مقتطفات من كتاب الشيخ مهنا نعيم نجم
عضو هيئة العلماء والدعاة / فلسطين


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الحلق والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وسار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين ثم أما بعد:
بقلم البر والطاعة، سطرت صدق المشاعر، وبفنون الكلمات أجمل الخواطر، وبأعذب الأحرف أروع المعاني، فاستعنت بالله المعين على جمع وإعداد هذا البحث لأهديه لكل محب للعلم والدعوة، وإلى كل من أقعده الوهن، وتقالبته الأوهام، وظن بالله الظنون، حتى قال في نفسه: ماذا ستؤثر دعوتي في ظل هذا الفساد الكبير؟!.
أخي المحب للعلم والدعوة، هذه عبارات لطيفة، وإشارات منيفة، تسيء كل حاسد، وتسر كل حبيب، جمعتها ونسقت بين ألفاظها ومعانيها، سائلا الله - عز وجل- أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره.
أخي الحبيب / أختي الغالية، ما وجدت أفضل من كتاب الله عز وجل كُتبا، ولا قرأت أفضل منه، وأبحرت في آياته فأيقنت بكمالها وجمالها، ونظرت في تفسيرها، فوقفت على أحداث وقصص فيها أحكام وعبر، فاستخرجت منها ياقوتا ودررا، وكان مما أثار إعجابي قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام، فوقفت أتأمل فيها، تارة في بلاغتها، وتارة في معانيها، وأخرى في نواحيها، وإني أظن أني وفِقتُ لأستخرج قواعدها في تأصيل ضوابط الدعوة من أبسط طرقها، وعظيم أجرها.
فلقد بَدأت بالتوحيد، وانتهت بالثبات عليه، وكان بينهما أمور عظيمة، جدير أن نقف عليها،
وأن نتناول فحواها، فنتمثل أوامرها، ونتجنب نواهيها، لنكسب أجرها، وننال برها.
قصة تحتاج لوقفات .. فكيف بمخلوق صغير، يصدع بالحق وأنا وأنت ما صدعنا ولا بلغنا..
هي وقفات مع الهدهد.
تبلغ ما بحوزتك من علم، ولا تستخف بمن هو دونك مرتبة، وأن القوة وحدها لا تكفي لحماية الوطن، والدين، بل يجب أن يلازمها العلم والحكمة .. وبالشكر تدوم النعم.
وعلم التوحيد من اشرف العلوم، وأجلها قدرا، وأوجبها مطلبا، ، وأول منازل الطريق، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ولما فهم الهدهد حقيقة التوحيد الخاص لله تعالى، ثارت حميته، واحمر وجهه، وصدح قائلا {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}
التوحيد ثلاث أنواع هي:
توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، لكن كيف فهم الهدهد هذه الأنواع، وهل فهمناها أهل السنة والجماعة.
ثم جاء التأصيل والتوضيح بعد ذلك لقواعد ضوابط الدعوة فأخلص الهدهد النية والسريرة لما عرف عظمة الله، ووقر الخوف منه سبحانه في قلبه {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}حتى صدق إخلاصه، ثم بذل الجهد في البحث والتحري، وبعدها تأكد وتيقن قبل كل شيء، فلا يعقل من مخلوق أن تكون له الحميّة على دين الله دون علو همتِه:
ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها مُحببُ
انظر إلى الهدهد كيف ثارت حميته، حين علة همته، وفي لحظة يتخلى عما سـافر مـن أجله، حين رأى حرمات الله تنتهك{يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ }، فاحمر وجهه، وعلا صوته، واشتد غضبه{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ }،
وهنا يجب أن يكون كل مسلم عنده الحمية والغيرة التي وجدت عن الهدهد في التوحيد والدعوة لله رب العالمين.
فإن كنت مع هذا كله لم تتحرك لتوحيد الله- جل وعلا- والدعوة إلى دينه وإتباع سنن رسوله صلى الله عليه وسلم، فالهدهد أفضل منك، فهو بلغ وأنت ما بلغت، فحينها أنت مقعد العزيمة، ثمل الهمة، بليد الذهن، يحق عليك قول القائل:
يخبرني البواب أنك نائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم
أخي الحبيب / أختي الغاليّة.. لا أملك في الختام إلا أن أودعكم وداع مُحب وإني أرجو من الله أن لا يكون وَرَماً ما كتبت، على أنه لكل كاسد سوق، وإني لأدعو الله تعالى أن أراكم محلقين كالهدهد دعاة لله عز وجل. والله الموفق، وإن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب