الدرس الخامس عشر\\معنى الظاهر والباطن في حق الله تعالى
[الظاهر، الباطن]
ودليل هذين الاسمين الكريمين في قوله تعالى هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[الحديد: 3]،
وكذلك الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء... الحديث).
المعنى اللغوي(للظاهر):
قال في اللسان: «الظهر من كل شيء خلاف البطن... وظهارة الثوب ما علا الظهر ولم يل الجسد وظهرتُ البيت: علوتُه».
المعنى اللغوي (للباطن):قال في اللسان: «البطانة خلاف الطهارة، والبطن خلاف الظهر، وبطنت الأمر: إذا عرفت باطنه»
المعنى في حق الله تعالى:
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «اسمه (الظاهر) من لوازمه أن لا يكون فوقه شيء كما في الصحيح: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)، بل هو سبحانه فوق كل شيء فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه (الظاهر).
ولا يصحُّ أن يكون (الظاهر): هو من له فوقية القَدْرِ فقط، كما يقال: الذهب فوق الفضةِ؛ والجوهر فوق الزجاج، لأن هذه الفوقيَّة تتعلَّق بالظهور، بل قد يكون المُفوَّق أظهر من الفائق فيها، ولا يصحُّ أن يكون ظهور القهر والغلبة فقط، وإن كان سبحانه ظاهرًا بالقهر والغلبة لمقابلة الاسم (الباطن)؛ وهو: الذي ليس دونه شيءٌ، كما قابل (الأوَّل) الذي ليس قبله شيءٌ؛ بـ(الآخر): الذي ليس بعده شيءٌ»
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «و(الظاهر): يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شيء عند عظمته من ذوات وصفات، ويدل على علوه»
ويقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «والباطن: يدل على اطلاعه على السرائر والضمائر والخبايا والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل على كمال قربه ودنوه، ولا يتنافى الظاهر والباطن؛ لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت؛ فهو العلي في دنوه، القريب في علوه»
من آثار الإيمان باسميه سبحانه (الظاهر)، (الباطن):
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «... والمقصود أن التعبد باسمه (الظاهر) يجمع القلب على المعبود، ويجعل له ربًا يقصده، وصمدًا يصمد إليه في حوائجه، وملجأً يلجأ إليه. فإذا استقر ذلك في قلبه وعرف ربه باسمه (الظاهر) استقامت له عبوديته، وصار له معقل وموئل يلجأ إليه، ويهرب إليه، ويفر في كل وقت إليه.
وأما تعبده باسمه (الباطن) فأمر يضيق نطاق التعبير عن حقيقته، ويكلّ اللسان عن وصفه، وتصطلم الإشارة إليه، وتجفو العبارة عنه، فإنه يستلزم معرفة بريئة من شوائب التعطيل، مخلصة من فرث التشبيه، منزهة عن رجس الحلول والاتحاد، وعبارة مؤدية للمعنى كاشفة عنه، وذوقًا صحيحًا سليمًا من أذواق أهل الانحراف. فمن رزق هذا فهم معنى اسمه (الباطن) وصح له التعبد له. وسبحان الله كم زلت في هذا المقام أقدام، وضلت فيه أفهام، وتكلم فيه الزنديق بلسان الصدّيق، واشتبه فيه إخوان النصارى بالحنفاء المخلصين، لنبوّ الأفهام عنه، وعزة تخلص الحق من الباطل فيه، والتباس ما في الذهن بما في الخارج إلا على من رزقه الله بصيرة في الحق، ونورًا يميز به بين الهدى والضلال، وفرقانًا يفرق به بين الحق والباطل، ورزق مع ذلك اطلاعًا على أسباب الخطأ وتفرق الطرق ومثار الغلط، وكان له بصيرة في الحق والباطل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وباب هذه المعرفة والتعبد هو معرفة إحاطة (الرب) سبحانه بالعالم وعظمته، وأن العوالم كلها في قبضته، وأن السماوات السبع والأرضين السبع في يده كخردلة في يد العبد،
ومن آثار هذه الأسماء الجليلة: أنها علاج للوسوسة الشيطانية في كنه الذات الإلهية فعن أبي زميل قال: «سألت ابن عباس - رضي الله عنهما - فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به. قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قلت: بلى. فقال لي: ما نجا من ذلك أحد، حتى أنزلَ الله - عز وجل -(فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )يونس: 94]،قال: فقال لي: فإذا وجدتَ في نفسك شيئًا، فَقُلْ: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ);[الحديد: 3] » أبو داود