المهدي الموعود الحسني السني
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من سبقنا من الأمم بأخبار لا بد من التصديق بها، لأنه لا ينطق عن الهوى }إن هو إلا وحي يوحى{، كما أخبر عليه الصلاة والسلام عن أمور مستقبلية ينبغي كذلك التصديق بها، والاعتقاد الجازم بحدوثها. وفي وقتنا الحاضر، نرى عدة أحداث تتحقق وفق ما صرح به صلى الله عليه وسلم ، فقد كثرت الفتن وعم المنكر، ونقضت عرى الدين، كما أن معالم الإيمان والمحبة قد درست، فأصبح الناس على مثل الفترة محتاجين إلى من ينقذهم من ظلام الجور ويرفعهم من حضيض الغثائية ويجدد معالم الإيمان والإحسان فيهم... لكن لما كان نبينا خاتم الأنبياء، وصار الزمان إلى ما نحن عليه، فقد بشرنا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ببشرى عظيمة، ألا وهي ظهور سيدنا المهدي عليه السلام في آخر الزمان، بعد تكالب الأمم والفتن علينا، ليخلصنا من كل ذلك، ويستنقذنا كما فعل جده المصطفى صلى الله عليه وسلم. أخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه "أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم :أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله ؟ قال: بل منا, بنا يختم الله كما بنا فتح, وبنا يستنقذون من الشرك, وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة, كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك, قال علي: أمؤمنون أم كافرون ؟ , قال:مفتون و كافر".وأخرج أبو داود "عَنْ عَلِيٍ رضي الله عنهعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدَّهْرِ إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ".
جاءت بأخبار المهدي المنتظر أحاديث كثيرة، منها الصحيح ومنها الضعيف الذي يُجبر ومنها الموضوع. والأكيد أنه رجل من ولد سيدنا الحسن رضي الله عنه بن سيدنا عليرضي الله عنه وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يخرج في آخر الزمان لإقامة العدل على سائر الأرض. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُبَشِّرُكُمْ بِالْمَهْدِيِّ يُبْعَثُ فِي أُمَّتِي عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ النَّاسِ وَزَلَازِلَ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ يَقْسِمُ الْمَالَ صِحَاحًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا صِحَاحًا قَالَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ وَيَمْلَأُ اللَّهُ قُلُوبَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِنًى وَيَسَعُهُمْ عَدْلُهُ حَتَّى يَأْمُرَ مُنَادِيًا فَيُنَادِي فَيَقُولُ مَنْ لَهُ فِي مَالٍ حَاجَةٌ فَمَا يَقُومُ مِنْ النَّاسِ إِلَّا رَجُلٌ فَيَقُولُ ائْتِ السَّدَّانَ يَعْنِي الْخَازِنَ فَقُلْ لَهُ إِنَّ الْمَهْدِيَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُعْطِيَنِي مَالًا فَيَقُولُ لَهُ احْثِ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَأَبْرَزَهُ نَدِمَ فَيَقُولُ كُنْتُ أَجْشَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ نَفْسًا أَوَعَجَزَ عَنِّي مَا وَسِعَهُمْ قَالَ فَيَرُدُّهُ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ فَيُقَالُ لَهُ إِنَّا لَا نَأْخُذُ شَيْئًا أَعْطَيْنَاهُ فَيَكُونُ كَذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ ثُمَّ لَا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُ".( مسند الإمام أحمد)
المهدي: لغة اسم مفعول، من: هداه هُدًَى وهَديا وهداية، والهدى: هو الرشاد، والمهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق، وقد استُعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء. وعن كعب قال "إنما سُمّي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية "(الفتن لنعيم بن حماد). فهو سيحكم الأرض بحكم الله ويسير بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يمده الله بالملائكة، وينزل المسيح ابن مريم وقد أُقيمت الصلاة فيَتنحَّى المهديُّ للمسيح من إمامة المسلمين في تلك الصلاة، فيدفعه المسيح عيسى ابن مريم بين كتفَيه ويقول له: لك أُقيمَت فصَلِّ. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم: "لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها" (أخرجه الإمام أحمد). عن أبي هريرةرضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" ( رواه البخاري ومسلم) .

مكان خروجه:
أما مكان خروجه، فيكون ظهور المهدي عليه السلامأول الأمر من المغرب الأقصى. قال الإمام القرطبي في كتابه التذكرة: (فإنه روي من حديث ابن مسعود و غيره من الصحابة أنه، أي المهدي، يخرج في آخر الزمان من المغرب الأقصى يمشي النصر بين يديه أربعين ميلاً راياته بيض و صفر فيها رقوم فيها اسم الله الأعظم مكتوب : فلا تهزم له راية...)، وذكر القرطبي: (عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ستفتح بعدي جزيرة تسمى بالأندلس فتغلب عليهم أهل الكفر فيأخذون من أموالهم و أكثر بلدهم و يسبون نساءهم و أولادهم و يهتكون الأستار و يخربون الديار و يرجع أكثر البلاد فيافي و قفاراً ، و تنجلي أكثر الناس عن ديارهم و أموالهم فيأخذون أكثر الجزيرة و لا يبقى إلا أقلها ، و يكون في المغرب الهرج و الخوف ، و يستولي عليهم الجوع و الغلاء ، و تكثر الفتنة و يأكل الناس بعضهم بعضاً ، فعند ذلك يخرج رجل من المغرب الأقصى من أهل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو المهدي القائم في آخر الزمان و هو أول أشراط الساعة). قال القرطبي:كل ما وقع في حديث معاوية هذا فقد شاهدنا بتلك البلاد وعاينا معظمه إلا خروج المهدي. ويعزز ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسندهعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ "قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَأَتَاهُ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ وَهُمْ قِيَامٌ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَأَتَيْتُهُ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي، قَالَ: تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ، قَالَ نَافِعٌ يَا جَابِرُ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ". وكما هو معلوم فالمهدي عليه السلام هو الذي سيقوم بفتح جزيرة العرب وفارس والقسطنطينية ورومية والدجال... أما ما يزعمه الشيعة من أنه سيخرج من أصبهان فمردود عليهم، قال ابن كثير: (..وليس هذا -أي المهدي- بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب "سَامرّاء". فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هَوَسِ العقول السخيفة، وَتَوَهُّم الخيالات الضعيفة).

أوصافه:
أما أوصافه فهو يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في الخُلق والخَلق. وذكر العلامة محمد السفاريني وصفه في كتابه المسيح الدجال وأسرار الساعة، فقال أنه (ضَرُب من الرجال: أي نحيف، ممشوق مستدق ربعه: أي لا بالطويل ولا بالقصير، أجلى الجبهة: أي خفيف شعر النزعتين عن الصدغين وهو الذي انحسر الشعر عن جبهته، أقنى الأنف: أي طويل الأنف مع دقة أرنبته، أشم: أي رفيع العرنين، أزج: أي حاجبه فيه تقويس مع طول في طرفه أو امتداده، أبلج الأعين: أكحل العينين واسع العين، براق الثنايا أفرقها: أي ليست متلاصقة...). أخرج أبو داود ونعيم بن حماد والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي مني أجلى الجبهة, أقنى الأنف, يملأ الأرض قسطا وعدلا, كما ملئت جورا و ظلما, يملك سبع سنين).وأخرج أبو نعيم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي رجل من ولدي, وجهه كالكوكب الدري). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يملأ الأرض عدلاً كما مُلئَت ظلمًا وجَورًا"، أي أن دعوته عالمية ويفتح الله على يديه معظم دول العالم الهامة مثل القسطنطينية وروما وبلاد العرب والفرس والشام بما فيها القدس. والجو العام لأحاديث المهدي يبشر بتحقيق الدولة العالمية التي تضم جميع أقطار الأرض تحت راية واحدة، وهي راية العدل والخير والحق، وهو أمل طالما سعى له كثير من الذين يريدون للإنسانية خيرًا ويظنون بها خيرًا، وهو حلم راود الكثيرَ من الفضلاء. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (في زمان المهدي تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم).
ولم يرد خبر المهدي فقط في الأمة المحمدية، وإنما ذكر في كذلك في أسفار الأنبياء السابقين. جاء في كتاب عقد الدرر للإمام يوسف بن يحيى المقدسي: (عن سالم الأشل، قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، يقول: "نظر موسى عليه السلام في السفر إلى ما يعطى قائم آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد. فقيل له: إن ذلك من ذرية أحمد. فنظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثل ذلك فقيل له مثل ذلك.ثم نظر في السفر الثالث، فرأى مثله، فقال له مثله"). وورد ذكر دولة في سفر أشعيا تحت عنوان مملكة السلام، وحينما نقرأ تلك النصوص نجدها مطابقة لما ورد في الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في الإصحاح الحادي عشر من سفر أشعيا: (يخرج فرع من جذع يس وينمو غصن من أصوله، روح الرب ينزل عليه، روح الحكمة والفهم والمشورة، روح القوة والمعرفة والتقوى، ويبتهج بمخافة الرب، لا يقضي بحسب ما ترى عيناه، ولا يحكم بحسب سماع أذنيه، بل يقضي للفقراء بالعدل وينصف الظالمين بكلام كالعصا ويميت الأشرار...).

خاتمة:
أبشروا أيها الناس أجمعين، الفرج قريب، والخير آت، والظلام زائل. }إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيبا ً{. فلا معنى للريب في أمر هذا الفاطمي الحسني الموعود، المدلول عليه بأدلة عديدة، الذي انتظر خروجه الأولون والآخرون. وإنكار ذلك جرأة عظيمة وغفلة جسيمة، ومبايعته حين يظهر من أوجب الفرائض. فهو خليفة الله في أرضه يبعثه غيثا للخلق، إنه وعد القرآن الذي يحيي السنة والإيمان، إنه بشرى المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يعطف على الأرامل والأيتام، إنه العدل الذي يحرر البلدان ويقهر الشر والطغيان، هو النور الذي ينشر الخير ويزيح الحقد ويسعد كل إنسان... إن عظمة هذا الإمام أكبر من أن توصف، ومحاسنه أكثر من أن تحصى. فطوبى لمن فاز بثواب خدمته ونصرته، وابتهج لظهور دولته وعلو كلمته، واشتاق لرؤية طلعته...