين جداً مما آلت إليه أوضاع هذه الفضائيات، التي وصلت لحالة اختناق، وتوقفت مسيرتها عند تلك المواعظ والخطب التي بدأت بها، ورأوا أنه لا مخرج لها إلا بامتطاء الدراما، وهي الأداة الأكثر تأثيراً وجذباً. شخصياً قلت لهم إنني لا أراهن أبداً على هذه الفضائيات لأنها بدأت برؤوس أموال متواضعة، أو بحماسة لم تتنبه إلى أن الفضائيات المتخصصة أيديولوجياً غالباً ما لا تكون رابحة، وهذا التاجر المحتسب مهما بلغ من الاحتساب لا يستطيع الصرف لسنوات طويلة؛ لذلك رأينا تساقطها مالياً الواحدة تلو الأخرى، لدرجة أن قناة (صفا) أعلنت إفلاسها رسمياً، إضافة إلى مرحلة شدّ حزام طالت كل القنوات الفضائية الإسلامية بلا استثناء، ومعظمها يمرُّ بمرحلة احتضار، وعليه فإن الرهان على تلكم القنوات في إنتاج دراما محترفة، بما يتوسّمه المحبون غير ذي جدوى أبداً، وأرى ضرورة استثمار حماس الشيخ الوليد الإبراهيم، فتشجيع هذا التوجه لديه من قبل الأخيار والدعاة هو الأولى بدلاً من مجابهته، فالشركة –رغم اختلافنا على ما تطرح من مضامين في بعض أقنيتها- إلا أنها الأولى والمتسيّدة فضائياً في الساحة العربية، وهي الأقدر في مجال الدراما، وقد رعت مجموعة من المسلسلات الناجحة عربياً، ودونكم مسلسل (باب الحارة) الذي حبس المجتمعات العربية في شهر رمضان وهم يتابعونه بشغف، وبث كثيراً من مفردات المحافظة، وجسّد الأصالة والتاريخ، وتسوّل الأجواء التراثية والفلكلورية لمفردات الحارة الشامية، ونسف ما كان يتحجج ويتبجح به منتجو الأفلام الهابطة، عندما يجابهون عن الإسفاف والابتذال الفني الذي يقدمونه، ليردوا علينا بمقولتهم البليدة: "الجمهور عاوز كده"، فجاء (باب الحارة) ليردّ هذه الدعوى الساقطة، فضلا عن أن المسلسل قدّم المرأة في دور محتشم، وظهرت في أجزاء كثيرة بحجابها، كردّ عملي لأولئك النفر إياهم الذين طالما ردّدوا بأن نجاح أي عمل فني يتطلب شيئاً من المشاهد الجريئة والفاضحة، وكل هذا يجعلني متحمساً لهذا المشروع الضخم الذي لم يكشف كامل تفاصيله، وأن الأولى رعايته وتصويبه ودعمه بدلا من محاربته.
    إننا –أيها السادة- بمساندتنا ومناصحتنا الوليد الإبراهيم نستطيع بلورة دراما على مستوى عال من المهنية، وتقليل الملاحظات الشرعية، واضعين نصب أعيننا المقاصد التي نريد من عمل فني كهذا، بات في حكم الضرورة الشرعية؛ بسبب قيام الآخرين بتشويه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتابة التاريخ برؤيتهم التي تتغاير ورؤيتنا، ونحن جامدون بليدون بلا حراك ولا ردة فعل سوى النياحة ورفع العقائر بالاحتجاج، فيما القوم أودوا بالإبل، وبثوا كل الشبهات حول صحابتنا العظام بأقوى أداة تأثير عصرية وهي الدراما..
    للشيخ سلمان العودة ورفقته الشرعيين المبادرين بتشجيع هذا العمل؛ كل ثقتنا المطلقة بأنهم سيكونون الأحرص على الصبغة الشرعية لمنتج درامي إبداعي يخدم رسالتنا ومذهبنا السني الأصيل، وشكراً كبيرة للوليد الإبراهيم على مبادرته الغيورة، وعساه أن يرصد لها ميزانية ضخمة، ويحشد لها أمهر المهنيين والممثلين، ولا يبخل على البرنامج فهو باسم ثاني أعظم الخلفاء والصحابة.

    الكاتب: عبد العزيز محمد قاسم الاثنين 14 محرم 1432الموافق 20 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]
     
  10. الصورة الرمزية أبولؤى

    أبولؤى تقول:

    افتراضي رد: كلمات ودروس ومحاضرات الشيخ سلمان العودة (( متجدد ))

    د. العودة يحاضر عن الأمن كقيمة للحياة في ملتقى خير أمة

    مشرف النافذة
    يلقي فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة محاضرة بعنوان " الأمن.. قيمة الحياة" يوم الخميس 24 محرم الموافق 31 ديسمبر وذلك في ملتقى خير أمة الذي ينظمه فرع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض.

    الكاتب: مشرف النافذة الاربعاء 16 محرم 1432الموافق 22 ديسمبر 2010
    [flash=http://dc10.arabsh.com/i/02482/91tb86eu3y0i.swf]WIDTH=400 HEIGHT=350[/flash]