آه يا غزَة ، لقد فضحتنا

قال ياقوتُ الحموي في " معجم البلدان " (4/202) : غزَّة : بغزة ولد الإمام أبو عبد اللّه محمَّد بن إدريس الشَّافعيُّ رضي اللّه عنه، وانتقل طفلاً إِلى الحجاز، وتعلم هناك ويروى له يذكرها :

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ * * * وَإِنْ خَانَنِي بَعْدَ التَّفرُّقِ كِتْمَانِي
سَقَى اللّه أَرْضَاً لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبَها * * * كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي

ماذا سينظمُ الإمامُ الشافعي – رحمه الله – من أبياتٍ لو رأى المجزرة البشعة في غزّة اليوم ؟

مجزرةٌ جديدة في غزة ضمن سلسلة جرائم يهود .. تلك الأمة الملعونة في كتاب الله ، وعلى لسان نبينا صلى الله عليه وسلم .. قتلوا الأنبياء " وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ " [ آل عمران : 181 ] فكيف لا يقتلون من هم دون الأنبياء ؟! بل يستحلون قتل من لم يكن يهوديا كما جاء في فتاوى حخاماتهم ... !

جاءت مجزرة غزّة لتكشف الكثير والكثير ، ولذا آثرتُ التريث في خط مقالي هذا لتتضح الصورة أكثر ، ويكتمل السيناريو لتلك المجزرة البشعة الغير مستغربة من يهود .

إننا في مثل هذه المدلهمات تتباين المواقف في الصف الواحد فكيف بغيرها ؟ ، ويرفع النفاق عقيرته ، ويظهر العدو حقده ، وبين أيدينا كتاب الله ، وسيرة النبي صلى الله لتمثل أمامنا صور كربونية لما حصل في تلك الفترة تتكرر في كل عصرٍ ومصرٍ مع اختلاف الأسماء والوسائل .

وليسمح لي القراء الكرام أن أضع نقاطا مهمة من تباين المواقف في الشارع العربي من خلال تلك المجزرة ، ولن أتطرق لمواقف الحكومات لأنه لا حول لها ولا قوة :

أولا : لا يخالج المسلمَ شكٌ في أن النصرة لإخواننا في غزّة فرضٌ خاصة بعد أن طلبوها من جميع المسلمين في العالم ، لأن الله قال : " وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ " [ الأنفال : 72 ] .

قال ابن العربي في " أحكام القرآن " عند تفسير الآية : " يُرِيدُ إنْ دَعَوْا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ عَوْنَكُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ ، فَأَعِينُوهُمْ ؛ فَذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَرْضٌ " .

وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في " السياسية الشرعية " : " فَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْعَدُوُّ الْهُجُومَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ دَفْعُهُ وَاجِبًا عَلَى الْمَقْصُودِينَ كُلِّهِمْ ، وَعَلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِينَ ، لِإِعَانَتِهِمْ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ " وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصْرِ الْمُسْلِمِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ لِلْقِتَالِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَهَذَا يَجِبُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، مَعَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ ... " .ا.هـ.

فأهل غزّة في محنة عظيمة ، وقد تشتد محنتهم في الأيام القادمة خاصة إذا دخلت القوات البرية الإسرائيلية إلى غزة بدباباتها ، والنصرة تكون بحسب الإمكان كما أشار العلماء .

الثاني : يستغلُ أهلُ النفاقِ مثل هذه الأحداث ليطلوا برؤوسهم من أجل توظيف الحدث لخذلان أهل الإيمان ، وهم يشبهون في ذلك فعل المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، فتركوا النصرة لأهل غزّة ، ، ورقصوا على جراحات أهلها ، وكالوا التهم لحركة " حماس " ، وحمّلوها كل ما يجري هناك ، وقالوا : حماس هي السبب لما يجري في غزة ! .. حماس نقضت الهدنة ! .. حماس ...! حماس ...! ، وسلسلة لا تنتهي من تهم أهل النفاق في وسائل الإعلام بجميع فروعها ، ولسانُ حالهم يقول كما قال أسلافهم من المنافقين : " لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا " [ آل عمران : 168 ] ، والأعجب أنهم وجدوا مبررا للمجزرة ، وقرأتُ في موقع متلبرل سعودي وليس ليبرالي الذي أنصح قبل دخوله بقراءة دعاء الدخول للحُش لما فيه من روائح البذاءات والحقد لكل ما هو إسلامي أنهم يتمنون أن تعجل إسرائيل بتسوية حركة " حماس " بالأرض !
عليكم من الله ما تستحقون ، فقد أنباءنا الله من أخباركم ! ... لا أريد الإطالة عند هذه النقطة ، وبنظرة سريعة لوسائل الإعلام يصل المتأمل إلى ما أقصده .

الثالث : في المقابل وجد آخرون الفرصة مناسبة لتصفية الحساب مع حركة " حماس " ، وفتح ملفات عن علاقة حركة " حماس " بإيران ، وقد تكون حركة " حماس " أخطأت في الدخول مع الدولة الصفوية ، لكن كما قيل : " قال الحائط للوتد : لم تشقني ؟ قال له : سل من يدقني " ، واللبيب بالإشارة يفهم ما أقصده !

وقد أخطأ – في ظني - أولئك من جهة توقيت فتح هذا الملف الآن ، ونسوا أو تناسوا أن أهل غزّة بحاجة إلى الوقوف معهم بدلا من الرمي باللوم على الحركة ... أهل غزة تهدر دمائهم بقلب بارد ، فهلا نصرنا إخواننا هناك بدلا من فتح الملفات ؟!.

رابعا : استغلت دكاكين الشعارات المتمثلة في حزب الله ومن يدفعها لتوظيف الحدث لصالحها ، وجني المكاسب على الأرض عن طريق الخطب الرنانة ، وبدعم لوجستي من محطات فضائية تملكها ، وإن تعجب فعجب قولهم الذي لم نرَ أي حراك ليثبت للجميع أنها مجرد ظاهرة صوتية ، لا ترى لها أثرا على أرض الواقع .

خذ على سبيل المثال : أين كلام الرئيس أحمدي نجاد عندما زعم أن إسرائيل يجب أن تشطب من الخريطة ؟ فالوقت حان يا نجاد فلماذا لا تطلق صواريخك الآن لمحو إسرائيل من الخارطة ؟ فرصتك الآن لإثبات صدق دعواك .

والآخر حسن نصر القريب من الحدود مع إسرائيل لماذا لا يدخل إلى إسرائيل من جهته بدلا من الخطب التي تكذبها أرض الواقع ؟

ومع الأسف اغتر كثير من المسلمين بدكاكين الشعارات ، وصدقوا أن تلك الدكاكين سترجع شبرا واحدا من أرض فلسطين ، فهم أبعد من ذلك ، فيا عقلاء الأمة هاتوا لي فتحا واحدا لأصحاب دكاكين الشعارات عبر التاريخ ؟ صدقوني لم ولن تجدوا .

خامسا ً : لا بد من توجيه الشكر للقنوات الفضائية التي نقلت تفاصيل مجزرة " غزّة " ساعة بساعة ، ودقيقة بدقيقة ، من أرض الحدث وعلى رأسها قناة " الجزيرة " ، و " المجد " وغيرها من القنوات التي لم تتابع .

أما إعلام بعض الدول الرسمي منها وغير الرسمي فهي مازالت إلى هذه اللحظة مشغولة بالتوافه ، والهشك بشك ، ونقل المبارايات ، والأفلام السينمائية ، وهذا والله يتفطر له القلبُ كمدا ، أين النصرة لأهل " غزّة " ؟ كيف يهنأ المسلم وإخوانه يذبحون أمامه ولا يحرك ساكنا ؟ .

أما قنوات " الضرار " ... وما أدراك ما قنوات " الضرار " ؟!
فإنها تعمل على تلميع الخونة ، وتخوين الصادقين ، وتقوم بدور إرجافي تصديقا لقوله تعالى : " لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً " [ الأحزاب : 60 ] .

قال القرطبي عند تفسير الآية : " أَهْل التَّفْسِير عَلَى أَنَّ الْأَوْصَاف الثَّلَاثَة لِشَيْءٍ وَاحِد ... فَالْإِرْجَاف حَرَام ، لِأَنَّ فِيهِ إِذَايَة . فَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى تَحْرِيم الْإِيذَاء بِالْإِرْجَافِ " .
وقال الجصاص في " أحكام القرآن " : " فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا " .هـ.

سادسا ً : الشعوب الإسلامية عبرت عن غضبها ، وهو حقّ لها لا يسلبه منها إلا مكابر أو جاهل ، كيف لا ؟ وهم يرون في كلّ يوم على شاشات التلفاز ، وفي الصحف صورا مبكية من قتلٍ للأطفال والشيوخ والشباب والنساء ، كيف لا ؟ وهم لا يستطيعون فعل شيء لإنقاذ إخوانهم في غزة ، كيف لا ؟ والحكومات لا تسطيع تحريك ساكن ، ولا تسكين محرك ، وقد تأتي الأيام القادمة بما هو أنكى وأشد .

إن الشعوب المسلمة تملك سلاحا لا يجب أن ينسى في مثل هذا النوازل ، سلاح فتاك لا يستهان به ، سلاح يملكه كل مسلم ، سلاح سهل يسير ، إنه : الدعاء !
هذا ما خطه قلمي ، فإن أصبت فالحمد لله ، وإن أخطأت فأسأل الله أن يغفر لي زللي .
اللهم احفظ إخواننا المستضعفين في غزّة ، وكن لهم عونا ونصيرا ، وافضح المنافقين والمرجفين .


عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي


طريق الإيمان