الإبداع في التخطيط الحربي



أ. د. خالد بن حامد الحازمي


إن الإبداع التخطيطي الحربي لا يقل أهمية عن قوة العتاد، بل ربما يفوق قوة الترسانة الحربية من حيث التأثير في مسار المعركة. والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يهمل هذا الجانب، بل كان يأخذ بما تتفتق عنه عقول المبدعين من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومن ذلك أنه في معركة بدر نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأدنى ماء من بدر، فقال الحُبَاب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنـزل؟ أمنـزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فنـزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَغُوِّرت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية.

ويلاحظ في هذه المشورة الإبداعية، عناية الصحابة بالحكم الشرعي وتقديمه على العقل، حيث قال الحُباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنـزل أمنـزلا أنزلكه الله - تعالى -، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فَيُفْهَم من ذلك، إن كان الأمر وحياً فالعقل تابع له، وليس للرأي مكان، وأما إن كان الأمر جهداً عقلياً تخطيطياً فعندي في الأمر رأي.

ومن اللطائف التي يمكن استنتاجها، أنه لم يبين رأيه إلا بعد أن سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول الفصل، بأن الأمر ليس وحياً، بل رأياً، وهكذا نريد أن تكون التربية العقلية الإبداعية تهتم بالجانب التفكيري العقلي، ولكن تجعله يستظل ويسير تحت مظلة الشرع الحنيف، لا في مقدمته.

وأيضاً يتجلى الإبداع التخطيطي الحربي في مشورة سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب (الخندق) فكان حفر الخندق عملاً إبداعياً لم تعرفه العرب من قبل، فكان ذلك أحد الأسباب في صد عساكر المشركين، بتوفيق الله - تعالى -ونصره.

فهذه الشواهد تؤكد حقيقة مؤداها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي لذوي العقول المبدعه حقها من النظر والتشجيع البناء، ومن ثم الاستفادة مما يتولد عن أولئك من أفكار تخطيطية تسهم في أسباب النصر، بما يؤكد أن التربية الإسلامية تعطي في مضامينها التربوية معطيات تحقق للبيئات التربوية قواعد وأسس منهجية عملية للمناهج الدراسية.

كما أن مجال العرض والحوار التربوي يخرج ويكشف عن تلك المواهب، ويبرز مكنونها الإبداعي، وما الأنشطة الصفية وغير الصفية إلا وسيلة تربوية لتحقيق ذلك.

ومن هنا فإن المنهاج الدراسي وطرائق التدريس ينبغي أن تنطلق من مثل هذه الأساليب النبوية التربوية العظيمة.

المختار الإسلامي