الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    بيان سعة رحمة الله , وأنه يغفر للعبد مارتكب من الذنوب إذا تاب توبة نصوحا
    الخطبة الأولى
    الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إلا الله القائل ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))آل عمران135
    وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد عبده ورسوله القائل : (أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة(
    عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

    ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
    أما بعد:
    فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. حديثي اليكم في هذه الجمعة عن بيان سعة رحمة الله , وأنه يغفر للعبد مارتكب من الذنوب إذا تاب توبة نصوحا

    ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول صلى الله عليه وسلم يقول (( إن عبداً أصاب ذنباً فقال : يارب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي . فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له , ثم مكث ماشاء الله , ثم أصاب ذنباً آخر , وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر فقال: يارب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي : قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له , ثم مكث ماشاء الله , ثم أصاب ذنباً آخر , وربما قال ثم أذنب ذنباً آخر , فقال: يارب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي : قال ربه : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال غفرت لعبدي فليعمل مايشاء)) رواه البخاري ومسلم.
    تباركت وتعاليت ياغفار الذنوب , وستار العيوب , فأنت الذي تقبل التوبة عن عبادك , وتعفو عن السيئات , ولاتنفعك طاعة المتعبدين , ولاتضرك معصية من أسر القول ومن جهر به , ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار , ولكنها الأعمال تحصيها لعبادك , ثم توفيها إياهم , فمن وجد خيراً فليحمد الله , ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
    سبحانك جل شأنك تبسط يدك بالليل ليتوب مسيء النهار وتبسط يدك بالنهار ليتوب مسيء الليل وتقول ولك الحمد ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور31 .
    وفي الحديث القدسي : (( يابن آدم إنك مادعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي . يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك . يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة )) . وترغب العصاة في التوبة والإقبال عليك , وبأنك تبدل سيئاتهم حسنات إذا تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات وكان الله غفوراً رحيما.
    فبشرى لكم أيها المؤمنون , تحسنون فتثابون , وتسيئون فتستغفرون ويغفر الله لكم , قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * اُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }آل عمران136-135.
    وقد جعل الله التوبة مقبولة من عباده وإن عظمت سيئاتهم , وارتكبوا كبائر الآثام والفواحش , ولامعصية بعد الكفر مالم تطلع الشمس من مغربها , أو تبلغ الروح الحلقوم , قال تعالى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ }الأنفال 38 .
    وفي الحديث القدسي (( أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه حيث يذكرني , والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة .
    ومن تقرب إلي شبراً , تقربت إليه ذراعاً . ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً . وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه هروله )) رواه مسلم .
    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر )) , لكن التوبة لها شروطاً لابد منها , والتائب ليس من استغفر الله بلسانه , واستمر في ذنوبه وعصيانه , غير نادم ولا مقلع , ولاعازم على الترك .
    وأهم تلك الشروط : رد المظالم إلى أهلها , والندم على ما فات من المعاصي والذنوب , والعزيمة على عدم العودة إلى المعاصي .
    فيا تاركأ ما أوجبه الله , ويا فاعلاً ما حرمه الله , تب إلى الله قبل أن يأتيك الموت فتندم ولات ساعة مندم , قال تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }النساء.
    والله جل ذكره يدعوا عباده إلى رحمته , ويفتح لهم أبواب مغفرته, ويعدهم بما يرضيهم فيقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8

    من قصص التائبين:
    1-توبة امرأة بارعة الجمال أرادت أن تفتن الربيع بن خثيم .
    أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم لعلها تفتنه ، وجعلوا لها ، إن فعلت ذلك ، ألف درهم ، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها ، فأقبلت عليه وهي سافرة ، فقال لها الربيع كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها ، فو الله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم تاتت كأنها جذع محترق . أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتوب علينا توبة نصوحاً , وأن يغفر لنا ذنوبنا, إنه جواد كريم , اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

    الخطبة الثانية
    الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه..
    روي أن رجلاً جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له : يا أبا إسحاق إني مسرف على نفس ، فأعرض على ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً لقلبي قال : إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة قال : هات يا أبا إسحاق !
    قال : أما الأولى : فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه ، قال : فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه ؟ قال : يا هذا ! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه ؟
    قال : لا هات الثانية .
    قال : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده قال الرجل : هذه أعظم من الأولى ! يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين اسكن ؟ قال : يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه ؟ قال لا ، هات الثالثة .
    قال : إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه قال : يا إبراهيم ! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر ؟ قال يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتصعيه وهو يراك ويرى ما تجاهر به ؟ قال : لا هات الرابعة .
    قال : إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فق له : أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً واعمل لله عملاً صالحاً قال : لا يقبل مني ! قال يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير ، فكيف ترجو وجه الخلاص ؟ قالت : هات الخامسة :قال : إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم قال : لا يدعونني ولا يقبلون مني قال : فكيف ترجو النجاة إذا ؟ قال له : يا إبراهيم حسبي حسبي أنا استغفر الله واتوب إليه ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما . فلا اله الا الله كم عصينا الله وبنعم الله وفي ارض الله وفي ملك الله وتحت نظر الله ولكن ابشركم بأن الله رحيم وكريم ويقبل التوبة عن عباده بل ويبدلها لمن تاب حسنات فاقبلوا على الله في كل حين وداموا على الاستغفار فمن لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرحا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب
    وأسأل الله ان يجعل لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وان يرزكم من حيث لا تحتسبون وجميع المسلمين والمسلمات
    عباد الله صلوا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
    ( لا تنسون الدعاء بأن يغيث الله البلاد والعباد)
     
  2. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة عن الدنيا وقدرها
    الخطبة الأولى

    الحمد لله السميع البصير، اللطيف الخبير، أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحلمًا، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي القدير، القويّ المتين، الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يريد، الحليم الشكور، العزيز الغفور، قائم على كل نفس بما كسبت، يحصي على العباد أعمالهم، ثم يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمدُه سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، الصادق الوعد الأمين، صاحبُ النهج الراشِد والقول السديد اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    عباد الله اوصيكم ونفسي المذنبة المقصرة بتقوى الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران(102)
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء1)

    ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب(70 – 71)
    واعلموا أنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن بالتقوى كل حبل يقوى، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. حديثي اليكم في هذه الجمعة عن بيان قدر الدنيا

    أما بعد:
    فإن الله تبارك وتعالى ضرب للدنيا مثلاً كرره في أربعة مواضع من كتابه العزيز: في الآية الرابعة والعشرين من سورة يونس، وفي الآية الخامسة والأربعين من سورة الكهف، والآية الحادية والعشرين من سورة الزمر، والآية العشرين من سورة الحديد، كلها تحكي معنىً واحداً تدور حوله وتشتمل عليه، تمثل الدنيا بمثال لا يكاد يتغير في الآيات.
    وأختار من هذه المواضع الموضع الذي في سورة الكهف لأتكلم عليه في خطبة اليوم مُتبعاً إياه بمثال من الأمثلة التي ضربها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم أختم ذلك بالمثال الثامن عشر من الأمثلة التي ذكرها ابن القيم – رحمه الله – كذلك للدنيا في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".
    يقول الله تبارك وتعالى في سورة الكهف: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً.
    يقول الله تعالى لنبيه أصلاً ولمن قام بوراثته من بعده تبعاً، أي لمن تعلم العلم الذي جاء به يقول تعالى: واضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينهما وبين الدار الباقية ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار، وإن مثل هذه الحياة الدنيا كمثل المطر الذي ينزل على الأرض فيختلط بنباتها وتنبت من كل زوج بهيج، فبينما زخرفها وزهرتها تسر الناظرين وتفرح المتفرجين وتأخذ بعيون المتفرجين إذ أصبحت هشيماً تذروه الرياح فذهب ذلك النبات الناضر والزهر الزاهر والمنظر البهي فأصبحت الأرض غبراء تراباً قد انحرف عنها النظر وصدف عنها البصر وأوحش القلب.
    كذلك هذه الدنيا بينما صاحبها قد أعجب بشبابه وفاق فيها على أترابه وأقرانه وحصّل درهمها ودينارها واقتطف من لذته أزهارها وخاض في الشهوات جميع أوقاته، وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله، فذهب عنه سروره وذهبت لذته وحبوره واستوحش قلبه من الآلام وفارقه شبابه وقوته وماله، وانفرد بصالح أو سيء أعماله، هنالك يعض الظالم على يديه حين يعلم حقيقة ما هو عليه، ويتمنى العودة إلى الدنيا لا ليستكمل الشهوات بل ليستدرك ما وقع منه من الغفلات بالتوبة والأعمال الصالحات.
    وهيهات هيهات، فالعاقل الحازم الموفق يعرض على نفسه هذه الحالة ويقول لنفسه: قدّري أنك قد مُتِّ ولابد أن تموتي، فأي الحالتين تختارين، الاغترار بالزخرف في هذه الدار والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة، أم العمل لدار أكلها دائم وظلها ظليل، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه وخسرانه.
    وأما المثال النبوي الكريم الذي اخترته من بين الأمثلة الكثيرة التي جاءت بها السنة المطهرة للدنيا فهو المقال الذي جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم – رحمه الله تعالى – في صحيحه. عن المستورد بن شداد عن النبي قال: ((والله ما الدنيا في الأخرى إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ – أي البحر – فلينظر بم يرجع)).
    فتأمل وانظر إلى المقال العظيم كيف شبّه الآخرة بماء البحر الكثير الهائل العظيم. وشبه الدنيا بقطرة من مائه، والعاقل لا يعدل عن الماء الكثير الهائل العظيم إلى قطرة حسبها أن تعلق بالإصبع.
    فهذا قدر الدنيا في الآخرة، هي بالنسبة للآخرة كقطرة من بحر عظيم هائل.
    وأما المقال الذي ذكره ابن القيم – رحمه الله تعلى – في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".
    فإنه المقال الثامن عشر من بين الأمثلة الاثنين والعشرين التي ذكرها في هذا الكتاب الجليل، وقال عن هذا المقال: إنه من أحسن هذه الأمثلة – أي الأمثلة التي ذكرت – سواءً المعدودة منها أو التي لم تعد.
    قال رحمه الله تعالى ممثلاً للدنيا والآخرة: ملكٌ بنى داراً لم ير الراؤون مثلها، ولم يسمع السامعون أوسع ولا أجمع لكل ملاذّ النفوس منها. ونصب لها طريقاً – أي نصب لهذه الدار العظيمة الجميلة البهية طريقاً – وبعث داعياً يدعو الناس إليها، هذا طبعاً مثل الآخرة، والداعي هو كل رسول يرسله الله تبارك وتعالى إلى أمته ليدعوهم إلى هذه الدار العظيمة، وبعث داعياً يدعو الناس إليها، وأقعد على الطريق امرأة جميلة (هذا مثال الدنيا) وأقعد على الطريق امرأة جميلة قد زُينت بكل أنواع الزينة وألبست أنواع الحلي والحلل، وممر الناس كلهم عليها. وجعل لها أعواناً وخدماً تحت يديها، وبيدي أعوانها زاداً للمارين السائرين إلى الملك في تلك الطريق.
    فقال لها ولأعوانها: من غض طرفه عنك ولم يشتغل بك عنّي وابتغى منكِ زاداً يوصله إليّ فاخدميه وزوّديه ولا تعيقيه عن سفره إليّ، بل أعينيه بكل ما يبلّغه في سفره، ومن مدّ إليك عينيه ورضي بك وآثرك عليّ وطلب وصالك فسوميه سوء العذاب. وأذليه غاية الهوان واستخدميه، واجعليه يركض خلفك ركض الوحش، وما يأكل منكِ فاخدعيه بك قليلاً ثم استرديه منه واسلبيه منه كله، وسلّطي عليه أعوانك وعبيدك، وكلما بالغ في محبتك وتعظيمك وإكرامك فقابليه بأمثاله إهانةً وهجراً حتى تتقطع نفسه عليك حسرات.
    ثم قال رحمه الله بعد سوق هذا المثال: فتأمل هذا المقال وحال خُطّاب الدنيا وخُطّاب الآخرة الله المستعان.
    فأقول بعد هذه الأمثلة المضروبة في الدنيا: الناس على أقسام:
    - فمنهم من يعيش فيها يكسب ويمشي في مناكب الأرض ويبتغي من رزق الله ليقوم بحق بدنه دونما التفات إلى حق روحه.
    - ومنهم من يسعى ويكسب لمجرد الكسب وإن كان يقوم بطاعة الله من غير تركيز ومن غير إمعان ومن غير تأمل ونظر، لكنه يعتني بالكسب والتزود منه لا لأنه لا يكفيه، لا بل يكون عنده ما يكفيه وزيادة ولكنه لا يقنع بما عنده. فهو في سعي وكسب دائمين حتى وإن حصّل ما يكفيه إلى يوم القيامة.إنه لا يقنع بما عنده.
    - ومنهم من يكسب لينافس غيره في الدنيا، يريد العلو فيها والمفاخرة لأهلها ومباهاتهم فقط غير ناظر إلى ما أوجب الله عليه في هذه المال، وغير قائم بما أوجب الله عليه من طاعته سبحانه.
    وخير هذه الأقسام: من يسعى ويكسب ويمشي في هذه الأرض ويأكل من رزق الله مستعيناً بذلك على طاعة الله عز وجل، نائياً بنفسه عن الأسباب التي توبقه في العذاب والشقاء والنكال، جاعلاً ذلك كله بلاغاً إلى الآخرة وإلى دار النعيم، دار البقاء والخلود والفوز.
    وهذا هو خير الأقسام لأنه يعرف أن الناس في الآخرة على حالين: فريق في الجنة وفريق في السعير. كما قال تعالى في سورة الشورى، وكما قال السحرة لفرعون في سورة طه: إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..



    الخطبة الثانية


    الحمد لله المحمودِ في عليائِه، والحمد للهِ حمدًا يليق بعظمته وكبريائِه، والحمدُ لله على آلائِه ونَعمائه، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه وأستغفِره، وأسأله المزيدَ من فضله وعطائِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائِه.

    أما بعد:
    فالأمر كما استمعتم في الخطبة الأولى وكما قال السحرة لفرعون: إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى هذا قسم من قسمي الناس في الآخرة: ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى. وذلك هو القسم الثاني قسم الخير قسم المنعمين، فإنه من كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً وعمل صالحاً ولم يشرك بعبادة ربه أحداً فإن الله تعالى يشكر سعيه ويثيبه عليه.
    ولما كان الله تبارك وتعالى شكوراً حليماً فإنه يشكر عبده إذا أحسن طاعته ويغفر له إذا تاب عليه ويجمع له سبحانه بين شكره لإحسانه ومغفرته لإساءته إنه غفور شكور.
    وهو سبحانه يؤتي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، وهو سبحانه يشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ويشكر عبده بقوله بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى، ويلقي له القبول والشكر بين عباده ويشكر بفعله أيضاً. فإذا ترك العبد شيئاً لله تبارك وتعالى أعطاه أفضل منه وإذا بذل له شيئاً ردّه عليه أضعافاً مضاعفة مع أنه سبحانه هو الذي يوفقه للترك والبذل ويشكره على هذا وذاك.
    وهاكم بعض الأمثلة التي تدل على أن من ترك لله شيئاً عوّضه الله خيراً منه وأعطاه أفضل منه.
    - لما عقر سليمان النبي عليه السلام الخيل غضباً لله إذ شغلته عن ذكره فأراد أن لا تشغله مرةً أخرى أعاضه عنها متن الريح، لما عقر هو عليه السلام الخيل لربه إذ شغلته عن ذكر الله عوضه الله عنها متن الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب.
    ولما احتمل يوسف الصديق عليه السلام ضيق السجن شكر الله له ذلك بأن مكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
    ولما بذل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أعراضهم في الله تعالى فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم سبحانه من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.ومعنى أخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار: أي جعل ذكر الدار في قلوبهم والعمل لها صفوة وقتهم. والإخلاص والمراقبة لله وصفهم الدائم، وجعلهم ذكرى الدار، يتذكر بأحوالهم المتذكر، ويعتبر بأحوالهم المعتبر، ويذكرون أحسن الذكر فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.
    ولما ترك الصحابة رضوان الله عليهم ديارهم وخرجوا منها في مرضاة الله سبحانه أعاضهم عن ذلك بأن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم.
    ولما بذل الشهداء أبدانهم لله حتى مزّقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم عنها طيراً خضراً، أقر أرواحهم فيها ترِد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فإذا كان يوم البعث رد عليهم أبدانهم خير ما تكون وأجمله وأبهاه فسبحانه، سبحانه.
    هو المحسن بإعطاء الإحسان، وهو المحسن بإعطاء الشكر، يشكر عبده على إحسانه إلى نفسه، العبد يحسن إلى نفسه فيشكر له إحسانه ذلك، بينما المخلوق يشكر من أحسن إليه.
    فمن أولى وأجدر وأحق بالعمل: زخرف الدنيا وزهرتها وزينتها أم الله العظيم الحليم الرؤوف الشكور؟
    من أولى بالعمل؟ ما أظننا إلا حتماً قائلين: الله أولى وأجدر وأحق وأعلى وأجل.

    صلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
     
  3. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة عن مراقبة الله
    الخطبة الأولى :

    الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض و مابينهما و إليه المصير.. عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير..
    أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. بيده الأمر و التدبير..وله الحكم و التقرير.. وهو على كل شيءقدير..
    وأشهد أن حبيبنا البشير..وقدوتناالأثير..وإمامنا الكبير..وبدرنا المنير .. محمدا عبدالله و رسوله.. المبعوث رحمةللعالمين..و الهادي إلى الله بالحجة و الحكمة و البرهانالمبين..
    اللهم صل عليه و على آله الأكرمين الأطهرين ..وعلى أصحابه الغر الميامين..و على التابعين لهم بإحسان إلى يومالدين..
    أما بعد ........ إخوة الإيمان و العقيدة :
    خرج عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مع أصحابه فيسفر.. فلما حان وقت الغداء.. جلسوا عند ظل شجرة يأكلون..فمر بهم راعي غنم.. شاب, منشباب الإسلام ..قال له ابن عمر..هلمّ إلى الطعام ..فقال الراعي..إني صائم..قال ابنعمر..أفي مثل هذا اليوم الشديد الحر..و أنت بين هذه الشعاب..وخلف هذه الغنم..قالالراعي..أعد ذلك ليوم أشد حر منه.. قال له فبعنا شاةمنغنمك.. ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه، ونعطيك ثمنها .. قال الراعي ..أنا لست صاحبها..إنما هي لسيدي و مولاي.. قال ابن عمر ..قل لسيدك أنالشاة أكلها الذئب.. فقال الراعي.. إن قلت له أكلها الذئب وثق بي وصدقني..ولكن أينالله..!.. فبكى ابن عمر.. وعند عودته من سفره..سأل عن سيد الراعي فاشترى منه الراعيو الغنم..فأعتق الراعي و أعطاه الغنم..
    نعم أيها المؤمنون.. تعالوا نسأل قلوبنا أينالله.. ونحن نعلم علم اليقين ..أن الله هو الذي خلقنا..و أنعم علينابالحياة..أين الله..و نحن نعلم أن ما بنا من نعمة فمنالله..أين الله و نحن نعلم أن الله أمرنا بعبادته وبخشيته و تقواه .. أين الله ونحن نعلم أن الله يعلم سرنا و جهرنا و ما تخفي صدورنا ..إن كانت القلوب تعلم أنالله هو الخالق ..وأن الله هو الرازق..و أن الله هو المنعم..و أن الله هوالعليم..فكم من حيز يشغله الله في قلوبنا.. ما دور الإيمان في القلوب..و نحن نقرأالقرآن.. نقرأ قوله تبارك و تعالى.. إِنَّ اللَّهَ كَانَعَلَيْكُمْ رَقِيبًاوقوله تعالىوَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ..فهلجعلنا من الرقيب رقيبا..هل جعلناه حاضرا.. وهو الحاضر معنا.. وهو المطلع علىنوايانا قبل أعمالنا و أقوالنا.. إن معنى المراقبة ..أن يتيقن المؤمن أن الله مطلععليه..يراه ويسمعه..ويعرف نيته..ولذلك لما سأل جبريل عليه السلام..رسولنا الحبيبصلى الله عليه وسلم عن الإحسان..قال له الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه..فإن لم تكنتراه فإنه يراك.. و ما أجمل الإحسان.. إن لم تصل إلى القرب من الله فتراه في كلأمر..وتراه في كل تعامل..و تراه في كل حين..فلا بد أن تستحضر شعورك و إحساسك أنالله يراك..وأنه يراقب حركاتك و سكناتك..و هو الذي أمرك بالطاعة ..و هو الذي أمركبكل خير..و نهاك عن كل شر..فاجعله أمامك في كل حين.. أراد أحد المعلمين الصالحين.. أن يربي تلاميذه على مراقبة الله.. أن يزرع في قلوبهم رقابة الخالق..فأعطى كل واحدمنهم طائرا..وقال لهم ليذبح كل واحد منكم طائره في مكان لا يراه فيه أحد..وانطلقالتلاميذ..ثم عادوا وفي يد كل واحد منهم.. طائره مذبوحا .. إلا واحدا منهم..وقف بينالتلاميذ وطائره حي..فقال له المعلم ..لقد ذبح كل تلميذ طائره ..وأتيت بطائركحيا..قال له يا سيدي.. أمرتنا أن نفتش عن مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبتإليه, إلا وكان الله فيه يراني .. حين ينشأ الشباب المؤمن على معية الله..حين تربىالأجيال على الشعور بمرافقة الله.. يختفي الحرام..و تتنزل البركة..و تغيب اللهفة ..و تحضر القناعة.. حين يكون الله حاضرا في قلبي الأبوين..تسعد الأسرة..و يلتمّشملها.. ويصلح الله أمرها..دنيا و أخرى..حتى في الجنة..الوالد الصالح و الأمالتقية..حين يرفعهما الله الدرجة العلية من الجنة ..ويستقر الأبناء في درجة دوندرجة الآباء.. يرفع الله الأبناء ليجمعهم مع آبائهم في جنات النعيم..لتأنس الأم.. ويفرح الأب.. و هما في الجنة..يقولالله عز وجلوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتبَعَتهُمْ ذريَّتهُمْ بِإِيمَانٍ.. أَلْحَقْنَابِهِمْ ذريَّتهُمْ وَمَا أَلَتناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ..أورد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة قول حبيبنا صلى الله عليهوسلمإِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِمَعَهُ فِى دَرَجَتِهِ فِى الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِى الْعَمَلِ.. حين يكون الله حاضرا في قلب المؤمن ..تستقيم الجوارح..فلايسمع إلا حلالا..و لا ينظر إلا حلالا..و لا يمس إلا حلالا..سمح في بيعه.. سمح فيشرائه..طيب في تعامله..صادق في كلامه..يغمر مَن حوله بخيره..فإذا اتسم المجتمع نساءو رجالا..كبارا و صغارا بهذه العقيدة..أن الله مع الجميع .. وأن الله يرى الجميع.. وأنهيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيالْأَرْضِ.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَاخَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ .. وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ.. إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا .. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوايَوْمَ الْقِيَامَةِ.. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ..يعلم السر و أخفى.. يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور..وهو الذيبيّـن للجميع كل شيء.. فصّـله تفصيلا.. حتى لا يبقى الغافل في غفلته.. و لا يعيشالجاهل في جهله.. فقال تبارك و تعالى..وَاعْلَمُواْ أَنَّاللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْفَاحْذَرُوهُ..
    إياك يا ابن آدم..أن تنسى تحذير الله..إياك يامؤمن أن تغفل عن معية الله..
    إذا أيقن الجميع بمعية الله.. اطمأنت القلوب ..وسعدت الأنفس ..و تفتحت الحياة..و تنزلت الرحمات..و فرحت الأرض و السماوات..
    ومع هذه المعية الربانية.. و من رحمته بنا .. فقد أرسل الله معنا شهودا.. من ملائكته الكرام..هم لنا وعلينا.. يكتبون حسناتنا.. يجمعون أعمالنا الصالحة..و كذلك يكتبون سيئاتنا.. وهم لا يفارقونا.. لا بليل و لافي نهار..وأعلمنا الله بذلك.. فقال عز وجل..وَإِنَّعَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماًكَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَاتَفْعَلُونَ* وقد أعطاهم الله الحضور الدائم ..و منحهم من علمه بنوايا الإنسانعلما.. جاء في الحديث المتفق عليه.. و المتن من صحيح الإمام البخاري ..أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال..يقول الله عز وجل..- يقولللملائكة - إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة ..ً فلا تكتبوهاعليه حتى يعملها.. فإن عملها فاكتبوها بمثلها.. وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنةً.. وإذا أراد أن يعمل حسنة.. فلم يعملها.. فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها لهبعشر أمثالها إلى سبعمائةضعف
    وأنما يكتبه الكرامالكاتبون.. سيجده الإنسان أمامه يوم القيامة.. يقول ربنا و خالقنا جل جلالهوَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُطَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِكِتَاباًيَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىبِنَفْسِكَ الْيَوْمَعَلَيْكَ حَسِيباً..يوم القيامة .. يوم الحسرة و الندامة..على من غفل في دنياه عن أمرالله..يوم يقول أهل المعصيةيَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَاالْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوامَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.. فاحذر أيها المؤمن..احذر الله.. و عش في رحابه ..و بمعيته..اجعل الله تجاهك ..اجعلهمعك في كل حين..ينالك رضوانه دنيا و آخرة..
    إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل
    خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ
    ولاتحسبـن الله يغفـل ساعــة
    ولا أنّ ما تخفيهعنه يغيبُ
    فيا ليت أنّ الله يغفر مامضى
    ويأذنْ لنـا في توبةٍ فنتــوب
    اللهم تب علينا واجعلنا من عبادكالتوابين..اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم..و جد علينا إنك أنت الجوادالكريم..اللهم تب علينا توبة نصوحا.. وافتح علينا من فتوحاتك فتوحا..ونسألك اللهمحسن الفعال ..و صدق المقال.. و سلامة المآل
    أقول قولي هذا..و أستغفر الله العظيم الكريم ليو لكم \
    الخطبة الثانية :
    إن الحمد لله..نحمده حمد الأتقياء الطائعين..ونثني عليه ثناء الشاكرين.. و نسبحه ما لهجت بذكره ألسنة الذاكرين..و نشهد أن لا إلهإلا الله..ولي الصالحين..و نشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا رسول الله..المبعوث رحمةللعالمين..صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين..وعلى من تبعهم بإحسان إلىيوم الدين
    أما بعد.... أيها المؤمنون و المؤمناتُ عبادَالله ...
    إن المؤمن إذا استقر في قلبه أن الله يراه..و أنالله لا تخفى عنه خافية.. و أن الله يعلم ما تخفي الأنفس و تكنّ الصدور.. هذاالمؤمن ..لا يغفل عن طاعة الله .. هذا المؤمن يأنس بمعية الله.. هذا المؤمن يخافالله و يخشاه.. ولذلك ..من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن و مؤمنة ..قوله .. اتق الله حيثما كنت... و هذا منهج الصالحين .. و طريق عباد اللهالمخلصين..
    الربيع بن خيثم رحمهالله..و هو تابعي ورع.. و التابعي هو من عاش مع الصحابة ولم ير النبيء صلى اللهعليه و سلم..الربيع بن خثيم قال له الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ياربيع والله لو رآك الرسول صلى الله عليه وسلم لأحبك..كان رحمه الله ..حفر تحت سريرهحفرة.. ؛ فإذا وجد في قلبه قسوةً..وفي نفسه لهوة.. و في حضوره مع الله غفلة.. نزلفي تلك الحفرة ؛ وكان يمثل نفسه أنه قد مات... وندم على ما فات.. وسأل الله الرجعة ..فكان يقول وهو ممدد في الحفرة: رب ارجعون لعلي اعملُ صالحاً فيما تركت.. فيبقى يردد الآية وهو يبكي.. و يرددها وهو يبكي .. ثم يقوم.. فيقول لنفسه..ها قدرجعت يا ربيع..ها أنت في الدنيا يا ربيع.. فاغتنم أيام عمرك يا ربيع.. وإياك أن تنسالله.. وكن دائم الصلة بالله..
    اللهم اجعلنا نخشاك كأننانراك، وأسعدنا بتقواك، ومتعنا برؤياك، واجمعنا مع نبيك ومصطفاك ..اللهم اغننا بحلالك عن حرامك.. وبطاعتك عن معصيتك..و بفضلك عمن سواك.. اللهم اغفر لنا ما كان في السر والعلن..و عافنا من المعاصي ما ظهر منها و بطن .. واحفظنا و أهلنا و بلدنا من الفتن..واسترنا بحفظك من الأمراض والمحن.. اللهم وأحيينا في الدنيا مؤمنين طائعين..و توفنا على حسن ختام تائبين..واجعلنا ممن يأخذكتابه باليمين..واكتبنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين.. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا..و أحيائنا و أمواتنا..واجعلنا من الصالحين.. برحمتك يا أرحم الراحمين..ياأكرم الأكرمين.. يا خالق الخلق أجمعين..يا غياث المستغيثين..يا أنيس الصالحين.. ياجليس الذاكرين..يا مجيب السائلين..نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..وذلاو خذلا نا لمن يحارب هذا الدين..و نصرا مؤزرا لإخواننا في العراق و فيفلسطين..
    اللهم أمنا في دورنا ..ووفق إلىالخير و الصلاح ولاة أمورنا..واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
     
  4. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة عن الخوف من الله
    الخطبة الأولى

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : ألا وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار

    أيها المسلمون!

    اتقوا الله تعالى، وارقبوه، وامتثلوا أمره ؛ فإنه للظالمين بالمرصاد.

    عباد الله!

    إن من المهمات التى بعث بها نبي هذه الأمة محمد تزكية النفس؛ كما قال عز وجل ممتناً ببعثه : هو الذى بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [الجمعة:2].

    وقد علق الله تعالى فلاح العبد بتزكية نفسه، وذلك بعد أحد عشر قسماً متوالياً؛ فقال عز وجل: والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها [الشمس:1-10]. والتزكية معناها التطهير.

    عباد الله!
    ومن وسائل تزكية النفس : الخوف من الله تعالى.
    وإذا كان المسلم محتاجاً إلى تزكية نفسه بالخوف من الله تعالى في كل وقت؛ فإن الحاجة إليه في هذا الزمن شديدة؛ لكثرة المغريات والفتن.

    والله تعالى أمر عباده بالخوف منه، وكل أحد إذا خفته؛ هربت منه؛ إلا الله؛ فإنك إذا خفته؛ هربت إليه:

    قال تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين [آل عمران:175]. فأمر الله تعالى بالخوف، وجعله شرطاً في الإيمان.

    وقالى تعالى: فإياي فارهبون [البقرة:40].

    قال ابن القيم رحمه الله: "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الخوف، وهى من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
    وقال أيضاً: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان؛ فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس؛ مات الطائر، ومتى فقد الجناحان؛ فهو عرضة لكل صائد وكاسر".

    عباد الله!

    والخائف من الله تعالى أجره عظيم ومنزلته رفيعة:

    قال تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن:46].

    وقال عز وجل: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [النازعات:40].

    وقال : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))متفق عليه.

    وقال : (( ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلن، والعدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر. وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه))رواه البزار والبيهقي وهو حسن بطرقه
    عباد الله!
    وكل إنسان يدعي الخوف من الله، ولكن هذا الخوف: إما أن يكون صورة، أو حقيقة ؛ فمن منعه الخوف من الله من فعل المحرمات؛ فخوفه حقيقة، ومن لم يمنعه الخوف من الله من فعل المحرمات؛ وتمادى بها؛ فإن خوفه صورة لا حقيقة، وادعاؤه كاذب.

    وكنتيجة لهذا الخوف الصوري رأينا انتشار المعاصي والمنكرات في أوساط المسلمين؛ فما خاف الله حقيقة من تجرأ على محارم الله، ما خاف الله حقيقة من ترك الصلاة أو تهاون فيها، وما خاف الله حقيقة من تعامل بالربا، وما خاف الله حقيقة من استمع إلى آلات اللهو المحرمة أو اشتراها بماله أو مكن من تحت يده من استماعها أو النظر إليها أو باعها أو أعان على نشرها، وما خاف الله من شرب الدخان أو باعه، وما خاف الله من ازدرى نعم الله.

    وكذلك من النساء من كان خوفها من الله صورة لا حقيقية؛ فما خافت الله من تبرجت أمام.
    الرجال الأجانب أو حلت بهم أو لانت بقولها للرجال، أو كانت فتنة لكل مفتون.
    وبالجملة؛ فكل من ضيع أوامر الله وارتكب نواهيه؛ فما خاف الله تعالى، وعقابه عند الله أليم.
    عباد الله!
    النبى - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - كان أشد الناس خشية لله؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إني أرى ما لا ترون، واسمع ما لا تسمعون؛ أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع؛ إلا فيه ملك راكع أو ساجد، لو علمتم ما أعلم؛ لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم على (أو: إلى) الصعدات تجأرون إلى الله)). قال أبو ذر: والله؛ لوددت أني شجرة تعضد.رواه أحمد والترمذى وأبن ماجه والحاكم
    عباد الله!
    وكذلك كان الخوف من سمات صحابة الرسول الذين هم خير القرون؛ فعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف؛ أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام، وكان صائماً، فقال: "قتل مصعب بن عمير، وهو خير منى، وكفن في بردة: إن غطي بها رأسه؛ بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه؛ بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط (أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا)، وقد خشينا أن تكون حسناتنا قدمت لنا. ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام"رواه البخاري.

    فتفكروا عباد الله في سيرة هؤلاء واقتدوا بهم، وقارنوا بين حالنا وحال أولئك القوم ؛ فستجدون أنهم في يقظة ونحن في نوم.
    عباد الله!
    والخوف ينقسم إلى أقسام:
    قال ابن رجب : "القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم؛ فإن زاد على ذلك؛ بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات؛ كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك؛ بأن أورث مرضاً أو موتاً أو وهماً لازماً؛ بحيث يقطع عن السعى في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل؛ لم يكن محموداً".
    وقال بعض العلماء: الخوف له قصور، وله إفراط، وله اعتدال، والمحمود منه هو الاعتدال والوسط:

    فأما القاصر منه؛ فهو الذى يجرى مجرى رقة النساء؛ يخطر بالبال عند سماع آية من القرآن، فيورث البكاء، وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس؛ رجع القلب إلى الفضلة؛ فهذا خوف قاصر، قليل الجدوى، ضعيف النفع.

    وأما المفرط؛ فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال، حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، وهو مذموم أيضاً؛ لأنه يمنع من العمل.

    وأما خوف الاعتدال؛ فهو الذى يكف الجوارح عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات.
    وما لم يؤثر في الجوارح؛ فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفاً.
    قال بعض الحكماء: ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.
    فالخوف يحرق الشهوات المحرمة، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير العسل عند من يشتهيه إذا عرف أن فيه سما؛ فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الجوارح، ويحصل في القلب الخشوع والذل والاستكانة ومفارقة الكبر والحقد والحسد.

    اللهم! اجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين!

    أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
    الخطبة الثانية

    الحمد لله حقَّ حمده، أفضل ما ينبغي لجلال وجهه، أحمده سبحانه لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله

    أما بعد: أيها المسلمون!

    اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه، ولذلك قال النبي : ((الله؛ إني لأعلمكم بالله، واشدكم له خشية))رواه البخاري ومسلم.

    عباد الله!
    وهناك أمور يستجلب بها الخوف، وهي كثيرة:
    أولها – وهو الجامع لكل ما يليه -: تدبر كلام الله تعالى وكلام نبيه والنظر في سيرته فهو سيد المتقين:
    فإن تدبر هذا مما يعين على الخوف:

    قال الله تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سـوء تـود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد [آل عمران:30].

    وقال سبحانه: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً ويوم يعض الظالم على يديـه يقـول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلاً [الفرقان:28].

    وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: سمعت رسول الله يقول: ((يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً". قلت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً؛ ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: "يا عائشة! الأمر أشد من ذلك)).

    الأمر الثاني مما يستجلب به الخوف: التفكر في الموت وشدته:

    قال تعالي: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ق:19].

    وقال : ((أفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً، وأكيسهم أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً، أولئك الأكياس))رواه ابن ماجه وهو حسن بطرقة
    فيا أيها العاصي الذي قل خوفه من الله! أما تذكر ساعة يعرق لها الجبين، وتخرس من فجأتها الألسن، وتقطر قطرات الأسف من الأعين؟

    فتذكر ذلك؛ فالأمر شديد، وبادر بقية عمرك؛ فالندم بعد الموت لا يفيد، وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد [ق:13].

    الأمر الثالث : التفكر في القبر وعذابه وهوله وفظاعته:

    فعن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: ((يا إخواني ! لمثل هذا فأعدوا)).رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن

    وقال بعض الحكماء:
    أنسيت يا مغرور أنك ميت
    أيقن بأنك في المقابر نازل

    الأمر الرابع: التفكر في القيامة وأهوالها:

    قال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [الحج:1-2].

    وقال تعالى: فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً [المزمل:17].

    الأمر الخامس: التفكر في النار وشدة عذابها وما أعد الله عز وجل فيها لأعدائه:

    قال تعالى: ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين [الأنبياء:46].

    الأمر السادس: تفكر العبد في ذنوبه:

    فإنه وإن كان قد نسيها؛ فإن الله تعالى قد أحصاها، وإنها إن تحط به؛ تهلكه؛ إن وكله الله إليها، فليتفكر في عقوبات الله تعالى عليها في الدنيا والآخرة، ولا يغرن المذنب النعم؛ فقد قال : ((إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه؛ فإنما ذلك منه استدراج))، ثم تلا: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون 4[الأنعام:44].

    وقال تعالى: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد [آل عمران:30].

    وقال : ((إني لأعلم أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة البيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً)). قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا أن نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله؛ انتهكوها)رواه ابن ماجه بسند صحيح
    الأمر السابع: أن يعلم العبد أنه قد يحال بينه وبين التوبة:

    وذلك بموت مفاجئ، أو فتنة مضلة، أو غفلة مستمرة، أو تسويف وإمداد إلى الموت أو غير ذلك، وعندها يندم حيث لا ينفع الندم.

    الأمر الثامن: من الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى: التفكر في سوء الخاتمة:

    فإن العبد ما يدري ما يحدث له في بقية عمره؟!

    وقـد كـان رسول الله يقول: ((يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)).رواه أحمد والحاكم وصححه

    وقال تعالى: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه [الأنفعال:24].

    وقال : ((لقلب ابن آدم أشد تقلباً من القدر، إذا اجتمع غلياناً)).رواه أحمد والحاكم وصححه

    عباد الله!

    هذه بعض الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى، وكل إنسان أعلم بنفسه من غيره من الناس؛ فإن كانت هذه الأمور موجودة فيه؛ فليحمد الله، وليسأل الله الثبات، وإن كانت مفقودة؛ فعليه أن يعمل على تحصيلها؛ فإن الأعمال بالخواتيم.

    عباد الله!

    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون [النحل:90].

    فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
    التعديل الأخير تم بواسطة المناضل.. ; 24 Oct 2009 الساعة 12:01 AM
     
  5. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة حول ماجرى في جده
    الخطبة الأولى
    ان الحمد لله نحمده ونستعينه ...................... اوصيكم ونفسي بتقوى الله
    أيها المسلمون،: إن للذنوب والآثام عواقب جسيمة لا يعلمها إلا الملك العلام، فكم أهلكت من أمم ماضية وشعوب كانت قائمة فهل ترى لهم من باقية، وليس بيننا وبين الله نسب فقد قالت زينب رضي الله عنها انهلك وفينا الصالحون يارسول الله ؟ قال : نعم اذا كثر الخبث .
    وقال سبحانه: وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا . فترى الأمم السالفة من عهد نوح إلى هذا الزمان كلما عصت أمة الله عز وجل، أجّلها مدة من الزمان لعلهم يتوبون ويرجعون، بل إن مع عصيانهم لله عز وجل قد يفتح عليهم بالنعم ولكنها استدراج، قال تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبسلون فبيّن تعالى أن الناس إذا تركوا ما أمرتهم به رسله عليهم السلام فلم يأتمروا بأوامره ولم ينتهوا عن نواهيه فإنه تعالى قد يفتح عليهم الخيرات من سعة في الرزق ووفرة في الأموال وصحة في الأجسام وغيرها حتى إذا فرحوا بها واطمأنوا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولنا في الأمم السالفة العبر والعظات في بيان عقوبة المعاصي.
    ما السبب في إخراج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ أليست المعاصي؟.
    ما الذي أخرج إبليس عليه لعنة الله من ملكوت السماء وطرده من رحمة الله؟ أليست معصية الكبر والحسد؟، فبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجنة نارا تلظى.
    ما الذي جعل الماء يعلو الجبال الراسية في عهد نوح ويغرق قومه إلا من نجاه الله عز وجل؟ أليس المعاصي والشرك؟.
    إهلاك قوم عاد بالريح العقيم فما الذي أرسلها عليهم حتى أصبحوا وكأنهم أعجاز نخل خاوية وعبرة للمعتبرين؟ أليست المعاصي؟.
    ما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء ونهبوا الأموال إنها المعاصي والذنوب قال عز وجل: فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

    وقالت عائشة: وإذا تخبلت السماء( يعني كثرت الغيوم والسحب) تغيّر لونه صلوات ربي وسلامه عليه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرى عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا )).
    وفي صحيح البخاري قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه قالت: يا رسول الله الناس إذا رأواه الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية فقال: ((يا عائشة ما يأمنني أن يكون فيه عذاب، عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا))،

    اعلموا رحمني الله وإياكم، بأن نزول الأمطار من نعم الله العظيمة، على القرى والمدن والمجتمعات، يستفيد منه الناس، وتستفيد البهائم، وكذلك الزروع وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً [النبأ: 14-16]، وقال عز وجل: أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [الواقعة: 68-70].
    ولقد شهدت بلادنا ولله الحمد والمنة، في الأيام القريبة الماضية، أمطاراً متفرقة. وإن استمرار نزول رحمات الرب، يحتاج من أهل القرى والمدن والشعوب والأمم، يحتاج الإيمان والطاعة والاستقامة. قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ [الأعراف:96]، وإن استمرار نزول بركات المولى جل وعلا يحتاج منا إلى ترك الذنوب والمعاصي، والتوبة والاستغفار، قال الله تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12]، وقال عز وجل: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ [هود:52].
    وإن استمرار نزول الغيث يحتاج منا إلى أداء زكاة أموالنا، وفي الحديث: ((ولـم يمنعوا زكـاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)).
    لكن هناك وجه آخر لنـزول الأمطار من السماء، أحياناً، لا يكون نزوله رحمة، بل هو عذاب وعقوبة إلهية لتلك القرية، أو لتلك الأمة وقد أهلك الله عز وجل أمماً وأقواماً بهذا الماء، في القديم وفي الحديث. وقد ذكر الله عز وجل في كتابه، عقوبة الغرق بالماء، لأقوام عتوا عن أمر ربهم. وهم قوم نوح عليه السلام وذلك بعدما أعرضوا عن الدعوة، ولم يؤمنوا بما قال لهم نوح عليه السلام. أغرقهم الله عز وجل بالماء، بإرسال السماء عليهم مدراراً، وبتفجير ينابيع الأرض حتى تشكل طوفان هائل، وجعل سبحانه لنوح عليه السلامة علامة لبداية عملية إغراق أولئك القوم بالماء، هو فوران التنور، قال الله تعالى: ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ [المؤمنون:27]، وقال سبحانه: حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود:40]، وجاء تفصيل عملية الغرق بالماء في موضع آخر فقـال عز من قائـل: فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ [القمر:11-14].
    وعقوبة الغرق بالماء، حصلت أيضاً لقوم فرعون، وذلك عندما آذوا موسى عليه السلام، ولم يقبلوا ما جاء به، أغرقهم الله بالماء، الماء الذي كان فرعون يفتخر ويتكبر ويقول: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، فهذا الماء الذي كان يجري من تحته جعله الله فوقه، وهذه عقوبة التمرد على دين الله عز وجل، قال الله تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ فَٱلْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ ءايَـٰتِنَا لَغَـٰفِلُونَ [يونس:90-92].
    أيها المسلمون، هذا نوع من أنواع العقوبات الإلهية لأولئك الذين حاربوا دين الله عز وجل، أرسل الله لهم أحد جنوده، وهو الماء، فأغرق ودمّر بأمر الله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ [المدثر:31]، إن جنود الله عز وجل في إهلاك المخالفين وتأديب المعاندين، وتذكير المتآخرين بما حصل للمتقدمين لا عد له ولا حصر، والله جل وتعالى يهلك ويعاقب كل قرية بما يناسبها. وإليكم بعض صور عقوبات الله.
    فمن عقوبات الله عز وجل، بدل إمطار الماء، إمطار الحجارة قال عز وجل: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82، 83]، هذه هي العقوبة التي حصلت لأهل تلك القرية، التي انتشرت فيها الفاحشة، عاقبهم الله عز وجل بعقوبتين: الأولى: جعلنا عاليها سافلها: وضع جبريل عليه السلام جناحه ثم رفع القرية إلى السماء، حتى سمع أهل السماء بنباح كلابهم، ثم قلبها. العقوبة الثانية: وأمطرنا عليهم حجارة. إن الماء لو كثر نزوله من السماء، لأفسد وخرّب ولا أحد يستطيع أن يقف في وجهه، مهما أوتي من قوة، فما بالكم إذا كانت الأمطار من حجارة، نعوذ بالله من الخذلان، لكن هذه هي عقوبة القرية التي ينتشر فيها الفاحشة التي ذكرها الله عز وجل.
    ومن عقوبات الله جل وتعالى لأهل القرى التفرق، نعم، فقد يوقع الله التفرق في مجتمع أو في أمة بسبب المخالفات التي يرتكبونها، فلا تجدهم يتفقون على رأي، قال الله تعالى: وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَـٰرَىٰ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:14]. أي عقوبة أشد من أن أبناء الدين الواحد يحصل بينهم العداوة والبغضاء، والسبب: أنهم نسوا حظاً مما ذكروا به.
    ومن عقوبات الله أيضاً، إرسال الريح، هذا الهواء الجميل، لو زاد بأمـر الله عز وجل لتحول من نعمة إلى نقمة، ولقد عوقب أقوام بالريح، فأفسد عليهم منازلهم وخرّب بيوتهم قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ [فصلت:16]. وقال عز وجل: وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ [الذاريات:41، 42]، وقال سبحانه: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:6، 7]. ما أهون الخلق على الله، إذا هم خالفوا أمره، وحاربوا دينه، وآذوا أولياءه.
    فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، هذه بعض عقوبات الله للأمم، والمجتمعات، وإلا فما ذكر في كتاب الله، أكثر من هذا، وليس المقام هنا، مقام استعراض هذه العقوبات، وإنما هذه بعضها، لندرك أن كل ما في الكون جنود لله عز وجل، وبأمره يعملون، وإذا أراد سبحانه شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. فاتقوا الله عباد الله، واحذروا المخالفة، واحذروا الإعراض عما أمر الله، فإن الله جل وتعالى يغار على دينه، ويغار على أوليائه، والمخالفات والمعصيات، والتمرد، له زمن محدود، والله يمهل ولا يهمل.
    وما من قرية حصل فيها شيء يخالف ما أمر الله به، إلا ونزل بهم ما يستحقون.
    فنسأل الله جل وتعالى أن يعاملنا بلطفه ورحمته، وعفوه، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم...


    الخطبة الثانية

    الحمد لله على إحسانه...
    عباد الله
    من أسباب إهلاك الله للأمم، والمجتمعات الذنوب. قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ [الأنعام:6]. وقال عز وجل: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].
    هكذا الذنوب تفعل بأصحابها، ونحن والله المستعان نستهين بها، بل أصبحت أشياءً عادية في حياتنا اليومية، وهي سبب رئيس في إهلاك الأمم والشعوب.
    يقول أحدهم: كيف تريدون أن يلطف الله بنا؟ وينزل علينا نعمه ويرحمنا برحمته، وفي السابق كانت الأيدي ترتفع إلى السماء وتدعو ربها، والمولى يجيب سبحانه، والآن هذه الدشوش مرتفعة إلى السماء.وامتهن الحجاب وضيعت الصلوات
    وكثر الخبث بأنواعه وتشبه بعض الشباب بالنساء وتشبهوا بأعداء الله من اليهود والنصارى في اللباس وقصات الشعر والحركات والرقص والله المستعان.
    ومن أسباب إهلاك الأمم والشعوب الظلم وكم من العمال يقعون تحت ظلم من اتى بهم من بلادهم وظلم الزوجات وظلم الأبناء وظلم الولد لوالديه من عقوق ووصل الحد بهم إلى ان رموهم في دور العجزة، قال الله تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ [هود:18]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقال: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ [يونس:13]، وقال: وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا [الكهف:59]. وقال: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]. كل هذا بسبب الظلم إذا انتشر في الأمة، فما بالك لو أضيف إليه دعوة المظلوم على من ظلمه:
    لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخـره يأتيـك بالندم
    نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنـم
    ومن أسباب الهلاك أيضاً: تبديل أمر الله، أياً كان هذا التبديل، فالله جل وتعالى يأمر بأوامر ثم تأتي هذه القرية، وتبدل ما أمر الله به، بأشياء من عندها، ومن زبالة أفكارها، سواءً كانت قضايا معاملات من بيع أو شراء، أو غيره.
    قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـٰيَـٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة:58، 59].
    ومن أسباب هلاك القرى، ان يتخلق الناس بالمكر والكيد والتدبير، الذي يتعارض مع الحق. قال الله تعالى: قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:26]، ـ كان هناك من قبلكم قد مكروا وخططوا ودبروا وفعلوا، فماذا كانت النتيجة ـ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:26]. وقال سبحانه: وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيّىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر:43]، وقال عز وجل: أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ [النحل:45]، يقول علماء التفسير عن هذا المكر السيئ، أنه: سعيهم إلى إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه الخفية، واحتيالهم في إبطال الإسلام والكيد بأهله.
    ومن أسباب الهلاك: عدم التناهي عن المنكر قال الله تعالى: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79].
    ومن أسباب الهلاك: موالاة الكفار، قال الله تعالى: تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ [المائدة:80، 81].
    ومن أسباب الهلاك: ترك الجهاد في سبيل الله قال الله تعالى: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التوبة:39].
    أيها المسلمون، وكما قلنا في العقوبات نقول في الأسباب: إنها كثيرة، وهذه بعضها، فالحذر الحذر، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب، إنما أكرمكم عند الله أتقاكم. وعندما تأخذ أية قرية بسبب أو بعدة أسباب من أسباب الهلاك، فإنه من الطبيعي أن لا تأخذه فجأة، ودفعة واحدة، وإنما بالتدريج في البداية يكون بسيطاً ثم مستوراً، ثم أكثر ثم يظهر، حتى تصبح هي السمة البارزة، لتلك القرية، وبعدها ينزل عقاب الله والله المستعان اللهم كن معينا لإخواننا في جده اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم يا رب العالمين
    صلوا على البشير النذير كما امركم الله بذلك.
     
  6. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة في مدح الله
    الخطبة الأولى
    الحمد لله أبداً سرمدا، ولا نشرك معه أحد، تبارك فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا عضدا، الحمد لله على نعمته، الحمد لله على منته، الحمد لله على حكمته، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه وتواترت بأبرك الخيرات نعماؤه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، تعالى في إلهيته وربوبيته على الشريك والوزير،وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد والولي والنصير، وجل في بقاه وديمومته وغناه وقيمومته عن المطعم والمجير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أعظم رجل عظّم الله، وقدّس الله، وأجلّ الله، وأكبر الله، وهاب الله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عظّموا الله.
    عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حَبرٌ حبر: العالم من علماء اليهود . إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك. فضحك رسول الله، وقال: { وما قدروا الله حق قدره } متفق عليه.
    عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن قال ابن العلاء بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون
    ولفظ مسلم عن عبيد الله بن مقسم في هذا الحديث يأخذ الله - تبارك وتعالى - سماواته وأرضيه بيده ويقول أنا الملك ، ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم
    يتعاظم الإنسان في نفسه عند رؤية قوة كثير من مظاهر الطبيعة "كالرياح" "الزلازل" "البراكين" ويقيس قوتها بما تحدثه من دمار هائل في الأرض والإنسان والحياة بشكل عام، ولكنه ينسى في خضم انشغاله بما يراه من قوة مظاهر الطبيعة القوة الحقيقة التي تحرك كل تلك القوى، وهي قوة الله سبحانه الذي يملك مقاليد الأمر في الأرض والسماء .
    والتذكير بهذه القوة ليس لتخويف العباد من ربهم بل من أجل زرع تعظيمه في نفوسهم تعظيما يولد حباً، ويعين على طاعته وشكر نعمه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الحبر في كلامه حول عظمة الله وقوته، وكيف أنه بقوته يضع الرحمن السموات بعظمها على إصبعه، والأرض باتساعها وثقلها على إصبع، وهذه الجبال التي تتصاغر أنفسنا أمام علوها وارتفاعها يضعها الرب جميعا على إصبع، والأشجار بكثرتها، والأنهار بطولها، وسائر الخلق بتعدده وتنوعه يضعه الرب على إصبع، فأي عظمة هي عظمة الله، وأي قوة هي قوته سبحانه، فكيف يعصيه بشر، وكيف يكفر به إنسان، ألا ما أعظَمَ حلم الله على عباده
    الله عز وجل يحب المدح، والله مهما أثنى عليه البشر فهو سبحانه أعظم وأجل، كم نسمع من الفصحاء والشعراء يمدحون الفنان الفلاني واللاعب الفلاني ويمدحون العبيد ، ونسوا أن يمدحوا الواحد القهار، بل تفننوا في مدح العيون السود، والقدود، والخدود، ولم يمدحوا الغفور الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد، المبدي المعيد، إليك وإلا لا تُشدُّ الركائبُ - ومنك وإلا فالمؤمِّل خائبُ
    وفيك وإلا فالغرام مضيّعٌ - وعنك وإلا فالمحدِّثُ كاذبُ
    هذه الخطبة في مدح الله
    الله أهل العظمة والكبرياء.. الله تفرد بالبقاء.. وجل عن الشركاء.. وأبدع كل شيء كما يشاء.
    الله أهل العظمة والكبرياء.. الله أهل التسبيح والتحميد والتمجيد والتقديس والثناء.
    سبحانه ما أعظم شانه.. سبحانه ما أدوم سلطانه.. سبحانه ما أوسع غفرانه.. سبحانه سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها والأرض وسكانها، والبحور حيتانها، والسادات وعبيدها، والأمطار ورعودها، والأشجار وثمارها، والديار وأطلالها "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"
    سبحانك كل معترف بجودك، فإنك لفطرته خالق، ولفاقته رازق، وبناصيته آخذ، وبعفوك من عقابك عائذ، وبرضاك من سخطك لائذ، إلا الذين حقت عليهم كلمة العذاب.. فالقضاء فيهم نافذ.. ووالله ورب الكعبة لو سبحناك ليلاً ونهاراً وسرا جهارا ما بلغنا حقك وعظمتك ومجدك وكبريائك مثقال ذرة."فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"
    سبحان من هو لا يزال مسبّحاً *** أبداً وليس لغيره السبحان
    سبحان من لاشيء يحجب علمه *** فالسر أجمع عنده إعلان
    سبحان من تجري قضاياه على *** ما شاء منها غائب وعيان
    سبحان من هو لا يزال ورزقه **** للعالمين به عليه ضمان
    سبحان من في ذكره طرق الرضى *** منه وفيه الروح والريحان
    لماذا الحديث عن الله أهل العظمة والكبرياء؟ لأن الحديث عنه أعظم كلام، وأجمع كلام، وأحلى كلام، لماذا الحديث عن الله؟ لأن القرآن كله جاء في الحديث عنه في عظمته في خلقه في أمره في نهييه في قضائه في تصريفه في تدبيره.
    لماذا الحديث عن عظمة الله؟ لأن عظمة العظيم العزيز الجبار ضعفت في قلوب كثير من البشر، فاعتدوا على محارم الله وطغوا، وفرطوا في جنب الله وبغوا، فضعفت في قلوبهم هيبة الله، وتناسوا سطوة الله، وتغافلوا عن جبروت الله، وما قدروا قوة الله وبطش الله، فها نحن اليوم نتكلم عنه والحياء يملأ وجوهنا، والخجل يعم قلوبنا، فمن نحن حتى نمدحه أو نمجده أو نثني عليه لكن نقدم العذر بين يديه أننا لا نستطيع أن نتكلم عن كل عظمته أو نحيط بها قدراً وعلماً، لكن حديثنا اليوم ما هو إلا ذرة في عظمته، وبيانا لهمسته من جلالته وهيبته.
    الله أحق من مدح وأجل من ذكر وأعظم من عُبد:
    "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..."
    فهذا الكون كله جباله ووديانه، صحراؤه وبحاره، كل هذا الكون إنما هو على أصابع القوي القهار يوم القيامة. ومن عظمته ما ورد في بعض الآثار الإسرائيلية يقول عز وجل: "أيؤمل للشدائد غيري والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم؟ ويرجى غيري ويطرق بابه بالبكرات، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ ومن ذا الذي أمّلني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتح له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أليست الدنيا والآخرة، والكرم والفضل كله لي؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعت أهل السموات والأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع، وبلّغت كل واحد منهم أمله، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، كيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي ويا بؤساً لمن عصاني، وتوثب على محارمي.
    عظمة علم الله:
    الله أكبر إذا كانت هذه المواهب والقدرات والفهوم والعقول هي خلق من خلقه، ورزق من رزقه فكيف بقدرة مانحها؟ وعلم معطيها؟ وعظمة واهبها.
    علمه سبحانه علم من اطلع على السرائر، وكشف ما في الضمائر، وأحاط بالأول والآخر، والباطن والظاهر.. "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ".
    سبحانه علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون،سبحانه الورقة تسقط بعلمه، الهمسة تنبس بعلمه، الكلمة تقال بعلمه، النية تعقد بعلمه، والقطرة تنزل بعلمه، والخطوة تنقل بعلمه، جاءت خولة بنت ثعلبة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها، تُسرّ إليه بحديثها وعائشة في ناحية الغرفة ما تسمع حديثها، وينزّل الله على رسوله "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، فماذا أمام عائشة أن تقول إلا: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات.
    أرسل موسى إلى فرعون فشكا له موسى جبروت فرعون، وظلمه وبطشه فقال الله "إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى". بات نفر من المنافقين يحيكون الدسائس للمسلمين فأنزل الله "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً".

    اقول ماتسمعون واستغفر الله

    الخطبة الثانية
    الحمد لله الحمدلله الحمد لله
    سبحان الله من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء، يا الله أي عظمة تلك في ملائكته، وأي خلقة تلك خلقتهم، جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة العرش قرناه عند عرش الرحمن، ورجلاه تخطان في الأرض السابعة، وما بين أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام".
    يا الله هذا ملك من ملائكته عبد من عبيده فكيف بمالك الملائكة؟ جاء في الحديث: "خلق الله الملائكة أصنافاً وإن منهم لملائكة قياماً صافّين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلّى الله تبارك وتعالى، ونظروا إلى وجه الكريم، قال سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".
    وأي شيء تلك هي جهنم تجر يوم القيامة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، ما أعظم شفيرها وما أبعد قعرها وما أعظم خلقها، وما أشد بأسها "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" ومع هذا كله أي شيء هو خوفها من ربها، له خاضعة وبين يديه طائعة، في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد ؟! حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط، وعزّتك، ويزوي بعضها إلى بعض".
    يا سبحانه ما أعظمه شديد القهر، عليّ القدر، المتكبر، "إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ"، "إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ" من الذي أرغم أنوف الطغاة عداه، ومن الذي خفض رؤوس الظلمة سواه، أهلك الفراعنة، وكسر الأكاسرة، وقصر الأقاصرة، ومزق الجبابرة، شمخت عاد واستكبرت، واغترت وعلى العظيم تألّت، وقالوا من أشد منا قوة فأجابهم الله قولاً وفعلاً: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ".
    نافع مانع قوي شديد *** قاصم ظهر كل باغٍ وعات
    كم تألّى ذوو عناد وكفر *** فاستحالت عروشهم خاويات
    كم أتى بطشه فأردى شعوباً *** لاهيات في دورها آمنات
    وله الكبرياء هل من ولي *** غيره قد أباد كل الولاة
    عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
     
  7. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    خطبة الجمعة : مراقبة الله ..
    الخطبة الأولى :
    الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض و ما بينهما و إليه المصير.. عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير..
    أشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. بيده الأمر و التدبير..وله الحكم و التقرير.. وهو على كل شيء قدير..
    وأشهد أن حبيبنا البشير..وقدوتنا الأثير..وإمامنا الكبير..وبدرنا المنير .. محمدا عبدالله و رسوله.. المبعوث رحمة للعالمين..و الهادي إلى الله بالحجة و الحكمة و البرهان المبين..
    اللهم صل عليه و على آله الأكرمين الأطهرين ..وعلى أصحابه الغر الميامين..و على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
    أما بعد ........ إخوة الإيمان و العقيدة :
    خرج عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مع أصحابه في سفر.. فلما حان وقت الغداء.. جلسوا عند ظل شجرة يأكلون..فمر بهم راعي غنم.. شاب, من شباب الإسلام ..قال له ابن عمر..هلمّ إلى الطعام ..فقال الراعي..إني صائم..قال ابن عمر..أفي مثل هذا اليوم الشديد الحر..و أنت بين هذه الشعاب..وخلف هذه الغنم..قال الراعي..أعد ذلك ليوم أشد حر منه.. قال له فبعنا شاةمن غنمك.. ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه، ونعطيك ثمنها .. قال الراعي ..أنا لست صاحبها..إنما هي لسيدي و مولاي.. قال ابن عمر ..قل لسيدك أن الشاة أكلها الذئب.. فقال الراعي.. إن قلت له أكلها الذئب وثق بي وصدقني..ولكن أين الله..!.. فبكى ابن عمر.. وعند عودته من سفره..سأل عن سيد الراعي فاشترى منه الراعي و الغنم..فأعتق الراعي و أعطاه الغنم..
    نعم أيها المؤمنون.. تعالوا نسأل قلوبنا أين الله.. ونحن نعلم علم اليقين ..أن الله هو الذي خلقنا..و أنعم علينا بالحياة..أين الله..و نحن نعلم أن ما بنا من نعمة فمن الله..أين الله و نحن نعلم أن الله أمرنا بعبادته وبخشيته و تقواه .. أين الله و نحن نعلم أن الله يعلم سرنا و جهرنا و ما تخفي صدورنا ..إن كانت القلوب تعلم أن الله هو الخالق ..وأن الله هو الرازق..و أن الله هو المنعم..و أن الله هو العليم..فكم من حيز يشغله الله في قلوبنا.. ما دور الإيمان في القلوب..و نحن نقرأ القرآن.. نقرأ قوله تبارك و تعالى.. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وقوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ..فهل جعلنا من الرقيب رقيبا..هل جعلناه حاضرا.. وهو الحاضر معنا.. وهو المطلع على نوايانا قبل أعمالنا و أقوالنا.. إن معنى المراقبة ..أن يتيقن المؤمن أن الله مطلع عليه..يراه ويسمعه..ويعرف نيته..ولذلك لما سأل جبريل عليه السلام..رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عن الإحسان..قال له الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه..فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. و ما أجمل الإحسان.. إن لم تصل إلى القرب من الله فتراه في كل أمر..وتراه في كل تعامل..و تراه في كل حين..فلا بد أن تستحضر شعورك و إحساسك أن الله يراك..وأنه يراقب حركاتك و سكناتك..و هو الذي أمرك بالطاعة ..و هو الذي أمرك بكل خير..و نهاك عن كل شر..فاجعله أمامك في كل حين.. أراد أحد المعلمين الصالحين.. أن يربي تلاميذه على مراقبة الله.. أن يزرع في قلوبهم رقابة الخالق..فأعطى كل واحد منهم طائرا..وقال لهم ليذبح كل واحد منكم طائره في مكان لا يراه فيه أحد..وانطلق التلاميذ..ثم عادوا وفي يد كل واحد منهم.. طائره مذبوحا .. إلا واحدا منهم..وقف بين التلاميذ وطائره حي..فقال له المعلم ..لقد ذبح كل تلميذ طائره ..وأتيت بطائرك حيا..قال له يا سيدي.. أمرتنا أن نفتش عن مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبت إليه, إلا وكان الله فيه يراني .. حين ينشأ الشباب المؤمن على معية الله..حين تربى الأجيال على الشعور بمرافقة الله.. يختفي الحرام..و تتنزل البركة..و تغيب اللهفة ..و تحضر القناعة.. حين يكون الله حاضرا في قلبي الأبوين..تسعد الأسرة..و يلتمّ شملها.. ويصلح الله أمرها..دنيا و أخرى..حتى في الجنة..الوالد الصالح و الأم التقية..حين يرفعهما الله الدرجة العلية من الجنة ..ويستقر الأبناء في درجة دون درجة الآباء.. يرفع الله الأبناء ليجمعهم مع آبائهم في جنات النعيم..لتأنس الأم.. ويفرح الأب.. و هما في الجنة ..يقولالله عز وجلوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتبَعَتهُمْ ذريَّتهُمْ بِإِيمَانٍ.. أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذريَّتهُمْ وَمَا أَلَتناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ..أورد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِى دَرَجَتِهِ فِى الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِى الْعَمَلِ.. حين يكون الله حاضرا في قلب المؤمن ..تستقيم الجوارح..فلا يسمع إلا حلالا..و لا ينظر إلا حلالا..و لا يمس إلا حلالا..سمح في بيعه.. سمح في شرائه..طيب في تعامله..صادق في كلامه..يغمر مَن حوله بخيره..فإذا اتسم المجتمع نساء و رجالا..كبارا و صغارا بهذه العقيدة..أن الله مع الجميع .. وأن الله يرى الجميع.. وأنه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ .. وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ.. إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا .. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ..يعلم السر و أخفى.. يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور..وهو الذي بيّـن للجميع كل شيء.. فصّـله تفصيلا.. حتى لا يبقى الغافل في غفلته.. و لا يعيش الجاهل في جهله.. فقال تبارك و تعالى.. وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ..
    إياك يا ابن آدم..أن تنسى تحذير الله..إياك يا مؤمن أن تغفل عن معية الله..
    إذا أيقن الجميع بمعية الله.. اطمأنت القلوب ..و سعدت الأنفس ..و تفتحت الحياة..و تنزلت الرحمات..و فرحت الأرض و السماوات..
    ومع هذه المعية الربانية.. و من رحمته بنا .. فقد أرسل الله معنا شهودا.. من ملائكته الكرام..هم لنا وعلينا.. يكتبون حسناتنا.. يجمعون أعمالنا الصالحة..و كذلك يكتبون سيئاتنا.. وهم لا يفارقونا.. لا بليل و لا في نهار..وأعلمنا الله بذلك.. فقال عز وجل.. وَإِنَّعَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَاتَفْعَلُونَ* وقد أعطاهم الله الحضور الدائم ..و منحهم من علمه بنوايا الإنسان علما.. جاء في الحديث المتفق عليه.. و المتن من صحيح الإمام البخاري ..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال..يقول الله عز وجل..- يقول للملائكة - إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة ..ً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها.. فإن عملها فاكتبوها بمثلها.. وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ً.. وإذا أراد أن يعمل حسنة.. فلم يعملها.. فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائةضعف
    وأنما يكتبه الكرام الكاتبون.. سيجده الإنسان أمامه يوم القيامة.. يقول ربنا و خالقنا جل جلاله وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُطَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباًيَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَعَلَيْكَ حَسِيباً..يوم القيامة .. يوم الحسرة و الندامة..على من غفل في دنياه عن أمر الله..يوم يقول أهل المعصية يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.. فاحذر أيها المؤمن..احذر الله.. و عش في رحابه ..و بمعيته..اجعل الله تجاهك ..اجعله معك في كل حين..ينالك رضوانه دنيا و آخرة..
    إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل
    خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ
    ولا تحسبـن الله يغفـل ساعــة
    ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيبُ
    فيا ليت أنّ الله يغفر ما مضى
    ويأذنْ لنـا في توبةٍ فنتــوب
    اللهم تب علينا واجعلنا من عبادك التوابين..اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم..و جد علينا إنك أنت الجواد الكريم..اللهم تب علينا توبة نصوحا.. وافتح علينا من فتوحاتك فتوحا..ونسألك اللهم حسن الفعال ..و صدق المقال.. و سلامة المآل
    أقول قولي هذا..و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \
    الخطبة الثانية :
    إن الحمد لله..نحمده حمد الأتقياء الطائعين..و نثني عليه ثناء الشاكرين.. و نسبحه ما لهجت بذكره ألسنة الذاكرين..و نشهد أن لا إله إلا الله..ولي الصالحين..و نشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا رسول الله..المبعوث رحمة للعالمين..صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين..وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد.... أيها المؤمنون و المؤمناتُ عبادَ الله ...
    إن المؤمن إذا استقر في قلبه أن الله يراه..و أن الله لا تخفى عنه خافية.. و أن الله يعلم ما تخفي الأنفس و تكنّ الصدور.. هذا المؤمن ..لا يغفل عن طاعة الله .. هذا المؤمن يأنس بمعية الله.. هذا المؤمن يخاف الله و يخشاه.. ولذلك ..من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن و مؤمنة ..قوله .. اتق الله حيثما كنت... و هذا منهج الصالحين .. و طريق عباد الله المخلصين..
    الربيع بن خيثم رحمه الله..و هو تابعي ورع.. و التابعي هو من عاش مع الصحابة ولم ير النبيء صلى الله عليه و سلم..الربيع بن خثيم قال له الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : يا ربيع والله لو رآك الرسول صلى الله عليه وسلم لأحبك..كان رحمه الله ..حفر تحت سريره حفرة.. ؛ فإذا وجد في قلبه قسوةً..وفي نفسه لهوة.. و في حضوره مع الله غفلة.. نزل في تلك الحفرة ؛ وكان يمثل نفسه أنه قد مات... وندم على ما فات.. وسأل الله الرجعة ..فكان يقول وهو ممدد في الحفرة : رب ارجعون لعلي اعملُ صالحاً فيما تركت.. فيبقى يردد الآية وهو يبكي.. و يرددها وهو يبكي .. ثم يقوم.. فيقول لنفسه..ها قد رجعت يا ربيع..ها أنت في الدنيا يا ربيع.. فاغتنم أيام عمرك يا ربيع.. وإياك أن تنس الله.. وكن دائم الصلة بالله..
    اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، وأسعدنا بتقواك، ومتعنا برؤياك، واجمعنا مع نبيك ومصطفاك ..اللهم اغننا بحلالك عن حرامك.. وبطاعتك عن معصيتك..و بفضلك عمن سواك.. اللهم اغفر لنا ما كان في السر والعلن..و عافنا من المعاصي ما ظهر منها و بطن .. و احفظنا و أهلنا و بلدنا من الفتن..واسترنا بحفظك من الأمراض والمحن.. اللهم و أحيينا في الدنيا مؤمنين طائعين..و توفنا على حسن ختام تائبين..واجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين..واكتبنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين.. اللهم اغفر لآبائنا و أمهاتنا..و أحيائنا و أمواتنا..واجعلنا من الصالحين.. برحمتك يا أرحم الراحمين..يا أكرم الأكرمين.. يا خالق الخلق أجمعين..يا غياث المستغيثين..يا أنيس الصالحين.. يا جليس الذاكرين..يا مجيب السائلين..نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..وذلا و خذلا نا لمن يحارب هذا الدين..و نصرا مؤزرا لإخواننا في العراق و في فلسطين..
    اللهم أمنا في دورنا ..ووفق إلى الخير و الصلاح ولاة أمورنا..واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
     
  8. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    حتى لا نفقد النعم التي ننعم بها
    الخطبة الأولى
    الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    اخواني ننعم في هذه الأيام بنعم لا تحصى ولا تعد من امن وايمان وصحة في الأبدان ورغد في العيش وإن تعدوا نعت الله لا تحصوها نعم تأتينا من كل مكان ونحن آمنين مطمئنين ونرى مع ذلك منكرات في صفوف الشباب والشابات من ترك وتأخير للصلوات ومن تبرج ومعاكسات ومن قنوات تبث سموم الغرب وفجورهم على ابنائنا وبناتنا
    هذه الجمعة بعنوان حتى لا يغير الله علينا هذه النعم
    أيها المسلمون: يقولُ اللهُ تعالى في كتابهِ الكريم: وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون في هاتين الآيتين الكريمتين، يعرضُ القرآنُ الكريم، مثلاً مضروباً، مُسَاقاً للعظةِ والعبرة، لقريةٍ من القرى كانت تنعمُ بأمنٍ واستقرار، وطمأنينةٍ ورغدٍ من العيش، يأتيها رزقُها من كل مكان، لا يعرفُ أهلُها الجوعَ والخوف، ولا الفاقةَ والحرمان، فهم في أوجِ لذاتِهم، وغايةِ سعادتهِم لكنَّ أهلَ القريةِ المغفلين، ظنوا أنَّ ذلك بسببِ حسبهِم ونسبهِم، ومكانتهِم عند الله تعالى، وأنهم يستحقون ذلك لفضلهِم وتميزهِم عند الناس، فتجرأَ المغفلون، تجرءوا على انتهاكِ محارمِ الله، وتجاوزِ حدودهِ سبحانه، مغترينَ بإمهالِ اللهِ لهم، وصبرِه على انحرافهِم وظلمهِم وبغيهِم، فبدلاً من أنْ يشكروا ربهم، ويعترفوا بإحسانِه إليهِم وتفضلِه عليهِم، ويلتزموا حدودَه، ويعرفوا حقوقَه، إذا بهم يتنكرون للمنعِم العظيم، ويتجرءون في سفهٍ وغرور، على العزيزِ الحكيم، الذي يقول: يا عبادي فاتقون ويقول: وإياي فارهبون فماذا كانتْ النتيجة، وما هي النهايةُ والعاقبة، بعد ذلك الإمهالِ، والصبرِ الجميل؟! إنَّ القرآنَ الكريم، يختصرُ العقوبةَ المدمرة، والنهايةَ الموجعة، في كلمتين اثنتين، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
    إذاً فرغدُ العيش، وسعةُ الرزق، يتحولُ في طرفةِ عين، ولمحةِ بصر، جوعاً يَذهبُ بالعقول، وتتصدعُ له القلوبُ والأكباد، وإذا البطونُ الملأ، والأمعاءُ المتخمة، يتضورُ أصحابُها جوعا، ويصطلون حسرةً وحرمانا، وإذا الأمنُ الذي، كانوا يفاخرون به الدنيا، وينسونَ في عجبٍ وغرور، المتفضلَ به سبحانه، والمنعمَ به جل جلاله، إذا به ينقلبُ رعباً وهلعا، لا يأمن المرءُ على نفسِه وعرضِه فضلاً عن مالهِ وملكه، فانتشر المجرمون والقتلة، يسفكونَ دماءَ الناس، وينتهكونَ أعراضَهم، ويحوزونَ أموالهَم، وأصبح باطنُ الأرض، خيراً من ظاهِرها، في تلك القريةِ البائسةِ المشؤومة.
    والقرآنُ الكريم، حين يعرضُ بوضوحٍ وجلاء، مآلَ تلكَ القريةِ، الظالمِ أهلُها، ويقررُ أنَّ ما أصابهَم، هو بسببِ ما اقترفتُه أيديهِم، من التمردِ والجحود، ونكران الجميل، حين يعرضُ القرآنُ ذلكَ كلَّه، فهو إنما يخاطبُنا نحن الحاضرين، ويخاطبُ غيَرنا، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، يحذرُنا أن نقعَ في ذاتِ الخطأ، الذي وقعوا فيه، فنؤولُ لذاتِ المآلِ الذى آلوا إليه، ولقد ذاقت هذه الأمة، ألوناً من العقوباتِ المدمرةِ، التي يشيبُ من هولهِا الوالدان، ولولا أنَّ الذي سطَّرها في كتبهِم ونَقلَ لنا أخبارَها في مصنفاتِهم، هم أئمةُ الإسلامِ المحققون، كابن كثير والذهبي، وغيرهِما، لظننا ذلك ضرباً من الخيالِ والتهويل.
    فإليكم طرفاً، مما حدثَ لهذه الأمة، حينَ كفرتْ بأنعمِ الله، واستجابتْ لداعي الهوى والشيطان، لعلنا نتعظ ونعتبر، ونلجأ إلى ربنا، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه.
    ذكر ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ خبرَ الطاعون، الذي أصاب، مدينةَ البصرةَ العراقية، قال: فمات في اليومِ الأول سبعون ألفا، وفي اليوم الثاني، إحدى وسبعون ألفا، وفي الثالث ثلاثةٌ وسبعون ألفا، وأصبح الناسُ في اليوم الرابع موتى إلا قليل من آحاد الناس، قال أبو النُفيد، وكان قد أدركَ هذا الطاعون، قال: كنَّا نطوفُ بالقبائلِ وندفنُ الموتى، فلما كثروا لم نقو على الدفن، فكنَّا ندخلُ الدار، وقد مات أهلُها، فنسدُ بابهَا عليهم، وفي أحداثِ سنةِ تسعٍ وأربعين وأربعمائة، من الهجرة، ذكر ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ خبرَ الغلاءِ والجوعِ الذي أصابَ بغداد، بحيث خلتْ أكثرُ الدور، وسُدَّت على أهلِها الأبواب، لموتِهم وفناءِهم، وأكلَ الناسُ الجِيفَ والميتة ،من قلةِ الطعام، ووجُد مع امرأةٍ فخذُ كلبٍ قد أخضَّر، وشَوَى رجلٌ صبيةً فأكلَها، وسقطَ طائرٌ ميت، فاحتوشته خمسةُ أنفس، فاقتسموه وأكلوه، ووردَ كتابٌ من بخارى، أنَّه ماتَ في يومٍ واحد، ثمانيةَ عشرَ ألفَ إنسان، والناسُ يمرون في هذه البلاد، فلا يرون إلا أسواقاً فارغة، وطرقاتٍ خالية، وأبواباً مغلقة، وجاء الخبرُ من أذربيجان، أنَّه لم يسلمْ من تلك البلاد، إلا العددُ اليسير جدا، ووقع وباءٌ بالأهوازِ وما حولها، حتى أطبق على البلاد، وكان أكثرُ سببِ ذلك الجوع، فكان الناسُ يشوونَ الكلاب، ويَنبشونَ القبور، ويشوونَ الموتى ويأكلونهم، وليس للناسِ شغلٌ في الليل والنهار، إلا غسلُ الأمواتِ ودفنُهم، وكان يدفنُ في القبرِ الواحد، العشرونَ والثلاثون، وذكرَ ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في أحداثِ سنةِ اثنتين وستين وأربعمائةٍ من الهجرة، ما أصابَ بلادَ مصر، من الغلاءِ الشديد، والجوعِ العظيم، حتى أكلوا الجيفَ والميتةَ والكلاب، فكان الكلبُ يباع بخمسةِ دنانير، وماتت الفيلة، فأكلتْ ميتاتُها، وظُهِرَ على رجلٍ يقتلُ الصبيانَ والنساء، ويدفنُ رؤوسَهم وأطرافَهم، ويبيعُ لحومَهم، فقُتلَ وأُكلَ لحمُه، وكانت الأعراب، يقَدَمون بالطعام، يبيعونَه في ظاهرِ البلد، لا يتجاسرون على الدخول، لئلا يُخطفَ ويُنهبَ منهم، وكان لا يجسُر أحدٌ أن يدفنَ ميتَه نهاراً، وإنما يدفنُه ليلاً خُفيةً، لئلا يُنبشَ قبُره فيؤكل، وفي سنةِ ثلاثٍ وتسعين وخمسمائةٍ من الهجرة، ورد كتابٌ من القاضي الفاضل، إلى ابن الزكي يخبُره فيه، أنه في ليلةِ الجمعة، التاسعِ من جمادى الآخرة، أتى عارضٌ ـ يعني سحاب ـ فيه ظلماتٌ متكاثفة، وبروقٌ خاطفة، ورياحٌ عاصفة، فقويَ الجو بها، واشتدَّ هبوبُها، فرجفتْ لها الجدرانُ واصطفقتْ، وتلاقتْ على بعدِها واعتنقتْ، وثار السماء والأرض عجاجا، حتى قيل: إن هذه على هذه قد انطبقت، ولا يحسب إلا أن جهنم، قد سال منها واد ،وعاد منها عادٍ، وزادَ عصفُ الريح، إلى أن أطفأَ سُرجَ النجوم، ومَزَّقت أديَم السماء، فكنا كما قال الله تعالى: يجعلون أصابعهم في آذنهم من الصواعق ويردونَ أيديهَم على أعينهِم من البوارق، لا عاصمَ لخطفِ الأبصار، ولا ملجأ من الَخطْبِ، إلا معاقلُ الاستغفار، وفرَّ الناس، نساءً ورجالاً وأطفالا، ونفروا من دورِهم، خفافاً وثقالا، لا يستطيعونَ حيلةً ولا يهتدون سبيلا، فاعتصموا بالمساجدِ الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناقٍ خاضعة، وبوجوهٍ عانية، ونفوس عن الأهل والمال سالية، ينظرون من طرفٍ خفي ويتوقعون أيَّ خطبٍ جلي، قد انقطعتْ عن الحياةِ عُلَقُهم، وعميتْ عن النجاةِ طُرُقهم، ووردتْ الأخبار، بأنها قد كُسِرت المراكبُ في البحار، والأشجارُ في القفار، وأتلفتْ خلقاً كثيرا ًمن السُفَّار، (إلى أن قال)، ولا يحسبُ أحدٌ أني أرسلتُ القلمَ محرفاً، والعلم مجوفا، فالأمرُ أعظم، ولكنَّ الله سلم، انتهى كلامه رحمه الله.
    أيها المسلمون: إن هذه العقوباتِ المهلكة والكوارثَ المفجعة، ليست ضرباً من الخيال، وليس فيها شيء من التهويلِ والمبالغة، فالله يقول: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد لكن الذي نشأ، منذُ نعومةِ أظفاره، في بحبوحةٍ من العيش، لم يذقْ مرارةَ الجوع، طرفةَ عين، حريٌ به أن يعجبَ مما سمعَ كلَّ العجب، لكنْ سلوا الآباء والأجداد، الذين اصطلوا بنارِ الجوع، ولهيبِ الظمأ، دهراً طويلا، وارتعدتْ فرائصهُم وقلوبُهم من قطاعِ الطريق، وعصاباتِ السطو، في وضحِ النهار، يتضحُ أنَّه ليسَ في الأمرِ غرابةٌ من قريبٍ أو بعيد، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

    الخطبة الثانية
    أيها المسلمون: فإن للعقوباتِ أسباباً كثيرة، ورد ذكرُ بعضهِا في الكتاب والسنَّة، وجامعُها المعاصي والذنوب، والتكذيب والإعراض، فمن أسبابِ العقوباتِ المدمرة، والفواجعِ المهلكة، إقصاءُ الشريعة، عن الحكمِ والتشريع، أو تطبيقُها على أضيقِ نطاق، مع المنةِ والأذى، والله يتوعدُ الأمة، إن هي فعلتْ ذلك بالخزيِ والنكالِ في الحياةِ الدنيا، ولعذابُ الآخرةِ أشدُ وأبقى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون .
    ومن أسبابِ العقوبات في الدنيا قبلَ الآخرة، إشاعةُ الفاحشةِ في الذين آمنوا، وفي ذلك يقولُ ربنا جل جلالهإ: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ومن إشاعةِ الفاحشة، الدعوةُ للاختلاط ونزعِ الحجاب، وعرضُ الفساد والفنِ الرخيص، وبثُ السمومِ والأفكارِ المستوردة، مما لا يتسعُ المقام لسرده، وفي الأثر: "وما أعلن قومٌ الفاحشة، إلا عمتهم الأوجاعُ والأسقامُ التي لم تكن في أسلافهم".
    ومن أسبابِ العقوبات، منعُ الزكاة، تلك التي لو قامَ أثرياءُ المسلمين بأدائها، لما وجدتَ بين المسلمين فقيرا ولا محتاجا، واسمع إلى عقوبةِ الأمة، حين تبخل بزكاةِ أموالِها، قال عليه الصلاة والسلام: ((وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمْ لم يمطروا))، وقد يستخفُ أقوامٌ، بهذه العقوبة ويستطرفونها لأنهم اعتادوا تدفقَ المياهِ ووفرتَها في بيوتِهم، لكنهم لو قلبوا النظر يمنةً ويسرة، في البلادِ التي أصابَها القحطُ والجفاف، لعلموا أنهم كانوا واهمين، وعن الصراط لناكبين.
    ومن أسبابِ العقوبات كذلك: موالاةُ الكفارِ والتقربُ إليهم بالمودةِ والمحبة، وقد وضح القرآنُ الكريم أنه لا يتولى الكفار، ويتقرب إليهم إلا منافق ظاهر النفاق قال تعالى: بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً وقد حدثنا التاريخ عن عقوباتٍ حصلتْ لبعض الأمم التي والتِ الكافرين، كما حصل في بلادِ الأندلس عندما وإلى أمراءُ الطوائفِ النصارى، فنفض الصليبيون البساطَ من تحتِ أقدامهِم، وألقوا بهم في مزبلةِ التاريخ، وأصبحتْ هذه البلاد.. حسرةً في نفسِ كلِ مسلم، حين يذكرُ ما فيها من حضارةٍ وآثارٍ للمسلمين، ثم يذكرُ أولئكَ الأوباش، الذين أضاعوا ذلك الفردوس المفقود، بسبب ولائهم لأعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين.
    ومن أسبابِ العقوبات كذلك، تركُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، والذي بتركهِ تستفحلُ الفاحشة، وتعمُ الرذيلة، ويستطيلُ الشر، وتخربُ البلادُ والعباد، واسمع لعقوبةِ الأمة، حين تتخلى عن فريضةِ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ففي المسندِ وغيرهِ من حديثِ حذيفةَ رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) ألا فضّ الله أفواهاً، وأخرس ألسناً، تريدُ لهذهِ الفريضةِ أن تموت.
    ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك، انتشارُ الظالمِ في المجتمع، وغيابُ العدلِ فيه، فيأكلُ القويُ الضعيف، وينهبُ الغنيُ الفقير، ويتسلطُ صاحبُ الجاهِ والمكانة على المسالِم المسكين، وحين تسودُ هذه الأخلاقُ الذميمة، والخصالُ المنكرة، ولا تجدُ من يقولُ للظالِم: أنتَ ظالم، فقد آن أوانُ العقوبة، واقتربَ أجلُها لو كانوا يفقهون. فعند الترمذي وأبي داود قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الناسَ إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه)).
    ومن أسبابِ العقوبات، فشو الربا وانتشارُه، حيث تعاطاه الكثيرون، وأَلِفه الأكثرون، وقل له الناكرون، واللهُ يقول: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ويقول سبحانه: يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم وذهابُ بركةِ المال، ومحقُ عائدهِ ونتاجهِ ملموسٌ مشاهد، يعترفُ به المرابون، ضمناً وتصريحا، والعالمُ الإسلامي اليوم، يعاني الأزماتِ الاقتصاديةَ الخانقة لتورطهِ بتعاطي الربا، وإعراضِه عن الشرعِ المطهر، واستخفافِه بالوعيدِ الإلهي لأكلةِ الربا، ومدمنيه.
    ومن أسبابِ العقوباتِ كذلك، ظهور المعازف وشرب الخمور، وقد انتشر الغناء بين الناس حتى عد أمرا معروفا، واستمع يا رعاك الله إلى العقوبة المتعودة لأهله، قال عليه الصلاة والسلام: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)).
    أيها المسلمون: أسبابُ العقوباتِ كثيرة، والموضوعُ متشعبٌ وطويل، لكنْ في الإشارةِ ما يُغني عن العبارة، وما لا يُدرك كلُه، لا يتُرك جُله
    صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
     
  9. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الخطبةالاولى عن الهجرة


    الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصينعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، المعروف من غير رؤية، والخالق بلا حاجة،والمميت بلا مخافة، والباعث بلا مشقة، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته،مبدئ الخلق ووارثه، وإله الخلق ورازقهم، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهواللطيف الخبير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهورسوله: البشير النذير والسراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومنسار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعــد: فأوصيكمونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّننَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراًوَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَفَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].
    فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ حق التقوى،فتقوى الله فوز لكم في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى.
    عباد الله،
    لقد أرسل الله خير خلقه إلىالبشرية أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن غير أهلالكتاب وبدلوا، وصار العالم في ظلمات الشرك والجهل، فأرسل الله عبده محمداً إلىالناس جميعاً، قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِإِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَـٰهَإِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَـئَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّٱلأمّىّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْتَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
    فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار،ومنهم من يعبد الأحجار، والشمس والقمر والملائكة، والجن وعيسى بن مريم عليه السلام،والقبور والأولياء، فيدعونهم من دون الله، ويستغيثون بهم، ويلجؤون إليهم في كشفالشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم،ويجعلونهم وسائط يقربونهم إلى الله، ليرفعوا دعاءهم إلى الرب جل وعلا. ووجد الرسولالناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئونالجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال أو الحرام، الرباوالبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، وتأسس على هذا الدين الجاهلي مصالحومنافع، واعتبارات مادية ومعنوية، وتراكمت عليه عادات وأعراف، يشق على النفوسالفطامُ عنها، والتخلي عن عوائدها. فجاء رسول الله بدعوة الناس إلى شهادة أن لا إلهإلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد اللهوحده بالدعاء والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة وطلب النفع ودفع الضر والطوافوالسجود ونحو ذلك من أنواع العبادة التي هي حق الله وحده، قال الله تعالى: وَأَنَّٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن:18]، وقالتعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّتُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151]، وإفراد الرسول بالاتباع، قال تعالى: وَمَاءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7].
    جاء نبي الرحمة يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريموالاستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلىالتحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوهالحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة اللهسواء، يتفاضلون بالتقوى، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَمَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَنتُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَىٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُبِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءوَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .[النحل:90
    أخرج البخاري عن ابن عباسأن النبي خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى " يا صبحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم فقال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقام أبو لهب ينفض يديه ويقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله "تبت يد أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد".
    وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرض أبو طالب،دخل عليه مشيخة من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويفعلويفعل، ويقول ويقول، فأنصفنا من ابن أخيك، فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه، فقالأبو طالب: يا ابن أخي، ما بال قومك يشكونك، ويزعمون أنك تشتم آلهتهم؟! قال: ((ياعم، أريد أن يقولوا كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدي لهم بها العجم الجزية))، فقالأبو جهل: نقولها وعشراً، فقال عليه الصلاة والسلام: ((قولوا: لا إله إلا الله)) ففزعوا. وولوا مدبرين، وهم ينفضون ثيابهم، ويقولون: أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاًوٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ اخرجه احمد والترمذي وابن حبان.
    فقدعرفوا مدلول هذه الكلمة، وأنها تصوغ الإنسان صياغة جديدة على مقتضى الإسلام فيعبادته ومعاملاته وسلوكه وحياته كلها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: قُلْ إِنَّصَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَلَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:161، 162]،فهذا معنى لا إله إلا الله الذي نفر منه المشركون.
    دعا رسول الله الناس كلَّهمإلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، الذي هو أكبر واجبٍ في تاريخالبشرية كلها، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به فيالآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة،فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالنار، وتقليب العريان في شدةالرمضاء. والقتل
    ووقف في وجه دعوة رسول الله ثلاثة أنواع من الناس: المستكبرون الجاحدونالعالمون بالحق، والحاسدون المحترقون، والجهال الضالون. وكوّن هذا الثالوث جبهةعنيدة وحزباً شيطانياً لا يترك من سبيل ولا وسيلة إلا سلكها للصد عن سبيل الله،يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِوَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [الصف:8].
    واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق علىالدين الإسلامي، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله ، فقال جبريل عليهالسلام: ((إن الله أذن لك يا محمد بالهجرة إلى المدينة، فلا تبت هذه الليلة فيفراشك))

    وفي هذه الجمعة وهي اليوم الأول في هذه السنة تظلّنا هذه الأيامذكرى حادثة عظيمة من حوادث وأحداث تاريخنا الإسلامي، هذه الحادثة كانت إيذانا بعهدجديدٍ وتحوّل مهمّ في تاريخ الدعوة الإسلامية، تلكم هي هجرة رسول الله من مكة بيتالله الحرام إلى المدينة دار الهجرة،
    هاجر من مكة مطروداً، أغلقت مكة أبوابها في وجهه، ووقف في حمراء الأسد، يخاطب مكة، فبينه وبين مكة كلام رقيق مشوق.
    يقول لمكة: ((والذي نفسي بيده إنك من أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت))[1][5]. ثم تدمع عيناه ويذهب، ويأتي ابو جهل الى بيت ابي بكر ويسألها اين اباك فلم تخبره ففصفعها صفعة سقط قرطها من قوتها، لقي انواع الاذى فصبر يوضع السلا على رأسه وهو ساجد فلا يتحرك، وهم يضحكون، ثم تأتي فاطمة – رضي الله عنها – فتلقي السلا عن ظهره، فلما قضى رسول الله الصلاة قال: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد)).
    قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر[2][6]، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا رسول الله.
    أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، يطارد بعيداً بعيداً، يشج رأسه، ويدمى أصبعه، وتكسر رباعيته، فيصبر ويحتسب.
    وعقبة بن أبي معيط خنق رسول اللّه وهو يصلي عند الكعبة خنقاًشديداً. فدفعه ابو بكر وهو يقول (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَاللّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ )

    جاءت هجرة رسول الله بعد الرسالة بثلاثةعشر عاما، بعد أن أمضى رسول الله هذه المدة وهو يجاهد من أجل إبلاغ دين الله سبحانهومن أجل أن يهدي قومه والناس إلى طريق الله سبحانه صابرا محتسبا، يؤذى في سبيل اللهويرى أصحابه يؤذون ويعذَّبون ويقتلون ولا يزداد مع ذلك إلا صبرا ويقينا وطاعة للهسبحانه، وقد جاء الأمر بالهجرة إلى يثرب بعد أن بايع سكانها الأوس والخزرج رسولالله على الإيمان وعلى حمايته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم وكان ذلك حين جاؤوا مكةحاجين فكانت هذه البيعة مقدمة للهجرة المباركة.
    خرج رسول الله إلى المدينةمهاجرا إلى ربه وقد وعد الله من هاجر إليه أجرا عظيما، يقول سبحانه: وَمَنيُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةًوَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُالْمَوْت فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:100]. خرج إلى الهجرة بعد أن أعدت قريش العدة لقتله أو حبسه أو طرده، ولكنمكرهم عاد عليهم لأن هذا المكر لن يحيق بمن يرعاه الله ويؤيده ويسدده: إِنيَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِييَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُون [آلعمران:160]. أعدت قريش العدة لقتل رسول الله عن طريق عدد من شباب قبائلها حتىيتفرّق دمه بين القبائل، ولكن جبار السموات والأرض أبطل سحرهم ورد كيدهم إلىنحورهم، يقول سبحانه: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْيَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُالْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
    فتوجه الحبيب إلى حبيبه أبي بكر الصديق رضي اللهعنه ليخبره بأمر الهجرة، فما إن سمع الصديق بأمر الهجرة حتى كان همه الوحيد والكلمةالوحيدة التي قالها: (الصحبة يا رسول الله). عن عائشة أن رسول الله جاء إلى بيت أبيبكر في ذلك اليوم ظهرا على غير عادته، فلما دخل على أبي بكر قال: ((أخرج من عندك))،قال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي، يعني عائشة وأسماء، قال: ((أشعرت أنه قد أذنلي في الخروج؟)) قال: الصحبة يا رسول الله؟ قال: ((الصحبة))، قال: يا رسول الله، إنعندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: ((قد أخذتها بالثمن)) أخرجهالبخاري.
    هكذا كان شغف الصديق بنصرة الدين: (الصحبة يا رسول الله)، وهذا هوطلبه: الصحبة، وهي ـ عباد الله ـ ليست صحبة رجل ذا ثراء وأموال، وليست صحبة رجلذاهب في نزهة، وليست صحبة رجل يسافر إلى دولة يترفه فيها ويتنعم، وليست صحبة رجل لهموكب وحاشية وخدم وحشم، إنها صحبة رجل مطارد مطلوب رأسه، فعلام يحرص الصديق على هذهالصحبة ويفرح ويفتخر بها؟! إنه الإيمان الذي تميز به صديق هذه الأمة رضي الله عنه،والذي جعله يُسخِّر نفسه وأهله وماله من أجل الدعوة ومن أجل الهجرة، فقد عرض نفسهلمصاحبة وخدمة وحماية رسول الله في الهجرة، وأنفق ماله في إعداد العدة لذلك وفياستئجار الدليل، وعرَّض ابنه عبد الله للخطر حيث كان يمسي عندهما عندما كانا فيالغار ويصبح عند قريش يتسقط الأخبار، وكان مولاه عامر بن فهيرة يسرح بغنمه عندالغار ليسقيهم من لبنها، وكذلك فعلت أسماء التي حفظت السر والتي شقت نطاقها لتضعفيه طعامهما فسميت ذات النطاقين، فكانت عائلة الصديق كلها مجندة في سبيل اللهوخادمة لرسول الله .
    لقد هاجر رسول الله من أجل الدين لا من أجل الدنيا، فقد بقيفي مكة طيلة هذه المدة رغم الأذى الذي يتعرض له هو وأصحابه، لأنه كان يسير بأمرالله سبحانه، وكان يريد أن يبلغ دين الله سبحانه وأن يهدي البشرية إلى طريق السعادةالأبدية، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًاوَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45، 46]. هاجر من أجل الله ومن أجل الدعوة إلى الله سبحانه، وكذلك هاجر أصحابه رضوانالله عليهم من أجل دينهم ومن أجل المحافظة على دينهم لا من أجل الدنيا، بل إنهمتركوا الدنيا في مكة، فمنهم من هاجر وترك ماله، ومنهم من هاجر وترك بيته ومتاعه؛لأنهم لما نظروا إلى المال وإلى الدين وجدوا أن ضياع المال يُعوَّض، ولكن ضياعالدين لا يعوّض أبدا، وجدوا أن كسر المال والبيت والأهل يُجبر، أما كسر الدين فإنهلا يُجبر.
    وكل كسر فإن الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبران
    والهجرة إلىالمدينة تعتبر ثالث هجرة بالنسبة لأصحاب الرسول ، فقد هاجروا قبلها إلى الحبشةمرتين، وركبوا البحر وصارعوا الأمواج وتعرضوا للأخطار من أجل دينهم، وها هم يتركونمكة موطنهم وموطن آبائهم ومرتع طفولتهم وصباهم إلى المدينة استجابة لأمر اللهسبحانه وأمر رسوله . يمشي ابو بكر امامه وخلفه حتى وصلا غار ثور لا تدخل يارسول الله حتى ادخل انا
    أمضى في غار ثور ثلاث ليال هو وصاحبه أبو بكر ينتظران أنيخفّ عنهما الطلب حتى يخرجا إلى المدينة، وكانت قريش تبحث عنهما في جنون وتبعثبعيونها في كل مكان وتجعل الأموال الطائلة لمن يأتيها بمحمد ، وقد وصل كفار قريشإلى الغار الذي يختبئ فيه رسول الله وصاحبه، ولكن الله سبحانه صرفهم عنه وردهمخائبين،

    يقول أبو بكر كما في صحيح البخاري: قلت للنبي وأنا في الغار: لو أنّ أحدهمنظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: (ما ظنك ـ يا أبا بكر ـ باثنين الله ثالثهما؟!). إذاكان الإنسان في معية الله وفي عناية الله وإذا أيّد الله عبده ونصره فإن الكون كلالكون لن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه، ((ما ظنك ـ يا أبا بكر ـ باثنينالله ثالثهما؟!)).
    هكذا ـ عباد الله ـ لا يخاف العبد إذا أيقن أن الله معه،وهكذا يكون مسددا موفقا في كل ما يقدم عليه إذا كان مراعيا لمرضاة الله عز وجل،إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْإِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍلَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُاللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم [التوبة:40].
    لقد كانت الهجرةنتيجة صبر ثلاثة عشر عاما من الخوف والجوع والحصار والأذى، فكانت الثمرة على قدرالتعب وعلى قدر الصبر، وهكذا هذا الدين لا يعطي ثمرته إلا لمن صبر وثابر، أما مناستعجل النتائج فإنه يُحرَم وهذه سنّة كونية: "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقببحرمانه"، فدولة المدينة التي شعّ منها النور إلى كلّ الأرض كانت نتيجة لصبر مكّة،ورسول الله الذي خرج من مكة سرّا والناس يبحثون عنه وكانوا في المدينة كل يوميخرجون الشيوخ والشباب والأطفال من الصبح حتى الظهيرة ينتظرون المقدم الميمونينتظرون اعظم موكب عرفته الأرض فيعودون وقد احرقتهم الشمس ويخرجون من بعد العصر الىغروب الشمس دخل المدينة
    مشهد قدومه صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وترحيب الأنصار به ، حتى نستقي منذلك المشهد معنى الفرح به صلى الله عليه وآله وسلم ، قال تعالى : (( قُلْ بِفَضْلِاللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا )) [سورة يونس - آية 58] ، - :
    ((
    فرح أهل المدينة بقدومرسول الله عليه الصلاة والسلام ، فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار في الطريقبالابتهاج والشوق الشديد وبالحفاوة البالغة ، وصعد الرجال والنساء على الأسطح ،واصطف الخدم والصبيان في الطريق يقولون : الله أكبر جاء رسول الله جاء محمد صلىالله عليه وسلم ، ولعبت الحبشة بحرابهم ؛ سرورا ً بمقدمه صلى الله عليه وسلم ، وجعلالنساء والصبيان ينشدن :
    طلـع الـبـدر علـينا *** مـن ثـنـيات الوداع
    وجب الشكر علينا *** مـا دعــا لـلـَّـه داع

    وخرجت جوار ٍ من بني النجار يضربن بالدفوفوهن يقلن: (( نحن جوار ٍ من بني النجار يا حبذا محمدٌ من جار )) فخرج إليهم رسولالله صلى الله عليه وسلم فقال: (( أتحبوني؟ )) فقالوا: (( أي والله يا رسول الله )) قال: (( أنا والله أحبكم أنا والله أحبكم )) .
    قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (( فمارأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلالإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .
    وأشرقت يثرب بحلول النبيصلى الله عليه وسلم فيها وسرى السرور إلى القلوب ومن ذلك سميت يثرب بالمدينةالمنورة .
    وقال أنس رضي الله عنه: (( لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلىالله عليه وسلم المدينة أضاء من المدينة كل شيء )) ، وقال أيضا ً: (( شهدته عليهالصلاة والسلام يوم دخل علينا المدينة فلم أر يوما ً أضوأ منه ولا أحسن منه)) .
    عبد الله بن سلام. من علماء اليهود واحبارهمقال رضي الله عنه: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس وجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام). سنن الترمذي (2485).

    في احتفال عظيم يحفّ به الناس من كلّ جانب، كلّ منهم يطلبمنه أن ينزل عنده،
    وجاءوا بنو النجار متقلدين سيوفهم وهم قريباً من خمس مئة رجل ، وأحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما راكبان ، وأقبل صلى الله عليه وسلم يسير حتى نزل بجانب دار أبي أيوب الأنصاري فتساءل : أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب : أنا يانبي الله ، هذه داري ، وهذا بابي ، فنزل في داره . ثم أمر صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد في أرض كان فيها نخل لغلامين يتيمين من بني النجار وقد اشتراها صلى الله عليه وسلم ، وقام المسلمون بتسويتها وقطع نخيلها وصفوا الحجارة في قبلة المسجد . وتحقق للنبي ولأصحابه قول الله تعالى ووعده لعباده الصالحين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْوَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُممِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
    وها هي الدعوةالتي انطلقت من رجل فقير من قريش هو رسول الله ، معهرهط يسير ممن سبقوا إلى التصديق والإيمان أكثرهم من الضعفاء والموالي، ها هي يحملهااليوم أكثر من مليار إنسان في كافة أنحاء الدنيا، وها هو الإسلام يدخل كل بيت،ونداء الحق يرتفع في كل مكان، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِبِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَالَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَىالدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8، 9]، يقول : ((ليبلغن هذاالأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذاالدين، بعز عزيز أو ذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر)) أخرجه أحمد عن تميم الداري.
    هذا وعد صادق من الله لرسوله، ووعد صادق من اللهلأمة رسوله ولكل من سار على هدي رسوله سير السلف الصالح دون تبديل ولا تغيير ولازيادة ولا نقصان، فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على أن تكونوا ممن ينصر الله بكمالدين في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، أسأل الله أن يوفقنا لمرضاته، إنه ولي ذلكوالقادر عليه.
    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفرلكم، إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    الخطبةالثانية
    الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصليوأسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين على أفضل خلقه وخيرة رسله محمد بن عبد الله وعلىآله وصحبه أجمعين.
    لقد كانت الهجرة النبوية كما أسلفنا حدَثا عظيما من أحداثتاريخ هذه الأمة، وكانت محطّة مهمّة من محطات مسيرة الدعوة الإسلامية، فلا بد للأمةالتي تريد الرفعة في الدنيا والرفعة في الآخرة والتي تريد هداية الناس إلى الحقوالخير، لا بد لها أن تستخلص من حادث الهجرة الدروس الكافية الكفيلة بأن تخرج الأمةمن هذه الوهدة التي سقطت فيها وتعيدها إلى صدارة الأحداث، تعيدها إلى صناعةالتاريخ، تعيدها إلى موقع الفعل، فتكون فاعلة منفعلة كما كانت أيام النبي وأيامالصحابة والسلف الصالح، بدل أن تكون مفعولا بها على الدوام مقهورة ومغلوبة علىأمرها كما هي طيلة القرون المتأخرة.
    في الهجرة دروس في الامتثال لأمر الله ودروسفي الإيمان واليقين ودروس في التخطيط وعدم التسرع ودروس في التضحية والإيثار ودروسفي الحكمة وحسن التصرف، كل هذا وغيره ينبغي أن نستنبطه من أحداث الهجرة؛ لأن كلجوانب سيرة رسول الله وسيرة أصحابه هي منار للأمة وعبرة وتوجيه على الأمة أن تعملبه، يقول سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌلِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، ويقول سبحانه موجّها الأمة إلى الاعتبار بقصص الأمم السابقة وقصصالأنبياء عليهم السلام: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُِوْلِيالأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَيَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون [يوسف:111]، فإذا سارت الأمة بهدي هذا النهج وهذه السيرة العطرة وبسيرة السابقيننالت العزّ في الدنيا والآخرة وإذا فرّطت انفرطت وضاعت.
    واعلموا ـ عباد الله ـأنه كما هاجر الصحابة من أرض مكة إلى أرض المدينة امتثالا لأمر الله فإنهم هاجرواقبل ذلك هجرة لا تقلّ أهمية عن هذه الهجرة حيث هاجروا من الكفر إلى الإيمان ومنالمعصية إلى الطاعة، فهذه أيضا هجرة مهمة ينبغي لكل مسلم أن يهاجرها إن كان صادقافي التوجه إلى الله، ينبغي أن يترك معاصي الله سبحانه ومساخطه ويسعى إلى حياضالطاعة والنور، ينبغي أن يهجر كل ما نهى الله عنه حتى يكون مهاجرا إلى الله سبحانه،أخرج ابن ماجة عن فضالة بن عبيد أن رسول الله قال: ((المؤمن من أمنه الناس علىأموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب))، فهل فكّرنا في هذه الهجرةالتي لا تتطلب مالا ولا سفرا ولا تعرضا لخطر، بل تتطلب عزما وحزما، وتتطلب صدقاوإخلاصا في التوجه إلى الله سبحانه وفي نصرة دينه وإقامة شرعه؟!
    أسأل اللهسبحانه أن يوفقنا إلى صالح الأقوال والأفعال، وأن يجنبنا مواطن الزيغ والضلال، وأنينصرنا بدينه وينصر بنا دينه
















     
  10. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    هذه الخطبة عن اضرار المعاصي


    الخطبة الأولى

    الحمد لله...............

    ...
    إخوة الإسلام، إن الله جل وعلا لا يأمر إلا بما يتضمَّن كلَّ خير للعباد، وما يحقِّق المصالحَ في المعاش والمعاد. ومن هنا فالذنوبُ والمعاصي من أعظم الأضرار على العباد والبلاد، بل كلّ شرٍّ في الدنيا والآخرة فأساسُه ارتكابُ القبائح والموبقات، وسببُه اجتراحُ المعاصي والسيئات.
    الذنوبُ والمعاصي كم أزالت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أحلَّت من مذلّة وبَلية.
    معاشرَ المسلمين، للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ما يعود على الفرد والجماعة، وما يصيب القلبَ والبدن، وما يعمّ الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلاّ الله جل وعلا. وإن من أضرار الذنوب والآثار السيئة للمعاصي يعود على الناس كافة، ويضرّ بالمجتمعَ عامة.
    فمن تلك الأضرار البالغةِ والآثار السيئة أن المعاصي سببٌ لحرمان الأرزاق، وسببٌ لفشوّ الفقر وحرمان البركة فيما أُعطي العباد، جاء في المسند عن النبي : ((إن الرجل ليُحرَم الرزقَ بالذنب يصيبُه)) أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير ، والبيهقي من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان ، والحاكم ، وحسنه العراقي كما في مصباح الزجاجة،]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق) ومدارج المسالكين.
    المعاصي والذنوبُ متى تفشَّت في المجتمع تعسَّرت عليه أمورُه، وانغلقت أمامَه السبل، فيجدُ أفرادُه حينئذ أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً أمامهم، وطرقَها معسَّرة عليهم، ولا غرو فالله جل وعلا يقول: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].
    المعاصي سببٌ لهوان العبد على ربّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري رحمه الله "هانوا عليه فعصوه، ولو عزُّوا عليه لعصمهم" جامع العلوم والحكم
    ومتى هان العبدُ على الله جل وعلا لم يُكرمْه أحد كما قال سبحانه: وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج:18].
    وإن المجتمعَ المسلم متى فشت فيه المعاصي والموبقاتُ وعمّت بين أبنائه الذنوبُ والسيئات كان ذلك سبباً في ذلته وصغاره أمام المخلوقات جميعهاً، ففي مسند أحمد عن النبي : ((وجُعلت الذلة والصغارُ على من خالف أمري)) ابو داوود ، فالعزَّة إنما هي في تحقيق طاعة الله وطاعة رسوله ، مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].
    لما فُتحت قُبرص بَكى أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له: ما يبكيك في يوم أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله؟ فقال: (ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملكُ تركوا أمرَ الله فصاروا إلى ما ترى)الطبراني وابو نعيم في الحلية.
    جاء في المسند عن النبي أنه قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تتداعى الأكلةُ على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة يومئذ؟ قال: ((لا، وأنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، تنزَع المهابة من قلوب عدوّكم، ويُجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهة الموت))رواه احمد وابو داوود
    ، وفي المسند أيضاً وسنن أبي داود بسند حسن عن النبي أنه قال: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهادَ سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم)) وفي روايةٍ: ((أنزل الله عليكم من السماء بلاءً، فلا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)) رواه الامام احمد. ولذا كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك". روي هذا من دعاء جعفر بن محمد، أخرجه أبو نعيم في الحلية

    إخوة الإسلام، من آثار الذنوب والمعاصي على البلاد والعباد أنها تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في الماء والهواء والزروع والثمار والمساكن وغيرها، قال جل وعلا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]. والمراد بالفساد في الآية النقصُ والشرور والآلام التي تحدث في الأرض عند معاصي العباد، فكلَّما أحدثوا ذنباً أحدث الله لهم عقوبة، قال بعض السلف: "كلّما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبةً"، قال مجاهد: "إذا ولي الظالمُ وسعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطرَ، حتى يهلك الحرثُ والنسل"، ثم قرأ هذه الآية ثم قال: "أما والله، ما هو ببحركم هذا، ولكن كلّ قرية على ماءٍ جارٍ فهو بحر" اخرجه ابن جرير في تفسيره، وبمثله قال غيره من المفسرين.
    جاء في سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال : ((يا معشر المهاجرين، خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن: ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم، وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم)) ] أخرجه ابن ماجه في الفتن والبيهقي في الشعب ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة
    ، وفي المسند من حديث أم سلمة: ((إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده))اخرجه احمد والطبراني.
    إخوة الإيمان، ومن آثار المعاصي على العباد تسلّطُ الأعداء وتمكّن الأشرار من الأخيار، جاء عن النبي أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذاباً من عنده، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وحسنه المنذري وغيره.
    معاشر المسلمين، من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تزيل النعم، وتحلّ النقم، وتقلب الأمنَ مخاوف، والسعادةَ شقاءً والصلاح فساداً، وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، قال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)
    . فمتى غيَّر العبادُ طاعةَ الله جل وعلا بمعصيته، وغيَّروا شكرَه بكفره وأسبابَ رضاه بأسبابِ سخطه غُيِّرت عليهم النعمُ التي هم فيها، ومتى غيَّروا المعاصي بالطاعة غيَّر الله عليهم العقوبة بالعافية والذلَّ بالعز والشقاءَ بالسعادة والراحة والطمأنينة، إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ [الرعد:11]، ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
    أيها المسلمون، من عقوبات المعاصي والآثام انتشارُ الأمراض النفسيّة بين أفراد المجتمع، وحلولُ المخاوف والقلق، وحصولُ الهمّ والضجر. ذلكم أن الذنوبَ تَصرِف القلوبَ عن صحّتها واستقامتها إلى مرضها وانحرافها، فلا يزال القلبُ مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياتُه وصلاحُه، فتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوبُ أمراضُ القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها.
    قال جل وعلا: إِنَّ الأبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ [الانفطار:13، 14]، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولا تحسبنَّ أنّ النعيم في هذه الآية مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة هم كذلك، أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودارَ القرار. فهؤلاء ـ أي: أصحاب الطاعة ـ في نعيم، وهؤلاء ـ أصحابُ العصيان ـ في جحيم، وهل النعيم إلاَّ نعيمُ القلب؟! وهل العذاب إلا عذاب القلب؟! وأيّ عذابٍ أشدّ من الخوف والهمّ والحزن وضيق الصدر؟!" انتهى كلامه رحمه الله.
    ولذا ـ عباد الله ـ فأهلُ الطاعة والتقوى في مأمن من الهموم والغموم، وفي بعد عن الضجر والقلق، ذلك بأنهم حقّقوا طاعةّ الله، واجتنبوا معاصيَه، فربنا جل وعلا يقول: فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]، ويقول عز من قائل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:12].
    فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا طاعتَه تفلحوا، واجتنبوا معاصيَه تسعَدوا، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].
    بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.



    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمداً لا ينفد، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبّد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين.
    أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بوصية الله جل وعلا للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ [النساء:131].
    إخوة الإيمان، الذنوبُ والمعاصي تمحقُ بركةَ الدنيا والدين، تمحقُ بركةَ العمر والرزق، وبركة العلم والعمل وغيرها، بل ما مُحقت البركةُ من الأرض إلاّ بمعاصي الخلق، والله جل وعلا يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَاكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96]، والله جل وعلا يقول: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً [الجن:16].
    ولذا فيا عباد الله، إن معصيةَ العاصي تعود على غيره بشؤم هذا الذنب، فيحصل الضرر حينئذ على الجميع، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم) أخرجه ابن جرير في جامع البيان ، والبيهقي في الشعب
    ، ويقول غير واحد من أهل السلف: "إنّ البهائم تلعن عصاةَ بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم". أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير في جامع البيان
    الذنوبُ والمعاصي تجرِّئ على العبد ما لم يكن يجترئْ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترِئ عليه الشياطينُ بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين وإنسائه ما به مصلحتُه في ذكره ومضرّته في نسيانه، ويجترِئ عليه حينئذ شياطينُ الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، بل ويجترِئ عليه أهلُه وخدمه وأولادُه وجيرانه، قال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابّتي وامرأتي" روي من كلام الفضيل بن عياض، أخرجه عنه أبو نعيم في الحلية
    ، ذلكم أن اللهَ يدفع عن المؤمنين الطائعين شرورَ وأضرارَ الدنيا والآخرة، فالله جل وعلا يقول: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38].
    عباد الله، إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وارض الله عن الخلفاء الراشدين...
    اللهم ‏عليك بأعداء الملة واعداء الدين ‏فإنهم ‏لا ‏يعجزونك ‏يا ‏جبار ‏السموات ‏والأرض ‏
    اللهم ‏إحصهم ‏عددا ‏واقتلهم ‏بددا ‏ولا ‏تغادر ‏منهم ‏أحدا . ‏وأنزل ‏عليهم ‏عاجل ‏نقمتك ‏اليوم ‏أوغدا‏
    اللهم ‏أحزنهم ‏كما ‏أحزنونا ‏وآسفهم ‏كما ‏آسفونا
    اللهم ‏يتّـم ‏أطفالهم ‏ورمّـل ‏نساءهم ‏وعقّـم ‏أرحامهم ‏وأرّق ‏نومهم يامن ‏قلت ‏في ‏كتابك ادعوني استجب لكم
    ‏اللهم ‏آتي‏اليهود والروافض والحوثيين ‏وكل ‏من ‏والاهم ‏ضعفين ‏من ‏العذاب ‏والعنهم ‏لعنا ‏كبيرا ‏بقوتك ‏يا ‏جبار‏
    اللهم ‏اجعل ‏بيوتهم ‏عليهم ‏ردما ‏اللهم ‏اجعل ‏قنابلهم ‏عليهم ‏دمدما ‏وعويل ‏نساءنا ‏عليهم ‏همهم
    ‏اللهم ‏اجعلهم ‏عبرة للمعتبرين اللهم ‏ومن ‏أرادنا وبلادنا ‏والإسلام ‏بخير ‏فوفقه ‏لكل ‏خير
    ‏ومن‏أرادنا ‏والإسلام ‏بسوء ‏فاقسم ظهره ‏واجعل ‏كيده ‏في ‏نحره ‏ولا ‏تمهله بين ‏يومه ‏وأمسه
    اللهم ارسل عليهم حجارة من سجيل و ارمي الرعب و الذعر في قلوبهم
    اللهم ابعث عليهم رياح عاتية تقتلع جبروتهم اللهم
    اللهم إننا ضعفاء فقونا اللهم اننا فقراء فاغننا اللهم اننا جياع فاطعمنا اللهم اننا ضياع فأونا..
    اللهم لاملجا لنا سواك ياحي ياقيوم اللهم دمر اليهود الحاقدين والرافضة المجرمين ومن يؤيدهم وشتت شملهم وأأسر
    جنودهم واربك جيشهم ومخططهم آآآآآآآآآآآآآآمين يارب العالمين