أسماك ترصد الزلزال






في مساء السادس من أيار لعام 1976م وفي مدينة "فريولي" الإيطالية ارتفعت أصوات الحيوانات فجأة ودونما سبب ظاهر؛ الكلاب تنبح وتجري هنا وهناك، القطط مذعورة، الفئران تملأ الأزقة، الجياد والأبقار هائجة وعصبية، ويحاول أكثرها أن يسحب أربطته، الطيور تسعى ضاربة بأجنحتها ومطلقة صرخات تبدي منها الفزع، وكأن شيئا ما يستثير هذه الحيوانات ويدفعها لهذا التصرف العجيب.
لم يصدق سكان المنطقة ما رأوه بأعينهم، وصار ذلك محور حديثهم تلك الليلة، وتمضي الساعات بطيئة، وما إن حلّت الساعة التاسعة من تلك الليلة حتى شعر السكان بالأرض تميد من تحت أقدامهم، وما هي إلا ثوان معدودات حتى ضرب زلزال عظيم المنطقة مخلّفا وراءه ما يزيد على ألف قتيل من السكان!
وحادثة أخرى مماثلة في "سان فرناندو" حيث اطّلع المحللون على تقرير سبق الكارثة هناك وفيه: "جيوش من الجرذان تملأ شوراع بلدة "سان فرناندو" -بالقرب من لوس أنجلوس الأمريكية- مع أن الناس كانوا يفترضون أنّ بلدتهم تخلو تماما من الجرذان. وفي اليوم التالي تصيب هزة عنيفة وادي "سان فرناندو" وتؤدي إلى كارثة بيئية.
وفي زلزال تسونامي الأخير في الجزر الأندنوسية وما جاورها لاحظ السكان حركة مريبة للحيوانات قبل حصول المد بقليل ونزوحا جماعيا باتجاه الأعالي.




نظرة علمية نحو هذه الظاهرة


لقد أثارت هذه الحوادث وأمثالها اهتمام ودراسة عدد من العلماء، خاصة وأنها تتكرر بين فترة وأخرى، لقد أصبح الأمر جليا واضحا في حتميةِ وجود غرائزَ خفية للحيوانات تزوّدها بنوع استشعار لا يدركه البشر بحواسهم المحدودة وأجهزتهم المعقدة الحديثة.
من أولئك العلماء الذي اهتموا بهذه الظاهرة في السبعينيات "هلموت تريبوش" الأستاذ بجامعة برلين الذي قام باستثارة الاهتمام بهذا الموضوع قديمًا -في عام 1976م- وأخذ يجمع ما تناثر هنا وهناك من أحداث مماثلة وقعت عبر التاريخ، وما سبق بعض الكوارث الزلزالية -أمثال زلزال "هيليس" اليونانية، وزلزال "لشبونة" المدمّر- من ردود فعل "غريزية" للحيوانات تشبه إلى حد كبير ما حدث قبيل كوارث معاصرة ومماثلة كزلزال مصر الأخير 1992م، عندما اضطربت الحيوانات في حديقة الحيوان بالجيزة قبل عشرين دقيقة من الزلزال المدمّر، وما شابه تلك الحالات في "سان فرانسيسكو" وغيرها.
بعد ذلك بقليل -وبالتحديد في عام 1977م- عقد في الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر علمي اشترك فيه عدد من العلماء من مختلف التخصصات وأهمها علوم الأرض والحياة، لدراسة إمكانية استخدام الحشرات والحيوانات في التنبؤ عن قرب وقوع الزلازل. وقد تمّ رصد الحالات التي سجّلت أثناء المتابعة فلم يحدث أن سجلت حالة واحدة لم يصدق فيها إنذار تلك الحيوانات عبر تصرفها الملحوظ قبل الكارثة، وبالفعل أقيمت أول مستعمرة من نوعها في التاريخ تضم العديد من الحيوانات والحشرات. والهدف الذي أنشئت من أجله هو دراسة تصرف هذه الحيوانات وردود أفعالها كإشارات لكوارث قريبة قادمة.


لقد بات اليابانيون يدركون -بعد تعرّض اليابان للعديد من الهزات الأرضية- أنّ تصرف "سمك الزينة" يفوق في هذا المجال أكثر آلات الرصد دقة؛ فقبل وقوع الزلزال بساعات يصاب هذا النوع من الأسماك بحالات غريبة من اضطراب في السلوك وذعر، ثم تأخذ بالدوران والاندفاع داخل أحواضها اندفاعا جنونيا.




وكلما قرأتُ عن هذه الحقائق العلمية الواضحة وغيرها أظل أتفكر مليا فيما سطرتْه كتب سلفنا الصالح حول هذا الأمر أو رووه من أحاديث ومشاهدات؛ ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها حين قالت: "دخلَتْ عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم. فكذّبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، خرجتا، ودخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن عجوزين....، وذكرت له الخبر، فقال: "صدقتا، إنهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلها"، فما رأيته بعدُ في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر (رواه البخاري).
وكم قرأنا عن حوادث عجيبة تحكي جفول بعض الحيوانات عندما تجاوز بعض القبور التي يعذب أصحابها، تماما كما كان يشاهد من تصرفاتها قبل وقوع مثل هذه الكوارث البيئية.





الملائكة دنت لصوت أسيد رضي الله عنه


وفي السياق ذاته تطالعنا حادثة نادرة من أعجب ما كتب في هذا الباب، وتحكى قصة اضطراب فرس عربي أصيل كان يملكه الصحابي الجليل أسيد بن الحضير t حدث ذلك ذات ليلة صافية من ليالي المدينة النبوية -حرسها الله-. لقد كان أسيد t في تلك الليلة يقرأ القرآن خارج بيته -كعادته- بصوت ندي خاشع، وكان بقربه ابنه الصغير يحيى نائما، لكن العجيب في تلك الليلة بالذات أنه لاحظ تصرفا عجيبًا للفرس، إذ كلما قرأ القرآن جالت فرسه وتحركت واضطربت، فإذا سكت سكنت، ثم إذا أعاد القراءة اضطربت أشد من الأولى، وهكذا، حتى تكرر ذلك منه ومن الفرس ثلاث مرات. يقول رضي الله عنه: فانصرفت عن القراءة مشفقا على ابني يحيى أن تصيبه الفرس، فلما قرّبته مني رفعت رأسي إلى السماء فإذا أنا بمثل الظُّلّة البيضاء فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى توارت عني. لقد اكتشف أن اقتراب تلك الظُّلة البيضاء بلا شك كان السبب في اضطراب الفرس وتحرُّكها، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما حدث له البارحة قال له صلى الله عليه وسلم: "أو تـدري ما ذاك؟" قال: لا، قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك" الحديث (رواه البخاري).
بل لقد صرّح صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن لدى بعض الحيوانات مقدرة خارقة على رؤية ما لا يستطيع البشر رؤيته بحواسهم حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا" (رواه مسلم). إن هذه التصرفات بلا شك تنم عن وجود غرائز كامنة مركّبة في هذه الحيوانات، وهي التي تدفعها إلى استشعار ما قد يعجز البشر عن إدراكه بحواسهم الضعيفة، ولقد تباينت آراء العلماء المتخصصين عند دراسة أمثال هذه السلوكيات والغرائز التي تنم عن قدرات "خارقة".