ذو القرنين وبناء السد
[IMG]http://www.nazme.net/p***os/4_untitledzs.JPG[/IMG]
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى






من يطلع على أحوالنا هذه الأيام يحزن حزنًا بالغًا ، فقد تخلينا عن نواميس الله في الكون حتى تخلفنا عن تعمير الكون ، وخسرت البشريةِ بانحطاطنا تطبيق المنهج الرباني المعمر للكون بنواميس الله في الخلْق وبشرع الله.

وفي موقف ذي القرنين وبناء السد من الدروس والعبر التي يجب أن نتعلمها ونطبقها.

الموقف كما ورد في القرآن الكريم :

قال تعالى : [ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً {93} قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً {94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً {95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً {96} فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً{97} قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً{98} ] [الكهف: 93-98].

تفسير الموقف :

ذو القرنين عبد مؤمن صالح أعطاه الله ملكًا واسعًا ، وعلمًا أصيلاً كما قال تعالى: [ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً {84} فَأَتْبَعَ سَبَباً {85}] [الكهف: 84-85].
أي أعطيناه ملكًا عظيمًا ، ومكناه فيه بالجنود والعتاد والعلم والتصرف الحسن والأسباب والوسائل.
وقد سلك طريقًا متجهًا من مغرب الشمس إلى مشرقها حتى وصل إلى المكان الذي تطلع عليه الشمس أولاً فوجدها تطلع على قوم حفاة عراةٍ ، ثم اتجه حتى وصل بين جبلين وجد هناك قومًا لا يكادون يفهمون كلام غيرهم.
قال سكان المكان بين الجبلين إن يأجوج ومأجوج يفسدون في أرضنا بالقتل والتخريب والظلم والغشم وسائر وجوه الإفساد ، فهل توافق أن نعطيك جُعْلاً من أموالنا ، على أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا منيعًا يمنعهم من الوصول إلينا.
قال ذو القرنين : ما مكني فيه ربي ، وآتاني من العلم والقدرةِ خير من خرجكم ومما تجمعون ، ولكن ساعدوني بقوتكم بعمل الرجال وآلات البناء أجعل بينكم وبينهم سدًا منيعًا وحاجزًا حصينًا ؛ وأخذ قطع الحديد التي طلبها منهم وجعل منها ردمًا من الحديد والخشب والمواد المشتعلةِ وأعمل عليه الكيران حتى انصهر ثم صب عليه من الخارج طبقةٍ من النحاس ، فما قدر يأجوج ومأجوج صعود السد لعلوه ونعومته وملاسته ، وما استطاعوا نقبه من أسفل لصلادته وشدته وسماكته. ثم قال ذو القرنين لهم هذا السد نعمةٍ من نعم الله وأثر من آثار رحمةِ ربي بكم للحيلولة بين يأجوج ومأجوج والإفساد في دياركم.

الدروس المستفادة من الموقف السابق :
يستفاد من الموقف السابق ما يلي :
1- للتقدم التقني نواميس وقوانين وأسباب وحتى نحقق التقدم التقني ، علينا استغلال نواميس الله في الكون.
2- يحتاج التقدم التقني المادي إلى الجانب الخلقي حتى يصبح هذا التقدم نافعًا فقد ثبت أن التقدم المادي دون أخلاق دمار ، وهذا ما نراه الآن في استخدام الغرب لأسلحة الدمار الشامل في ضرب الفقراء والمساكين والضعفاء في أفغانستان والصومال ، والعراق ، وفلسطين ، ولبنان ، والسودان.
3- تحتاج التقنية إلى إيجابية المستفيد فقد طلب ذو القرنين منهم أن يمدوه بالقوة والمواد الخام وأن ينفخوا في النار.
4- يجوز محاصرة أهل الفساد عن الاختلاط بالناس لمنع شرهم عنهم.
5- أهل الصلاح والإخلاص يحرصون على الأعمال ابتغاء وجه الله ورضاه.
6- إرجاع العلم النافع إلى الله (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ [الكهف (95).
7- واجب الأقوياء والرؤساء حماية الضعفاء والفقراء والمقهورين.
8- وضع ذو القرنين طبقة من النحاس فوق السد ليمنع صدأ الحديد وتآكله بالعوامل الجوية. وفي هذا إتقان للعمل واستغلال التقنية العلمية.
9- لم يشغلنا الله سبحانه وتعالى بتعرُّف من هو ذو القرنين ، ولا من هم القوم الذين طلبوا مساعدته ، ولا من هم يأجوج ومأجوج وهذا ما شغل بعض الناس أنفسهم به ، فالقرآن يعلمنا أن نشغل أنفسنا بالمفيد والبعد عن الأسباب غير المؤثرة.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب مواقف تربوية من القرآن الكريم والسنة النبوية , نظمي خليل أبو العطا موسى.