الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    مفاهيم جهادية.. بحاجة لتصحيح الجدل حول آية السيف


    من قرأ القرآن مكيَّهُ ومدنيَّهُ ـ مائة وأربع عشرة سورة ـ لاح له بغير خفاء أن القرآن من أوله إلى آخره كتاب دعوة وحوار، خطاب للعقول، وإقامة للحجج، وتفنيد للشبهات، وبيان لحقائق الدين، ورد على أباطيل الخصوم، وإيضاح لآيات الله في الأنفس والآفاق. فهو كتاب هداية وبيان، كما قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" (الإسراء: 9) ولهذا سماه الله نورا "وأنزلنا إليكم نورا مبينا" (النساء: 174).
    كما أنه يتعامل مع المخالفين له بسماحة منقطعة النظير، يدعو على بصيرة، ويجادل بالتي هي أحسن، ويدفع بالتي هي أحسن، ويأمر بالصبر على أذى الخصوم، والصفح عنهم، وترك أمرهم إلى الله يحكم بينهم يوم القيامة. كما يدعو إلى الدخول في السلم كافة، والإعراض عمن تولى عن الدخول في الإسلام، ولا يشرع القتال إلا لرد العدوان، وقتال من يقاتل المسلمين، أو يفتنهم عن دينهم، أو يعذب المستضعفين منهم ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وإذا اضطر المسلمون إلى القتال فعليهم أن يلتزموا بآداب وأخلاق تقفهم عند حدود الله، فلا يقاتلون إلا من يقاتلهم، ولا يقتلون امرأة ولا وليدا ولا شيخا ولا راهبا في صومعته ولا فلاحا يحرث أرضه ولا تاجرا في متجره، ولا يخربون عامرا، ولا يقطعون شجرا، ولا يفسدون في الأرض.
    هذه التعاليم القرآنية الواضحة التي تدل عليها عشرات الآيات، بل مئاتها، ذهب بعض المفسرين القدامى إلى أنها فقدت فاعليتها، وأن كل هذه الآيات في المصحف! موجودة حسا، معدومة معنىً، أو باقية تلاوة منسوخة حكما‍‍، وبمعنى آخر، إن هذه الآيات ـ التي قدرها بعضهم بـ114 آية، وبعضهم بـ 140 آية، وبعضهم بـ200 آية ـ قد ألغتها وقضت عليها آية واحدة، أو جزء من آية، أطلقوا عليها (آية السيف).
    فإذا استشهدت بقوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة: 256) قيل لك: نسختها آية السيف.
    أو بقوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" (النحل: 125) قيل لك: نسختها آية السيف.
    أو بقوله عز وجل: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" (الأنفال: 61) قالوا لك: نسختها آية السيف.
    أو بقوله تعالى: "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" (النساء: 90) قيل: نسختها آية السيف.
    أو بقوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" (الممتحنة: 8) قيل: نسختها آية السيف!! ‍وهكذا الآيات الكثيرة الوفيرة.
    كأنما أصبحت آية السيف نفسها سيفا يقطع رقاب الآيات، ويتركها جثة هامدة لا روح فيها ولا حياة، فهي متلوة لفظا ملغاة معنى. إذ حكم عليها بالإعدام!!
    أي آية هي آية السيف؟
    والعجب العجاب في هذا الأمر أنهم اختلفوا في تعيين هذه الآية -التي زعموها ناسخة لغيرها- أيّ آية هي من كتاب الله، وإن اتفقوا على أنها آية من سورة التوبة.
    هل هي آية: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.." (التوبة: 5).
    أو هي آية: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" (التوبة: 36).
    أو هي آية: "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" (التوبة: 41).
    أو هي آية: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة: 29).
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  2. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    بحث القضية من جذورها
    ولا بد لنا أن نناقش هذه القضية الكبيرة مناقشة علمية هادئة، نؤصلها تأصيلا، ونردها إلى جذورها، وفق أصول الدين، وأصول الفقه، وأصول التفسير، وأصول الحديث، ولا نلقي القول جذافا، أو نتلقى كل ما في الكتب بالقبول، ونعتبرها قضايا مسلمة لا تقبل النقاش.

    ومن هنا يجب علينا أن نبحث هنا بحثا عميقا حرا في عدة قضايا أساسية:
    القضية الأولى: قضية النسخ في القرآن في ذاتها من حيث المبدأ، وهل هي قضية يقينية قطعية؟ أو هي قضية ظنية محتملة للخلاف؟
    القضية الثانية: إذا سلمنا بمبدأ النسخ، وقامت الأدلة على جوازه ووقوعه في كتاب الله، فمتى يلزمنا القول بالنسخ؟ وهل كل ما قيل: إنه منسوخ، يقبل أم أن لذلك شروطا لا بد أن تتوافر؟
    القضية الثالثة: إذا سلمنا بمبدأ النسخ، وقبلناه بشروطه، فهل هذه الشروط تنطبق على ما سموه (آية السيف)؟
    وهنا يكون لزاما علينا أن نعين آية السيف أي آية هي؟ ثم نبين مناقضتها للآيات الكثيرة الأخرى، التي زعموها منسوخة بها؟ وأنه لا يمكن الجمع بين هذه الآيات وبينها. وأنها نزلت متأخرة عنها.
    هذه القضايا الثلاث الكبيرة التي يجب أن تدرس وتبحث وتناقش بجدية وموضوعية في ضوء المسلمات والقواعد العلمية المقررة والمتفق عليها، سنبحثها هنا قضية بعد أخرى.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  3. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    قضية النسخ في القرآن
    مما لا يشك فيه مسلم: أن هذا القرآن كلام الله تعالى لفظا ومعنى، ليس لجبريل فيه إلا النزول به من السماء إلى الأرض: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" (الشعراء:193-195) وليس لمحمد منه إلا تلقيه وحفظه، ثم تبليغه للناس وتلاوته عليهم: "سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله.." (الأعلى: 6)، "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" (المائدة: 67)، "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" (النحل:44).

    فهو "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" (هود: 1)، "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" (فصلت: 42).
    وإن الله تعالى أنزل هذا الكتاب، ليهتدي الناس بهداه، ويعملوا بموجبه، وينزلوا على حكمه، أيا كان موقعهم أو كانت منزلتهم، حكاما أو محكومين، يقول تعالى: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" (الأنعام: 155)، ويقول: "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء" (الأعراف: 3)، ويقول: "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله" (النساء: 105)، ويقول: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق" (المائدة: 48)، ويقول: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) المائدة: 49.
    فهذه النصوص كلها توجب على الأمة ـ بيقين لا ريب فيه ـ اتباع ما أنزل الله، والاحتكام إليه إذا اختلفوا، كما قال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" (الشورى: 10) أي إلى ما في كتابه، فهو الذي تضمن حكمه سبحانه. وقال تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" (النساء: 59). وقد أجمعت الأمة على أن الرد إلى الله تعالى يعني: الرد إلى كتابه.
    وقال تعالى في شأن قوم: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا" (النساء: 61).
    فكيف يسوغ للمسلم –بغير برهان قاطع- أن يأتي بعد هذه البينات إلى بعض آيات من كتاب الله، ليقول عنها: إنها ملغاة بطل مفعولها! بغير برهان من الله، يا للهول من هذا القول!
    ولكن هذا ما حدث، فقد شاع القول بأن في القرآن آيات منسوخة، وأخرى ناسخة، وصنفت في ذلك الكتب، وتوارثه الخلف عن السلف، وأصبحت وكأنها قضية مسلمة، مع أن القضية ليس فيها نص قاطع ولا إجماع متيقّن!
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  4. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    فما أدلة القائلين بالنسخ إذن؟
    الدليل الأول من القرآن:

    أول الأدلة وأبرزها قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير. ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل" (البقرة: 106 - 108)، فهذه الآيات الكريمات هي عمدة القائلين بالنسخ.
    ومعناها عند عامة العلماء أو جمهورهم: ما قاله ابن جرير الطبري في (جامع البيان) ونقله عنه الحافظ ابن كثير: قال: "ما ننسخ من آية.." ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك: أن نحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. قال ابن كثير: وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ، والأمر في ذلك قريب، لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء، ولحظ بعضهم أنه: رفع الحكم بدليل شرعي متأخر[1]. انتهى.
    ومن أدلتهم من القرآن أيضا قوله تعالى: "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" (النحل: 101).
    قالوا: المراد بالتبديل هنا: النسخ.
    إقرار العلماء كافة بوجود النسخ:
    ومن الأدلة على شرعية النسخ أن العلماء من قديم قالوا بمبدأ النسخ، وذهبوا إلى أن في القرآن آيات منسوخة، وإن اختلفوا فيها اختلافا كثيرا، فهذا يقول بنسخ هذه الآية، وآخر أو آخرون يعارضونه. ولكن المحصلة النهائية أنهم جميعا أقروا بقاعدة النسخ.
    وقد ذكر ذلك في كتب التفسير كلها، كما ألفت كتب خاصة في الناسخ والمنسوخ في القرآن: لأبي عبيد، وأبي جعفر النحاس، وابن هبة الله الضرير، وابن العربي، وابن الجوزي، وغيرهم، ممن أحصاهم الدكتور مصطفى زيد -رحمه الله- في كتابه (النسخ في القرآن) وعقد لهم ولمؤلفاتهم فصلين كاملين من الباب الثاني في كتابه من: ص289، إلى: ص395، ومن الفقرات: 394 إلى 550.
    ولكن الذي يتأمل ما جاء عن السلف فيما سموه (نسخا) يجد أن كثيرا منه ليس من النسخ المعروف عند المتأخرين في شيء، والآفة هنا تأتي دائما من إطلاق المصطلحات الحديثة موضع المصطلحات القديمة، مع تغايرهما وتباينهما، فقد كان المتقدمون من العلماء يريدون بالنسخ ما قد يسميه المتأخرون تخصيصا للعام أو تقييدا للمطلق، أو تفسيرا للمجمل، أو غير ذلك، ولا يعنون به (رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر).
    وهذا ما نبه عليه المحققون من أمثال الإمام ابن القيم الحنبلي، والإمام الشاطبي المالكي، وهذا في المغرب، وذاك في المشرق.
    يقول الإمام ابن القيم: "ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ، رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق وغيرها تارة، إما بتخصيص عام أو تقييد مطلق، وحمله على المقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا، لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحدث المتأخر".[2]
    ويقول الإمام أبو إسحاق الشاطبي: "الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا. كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل متأخر نسخا، لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد".[3]
    وجود المنسوخ بالفعل:
    ومن أدلة القائلين بالنسخ: وجود المنسوخ بالفعل، وليس أدل على جواز الأمر من وقوعه بالفعل، فإن الوقوع أقوى من مجرد الجواز، فإن الشيء قد يكون جائزا ولا يقع.
    ودليل الوجود بالفعل أمران:
    الأول: وجود آيات متعارضة في القرآن، ولا يمكن الجمع بينها، ولا تفسير لهذا التعارض في كتاب الله، إلا أن إحداهما ناسخة والأخرى منسوخة. ولذلك أمثلة كثيرة ذكرها العلماء، مثل آية التخيير في الصوم: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون" (البقرة: 184) عارضتها الآية التي تليها: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة: 185)، فالآية الأولى خيرت بين الصيام ودفع الفدية: طعام مسكين، والآية الثانية ألزمت بالصيام "فليصمه".
    وفي البقرة أيضا: آيتا النساء المتوفى عنهن أزواجهن، الآية الأولى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" (البقرة: 234).
    والآية الأخرى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف".
    قالوا: الآية الأولى نسخت الآية الثانية، وإن كانت قبلها في المصحف.
    الثاني: ما ذكرناه من أقوال عدد من مفسري القرآن بوقوع النسخ في أعداد من الآيات وفي عدد من سور القرآن مكيّه ومدنيّه.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  5. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    ردود المنكرين للنسخ في القرآن
    ولمنكري النسخ في القرآن وجهتهم وموقفهم من هذه الأدلة التي استند إليها المدعون للنسخ والمتوسعون فيه، ومن حقهم أن نستمع إليهم، لا سيما بعد إفراط المفرطين في دعاوى النسخ.

    الرد على الاستدلال بآية: "ما ننسخ..."
    أما ما استدل به القائلون بالنسخ ـ وهم جمهور علماء الأمة أو عامتهم ـ من قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير..." البقرة: فإن الذين ينكرون النسخ لهم فيها نظر وتأويل يمكن أن يسمع.
    فمنهم من قال: هذا في النسخ ما بين الشرائع بعضها وبعض، فمن المقرر المعروف أن الأديان السماوية كلها متفقة في أصولها العقدية، ولكنها مختلفة في أحكامها التشريعية، كما قال تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" (المائدة: 48).
    وهذا من الحكمة، لاختلافها بعضها عن بعض زمانا وظروفا وأوضاعا، ولهذا حرمت التوراة بعض ما كان حلالا لأولاد آدم من صلبه، مثل إباحة تزوج الأخ لأخته، نزولا على حكم الضرورة، وإلا لما تناسلت البشرية وما استمر النوع.
    ومثل ما ذكره الله عن المسيح الذي قال لبني إسرائيل: "وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ" (آل عمران: 50).
    فالمقصود بالنسخ في الآية الكريمة هنا نسخ بعض الأحكام التي جاءت بها التوراة أو الإنجيل من قبل، كما قال تعالى في وصف الرسول في التوراة والإنجيل: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (الأعراف: 156).
    فقد ذكر لنا القرآن أن الله تعالى حرم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء: 161)، فجاء الإسلام فرد هذه الطيبات المحرمة إلى أصل الحل.
    وهذه الآية "ما ننسخ من آية أو ننسها" قد جاءت في سورة البقرة تمهد لما شرعه الله تعالى لمحمد وأهل ملته من (نسخ القبلة) وتغييرها من (بيت المقدس) إلى (المسجد الحرام) كما كان يتمنى النبي -صلى الله عليه وسلم، ولذا قال له: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" (البقرة: 144). وقد أحدث يهود المدينة ضجة حول هذا التغيير، أو هذا النسخ للحكم القديم، ورد عليهم القرآن بقوله: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (البقرة: 142).
    فلا غرو أن تأتي هذه الآية في هذه السورة، لتمهد لهذه المعركة التي أشعلها اليهود ضد نسخ القبلة.
    فهذا رأي من آراء العلماء – وأنا معهم: أن المراد بالنسخ النسخ الواقع بين الشرائع السماوية بعضها وبعض. وهذا لا ينبغي أن ينكر، فهو مقبول حكمة وعقلا، ثابت واقعا وفعلا.
    ورُوي عن بعض السلف مثل الضحاك (ما ننسخ من آية): ما نُنسك[4]. كأنه يشير إلى قوله تعالى: "سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ" (الأعلى: 7-8).
    وقال عطاء: أما (ما ننسخ): فما نترك من القرآن، وقال ابن أبي حاتم: يعني: ترك فلم ينزل على محمد -صلى الله عليه وسلم[5]. انتهى.
    يرى الأستاذ الإمام محمد عبده - كما نقل ذلك صاحب تفسير المنار - رأيا آخر في آية النسخ. فإنه فسر كلمة (آية) في قوله: (ما ننسخ من آية) بأن المراد بها الآية الكونية، مثل الآيات التي أيد الله بها رسله قبل محمد -عليه الصلاة والسلام. وأيد ذلك بأن الآية ختمت بقوله تعالى: "ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" وهذا التذييل يناسب الآيات الكونية، وإلا لكان الأنسب أن يقال مثلا: ألم تعلم أن الله عزيز حكيم. وكذلك قوله بعدها: "أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل" وقد سألوه آيات كونية، مثل: أرنا الله جهرة، ونحو ذلك، فهذا التعقيب أقرب إلى الآيات الكونية من الآيات التنزيلية والتشريعية.[6]
    وبهذا نرى أن الدلالة في الآية ليست دلالة قاطعة على مشروعية النسخ في القرآن.
    فلو كانت قاطعة ما وجدنا من العلماء القدامى من ينكر النسخ بالكلية مثل أبي مسلم الأصفهاني؟ وما وجدنا حديثا: من ينكر النسخ كذلك.
    ولا أريد أن أخوض في ذلك أو أطيل، فهذا ليس موضوعنا، وإنما اضطررنا للخوض فيه من أجل توسع من توسع في القول بالنسخ بآية السيف.
    إنما يكفينا هنا: أن نقول: إن الآية التي هي عمدة القائلين بالنسخ ليست قاطعة الدلالة على قولهم، مع أن قولهم بإنهاء حكم آية أو أكثر من كتاب الله من الخطورة ومن الأهمية، بحيث يحتاج إلى دليل قطعي يسنده، وإلا فإن الأصل أن آيات كتاب الله محكمة ملزمة، عامة دائمة ثابتة إلى يوم القيامة.
    آية سورة النحل:
    وأما الآية الأخرى من سورة النحل التي استدل بها القائلون بالنسخ، وهي قوله تعالى: "وإذا بدّلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" (النحل:101).
    قالوا: المراد بالتبديل هنا النسخ.
    ولكن المنكرين يقولون: إن هذه الآية من سورة النحل مكية بالإجماع، وفي العهد المكي لم يحدث أي نسخ في القرآن الكريم.
    وما قيل في تأويل آية البقرة، يسهل أن يقال هنا، بل ربما كان أكثر قبولا.
    2 ـ ليس في السنة دليل على النسخ في القرآن:
    ثم إن من قرأ كتب الحديث الستة المعروفة، أو التسعة –بإضافة الموطأ ومسند أحمد والدارمي- أو الأربعة عشر، بإضافة مسندي أبي يعلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة – أو السبعة عشر- بإضافة صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم – وأكثر منها: لم يجد فيها حديثا ثابتا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: إن الآية الفلانية في سورة كذا منسوخة وقد بطل حكمها، أو يقول: إن هذه الآية من سورة كذا قد أبطلت حكم آية كذا من سورة كذا.
    فقد تلقى كُتَّاب الوحي وحفاظ القرآن وعامة الصحابة القرآن من فم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أمره ربه أن يبلغه "...بلغ ما أنزل إليك من ربك..." ولم يسمعوا من رسول الله شيئا من ذلك.
    كما أن الله تعالى كلفه ببيان القرآن المنزل عليه، كما قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" (النحل: 44)، ولم يكن في بيانه للقرآن طوال ثلاثة وعشرين عاما ما يفيد أن آية نسخت آية أخرى، مع أهمية هذا البيان وضرورته، وحاجة المسلمين الماسة إليه، وقد قرر العلماء أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لما فيه من إضلال الناس عن الحقيقة.
    3 ـ لا إجماع على النسخ
    وكما أنه لا يوجد دليل قاطع من القرآن على شرعية النسخ، ولا دليل قاطع ولا غير قاطع من الحديث النبوي، فكذلك لا يوجد إجماع من الأمة ـ التي لا تجتمع على ضلالة ـ على جواز النسخ ووقوعه في القرآن.
    وقد عرفنا من المخالفين للنسخ في القرآن أبا مسلم الأصفهاني، الذي يذكر الإمام فخر الدين الرازي في (تفسيره الكبير) أقواله المعارضة للنسخ في الآيات التي اشتهر فيها القول بالنسخ، كما يذكر دليله على عدم قبول النسخ. ويبدو لمن يتأمل كلام الرازي ونقله عن أبي مسلم، وعدم رده على قوله، يبدو وكأنه يؤيده بوجه من الوجوه، وفي بعض الأحيان قال: رأى أبي مسلم -إن لم يسبقه إجماع- فهو قول صحيح حسن[7]. وإن كلام أبي مسلم في تأويل بعض الآيات المدّعى نسخها لا يخلو من تكلف واعتساف.
    وقد ذكر الإمام الزركشي في البرهان أن هناك من العلماء من نفى النسخ في القرآن، أو نفى النسخ بالكلية في الشريعة، فقد تكلم عن معنى النسخ ثم قال:
    اختلف العلماء فقيل: المنسوخ ما رفع تلاوةً تنزيلُه، كما رفع العمل به، (يريد: أن ما بقي لفظُه متلوًا في القرآن لا ينسخ). ورد بما نسخ من التوراة والإنجيل بالقرآن، وهما متلوان.[8]
    وقيل: لا يقع النسخ في قرآن يتلى وينزل. قال: ويفرّ هؤلاء من القول بأن الله ينسخ شيئا بعد نزوله والعمل به.
    قال: والصحيح جواز النسخ ووقوعه سمعا وعقلا.[9] انتهى.
    ومما يؤيد نفي الإجماع أنه لا توجد آية قيل بنسخها، إلا وجدنا من يخالف فيها من المفسرين المتقدمين.
    ومعنى هذا أنه لا توجد آية في كتاب الله قد اتفق جميع العلماء على أنها منسوخة.
    والأصل في آيات القرآن أن الله عز وجل إنما أنزلها ليُعمل بها، ويُهتَدى بهداها، لا ليبطل حكمها بآية أخرى. وإنه جعل هذا الكتاب متشابها يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، ويتكامل بعضه مع بعض، كما قال تعالى: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا" (النساء: 82)
    يقول الإمام أبو محمد ابن حزم في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام):
    لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين؛ لأن الله عز وجل يقول: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ" (النساء: 64) وقال تعالى: "اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ.." (الأعراف: 3) فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه ـ ففرضٌ اتّباعه، فمن قال في شيء من ذلك: إنه منسوخ، فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتّباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة وخلاف مكشوف، إلا أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفترٍ مبطل، ومن استجاز خلاف ما قلنا ـ فقوله يئول إلى إبطال الشريعة كلها؛ لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى وحديث آخر، فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة، وهذا خروج عن الإسلام، وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون، ولا يجوز لنا أن نسقط طاعة أمر أمرنا به الله تعالى ورسوله، إلا بيقين نسخ لا شك فيه..). [10]
    وبعد الإمام ابن حزم، نجد الإمام أبا إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي يؤكد ما قاله ابن حزم برغم تفاوت ما بينهما في الاتجاه، فابن حزم (ظاهري) والشاطبي ( مقاصدي). يقول الشاطبي في (موافقاته):
    إن الأحكام إذا ثبتت على المكلف فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق؛ لأن ثبوتها على المكلف أولا محقق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلوم محقق. ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبرَ المتواتر؛ لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون. فاقتضى هذا أن ما كان من الأحكام المكية يدعى نسخه فلا ينبغي قبول تلك الدعوى فيه إلا مع قاطع بالنسخ، بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين، ولا دعوى الإحكام فيهما. وهكذا يقال في سائر الأحكام، مكية كانت أو مدنية...).
    وبعد أن يقرر أن غالب ما ادعي فيه النسخ إذا تؤمل وجد متنازعا فيه، ومحتملا، وقريبا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه من كون الثاني تفصيلا لمجمل أو تخصيصا لعموم... إلخ، وبعد أن يذكر أن ابن العربي قد أسقط من الناسخ والمنسوخ كثيرا بهذه الطريقة ـ نراه ينقل عن الطبري حكاية الإجماع عن أهل العلم على أن زكاة الفطر فرضت، ثم اختلافهم في نسخها، ليقول عقب هذا: قال النحاس: فلما ثبتت بالإجماع، وبالأحاديث الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجز أن تزال إلا بالإجماع، أو حديث يزيلها ويبين نسخها. ولم يأت من ذلك شيء[11]. هذا فيما ثبت بالسنة فيكف بما ثبت بصريح القرآن؟
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  6. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    التضييق في دعاوى النسخ
    على أن الذي يهمنا هنا أن نقرره ونبينه ونثبته، هو التضييق الشديد في دعاوى النسخ في كتاب الله، فإن الله تعالى لم ينزل كتابه إلا ليهتدى بهداه، ويعمل بأحكامه، وكل دعوى لنسخ آية أو بعض آية منه فهي على خلاف الأصل، وما جاء على خلاف الأصل لا يقبل إلا ببرهان يقطع الشك باليقين.

    ولو طبقنا ما وضعه علماء أصول الدين وعلماء أصول الفقه وعلماء أصول التفسير وعلماء أصول الحديث من ضوابط وشروط، فإننا لا نكاد نجد آية في القرآن الكريم مقطوعا بنسخها، وما لم يقطع بنسخه فيجب أن يبقى حكمه ثابتا ملزما كما أنزل الله تعالى، ولا ننسخه ونبطل حكمه بمحض الظن، فإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
    من شروط قبول النسخ
    ومن شروط قبول النسخ عند من سلم به: أن يكون هناك تعارض حقيقي بين النص الناسخ، والنص المنسوخ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما بحال من الأحوال، أما إذا أمكن الجمع ولو في حال من الأحوال، فلا يثبت النسخ؛ لأنه خلاف الأصل.
    ولهذا رأينا شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان) يرفض كثيرًا من دعاوى النسخ المروية عن بعض المفسرين إذا لم يجد تنافيا كاملا بين الناسخ والمنسوخ.
    انظر قوله فيما رُوي عن قتادة في الآية الكريمة من سورة الأنفال: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" (الآية:61)، فقد ذهب قتادة إلى أن هذه الآية كانت قبل نزول سورة (براءة)، فلما نزلت نسخت ذلك، بمثل قوله تعالى: "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وقوله: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" فأمرت بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: لا إله إلا الله.
    وورد عن عكرمة والحسن البصري ما يوافق قول قتادة، وإن جعلا الآية الناسخة من براءة: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
    قال الطبري رحمه الله يرد هذه الدعوى:
    "فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله -من أن هذه الآية منسوخة- فقول لا دلالة عليه من كتاب، ولا سنة، ولا فطرة عقل، وقد دللنا – في غير موضع من كتابنا هذا وغيره – على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه، فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائن ناسخا"[12].
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  7. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    كيف يعرف النسخ؟
    نقل السيوطي في إتقانه عن العلامة ابن الحصار قوله: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت آية كذا".

    قال: "وقد نحكم به عند التعارض المقطوع به، مع علم التاريخ، لنعرف المتقدم والمتأخر".
    قال: "ولا يعتمد في النسخ قول عوامّ المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح، ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. والمعتمد فيه: النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد".
    قال: "والناس في هذا بين طرفَيّ نقيض، فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول، ومن تساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما"، انتهى.[13]
    وأود أن أقول هنا: إني لا أعرف نقلا صريحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آية كذا نسخت آية كذا. ومن عرف ذلك فليدلني عليه.
    وأما قول الصحابي: آية كذا نسخت آية كذا، فلا بد لقبوله من ثلاثة شروط:
    الأول: أن يصح سنده عن الصحابي.
    الثاني: ألا يكون قاله باجتهاد منه، ظنًا منه أن الآية معارضة للآية الأخرى، وقد لا يسلم له بذلك، فهو يكون رأيا منه يعارض برأي غيره.
    الثالث: ألا تكون كلمة النسخ جارية على مفهوم المتقدمين، وهو ما يشمل: تخصيص العام، وتقيد المطلق، وتفصيل المجمل، والاستثناء والغاية وغيرها.
    ويندر وربما يتعذر أن توجد لدينا آية تتحقق فيها هذه الشروط.
    ومن المهم هنا أن ننتبه إلى أهمية الشرط الثالث هنا، فكثير من المتقدمين يقولون: آية كذا نسخت آية كذا، ولا يقصد بذلك ما يقصده المتأخرون بكلمة النسخ، فلم يكن هذا الاصطلاح قد استقر عندهم، كما استقر عند من بعدهم، وهو: رفع حكم شرعي بدليل متأخر، وهذا ما نص عليه المحققون من أمثال ابن القيم والشاطبي رحمهما الله. وقد سبق نقل قولهما.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  8. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    بحث في تعيين آية السيف:
    قلنا: إن المفسرين، ومعهم الفقهاء: اختلفوا في تحديد (آية السيف) التي زعموا أنها نسخت ما نسخت من الآيات. وقد ذكروا آيات أربعا كلها من سورة التوبة. قيل عن كل منها: إنها آية السيف.

    آية (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم):
    ولعل أشهر الأقوال، هو: أن آية السيف هي قوله تعالى: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم" (التوبة: 5).
    وهي – كما هو واضح – تأمر بقتل المشركين حيث وجدوا، وبأسر من لم يقتل منهم، وبحصارهم وتضييق الخناق عليهم. لكن: من هم المشركون المقصودون في الآية؟ ومتى يقتلون؟
    إن الآيات التي قبل هذه الآية تقول:
    بَرَاءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (التوبة:1-4).
    وانظر: كيف احترم عهد هؤلاء المشركين، الذين عاهدهم الرسول والمسلمون، فوفّوا بعهدهم معهم، ولم ينقصوهم شيئا، مما فرضته المعاهدة ولم يظاهروا عليهم عدوا، فأمر الله تعالى أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم، فهذا من التقوى التي يحبها الله ويحب أهلها.
    وبعد ما سموه آية السيف مباشرة نجد آية تقول:
    " وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ" (التوبة: 6).
    فهي تأمر بإجارة المستجير المشرك، وإتاحة الفرصة له حتى يسمع كلام الله، كما تأمر بأن يبلغ الموضع الذي يأمن فيه
    (هنا ملحق ص: 138 من الطبري)
    ثم تليها آيات أخر تعلل للأمر بقتلهم، وأنه لم يأت من فراغ ولا تعنت ولا اعتداء، فهم يصدون عن سبيل الله ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة، ثم كيف نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وطعنوا في دين الله، وهموا بإخراج الرسول، وبدءوا المؤمنين بالقتال أول مرة!!
    يقول الأستاذ الدكتور مصطفى زيد في كتابه القيم عن (النسخ في القرآن):
    فالمشركون الذين تتحدث عنهم آية السيف، هم إذن فريق خاص من المشركين: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم عهد، فنقضوه، وظاهروا عليه أعداءه. وقد برئ الله ورسوله منهم، وآذنهم بالحرب إن لم يتوبوا عن كفرهم، ويؤمنون بالله ربا واحدا، وبمحمد نبيا ورسولا.
    وهؤلاء المشركون أعداء الإسلام ونبيه ليسوا هم كل المشركين، بدليل قوله جل ثناؤه قبل آية السيف: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، وبدليل الأخبار التي تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه حين بعث عليا رحمة الله عليه ببراءة إلى أهل العهود بينه وبينهم – أمره فيما أمره أن ينادي به فيهم: "ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد- فعهده إلى مدته"، ثم بدليل قوله تعالى بعد آية السيف (7): "كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة:7).
    وإنما هم قوم من المشركين، كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم عهد إلى أجل، فنقضوه قبل أن تنتهي مدته...، وقوم آخرون كان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهد غير محدود الأجل. فهؤلاء وأولئك هم الذين أعلن الله عز وجل براءته هو ورسوله منهم، وأمهلهم أربعة أشهر من يوم الحج الأكبر (والمراد به يوم عيد النحر، وهو اليوم الذي نبذ إليهم فيه العهد على سواء)؛ ليسيحوا في الأرض خلالها حيث شاءوا، ثم ليحددوا فيها موقفهم من الدعوة إلى الإيمان بالله ربا واحدا: فإما تابوا فكان في استجابتهم لداعي الله خيرهم، وإلا فهي الحرب، وما تستتبعه من قتل وأسر وحصار وترقب[14]!
    وإن الله جل ثناؤه ليبين لهم سبب حكمه هذا عليهم، في آيات تلي آية السيف..
    أليسوا هم أئمة الكفر، يطعنون في دين الله، ويصدون الناس عن سبيله؟! ينقضون عهدهم مع رسول الله، ويظاهرون عليه أعداءه؟! ينافقون الرسول والمؤمنين، فيرضونهم بأفواههم، وتأبى قلوبهم أن تعتقد ما يقولون؟! ينكثون أيمانهم، فيهمون بإخراج الرسول، ويبدءون المؤمنين بالقتال في بدر؟! يتربصون بالمؤمنين، ويترقبون فرصة للانقضاض عليهم، دون رعاية لعهد ولا ذمة؟!
    بلى، فليقاتلهم المؤمنون إذن؛ ليعذبهم الله بأيدي من يريدون هم أن يعذبوهم، وليخزيهم ويذلهم، ولينصر المؤمنين عليهم، فيشفى صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم!.. ثم ليتوب على من أراد له التوبة والسعادة في الدنيا والآخرة[15].
    ليست الغاية إذن من قتالهم هي إكراههم على الدخول في الإسلام بقوة السلاح، وما كانت (الغاية) قط هذا الإكراه...
    ولا أدل على هذا من قول الله عز وجل لنبيه، في الآية التي تلي آية السيف دون فاصل: " وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ " (التوبة:6)؛ فإن في هذه الآية أمرًا من الله عز وجل لرسوله بأن يجير من يستجير به من المشركين، ثم يدعوه إلى الإيمان بالله، ويبين له ما في هذا الإيمان من خير له، فإن هو ـ بعد هذا ـ أصر على ضلاله، واستمرأ البقاء على كفره بالله، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغه المكان الذي يأمن فيه، فعلى الرسول أن يجيبه إلى طلبه، وأن يؤمنه حتى يصل إلى ذلك المكان.
    هذا إلى تلك الآية التي تنفي جنس الإكراه في الدين نفيا صريحا قاطعا، وتعلل لهذا النفي حيث تقول: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) (البقرة: 256)، والآية الأخرى التي تستبعد أن يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم إكراه الناس على الإيمان، حتى لتحكم باستحالة هذا الإكراه إذا تقول: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس: 99).
    وإنما شرع القتال في الإسلام لتأمين الدعاة إليه، ولضمان الحرية التي تكفل لهم إبلاغ دعوته، ودرء الشبه عن عقيدته، بالمنطق السليم، والحجة المقنعة.
    ومن أجل هذا خص أئمة الكفر بالأمر بقتالهم؛ لأنهم يحولون بالقوة بين الدعاة والشعوب التي يجب أن تدعى. ومن أجله علل الأمر بالقتال –ضمن ما علل به – بصد المشركين للناس عن سبيل الله، وقتالهم المؤمنين به. ومن أجله كذلك كان السبب في نبذ عهد فريق من المشركين إليهم أنهم نقضوه، فأعلنوا الحرب على الدعوة، وظاهروا أعداءها عليها!..
    فإذا ما هيئت للدعاة وسائل الدعوة في أمن وحرية – فلا حرب ولا قتال؛ لأن دين الله حينئذ سيهدي بنوره كل ضال، ولأن بطلان الشرك بالله سيتضح يومئذ لكل مشرك، فلن يصر عليه إلا جاحد معاند مكابر في الحق، وهؤلاء قلة لا يؤبه لها، ولا بد منها في كل مجتمع؛ لتتحقق كلمة الله جل ثناؤه: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" (يونس:99)!.[16]انتهى.
    ومما يذكر هنا: أن هناك من مفسري السلف من قال: أن آية السيف هذه منسوخة: نسختها آية أخرى في سورة محمد، وهي قوله تعالى: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها" (محمد: 4).
    روى أبو جعفر النحاس هذا عن الحسن، وعن عطاء، وعن الضحاك، والسدي، فهم لا يجيزون قتل الأسير، لقوله تعالى: (فإما منا بعد وإما فداء).
    وروى نحو ذلك ابن جرير الطبري.
    وروى الطبري عن الضحاك والسدي عكس ذلك، كما روى عن قتادة ومجاهد، بل ورد عن ابن عباس أيضًا: أن آية (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) نسخت آية : (فإما منا بعد وإما فداء).
    وهناك قول ثالث روي عن ابن زيد: أن الآيتين جميعا محكمتان، وهو ما اختاره الطبري، حيث رد دعوى النسخ، لإمكان الجمع بين الآيتين، ولا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بينهما بوجه من الوجوه.
    وكذلك قال النحاس في قول ابن زيد: وهو صحيح جيد بيّن، لأن إحدى الآيتين لا تنفي الأخرى.[17]
    وهو ما أيده الإمام ابن عطية في تفسيره، معلقًا على قول ابن زيد: إن الآيتين محكمتان، قال: وقوله هو الصواب. والآيتان لا يشبه معنى واحدة معنى الأخرى.
    ذلك بأن هذه الآية (فاقتلوا المشركين... وخذوهم واحصروهم): أفعال، إنما تتمثل مع المحارب المرسل المناضل، وليس للأسير فيها ذكر ولا حكم، وإذا أخذ الكافر (أسر) خرج عن درجات هذه الآية، وانتقل إلى حكم الآية الأخرى، وتلك الآية لا مدخل فيها لغير الأسير، فقول ابن زيد هو الصواب[18]. انتهى.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  9. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    2 ـ آية (وقاتلوا المشركين كافة):
    ومن الآيات التي قيل عنها: إنها آية السيف: قوله تعالى في سورة التوبة أيضًا: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة، واعلموا أن الله مع المتقين" (التوبة: 36).

    وهي جزء من آية كريمة جاءت في سياق تعظيم الأشهر الحرم، التي لها حرمة خاصة، ينبغي أن تعظم، ويقدر قدرها، ومن ذلك: تحريم القتال فيها، فإنه من ظلم النفس الذي حرمه الله فيها. يقول تعالى: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (التوبة:36).
    فهذه الآية التي يزعمون أنها آية (قطع الرقاب) أو (آية السيف) تأتي في سياق تحريم القتال في الأشهر الحرم، أي فرض هدنة إجبارية على المسلمين إذا كتب عليهم القتال وهو كره لهم: أن يغمدوا السيوف، ويكفوا عن القتال أربعة أشهر في العام: ثلاثة سرد، أي متتابعة، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحد فرد، أي منفرد وحده، وهو: رجب. أي يفرض عليهم ثلث العام هدنة للمسلم.
    ثم يقول تعالى في الآية: "وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" (التوبة:36)، فهي من باب المعاملة بالمثل، ومن عامل خصمه بمثل ما يعامله فما ظلمه.
    وقد فسر الإمام الطبري الآية فقال: يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله –أيها المؤمنون– جميعا غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعا، مجتمعين غير مفترقين، ونقل عن ابن عباس وقتادة والسدي ما يسند ذلك[19].
    وواضح من هذا التفسير لشيخ المفسرين: أنه اعتبر كلمة (كافة) حالا من الفاعل، أي من واو الجماعة في قوله تعالى: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة). وهذا واضح من تفسيره، ومعناه: تجمعوا على قتال المشركين أيها المسلمون، كما يتجمع المشركون على قتالكم.
    فهل تحمل هذه الآية بهذا المعنى أي دلالة من الدلالات التي يفهم منها قتال الناس كافة، من حاربنا منهم، ومن كف عنا وألقى إلينا السلم؟
    وهناك احتمال آخر في الآية لم يذكره الطبري، وهو أن تكون (كافة) حالا من المفعول به[20] في الآية، وهو (المشركين) وضمير المفعول به في قوله: (يقاتلونكم) ويكون المعنى على ذلك: قاتلوا جميع المشركين كما يقاتلون جميع المسلمين. وحتى هذا ينبغي ألا يكون مثار كلام، لأنه معاملة بالمثل.
    والعجيب أن نجد من العلماء من قال: إن هذه الآية – التي نسخت ما نسخت- منسوخة! ذكر ذلك ابن عطية – ونقله عنه القرطبي – عن بعض العلماء قال: كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان، ثم نسخ ذلك، وجعل فرض كفاية.
    قال ابن عطية: وهذا الذي قالوه لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ألزم الأمة جميعا النفر. وإنما معنى هذه الآية: الحض على قتالهم، والتحزب عليهم، وجمع الكلمة ثم قيدها بقوله: (كما يقاتلونكم كافة) فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا، يكون فرض اجتماعنا لهم.[
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]
     
  10. الصورة الرمزية Albayaan

    Albayaan تقول:

    افتراضي رد: الجدل حول آية السيف: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة!!!

    آية (انفروا خفافا وثقالا):
    ومن الآيات التي ذهب بعض المفسرين قديما إلى أنها آية السيف: قوله تعالى في سورة التوبة: "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله".

    قالوا: هذه الآية لم تدع لأحد عذرا: أيا كان تفسير: (خفافا وثقالا) فقد وردت عدة تفسيرات لها: شبابا وشيوخا، عزابا ومتزوجين، ركبانا ومشاة، نشاطا وغير نشاط، أغنياء وفقراء.
    والآية تحتمل هذه المعاني كلها، فكل منها، يحمل معنى الخفة والثقل بوجه من الوجوه.
    فقد فهم بعض الصحابة من هذه الآية: أن الجهاد فرض عين في كل حال، ولا يجوز للمسلم أن يتركه، ما دام قادرًا عليه، وإن بلغ من الكبر عتيا.
    روي ذلك عن أبي طلحة الأنصاري، وأبي أيوب الأنصاري، والمقداد بن الأسود[22]. كما روى عن سعيد بن المسيب.
    قال البغوي: قال الزهري: خرج سعيد بن المسيب رحمه الله إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضرر! فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب، كثرت السواد وحفظت المتاع!
    وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده بسند صحيح عن أنس: أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية، فقال: ألا أرى ربي يستنفرني، شابا وشيخا؟ جهزوني! فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فما تغير![23]
    وقد ذكر الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره: أن هذه الآية: "انفروا خفافا وثقالا.." خوطب بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه، بحيث لا يتخلفون عنه، قال رحمه الله: إن الله جل ثناؤه: أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد وفي سبيله خفافا وثقالا، مع رسوله صلى الله عليه وسلم، على كل حال من أحوال الخفة والثقل[24]. فهو يرى الآية خطابا خاصا لأصحاب النبي في حياته.
    والمراد بالخفة – كما يقول الإمام البقاعي: كل ما تكون سببا لسهولة الجهاد والنشاط إليه. (أي مثل الشباب والعزوبة والغنى والركوب والنشاط ونحوها) وبالثقل: كل ما يحمل على الإبطاء عنه (أي مثل الشيخوخة والزواج والفقر وعدم الركوبة والكسل ونحوها).
    وقال أبو حيان: والخفة والثقل هنا: مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة، ومن يمكنه بصعوبة. وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه، فخارج عن هذا[25]. انتهى.
    وهذا يطابق الآية الكريمة في نفس السورة: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه" (التوبة: 120).
    وكأنّ الإمام الطبري لا يقر ـ بتأويله الذي ذكرناه ـ ما ذهب إليه الصحابة الكرام الذين استنبطوا من الآية وجوب الجهاد عليهم بصفة دائمة، حتى بعد رسول الله، وحتى بعد كبر السن وثقل الجسم.
    والواضح أن من تدبر الآية الكريمة، وقرأ سباقها وسياقها، تبين له بجلاء: أن هذه الآية جاءت في سياق من استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد، فلا يجوز أن يتقاعسوا عن الاستجابة له، ويثاقلوا إلى الأرض، ومثله إذا استنفرهم كل ولي للأمر بعده، كما قال عليه الصلاة والسلام: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، إذا استنفرتم فانفروا".[26]
    ولهذا ذكر الحافظ بن حجر في (الفتح) ردا على من استدل بآية (انفروا خفافا وثقالا) على أن الجهاد فرض عين على كل حال: أن الأمر في هذه الآية مقيد بما قبلها، لأن الله تعالى عاتب المؤمنين الذين يتأخرون، بعد الأمر بالنفير، ثم قال: (انفروا خفافا وثقالا)[27].
    كأن القرآن يقول: إذا قيل لكم: انفروا في سبيل الله، فانفروا خفافا وثقالا، ولا تثاقلوا عن النفير، وإلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم، فالأمر بالنفير هنا مبني على الاستنفار قبله.
    وقد رد العلامة ابن قدامة على من احتجوا بآية (انفروا خفافا وثقالا) على أن الجهاد فرض عين: بقوله تعالى: "فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء:95)، وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم، كما استدل بقوله تعالى: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة، ولولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا" (التوبة: 122)، ولأن الرسول كان يبعث السرايا: ويقيم هو وسائر أصحابه. قال: ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي إلى غزوة تبوك، وكانت إجابته واجبة عليهم، ولهذا هجر النبي كعب بن مالك وأصحابه الذين خلفوا، حتى تاب الله عليهم[28]. انتهى.
    [align=center]اذا لم تكن كاتبا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك
    اخوكم في الله
    البيــــــــــــــــــان [/align]