جديد العلاّمة أبو محمد المقدسي::القدس فى القلب فهل آن لحقوقها أن تظهر على الجوارح؟!





فهل آن لحقوقها أن تظهر على الجوارح ؟

الإيمان عند المرجئة اعتقاد القلب، وربما ضمّوا إليه قول اللسان .. أما عمل الجوارح فليس هو عندهم من الإيمان ..

وهو شيء يخالفون به أهل السنة والجماعة في الإيمان؛ والذي هو عند أهل السنة تصديق وقول وعمل ..

التيار السلفي الجهادي في العالم وأنا أقول هذا كأحد أبنائه؛ قصّر ـ بسبب كثير من العقبات والمعوقات والأعذار والتي ليس هذا مجال شرحها ـ تقصيرا واضحا لا يخفى على عدو ولا صديق تجاه فلسطين، ولم يقدم لفلسطين وبيت المقدس والأقصى عمليا وبصفة مباشرة؛ وأقول موضحا : (عمليا وبصفة مباشرة) شيئا يذكر، رغم إمكاناته السابقة التي طالت أمريكا في أماكن شتى في العالم وفي العمق الأمريكي نفسه ؛ مع أن العدو اليهودي عدو متفق على عدوانه في العالم عند الأكثرية ؛ وأي عمل مباشر ضده يرجّح كفة التيار ويرفع أسهمه في العالم..

ولذلك ارتفعت أسهم حزب الشيطان وصرنا نسمع عن التشيع السياسي بل والعقائدي عند بعض حمقى التنظيمات الفلسطينية!! رغم أن ذلك الحزب لم يقدم لفلسطين إلا بضع صواريخ يقبض عليها الملايين؛ بينما لزم الصمت بل والانبطاح شأنه شأن سائر جيوش الأنظمة العميلة أثناء الاجتياح الإسرائيلي الأخير لغزة، ولم نسمع من جهته لا صواريخ ولا حتى ألعابا نارية؛ بل على العكس أعلن براءته من بعض الصواريخ التي أطلقها بعض الغيورين في تلك الأثناء وسماها ( صواريخ مشبوهة )!!

وأهل السنة أهل التوحيد والجهاد؛ هم أولى الناس بفلسطين وبيت المقدس والأقصى، لا ينبغي أن يتقدم أو يزاود عليهم فيه أحد؛ لأنهم هم أهله وخاصته وأولياؤه؛ إنْ أولياؤه إلا المتقون؛ ولذلك فينبغي أن يكونوا أصحاب المبادرة هناك، وفي مقدمة الصفوف لرد العدو الصائل والجاثم؛ كما هم فعلا أصحاب المبادرة بل والمتفرّدون بالميدان في الساحات الأخرى سواء في أفغانستان أم في الشيشان أم في العراق أم في الصومال وغيرها ..

ولذلك فقد آن الأوان بل تأخر كثيرا؛ لتحريك بوصلة هذا التيار بثقله باتجاه الأقصى، وفي نظري لا يكون ذلك بفتح جبهات جديدة ومتفرّقة هنا وهناك تشتّت طاقات التيار التي تتعرض للاستهلاك غالبا في أعمال نكائية غير مركّزة على الأهداف الأهم؛ بل يكون ذلك بالتركيز على الجهاد داخل فلسطين نفسها؛ بدعم صمود إخواننا هناك، والوقوف إلى جنبهم للسعي الجاد لإيجاد الراية الموحِّدة وتقويتها لتلتف حولها الجماعات المجاهدة الموحدة في الداخل والخارج، فهذا التيار له حضوره الواضح في الداخل، كما أن له حضوره المعلوم لكل أحد في الخارج، ولكنه يحتاج إلى الدعم المعنوي والمادي المكثّف ليؤتي أكله..

ومن نعم الله على هذا التيار أنه يتميّز عن التنظيمات الأرضية، بل وحتى تلك الدينية المنحرفة التي تلتقي مع الروافض، وتتصالح مع الأنظمة، وتداهن المرتدين أوغيرهم !

ولذلك لا يقبل من الدعم ولا يأتيه أصلا وحاله كذلك شيء منه؛ إلا من الأيدي النظيفة التي تبتغي من دعمها وجه ربها الأعلى، وليس لها مآرب أخرى ..

فهل لنا أخيرا أن نجعل ذلك في سلم أولوياتنا ؟ بل ضمن ما جعلناه في قمة ذلك السلم.

فهذا يعنينا نحن على وجه الخصوص أبناء هذا التيار في الخارج ..

أما في الداخل فمن هموم هذا التيار ما تعانيه جماعاته وأفراده من التبعثر وعدم التوحّد، وهذه آفة تذهب بالريح وتعمل على إفشال الجهاد وإحباط ثمراته، وتجرّيء عليه خصومه؛ فيستخفّون به ويستفردون بأتباعه ويستضعفونهم أو يستأصلونهم تجمعا تجمعا؛ كما قد جرى مع طائفة منهم! ولو توحّدوا وتآزروا وصاروا كالبنيان المرصوص لهابهم عدوهم ولحسب لهم حساب ..

وعليه فأنا أوجّه هذه النصيحة الغالية لأبناء هذا التيار هناك، كنداء للغيورين منهم؛ من على صفحات هذا المنبر العزيز وأدعوهم إلى العمل الجاد لأجل توحيد صفوفهم، وذلك وفق المعالم والخطوط العريضة التالية :

ـ إعلان راية التوحيد والجهاد بكل وضوح، وتبنّي منهجها وأدبياتها وكتاباتها بكل وضوح، واتخاذ مشايخها مرجعيات؛ ليلتف حولها عموم أبناء هذا التيار.

ـ الدعوة إلى التوحيد وبيان أهميته؛ وأنه أعظم مصلحة يجب حفظها على الإطلاق؛ ومن ثم فلا تهدر أو تضيّع أو يُتنازل عنها لأجل أي من المصالح الأخرى المرجوحة، سواء كانت دينية أم وطنية .. ومن لم يجتمع معنا على هذا الأصل فأبعده الله، ولا حاجة لنا به مهما كان حجمه أو اسمه..

ـ الحرص على أن يكون التوحّد وتوحيد الكلمة؛ تحت كلمة التوحيد .. بسلامة المنهج، ونقاوة الطرح، من أول خطوة وقبل أول طلقة .

ـ اعتماد راية واحدة يكون معلم التوحيد فيها بارزا؛ كتلك التي اعتمدها إخواننا المجاهدون في ميادين الجهاد النقية سواء في أفغانستان أم العراق أم غيرها؛ لتستظل بها كافة الجماعات السلفية الموحّدة، وتحشد لها كافة الطاقات والإمكانات؛ ولكي لا تتخذ كل جماعة راية خاصة بها فيكون ذلك عاملا من عوامل بقاء التشرذم والتبعثر .

ـ إخلاص النية لله والاستعلاء على حظوظ النفس المعثّرة والموعّرة والمصعّبة للتوحّد، والتنازل عن شهوات النفس من حب التصدّر أو الحرص على الإمارة؛ وتقديم الحرص على التوحيد والجهاد على ذلك كله ..

ـ ومن ثم ضرورة العمل الجاد وفي أقرب وقت على ( الانخراط الحقيقي والتام ) في تشكيل واحد وتحت مسمى واحد، أو على أضعف الإيمان الاجتماع على ( مجلس شورى واحد ) يعبّر عن رأي وتطلعات وآمال التيار السلفي الجهادي في فلسطين والعالم.

ـ تقديم وتصدير الصادقين أصحاب المنهج الأنقى والأتقى، ويعرف ذلك بأخذهم منهج التوحيد والجهاد بقوة، المأمونين على الدعوة والجهاد وثمراته .. كي نتجنب تكرار التجارب التي قطف فيها أقوام لا خلاق لهم ثمار الجهاد، تصدّروا فيها واعتلوا على أشلاء الشهداء وتسلّقوا على جماجم الأبطال ..

ـ أن يكون التحاكم عند النزاع والاختلاف إلى شرع الله أمام (لجنة شرعية) متفق عليها من العلماء أو من طلبة العلم المتقدمين؛ تكون للجميع مرجعية عليا عند النزاع، يُرتضى قضاتها؛ وينفذ حكمهم على الجميع؛ وليعلم إخواننا أنه إن كانت نواياهم خالصة في تحكيم شرع الله عند التمكين؛ فلا بد من الاستقامة على ذلك وتفعيله الآن .

ـ إعمال السياسة الشرعية النبوية التي مارسها نبينا صلى الله عليه وسلم في بداية هجرته إلى المدينة وقبل التمكين الحقيقي؛ من مداراة بعض الخصوم والأعداء، ومتاركتهم ومهادنتهم وعدم استعداء كافة الناس دفعة واحدة، والعمل بالتدرّج وبفقه الأولويات .

ـ ومن ذلك عدم فتح معارك جانبية مع عموم الناس المنتسبين للإسلام بل وغير المنتسبين للإسلام من غير المقاتلين لنا في الدين؛ والذين حقهم الاشتغال معهم في الدعوة إلى الله ببيان التوحيد وعراه الوثقى؛ والتحذير من الشرك ونواقض الإسلام المختلفة.

ـ الرحمة بالخلق والرفق بهم والتيسير عليهم ( بَشِّروا ولا تُنفِّروا، ويَسِّروا ولا تُعَسِّرُوا) وعدم فتح المعارك الجانبية المرجوحة مع أناس عاشوا حقبة من الزمان تحت نير الاحتلال وعاشوا وسط ركام الجاهلية وتحت أحكامها؛ وهم بحاجة إلى من ينقذهم مما كانوا فيه من المعيشة الضنك التي هي لازم الإعراض عن شرع الله، ويخرجهم من الظلمات إلى النور؛ لا من يزيد من آصارهم، وتذكروا أن المذهب الحق هو المذهب الأسدّ لا الأشدّ .. و(إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه)كما في حديث البخاري، وفي مسلم : ( إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه ) و (مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحْرَمِ الخيرِ )

ـ الالتزام بالوسطية، وتجنّب الإفراط والتفريط، ورعاية الشباب وتوجيههم إلى العلم الشرعي لتجنيبهم الانحراف إلى مهاوي الغلو أو الإرجاء ..

ـ الحذر من تكفير المسلمين بالظن والشبهات والمحتملات أو بلوازم أقوالهم ومآلاتها، وتعظيم حرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ..

ـ استغلال مرحلة حماس لا بالاشتـغال بالصدام معها أو بتعجّله؛ بل بالعمل الهاديء وتربية الشباب ليكونوا جنودا للتوحيد، وحرّاسا لرايته النقية؛ ليلتف حولها أبناء هذا التيار في الداخل والخارج، وينحاز إليها كل من يتبصّر بحال الجماعات المنحرفة في الساحة ..

ـ وهذا لا يمنع من بيان انحرافات حماس أو مناصحة الغيورين منهم أو مواصلتهم لدعوتهم؛ فذلك من مصلحة دعوة التوحيد والجهاد.

ـ المحافظة على الأمانة الغالية والعظيمة التي استرعانا الله حملها؛ أعني أرواح وطاقات الشباب المخلص المجاهد، الذي يسعى جادا وبإخلاص لنصرة دينه وأمته وحرماته؛ بعدم السماح لأحد في تضيعها أو تشتيتها في أعمال مرجوحه، أو بإشغالها في حروب أو صدامات جانبية مع الجماعات الأخرى، أو باستنزافها وتبديدها تحت رايات منحرفة بحجة قلة العدة والعتاد وضعف الإمكانيات .

ـ وليعلم إخواننا من قادة ورؤوس ومشايخ الجماعات المنتسبة للتيار السلفي الجهادي؛ أن الأمانة في أعناقهم عظيمة؛ والمسؤولية في رقابهم كبيرة؛ فليستجيبوا لنداء الله بالاعتصام بحبله، ونبذ التفرق والتشرذم والتنازع (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) .. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)

فليكونوا عند حسن ظنّ إخوانهم المجاهدين، وعموم أبناء هذا التيار في الداخل والخارج؛ المنادين بالتوحّد تحت كلمة التوحيد، وأن لا يحبطوا آمالهم أو يئدوا تطلّعاتهم وطموحاتهم ..

وليعلموا أنهم طليعة أهل التوحيد في أرض الإسراء؛ وأن إخوانهم يتطلعون إليهم، ويعقدون الآمال عليهم ..

فحذار أن تخذلوهم بتفرّقكم وتشرذمكم أو انحرافكم عن الجادة واعلموا : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)

فإن اطلع الله على صدق قلوبكم وإحسانكم؛ فسيكون لكم ومعكم، وينصركم، ولن يتركم أعمالكم ..

فسددوا وقاربوا ..(اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )

فهل ستقرون أعيننا وتفعلون ذلك؛ لترونا نحن وكل أبناء هذا التيار إن شاء الله جندا لكم مخلصين وأنصارا لرايتكم محضرين؛ نعاهدكم أن نبذل الغالي والنفيس في نصرتكم والنصح لكم، وحشد الطاقات من أجل جهادكم ..



(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )


أبو محمد المقدسي
ربيع الثاني 1430
من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام