<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أيها الأحبة :
كثرت في الآونة الأخيرة ( الاستفتاءات ) عبر وسائل إعلامية متعددة .. وقد تابعت عددا منها .. ورأيت أمورا أحب أن أسجلها الآن .. وإن كنت على عجل .. ولكن لعل طرح الموضوع يفدنا في نهايته بما يجعلنا نسلك مسلكا شرعيا تجاهها ..
وهذه محاور أطرحها ارتجالا .. لأنني أخشى أن أسوف فأترك ..
أولاً : ما هو الاستفتاء ؟
الاستفتاء : عرض موضوع على فئة من الناس للنظر في موقفهم منه رفضا أو قبولا .. وقد يكون الاستفتاء على خيارين .. وقد يكون على أكثر من ذلك ..

ثانياً : ما الهدف من إجراء الاستفتاءات ؟
تختلف الأهداف من إجراء الاستفتاءات ..
فقد تكون أهدافا سياسية تقتضيها دساتير الدول وأنظمتها ، بصفتها حقا شعبيا ، أو شرطا لوضع قانون ما .. وهذا الأصل فيها ..

وقد تكون الأهداف دراسية ، وهذا يعبر عنه في الغالب بلفظ ( استبيان ) .. و يطرح في الغالب من قبل باحثين أو دارسين اجتماعيين أو من قبل مؤسسات علمية أو مراكز تطويرية أو غيرها من الجهات ذات الاهتمام العلمي النظري التطبيقي ..

وقد يكون استطلاعيا ، تمهيدا لطرح موضوع ما أو الإلزام به على المستوى الحكومي أو الشركة إن كان قطاعا خاصا مثلا .. ويصاحبه في الغالب تسريبات إخبارية حول نية المؤسسة المعنية تجاه موضوع ما ..

وقد يكون الهدف استخباراتيا ،، وهذا يطرح غالبا عبر وسائل إعلامية ، لها صلات أجنبية &#33; ويصحب بتحليلات ذات اتجاه واحد ، يخدم الجهة المستفيدة .. ويغلب عليه أسلوب الإثارة ( فكريا أو دينيا أو اجتماعيا ) .. ويفتقد للحيادية بشكل ملحوظ .. حتى في صياغة الاستفتاء ..

وهناك أهداف أخرى متداخلة ..

ثالثا : عوامل نجاح الاستفتاءات وضوابط دقتها :
الأول : كفالة حرية الرأي للمستفتى ( الجمهور مثلا ) ؛ فلا يكون هناك قيود تمنعه من الإدلاء برأية أو من الرأي ذاته ، فيطمئن إلى أمور من مثل سرية التصويت ، وعدم متابعة المصوت المخالف ‘ الخ ...
الثاني : ارتفاع مستوى الوعي العام لدى المستفتَين ( المواطنين مثلا ) لدرجة يمكنهم فيها إدراك موضوعات الاستفتاء وفهم خلفياتها وآثار القبول أو الرفض ، قبل إبداء الرأي .
الثالث : حسن اختيار موضوع الاستفتاء ، بأن يكون من الموضوعات البسيطة التي يسهل بيانها للناس وإدراكهم لها .
الرابع : أن لا يتضمن موضوع الاستفتاء مسائل متعددة ، وإنما يقتصر على مسألة واحدة حتى لا يقع الناخب في حيرة أو حرج إذا كان يوافق على بعض ما يعرض عليه ، ويعترض على البعض الآخر .
الخامس : أن يعامل مؤيدوا موضوع الاستفتاء ومعارضوه على قدم المساواة فيما يتعلق باستعمال وسائل الدعاية والإعلام حتى تظهر الأمور من جوانبها المختلفة بوضوح أمام الناخبين ؛ لأنه في ظل المساواة يتمكن كل طرف من طرح ما يراه من إيجابيات له و سلبيات للطرف الآخر ، فتتضح الأمور أما الناخب الواعي .
السادس : أن يتم حصر النتائج بأمانة .

وهناك عوامل وضوابط فرعية أخرى ..

تنبيه : الاعتناء بهذا العوامل والضوابط ومراعاتها إنما يكون من الجهات ذات الاتجاه العلمي ذي الأهداف الإيجابية ..


رابعاً : ما موقفنا من هذه الاستفتاءات ؟
يظهر والله تعالى أعلم أن الأمر لا يقال فيه حكم واحد ؛ وإنما يرجع في بيان مسوغات المشاركة فيه إلى معايير عامة وخاصة ..
أما المعايير العامة ؛ فأهمها : أن يكون موضوع الاستفتاء قابلا للطرح أمام الآراء ؛ فلا يجوز مثلا أن يطرح استفتاء حول تطبق الشريعة أو عدم تطبيقها ؛ أو قبول الحجاب أو رفضه ... ونحو ذلك
قال الله عز وجل :
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيد<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>
ويدل له جميع أدلة وجوب الحكم بما أنزل الله ووجوب التسليم لأحكام الله عز وجل .

ومن المعايير الخاصة : أن يراعى جهة الاستفتاء وهدفه عند النظر في حكم المشاركة ؛ فإن كانت الجهة مأمونة والأهداف مشروعة ، فهنا ينظر في نوع الحكم التكليفي المتعلق بالموضوع .. وجوبا أو ندبا أو إباحة ، ومما يراعى في ذلك مسألة نوع الحكم عيني أو كفائي .
وإن كانت الجهة غير مأمونة أو الأهداف غير مشروعة ,, نظر في مصلحة المشاركة ومفسدتها ؛ فإن كانت المصلحة تقتضي المشاركة ، قيل بالمشروعية ونظر في نوع الحكم التكليفي المتعلق بالموضوع .. وجوبا أو ندبا أو إباحة ، كما سبق . . وإن كنت المفسدة مساوية أو راجحة فهنا يفتى بمقاطعة الاستفتاء علنا ، لتؤخذ هذه الفتوى في الاعتبار عند ظهور نتائج الفئة المشاركة ، فلا تعطى نتيجة الاستفتاء مصداقية أما الرأي العام .

ومما ينبغي أن يراعى : أن لا يترتب على المشاركة نوع من الدعم المادي يطغى على فائدة المشاركة ، أو يعدمها مصلحتها .
وكذلك أن لا يقدم على المشاركة من غير وجود خيار صالح / مثل : أن يصاغ الاستفتاء بطريقة تحصره في خيارين فاسدين :
1) هل تؤيد حكومة علاوي ؟
2) هل تؤيد حكم بريمر ؟
فهنا لا هذا ولا ذاك ، ،

وهنا تنبيه مهم ؛
وهو فيما يتعلق بالاستفتاءات عبر وسائل الإعلام العامة ؟ كالإذعات والقنوات ؟&#33;
هذا النوع من الاستفتاء تراعى فيه الضوابط الشرعية السابقة بوجه عام .. لكن لا يجعل رفض الموضوع سببا في عدم المشاركة ؛ لأن هذا النوع من الاستفتاء يمكن للمشارك فيه أن يعبر عن رأيه بغير ( لا ) أو ( نعم ) .. لذلك فالمستفتى ( الناخب ) هنا ينظر إلى الموضوع من جهة أخرى ، وهي : هل الموضوع موضوع واضح الحكم لديه ، مثل : منع الخمور ، و المهرجانات الغنائية ، ومنع قيادة المرأة للسيارة في بلاد مثل السعودية .. ففي هذه الحال يشرع للمسلم أن يشارك ببيانه للحكم الشرعي ؛ وإن أتيح له وقت بيَّن الدليل أو الفتوى التي يستند إليها ؛ وذلك لأنه بهذه المشاركة سنيشر حكما شرعيا ، ويوصله إلى من لا يعرفه عبر هذه الوسيلة الإعلامية .. وهذه مصالح شرعية ربما لا تتحقق في هذا المقام بالسكوت .
أما إذا كان الموضوع مشكلا ودقيقا ، وله تفاصيل لا يعلمها إلا أهل الاختصاص ، مثل : العمليات الاستشهادية في العراق ، أو خطف المدنيين المتعاونين مع المحتل ، أو مشاركة المرأة في العمليات الانتخابية ، أو نحو ذلك .. ففي هذه الحال ينبغي له أن يشارك ويكون جوابه على النحو التالي : هذا الموضوع ننتظر فيه رأي السادة العلماء الربانيين في البلاد التي يقع فيها هذا الأمر ؛ ونحن تبع لهم فيما يرونه .
هذه وجهة نظر تستند إلى قول الله عز وجل : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>
وفي هذا بيان لتلك الجهات بأننا مع رأي علماء الشريعة ، ومع المؤسسات الشرعية ( التي يعبر عنها المخافون بالمؤسسة الدينية ) .
كما ينبغي أن يعلق المشارك بكلمة مختصرة معدة قبل المشاركة يبين فيها ما ظهر له من عدم حيادية منظم الاستفتاء .. ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية في التعامل مع الغير .

أما المشاركات العاطفية فلا يجوز أن تكون معيارا للبت في موضوع ما ، مجردة عن رابط شرعي .

أيها الأحبة هناك قضايا جزئية أخرى مهمة تتعلق بالموضوع ، لكنني أدع الحديث عنها لوقت آخر إن شاء الله تعالى . لاضطراري للتوقف عن الكتابة الآن ..
والله المستعان .</div>