بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهــاب رحمه الله

حامد بن عبدالله العلي

الحمد لله و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
،
لم تتعرض حركة إصلاحية ، بمثل ما تعرضت له حركة المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الماضي ، والذي قبله ، من محاولات لتشويه السمعة ، غير أنه قد نحج نجاحا باهرا في تجديد الدين في منبع الإسلام ، ثم بلغت مبادئ حركته إلى آفاق الأرض ، فأثرت تأثيراً بالغاً في العالم الإسلامي ، وفي حركاته الإصلاحية .

ومن المعلوم أنّ المجدد محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله ، لم يبتدع فكراً جديداً في الإسلام ، ولم يسمّ دعوته ــ ولا أحدٌ من أتباعه ــ بالحركة الوهابية ، أو الدعوة الوهابية ، وإنما أطلق هذا الاسم بعض الدارسين لحركته ، بعضهم من منطلق تعريفي مجرد ، أو بقصد الإساءة ، وتشويه السمعة ، في محاولة للإشعار بأنهّا حركة حادثة ، يتزعّمها شخص خارج عن جسد الفكر الإسلامي .

غير أنّ المنصفين الذين درسوا آثار الحركة السلفية التي قادها المجدّد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، أجمعوا أنّ حركته الإصلاحية لم تكن سوى إحياء لمسيرة كلّ قادة الحركات الإصلاحية في التاريخ الإسلامي ، وإنمّا تميزت بأن الله تعالى اختار للتجديد هذه المرة ، وفي هذه الدورة الزمنية من تاريخ الإسلام ، اختار جزيرة العرب وهي أهم بقاع الإسلام أهمّية ، فمن الناحية المعنوية فإنّ جزيرة العرب هي مهد الدين ومهبط الوحي ، وفيها منطلق الدعوة ، مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومهاجره ، وفيها قبلة المسلمين وتشرفت أرضها بالمشاهد الأولى لمسيرة هذا الدين العظيم ، ومن الناحية الاستراتيجية فقد غدت منطقة الجزيرة ، والخليج في هذا العصر أهم ، وأخطر منطقة في العالم بأسره لما أودع الله فيها من خيرات عظيمة .

ولعل المتأمل بلطف أقدار الله تعالى ، يلمح هنا عناية الحق سبحانه بأنْ أحدث هذا التغيير الجذري نحو الإسلام في الجزيرة العربية بحركة المجدد السلفيّة ، قبيل ظهور الثروة العالمية المتمثلة بالنفط فيها مما جعلها محطّ اهتمام العالم ، الأمر الذي شكل سوراً حصينا حمى قلعة الإسلام ، وأرض الحرمين ، مما تحمله التأثيرات العالمية عادة من متغيرات ثقافية ، واجتماعية، وأخلاقيـة ، عندما تتجه إلى خيرات الشعوب .

ولو قُدّر أنْ حدث ذلك ـ أعني توجه الاهتمام العالمي للخليج والجزيرة ـ في غياب الانقلاب السياسي ، والاجتماعي ، والثقافي ، والأخلاقي ، نحو مبادئ الإسلام السلفية الصافية ، والذي نجحت في إحداثه حركة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، لو قدر ذلك لكان حال الجزيرة العربية غير الحال الذي نراه اليوم ، مع خطورة موقعها وحساسيته البالغة بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية ، فالحمد لله الذي لطف بحسن تدبيره ، وبالغ حكمته ، ما حفظ به دينه وأمة الإسلام .

وقد قامت دعوته رحمه الله تعالى على فكرتين جوهريتين :

أحدهـما : تخليص أصل دين الإسلام ، وسرّ حيويته ، وقوّته ، وهو التوحيد ، من كلّ شوائبه التي علقت في حياة المسلمين ، فردهم إلى أصل التوحيد الذي دعا إليه القرآن ، وبينته السنة ، وحارب كلّ ما يعكر على هذا الأصل ، وطهّر الجزيرة العربية ، من كلّ مظاهر الوثنية ، والشرك ، وتعلّق العباد بغير الله تعالى ، وقَطَع كلذ صور الكهنوت ، والدجل حول الأضرحة ، وقبور الأولياء ، وما يتبعها من الخرافات ، التي شوّهت صورة الإسلام، فحمى بذلك أصل الدين ، وينبوع الرسالة المحمدية ، وقد أشيع عنه بسبب هذه الحملة الصارمة لحماية جناب التوحيد ، أنه يطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأولياء ، ويكفر المسلمين ويستبيح دماءهم ، ولم يكن ذلك سوى افتراءات وأكاذيب ، وقد رد عليها في حياته في مؤلفاته ، كما رد عليها تلاميذه وأتباعه من بعده في مؤلفات كثيرة وفنّدوها .
،
ومن أحسن المؤلفات في هذا كتاب ( دعاوى المناوئين لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ) ، ويمكن للقارىء تنزيله من الشبكة على هذا الرابط
http://www.saaid.net/monawein/sh/index.htm

الثانيـة : تخليص مصدر تلقي الدين ( القرآن والسنة ) ، من كلّ الشوائب التي تعكر على الاستقاء منهما ، نبعاً صافياً لا كدر فيه ، فدعا المجدد إلى تقديم الكتاب ، والسنة ، على كل ما يخالفهما من موروثات الفرق الضالة من الأقوال المعتمدة على علم الكلام والفلسفة ، أو منامات وأذواق التصوف البدعي ، أو التعصب لآراء الرجال ، شأنه في ذلك شأن كلّ العلماء من قبله في مسيرة التجديد كلها ، من عصر الخلفاء إلى يومنا هذا ، وبهذه الفكرة حمى الدين ، وأرجع الناس إلى الأصل المحفوظ ، لأنه علم أن سر ظهور الأمة وعزّها هو تمسكها بهذا الأصل في بادئ الأمر ، وإذا أرادت العودة إلى الظهور والعزّ فعليها بالرجوع إلى ذلك السر نفسه .

وبهذا يعلم أنَّ الوهابية ليست فكرة جديدة ، وإنما هي الدعوة الإسلامية نفسها في صورتها السلفية النقية الصافية ، وهي حركة تجديدية تعتمد على أصول الشريعة نفسها التي قامت عليها المذاهب الفقهية الأربعة المتعمدة ، وتستند إلى مصادر التشريع المعتبرة ، وترجع إلى مراجع العلم والفتوى نفسها التي يزخر بها التراث الفقهي الإسلامي ، غير أن اعتماد غالب علماء هذه الدعوة ـ وليس كلهم ـ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في الفروع الفقهية على أساس الأتباع ، والانتصار للدليل وليس بنا ءً على التقليد ، والتعصب المذهبي ، وأما في مسائل الاعتقاد ، فإنهم لم يزيدوا قيد أنملة على ما أجمع عليه السلف الصالح رضي الله عنهم ، من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة الأربعة ، وكبار أتباعهم ، وكلّ من له قدم صدق من أئمة الدين ، والعلم ، في كل العصور .

ومازالت علوم ومعارف علماء الحركة السلفية ، من أتباع مدرسة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أقرب إلى الكتاب والسنة ، وفتاواهم أسد وأعدل ، ونهجهم أوسط المناهج في تلقي ، وفهم ، وتعليم علوم الشريعة ، ومواقفهم أحكم ، وأعلم ، وأسلم المواقف بالنظر إلى غيرهم في الجملة ، وتمسكهم بما كان عليه السلف من العقائد والعلوم ، والمعارف ، والأخلاق ، والسلوك في أصول الشريعة وفروعهـــا ، تمسكهم بذلك أقوم وأهـدى سبيــلا .

ولا ينكر هذا كله إلاّ مكابر ، أو جاهل لا يعرف حقيقة هذه الدعوة المباركة ، ومكانة علماءها ، أو متعصّب أعماه هواه عن الإنصاف
،
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليم كثيرا

الكاتب: حامد بن عبدالله العلي