السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


كثيرا ما نردد هذه الآية { وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }


فيا ترى ما معناها ؟؟


قال تعالى : { وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أَيْ مُطِيقِينَ , تَقُولُ : قَرَنْت كَذَا وَكَذَا إذَا رَبَطْته بِهِ , وَجَعَلْته قَرِينَهُ , وَأَقْرَنْت كَذَا بِكَذَا إذَا أَطَقْته وَحَكَمْته , كَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي قَرَنٍ وَهُوَ الْحَبْلُ , فَأَوْثَقَهُ بِهِ , وَشَدَّهُ فِيهِ ; فَعَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا نَقُولُ إذَا رَكِبْنَا الدَّوَابَّ , وَعَلَّمَنَا اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى عَلَى لِسَانِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا نَقُولُ إذَا رَكِبْنَا السُّفُنَ , وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } . [ ص: 85 ]


وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا رَكِبَ قَعُودًا لَهُ وَقَالَ : إنِّي لَمُقْرِنٌ لَهُ , فَرَكَضَتْ بِهِ الْقَعُودُ حَتَّى صَرَعَتْهُ , فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ . وَمَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَدَعَ قَوْلَ هَذَا , وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ , وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ بِالْقَلْبِ , أَمَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ فَيَقُولُ مَتَى رَكِبَ وَخَاصَّةً بِاللِّسَانِ إذَا تَذَكَّرَ فِي السَّفَرِ : { سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } { اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ , وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ , اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ , وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ , وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ , وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ } يَعْنِي بِالْحَوْرِ وَالْكَوْرِ تَشَتُّتَ أَمْرِ الرَّجُلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِ .


وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : رَكِبْت مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ إلَى أَرْضٍ لَهُ نَحْوُ حَائِطٍ يُقَالُ لَهَا مَدْرَكَةٌ , فَرَكِبَ عَلَى جَمَلٍ صَعْبٍ , فَقُلْت لَهُ : أَبَا جَعْفَرٍ , أَمَا تَخَافُ أَنْ يَصْرَعَك . فَقَالَ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : عَلَى سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ , فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمْ , ثُمَّ امْتَهِنُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ , فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللَّهُ } .


وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ : { شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَكِبَ دَابَّةً يَوْمًا , فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ , فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ . ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ , وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا , اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي , فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ , ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْت لَهُ : مَا أَضْحَكَك ؟ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْت , وَقَالَ كَمَا قُلْت , ثُمَّ ضَحِكَ , فَقُلْت لَهُ : مَا يُضْحِكُك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِعَبْدٍ أَوْ قَالَ : عَجَبًا لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي , فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ , يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُهُ } .


منقول من كتاب " أحكام القرآن لابن العربي " ..
لمحمد بن عبد الله الأندلسي ( ابن العربي ) رحمه الله ..