الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
  1. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.........
    ....
    حديثنا في هذه الجمعة المباركة باذن الله تعالى عن مجيء الرب جل جلاله ومن هوأول من يكلمهم اللـه يوم القيامة .
    و العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب .

    أولاً : مجئ الرب جل جلاله

    أحبتى فى اللـه :
    يقول الحق جل وعلا :
    { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108)يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}
    [ طه : 108 - 111 ] .
    تنشق السماء وينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الإنس والجن .
    قال اللـه تعالى :
    {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا} [الفرقان:25].
    يقول ابن عباس : ينزل أهل السماء الأولى من الملائكة بضعف من فى الأرض من الجن والإنس فتحيط الملائكة بالخلائق فى أرض المحشر ، فإذا ما نظـرت الخـلائق إلـى الملائكـة قالـوا أفيكـم ربنـا ؟! فتقـول الملائكة : لا وهو آت .
    قال اللـه تعالى :
    { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } [ البقرة : 210 ].
    ويقول الحق سبحانه { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }
    [ الفجر : 22 - 26 ] .
    اللـهم سلم سلم .. اللـهم سلم سلم ياأرحم الراحمين .
    يأتى الحق جل وعلا إتياناً يليق بكماله وجلاله .
    لا تعطل صفة المجىء ولا تكيف صفة المجئ ، ولا تشبه صفة المجئ ، ولا تشبه اللـه بأحد من خلقه ، فكل ما دار ببالك ، فاللـه بخلاف ذلك .
    جل ربنا عن الشبيه والنظير وعن المثيل ، لا ند له ، ولا كفء له ، ولا شبيه له ، ولا صاحبة له ، ولا ولد له { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ سورة الاخلاص ] .
    قال جل جلاله { الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوىَ } [ طه : 5 ] .
    استوى كما أخبر وعلى الوجه الذى أراد وبالمعنى الذى قال . استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال
    .. سبحانه وتعالى . فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة .
    قال جل جلاله : { لَيسَ كَمثْلِهِ شَئٌ وَهُو السَّمِيعٌ البَصِيرٌ }
    [ الشورى : 11 ] .
    قال جل جلاله : { وِلا يُحيطُونَ بِهِ عِلمًا } [ طه : - 110 ] .
    قال جل جلاله : { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ } [ النحل : 74 ] .
    { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } :
    ثم يتنزل أهل السماء الثانية من الملائكة بضعف من فى الأرض من ملائكة السماء الأولى والجن والإنس فيحيط أهل السماء الثانية بأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن .
    وهكذا أهل السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة على قدر ذلك من التضعيف .
    ثم يتنزل حملة عرش الملك جل وعلا وهم يحملون العرش يسبحون اللـه سبحانه ويقولون : سبحان ذى الملك والملكوت .. سبحان ذى العزة والجبروت .. سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت . سبوح قدوس .. قدوس .. قدوس .. رب الملائكة والروح .
    اسمع لربك جل وعلا وهو يقول :
    { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(13)وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(14)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(15)وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(16)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } [ الحاقة : 13،18 ]
    ويضع الحق جل جلاله كرسيه حيث شاء من أرضه ويقول : يا معشر الجن والإنس إنى قد أنصت إليكم منذ خلقتكم ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا اليوم إلىّ ، فإنما هى أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم فمن وجد خيراً فليحمد اللـه ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
    ثم يقول الحق جل جلاله : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60)وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(61)وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ(62)هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(63)اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ(64)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
    [ يس : 60 - 65 ] .
    أتدرون من هم أول من يكلمهم اللـه فى هذا الموقف العصيب ؟ !!

    ثانياً : أول من يكلمهم اللـه جل وعلا

    أول من يكلمه اللـه جل وعلا يوم القيامة فى هذا الموقف العصيب هو آدم عليه السلام ينادى عليه الحق سبحانه كما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال : (( يقول اللـه تعالى : ياآدم فيقول : لبيك ! وسعديك ! والخير كله فى يديك ! فيقول اللـه جل وعلا ! أخرج بعث النار فيقول آدم : وما بعث النار ؟ فيقول اللـه جل وعلا : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين قال : فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بِسُكارى ولكن عذاب اللـه شديد )) فاشتد ذلك على أصحاب الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا : يارسول اللـه ! أينا ذلك الرجل فقال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (( أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم رجلُُ)) ثم قال : (( والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة )) فحمدنا اللـه وكبرنا ثم قال : (( والذى نفسى بيده إنى لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة )) فحمـدنـا اللـه وكبرنـا ثـم قـال : (( والذى نفسـى بيـده إنـى لأطمـع أن تكونـوا شطر أهل الجنة ، إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود أو كالرقمة فى ذراع الحمار )) رواه البخاري ومسلم .
    قال اللـه سبحانه وتعالى مخاطباً أمة المصطفى : { كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ } .
    اللـهم لك الحمد يامن خلقتنا موحدين وجعلتنا من أمة سيد النبيين .
    ثم بعد ذلك ينادى رب العزة تبارك وتعالى : يا نوح .. يقول لبيك وسعديك ، فيقول اللـه سبحانه هل بلغت قومك ؟ ! فيقول نوح : نعم يارب واللـه أعلم فيقول الحق جل جلاله : ياقوم نوح هل بلغكم نوح ؟! فيقولون لا ما أتانا من نذير وما آتانا من أحد ، فيقول من يشهد لك يانوح؟!! فيقول نوح : محمد وأمته !
    (( فتدعون فتشهدون أنه قد بلغ أمته ثم أدعى فأشهد عليكم ))رواه البخاري والترمذي وفى لفظ ابن ماجة بسند صححه الشيخ الألبانى يقول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: فيقول اللـه لأمتى ما الذى أخبركم أن نوح قد بلغ قومه ؟!
    فتقول الأمة الميمونة لربها جل وعلا : جاءنا نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأخبرنا أن الرسل جميعاً قد بلَّغوا قومهم فصدقناه .
    يقول المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فذلك قــول اللـه تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
    [ البقرة - 143 ] .
    ثم يدعى عيسى عليه السلام ويقال له ياعيسى : { ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [ المائدة : 116 ] .
    لماذا خص اللـه عيسى من بين سائر الرسل بهذا السؤال ؟!!
    لأنه ما من رسول بعث فى قومه إلا وقد آمن به من آمن من قومه ، وكفر من كفر ، إلا قوم عيسى فمنهم من قال : إن عيسى هو اللـه !! ومنهم من قال أن عيسى هو ابن اللـه !! ومنهم من جعل عيسى وأمه إلهين من دون اللـه !!
    فهل هناك إله يأكل ؟! إله يشرب ؟! إله يتزوج ؟! إله يقضى حاجته؟!!
    قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ المائدة : 116-117 ] .
    ثم يقول عيسى عليه السلام لربه الرحمن { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] .
    فيرد اللـه جل وعلا على عبده المصطفى ونبيه عيسى عليه السلام يقول :
    {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ المائدة : 119 ] .
    ثم يدعى جميع الرسل قال تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ].
    واسمع لله جل وعلا وهو يقول :
    { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[ الأعراف: 6] .
    يجمع اللـه سبحانه وتعالى الرسل بجلال العبودية بل وجلال العبودية فى جواب الرسل على اللـه جل جلاله وهم يقولون : { لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } .
    أيها الأخيار : يسأل الرسل والملائكة بل والأنبياء بل والشهداء ؟ فهل نُترك بعد هؤلاء ؟!!
    قال اللـه تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68)وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(69)وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } [ الزمر : 68 - 70 ] .
    ويبدأ العرض على اللـه جل وعلا وكيف يبدأ الحساب ؟
    هذا ما سوف نتعرف عليه بإيجاز بعد جلسة الاستراحة
    وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم


    الخطبة الثانية :
    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى أصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ، أما بعد .

    ثالثاً : العرض على اللـه جل وعلا وأخذ الكتب

    أيها الأحبة الكرام :
    بعد ذلك يبدأ الحساب وسنقف مع الحساب وقفات ، فالحساب يبدأ بالعرض على اللـه جل جلاله بالوقوف بين يدى الحق الملك العدل سبحانه فأنت فى أرض المحشر ستستمع إلى نداء الملائكة : أين فلان بن فلان ؟
    هــذا هو اسمى .. ماذا تريدون يا ملائكة اللـه ؟!
    أقبل للعرض على اللـه جل وعــلا !!
    وقد وكلت الملائكة بأخذك ، وسوقك فى أرض المحشرعلى رؤوس الأشهاد ، والخلائق كلها تنظر إليك ، فيقرع النداء قلبك ويصفر وجهك وترتعد فرائصك وتضطرب جوارحك وترى نفسك بين يدى الحق جل جلاله ليكلمك ليس بينك وبينه ترجمان كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال :
    (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه (أى عن يمينه ) فلا يرى إلا ما قدم ( أى فى هذه الحياة الدنيا ) وينظر أشأم منه ( أى عن شماله ) فلا يرى إلا مــا قــدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشـــق تمـــرة)) رواه البخاري والترمذي أى ولو بنصف تمره تتصدقون بها إلى اللـه جل وعـــلا .
    يقرع النداء القلب ويأمر اللـه تبارك وتعالى بالصحف وبالكتب فيأخذ كل إنسان صحيفته .
    تلك الصحيفة التى لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها . فكم من معصية قد كنت نسيتها .. ذكرك اللـه إياها . وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها .. أظهرها اللـه لك وأبداها .. فيا حسرة القلب ساعتها على ما فرطنا فى دنيانا من طاعة موالنا .
    اسمع لربك جل وعلا ، وهو يقول :
    { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْــفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُـــولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَـــالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيـــرَةً وَلا كَبِــــيرَةً إِلا أَحْصَــــاهَا وَوَجَـــدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
    [ الكهف : 47 - 49 ] .

    أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .
    .......... الدعــــــــــاء
     
  2. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الخطبة الأولى

    الحمد لله الذي خلق الموت والحياة وجعل الظلمات والنور وجعل لكل شيء نهاية، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
    عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

    عباد تكلمنا في نهاية الخطبة الماضية عن وقوفك ايها العبدبين يدي الله للحساب فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا ومنهم من يناقش الحساب ومنهم من ينكر الأعمال ولا يرضى بشهادة الملائكة الكاتبين ولا يقبل شهادتهم ويتكلم بين يدي الله ويقول لا اقبل شهادتهم في هذه الخطبة سنتكلم بإذن الله تعالى عن الشهود
    أخي الحبيب لو أنك عملت عملاً ما، ثم سُئلت عنه، فأنكرت، وقلت: إني لم أعمل هذا العمل، ثم جيء بشهود عدول شهدوا عليك بما فعلت، وأحضرت الأوراق التي تثبت ما عملت، ماذا يكون موقفك، من نفسك أمام هؤلاء الشهود؟ لاشك أنه موقف صعب، لا تُحسد عليه، إذا كان الموقف كذلك، فليفكر أصحاب المعاصي، وأصحاب المخالفات، والذين لا يأتمرون بأوامر الله عز وجل، بمن يشهد عليهم أمام الله عز وجل يوم القيامة، في ذلك اليوم الذي يظهر كل شيء، ويكشف كل شيء، والشهود في ذلك اليوم، من أصدق الناس، ومن أعدل الناس في إعطاء شهاداتهم.
    أيها المسلمون، إن شهود الدنيا، في قضية ما، قد يكذبون وقد يكونون شهود زور، وقد يبالغون في الحقيقة، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة خوفاً من مهدد أو طمعاً في مرغب، وقد تكون شهادتهم غامضة تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وقد يحضرون للشهادة وقد يمتنعون عن الحضور لشغل شاغل، أو عائق معوق، لكن شهود يوم القيامة صنف آخر من المخلوقات، يختلفون تماماً عن شهود الدنيا، لا تنفع معهم الرشاوي، ولا يعرفون المجاملات، يؤمرون من خالقهم فينطقون، لا يزيدون ولا ينقصون، لا يكذبون ولا يمتنعون، شهادتهم واضحة، لا تحتاج إلى إيضاح، عباراتهم مفهومة، لا تحتاج إلى تفصيل، كلهم يرفع راية:
    أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء
    [فصلت:21].
    عباد الله، فلننتقل معكم في رحلة سريعة، نمر بها معكم على شهداء يوم القيامة.لعل هذه الرحلة، ترقق قلوبنا، وتذكرنا بمواقف سوف نمر عليها جميعاً وسوف تكون مواقف صعبة، للعصاة منا، والمخالفين منا لأوامر الله، والتاركين منا لبعض ما أوجبه الله علينا، فكل منا أدرى بنفسه وتقصيره من غيره.
    فلنحاسب أنفسنا يا عباد الله، ونحن هنا في الدنيا، وفي الوقت متسع، وباب التوبة مفتوح، قبل أن يؤتى بالشهود، في يوم عسير، على الكافرين والفاسقين والمنافقين غير يسير.
    فلنبادر أيها الإخوة، بترك المنكرات، وترك ما نهى الله عنه، قبل أن يؤتى بشهود يوم القيامة، الذين لا تنفع معهم واسطة ولا محاباة لأحد.
    أسأل الله عز وجل، أن يرحمني وإياكم في ذلك اليوم، وأن يعاملنا بلطفه ومنّه وكرمه، وأن يتجاوز عنا، وأن يسترنا، ولا يفضحنا بين الناس.
    الشاهد الأول من شهود يوم القيامة الأرض، نعم، الأرض، يقول الله تعالى:
    إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلاْرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ ٱلارْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
    [الزلزلة:1-5]، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا قال: ((أتدرون ما أخبارها؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة، بما عمل على ظهرها، أن تقول: عملت كذا وكذا، يوم كذا وكذا، قال :فهو أخبارها)) رواه الإمام أحمد في مسنده.
    ياله من موقف صعب، وياله من منظر مهول، الأرض، هذا المخلوق، الذي كان الإنسان يطؤه بقدمه في الدنيا، ويعمل عليه المعصية، دون أن يعلم بأن هذا الجماد الصامت سوف ينطقه الله يوم القيامة، ليكون شاهداً له أو عليه، يشهد بكل ما رأى من زنا وتبرج وربا وقتل، وظلم وابتعاد عن الحكم بكتاب الله، والكذب والسرقة والغيبة والنميمة والقذف، وغيره مما يغضب الله، وكذلك تشهد بما حدث عليها من خير في جميع صوره، إنه منظر مرعب بعد أن يقوم الإنسان من قبره، فيرى تساقط النجوم، وتشقق الأرض وهي تخرج أثقالها، فيتناول مرعوباً مالها، مالها؟وإذا بالأصوات تنبعث من كل مكان من أرجائها، تتحدث بما فعل عليها من الخير أو الجريمة، فهل يتعظ الإنسان وهو يمشي على هذه الأرض، فهل يتقي الله المسلم وهو يطأ الأرض، فلا يفعل عليها إلا ما يرضي الله لكي تكون شاهدة على ذلك.
    إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلاْرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ ٱلارْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لّيُرَوْاْ أَعْمَـٰلَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
    [سورة الزلزلة].
    الشاهد الثاني، من شهود يوم القيامة الرسول صلى الله عليه وسلم. في ذلك اليوم الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات، وتتحطم كل موازين الدنيا، ويبقى ميزان الآخرة، هو وحده الذي يحكم ذلك الموقف، يشرف الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة على المكذبين والعصاة من أمته، يقول تعالى:
    فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلاْرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
    [النساء:41، 42].
    يحشر الناس في ساحة العرض الواسعة، وكل أمة تكون حاضرة، وعلى كل أمة شهيد بأعمالها، وعندما يكون هؤلاء العصاة واقفون في الساحة ينتدب الرسول صلى الله عليه وسلم للشهادة، عندها تتمنى طوابير العصاة والمخالفين من كل أمة، يتمنى المرابون، والديوثون، والظالمون، والمتكبرون، والقائمون على إشاعة الفواحش بين الناس، والنمامون، والمغتابون، والمتهاونون في الصلوات، وغيرهم من أصحاب المعاصي، يتمنون أن تبتلعهم الأرض، ويهال عليهم التراب، حتى تسوى بهم الأرض، يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض، بل يتمنون أن يكونوا تراباً لا قيمة لهم تطؤهم الأقدام، كما كانوا هم يطؤون رقاب عباد الله، ويلقون أوامر الله بالمخالفة، يتمنون كل ذلك، ولا يقفون ذلك الموقف المهين أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يشهد على معاصيهم.
    الشاهد الثالث: من شهود يوم القيامة، الأنبياء، فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد على أمته، كذلك كل رسول يشهد على أمته، بما فعلوا وأساؤوا يقول الله عز وجل:
    وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
    [النحل:84]، فلا مجال للاستعتاب ولا مجال للاعتذار، فاليوم يوم حساب وما هو بيوم استعتاب.
    الشاهد الرابع من شهود يوم القيامة، الأشهاد. وهم الملائكة والرسل والعلماء، إذ يقول تعالى:
    وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبّهِمْ وَيَقُولُ ٱلاْشْهَادُ هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ [هود:18]، هذه الشهادة الجماعية، من الملائكة الذين كانوا يعبدون من دون الله، والرسل الذين كانوا يكذبون بما جاءوا به من الحق، والدعاة إلى الله الذين كانوا يكذبون، ويستهزئ بهم، يكونون هم يوم القيامة، أصحاب الموقف، وهم الأشهاد الذين يشهدون ويفضحون الكفرة، والمنافقين والعلمانيين، والمجاهرين من العصاة على رؤوس الخلائق، كما جاء في رواية البخاري: ((وأما الآخرون ـ أو الكفار ـ فينادى على رؤوس الأشهاد، هؤلاء الذين كذبوا على ربهم
    )).
    الشاهد الخامس من شهود يوم القيامة، الملكان قال الله تعالى:
    وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ
    [ق:21-23]. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "أي ملك يسوقه إلى المحشر، وملك تشهد عليه بأعماله" لم يكن يتوقع أن يحدث له هذا بل كان غافلاً عن هذا الموقف، وعندها يبدأ الشاهد، وهو القرين الذي لازمه طيلة حياته، يكتب عليه ما يلفظ وما يعمل وهو غافل عنه، وعن دقة كتابته، يبدأ بالشهادة أمام الله تعالى: هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ [ق:23]، قال مجاهد رحمه الله: "هذا كلام الملك السائق يقول: هذا ابن آدم الذي وكلتني به، قد أحضرته".
    إنها مواقف تستحق أن يفكر الإنسان فيها كثيراً، وإنها لشهادات، لابد للعاقل، أن يحسب لها ألف حساب، قبل أن يأتي، وإذا بالأوراق قد كشفت وبالأعمال قد أرصدت، وبالأشهاد وقد نطقت، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
    نفعني الله وإياكم بهدي كتابه. وجعلنا من الذين يستمعون القول، فيتعظون، ثم يتوبون، ثم يعملون صالحاً، ثم يقبضون على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
    أقول قولي هذا..




    الخطبة الثانية
    أما بعد: أيها المسلمون، ومع كثرة الشهود يوم القيامة، إلا أن هناك صنفاً من الناس، الضالين، المتنكبين عن الصراط، لا يعترفون بشهادة أحد، ولا يقبلون شهادة الآخرين عليهم.
    وإننا لنشاهد نماذج من هذا الصنف بيننا، لا يعترفون بأحد، وكل الناس في نظرهم أقل منهم، فهذا الصنف من البشر، لهم ما يصلح بحالهم وسلوكهم، هؤلاء يأتيهم الشاهد السادس من شهود يوم القيامة. وهي جوارحهم، سمعهم وأبصارهم وجلودهم، لتكون شاهداً عليهم، وهناك تكون المفاجأة لهم. يقول الله تعالى:
    وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:19-22]، فكل من خالف ما أمر الله به، في أي أمر من الأمور، فهو داخل تحت مسمى أعداء الله، وهكذا يجتمع الملايين من الإنس والجن تحت هذا المسمى وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت:19]. يسوقهم الله تعالى بسلطانه، الذي لا سلطان لأحد في ذلك اليوم إلا هو، يسوقهم إلى أرض المحشر، لكي يقدموا بعد ذلك على النار التي طالما اشتاقت لأجسادهم التي لم تطمئن بذكر الله، ولكنها أُترعت بذكر الشيطان، اشتاقت لإذابة قلوبهم التي لم تلين بآيات القرآن، فلا تذيبها إلا النار. يساقون ويدفعون يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
    [الطور:13]، بإهانة وذلة واحتقار، لأنهم استهانوا بأوامر الله عز وجل في الدنيا، حتى إذا ما جاؤوها ووصلوا إلى النار، واستعدوا للحساب قبل الاقتحام يسألهم الجليل عن نعمه عليهم، في الدنيا وماذا فعلوا بها، كما جاء في صحيح مسلم مساءلة الرب جل وعلا لأحد هؤلاء العصاة، قبل أن يقذف في النار، يقول له الرب تبارك وتعالى: ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع، فيقول: أي رب، آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول:ها هنا إذن، ثم يقول الآن نبعث شاهداً عليك، فيستنكر في نفسه، من ذا الذي يشهد عليه.
    إنه يحسب أنه استطاع خداع الله بمثل هذا الجواب، وظن أنه مازال ذلك الإنسان الذي كان يشتري شهادة الآخرين، ويرغبهم بالمال، ليكتموا جرائمه وفساده إنه يتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه، وإذا به يفاجأ بختم فمه، واستنطاق جوارحه، فيقال لفخذه: انطقي، كما في صحيح مسلم، فتنطق، فخذه ولحمه وعظامه بعمله،
    ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يس:65]. يقول الله تعالى: حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [فصل:20]. فعندما تنبعث الأصوات من كل مكان في جسد ذلك العاصي، وهو يرى بعينه، ويسمع بأذنه ما لم يكن يتوقعه، وما لا عهد له به ولا يستطيع الكلام، فقد ختم على فمه، فيداه تشهد، وسمعه يشهد، وبصره يشهد، وفخذه تشهد، وعظامه تشهد، وجلده يشهد، وهو مضطرب لا يستطيع الكلام لهول المنظر، الذي يراه ولا يكاد يصدقه، حتى إذا خُلّي بينه وبين الكلام قال مخاطباً جلده لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا [فصلت:21]، وإذا بالجلود ترد عليهم أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء [فصلت:21]، ثم يزيد الموقف سوءاً عندما يسمعون التوبيخ من جلودهم وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ
    [فصلت:22]، وعندها لا يستطيع إجابة جوارحه إلا بالعتاب الذي لا ينفع في ذلك اليوم العصيب.
    أيها المسلمون، إن هذه الجوارح التي هي بإمرتنا، وتحت تصرفنا في هذه الدنيا، سنفقد السيطرة عليها في الآخرة، فإما أن تكون شاهدة علينا بخير، وإما أن تكون شاهدة علينا بشر.
    فاتقوا الله أيها المسلمون في جوارحكم وأعضائكم إنها ستنطق غداً أمام الله عز وجل، وتكون الفضيحة هناك، كم من نظرة محرمة أطلقتها في شاشة ملونة، ستنطق عينك بها، كم من خطوة مشيتها في معصية الله ستنطق رجلك بها، كم أشياء أخذتها وقبضتها بيدك، وأنت تعلم أنها ليست لك، سينطق بها يدك. كم من اتفاقيات ومعاهدات، وقعتها أيدي وهي تعلم أنها تخالف مراد الله عز وجل، ستشهد على أصحابها هناك.
    كم من ريالات دخلت بطون أناس، ظلماً وعدواناً، جوراً واحتيالاً، سينطق أعضائهم بها. وكم وكم وكم، أمور وأمور، وأشياء وأشياء نُعمل هذه الجوارح بها، وننسى أنها ستشهد علينا.
    أيها المسلمون، وبعد هذه السلسلة من الشهود، التي لا مفر للعبد منها، لا يملك العصاة أمام هذه الشهادات المتوالية، إلا أن يشهدوا هم على أنفسهم.
    وهذا هو الشاهد السابع من شهود يوم القيامة وهو شهادة الإنسان على نفسه.
    قال الله تعالى:
    يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَـٰتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ [الأنعام:130]، ويقول عز وجل في آية أخرى: حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ
    [الأعراف:37].
    هل هناك ذلة وخزي بعد هذا، شهادة الإنسان على نفسه، لماذا يوصل الإنسان نفسه إلى هذا الحد، وهو بإمكانه، إلا يحرج نفسه، لكنها شهوة المعاصي، والتساهل بالمعاصي نتيجتها هي هذه.
    إذاً فليتحمل الإنسان شهادة كل هؤلاء الشهود عليه.إذا لم يفكر في نفسه الآن.
    يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ
    [الحشر:18-20].
    اللهم إنا نسألك رحمة...
     
  3. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت


    الحديث عن تطاير الصحف والميزان

    الخطبة الأولى
    الحمد لله...........
    بعد انتهاء الحساب والعرض على الخالق يبدا تطاير الصحف يأخذها الصالحون باليمين وغير الصالحين بالشمال ليضعوها فى الميزان
    يضع العبد كتاب الحسنات فى كفة الحسنات وكتاب السيئات فى كفة السيئات. اذا ثقلت كفت الحسنات ينادى الملك سعد فلان بن فلان سعادة لن يشقى بعدها ابدا واذا ثقلت كفت سيئاته ينادى تعس فلان بن فلان تعاسة لن يسعد بعدها ابدا. فيقول له العبد هل لى ان ابحث عند الناس على حسنة فينزل ويمد يده التى كانت لابد ان تمد لله فى الدنيا ويقولون له نفسى نفسى ويرجع وهو حزين وندمان ويبدأ حديثنا عن الميزان

    جاء في سنن الترمذي عن أنس بن مالك أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: ((أنا فاعل، فقلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإني لا أُخطئ هذه الثلاث المواطن)).
    عباد الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالصراط والميزان والحوض، يقول القرطبي: وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، يقول الله تعالى: وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ [الأنبياء:47].
    ولقد دلت النصوص على أن الميزان ميزان حقيقي دقيق لا يزيد ولا يُنقص، له كِفتان ولسان، لا يقدُر قدره إلا الله، روى الحاكم في مستدركه عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُوضع الميزان يوم القيامة، فلو وُزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول تعالى:لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة:سبحانك ما عبدناك حق عبادتك)).
    وقد اختلف أهل العلم في الموزون الذي يوضع في الميزان، فمنهم من قال هي الأعمال، حيث أن الأعمال يوم القيامة تجسم ويكون لها عَرَض، واستدلوا بجملة من الأحاديث كحديث أبي الدرداء عند ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يوضع في الميزان يوم القيامة شيء أثقل من حسن خلق)).
    ومن أهل العلم من قال: إن الذي يُوزن هو العامل نفسه، فقد دلت النصوص على أن العباد يوزنون يوم القيامة، فيثقلون أو يخفون بمقدار إيمانهم، لا بضخامة أجسامهم وكثرة ما عليهم من لحم وشحم، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لَيأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)) وقال اقرؤوا: فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً [الكهف:105]. وجاء في مسند أحمد أن عبد الله بن مسعود كان رجلاً رقيق الساقين، فجعلت الريح تُلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مم تضحكون؟ فقالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحد)).
    وأما القول الثالث فهو أن الموزون هو صحائف الأعمال، روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللّه عزَّ وجلَّ يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال: لا يا رب، قال: أفلك عذر أو حسنة؟ قال: فبهت الرجل، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه، فيقول: أحضروه، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، قال: ولا يثقل مع اسم الله شيء)).
    والذي رجحه أهل العلم كالحافظ الحكمي رحمه الله أن الموزون هو الأعمال والصحائف والعامل نفسُه، كلهم يُوضعون على الميزان ويوزنون، أقول قولي واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


    الخطبة الثانية
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، عباد الله، إن العاقل الفطن هو الذي يأتي يوم القيامة وقد استكثر من الحسنات وأثقل موازينه بالأعمال الصالحة، وقلل ما استطاع من السيئات والأعمال الفاسدة، ومن الأعمال التي تُثقل الميزان يوم القيامة: حسن الخلق، فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة:خلق حسن، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء))، كذلك فإن ذكر الله تعالى من الأمور التي تُثَقِّل كِفة الحسنات، ففي الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم))، ولا شك أن ما كان في سبيل الله والجهاد، فإن للعبد النصيب الأوفر من الأجر والحسنات التي قد يعرف مصدر بعضها ويغفل عن المصدر الآخر ألا وهو فضل أكرم الأكرمين، ففي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من احتبس فرسا في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، كان شبعه وريُّه وروثه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة)).
    ولهذا السبب عباد الله ينبغي علينا أن نستكثر من الأعمال الصالحة قدر الإمكان، لأننا خطاؤون مذنبون، فلعل هذه الأعمال الصالحة أن تستغرق أعمالنا الطالحة.
    ولقد كانت عائشة رضي الله عنها تتصدق بالصغير والكبير وبالقليل والكثير، وتصدقت ذات يوم بعنبة، فاستنكر عليها من عندها، وقالوا: وماذا يفعل المسكين بعنبة واحدة؟ فقالت لهم: كم فيها من مثقال ذرة؟ ولقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم مبشراً ومشجعاً فاعلي الخير: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق))، وقال عليه الصلاة والسلام محذراً المذنبين العصاة الذين قد لا يرتكبون الكبائر ولكنهم منغمسون في الصغائر: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان في أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا من ذلك سواداً وأججوا ناراً فأنضجوا ما فيها)).
    فاتقوا الله عباد الله وثَقِّلوا بالصالحات كفة الحسنات، عسى إن نحن فعلنا ذلك أن ترجح حسناتنا على سيئاتنا، اللهم ثقِّل موازيننا بالأعمال الصالحة والحسنات الراجحة.
    صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
     
  4. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الخطبة الأولى
    الحمد لله............................
    أما بعد:
    من عقيدتنا في يوم القيامة أن فيه حوضاً يُنصب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع السلف على هذا، وآمن به المؤمنون (كل من عند ربنا).
    قال عليه الصلاة والسلام: ((إن لكل نبي حوضاً، ,وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني أرجوا أن أكون أكثرهم وارداً)) وفي حديث آخر: ((إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحاباً من أمته، فأرجوا أن أكون يومئذٍ أكثرهم كلهم وارداً، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن معه عصاً يدعو من عرف من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم))
    أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال: سألت رسول الله أن يشفع لي؟ فقال: ((أنا فاعل. فقلت: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الميزان. قلت: فإن لم ألقك؟ قال: أنا عند الحوض)). الفتح 11/466.
    إذا خرج الناس من قبورهم، واذا أذن الله للأجساد الميتة أن تبعث مرة أخرى يوم القيامة، خرج الناس من القبور، مغبرّة رؤوسهم، حافية أقدامهم، عارية أجسادهم فيحشرون في الموقف، والشمس تكون قريبة من رؤوسهم بقدر ميل، فيصيبهم من العطش ما يصيبهم، أحوج ما يكونون الى شربة ماء يروون بها ظمأهم، فيكون هناك الحوض في أرض المحشر.
    الحوض مكرمة ومنّة عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، ليواصل المؤمنون به الشرب الحسي كما شربوا في الدنيا الشرب المعنوي من الاهتداء والاقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولا يشرب ذلك الشرب الحسي في عرصات القيامة إلا من شرب الشرب المعنوي في الدنيا، وإلا فإنه يذاد عنه ويطرد جزاءً وفاقاً.
    الحوض أيها الأحبة: منّة الله على رسوله في الآخرة. هو الذي قال الله فيه: إنا أعطيناك الكوثر والكوثر نهر في الجنة، يصب منه ميزابان يشخبان في حوض النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة ليصب فيه الماء من النهر الذي داخلها. الفتح 11/466.
    أيها المسلمون: وعندما يقل نور النبوة ويخبو في الناس ينسى الناس أمثال هذه الأحاديث، ومثل هذه العقائد. فقد حصل السؤال عن الحوض في عهد الصحابة، وأنكره بعضهم لأنهم لم يسمعوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل أبو برزة الأسلمي على عبيد الله بن زياد، فقال له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئاً؟ فقال أبو برزة: نعم، لا مرة، ولا مرتين، ولا ثلاثاً، ولا أربعاً، ولا خمساً، فمن كذّب به فلا سقاه الله منه. الفتح 11/467.
    وعن أنس قال: دخلت على ابن زياد وهم يذكرون الحوض، فقلت: لقد كانت عجائز بالمدينة كثيراً ما يسألن ربهنّ أن يسقيهنّ من حوض نبيهنّ. الفتح 11/468.
    وكان أنس يقول: ما حسبت أن أعيش حتى أرى مثلكم ينكر الحوض.
    هذا في عهد من بقي من الصحابة، فما تظن الناس اليوم تعرف عنه؟ ولو عرفت فماذا أعدّت لتلك الساعة ولتلك اللحظة؟!.
    يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث عن صفة هذا الحوض فهل لك أن ترعني سمعك بقلب حاضر وأنت تسمع هذه الأحاديث؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن حوضي أبعد من أيلة (بلدة بالشام) من عدن، لهو أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصُد الناس عنه كما يصُد الرجل إبل الناس عن حوضه)).
    ((أولُ الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوساً، الدُنُس ثياباً، الذين لاينكحون المنعّمات، ولا تفتح لهم السُدد، الذين يعطُون الحق الذي عليهم، ولا يعطَون الذي لهم)).
    ((إن في حوضي من الأباريق بعدد نجوم السماء)).
    ((حوضي كما بين صنعاء والمدينة، فيه الآنية مثل الكواكب)).
    ((حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه فلا يظمأ أبداً)).
    ((الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طائر أعناقها مثل أعناق الجُزُر، آكلُها أنعمُ منها)).
    ((الكوثر حافاتاه من ذهب، ومجراه على الدرّ والياقوت)).
    وقال عليه الصلاة والسلام: ((بينما أنا أسير في الجنة اذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك. قال: فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أُذفر)).
    قالت عائشة: نهر في الجنة ليس أحد يُدخل أصبعه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر قال ابن القيم: وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل أصبعيه في أذنيه. شرح السفاريني 2/204.
    أيها المسلمون المؤمنون: إنها صفات تسلب العقل، وتثير الايمان، وتجدد العهد مع الله، والمؤمن الصادق إذا سمع بمثل هذه الأحاديث عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، اشتاقت نفسه إليه، وعملت كل ما تستطيع حتى تشرب منه، شربة هنيئة تنالها من يد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    الحوض موعدنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم. الحوض مأوى أهل الإيمان قبل دخول الجنة. الحوض يُروى عنده الظمأى. الحوض يَأمن عنده الخائفون، ويَسعد عنده المحزونون. الحوض يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبوبكر وعمر وعثمان وعليّ، وبقية الصحب الكرام. الحوض يقف عليه سادات الأمة وعلماؤها. الحوض يرتوي منه مصلحو الأمة ودعاتها. الحوض بداية فرح المؤمن في الآخرة، لأنه لا يرده إلاّ وقد نجى من هولٍ عظيم وكربٍ جسيم.
    أخي الحبيب: ماذا أعددّت للحوض؟ وماذا أعددّت للقيا الحبيب صلى الله عليه وسلم على الحوض؟ أتعلم أنه يُطردُ أناس عن ذلك الحوض؟ أتعلم أن الحوض حرام الشرب منه لأهل الحدث والفجور؟ أتعلم أن الحوض لا يرده إلا المؤمنون الصادقون؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((إني لكم فَرَط على الحوض، فإيّاي، لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقاً)) رواه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: ((إني فرطكم على الحوض، من مرّ بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام، أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي)).
    قال العلماء: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه بما لا يرضاه الله ولم يأذن به، فهو من المطرودين عن الحوض، وأشدهم طرداً المبتدعة الذين يطعنون في الصحابة ويسبونهم، فهؤلاء مبدّلون لدين الله، محدثون في دين الله بما لا يرضاه الله، ولم يأذن به، وكذلك الظلمة المسرفون في الظلم والجور، وطمس الحق وإذلال أهله، وكذلك المعلنون بكبائر الذنوب، المجاهرون بها، الذين لايستحون من الناس، ولا يستحون من الله.
    قال ابن عبدالبر رحمه الله: (كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء) وقال: (وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق المعلنون بالكبائر).
    وقال القرطبي رحمه الله: (إن أشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدّلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع) انتهى.
    فيا أخي الحبيب، إن الأمر جد إنه لقول فصل وما هو بالهزل من كان على بدعة فلينتبه، ومن كان مجاهراً بكبيرة فلينتبه، ومن كان مصراً على معصية فلينتبه. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يارب مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. رواه البخاري.
    رحماك ثم رحماك يارب: فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
    كيف بك يا عبدالله وفي ذلك الموقف لو علم بك النبي صلى الله عليه وسلم أنك قد عملت بعده أشياء وأشياء.
    كيف لو علم أن أشخاصاً بأعيانهم من أمته صار يأكل الربا كما يأكل الطعام. هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
    كيف لو علم أن من أمته وفي بيوت المصلين منهم يعرض الزنا والخنا والفجور، بل والكفر بالله عز وجل عبر هذه القنوات الفضائية، وهل بعد إدخال الدشوش في البيوت والتساهل في أمره من إحداث، هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. ألا تخشى يا عبدالله أن تطرد عن الحوض يوم العطش الأكبر بسبب ما عملت يداك.
    ثم إن أهل البدع عامتهم مطرودون عن الحوض، لأنه يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك. وقد قال هو صلوات ربي وسلامه عليه: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).
    فاحذر أخي المسلم من البدع، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ومن شؤم البدع أن الله حجب التوبة عن صاحبها كما ورد بذلك الحديث. وذلك لأن البدعة تحلو في عين صاحبها، ويرى أنه يقوم بعمل جليل، فاحذر أيها المسلم من البدع وأهلها، واهجرهم هجراً جميلا.
    ومن بلايا هذا الزمان، أن البعض قد يبتلى بالعمل مع المبتدعة، إما رئيساً أو مرؤوساً أو قريناً في العمل، وهم أنجاس أرجاس، مطرودون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فاحذرهم أخي المسلم، وقل: لكم دينكم ولي دين.
    بارك الله لي ولكم. . .


    الخطبة الثانية
    أما بعد:
    أيها المؤمنون: ويوم القيامة يوضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخطب عليه في الدنيا على حوضه. قال عليه الصلاة والسلام: ((ومنبري على حوضي)) رواه البخاري فتأمل ذلك الجلال وانظر إلى هذه المعاني التي تزيد المؤمن إيمانا.
    وقد زار النبي صلى الله عليه وسلم البقيع فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنّا قد رأينا إخواننا؟ فقالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غرّ محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً)).
    أهل الوضوء والصلاة يردون على النبي صلى الله عليه وسلم في حوضه، وتاركوا الصلاة لايردون، لأن تاركي الصلاة لايكونون غراً محجلين، كيف تكون لهم علامة التحجيل وهم لايصلون؟.
    إن المحافظة على الوضوء والصلاة من مبشرات المرء للورود على الحوض، وهذا يدل على النجاة من جهنم وشرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن)). فالمحافظة على الوضوء من صفات أهل الايمان. وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الايمان)).
    إنها أعمال ربما استقلها العبد، لكنها الفلاح والنجاح، اذا أردت الفوز بالجنة والورود على الحوض وعدم الطرد عنه، فحافظ على الوضوء، وصلِ الصلاة المفروضة مع الجماعة، وابتعد عن البدع، فلا سلامة إلا بذلك.
    أيها الأحبة في الله:
    لقد كان الحوض موعداً لكل متظلم لايجد من ينصفه من خصمه، وكان الحوض موعداً لكل من لا يؤدى إليه حقه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة في آخر حياته كما في صحيح البخاري: ((إني فرطٌ لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر الى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)).
    قد ترى أنك لم تُنصف في الدنيا، ولم تأخذ حقوقك كاملة، وهذا طبع في الناس، يرون الذي لهم وينسون الذي عليهم، يريدون من الدنيا أن تطبع على غير هذا. وهي كما قال الشاعر:
    طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار
    ومتكلف الأيام ضـد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار
    إصبر يا عبدالله، فإن موعدك الحوض، يا من تشعر بأنك مظلوم، فاصبر فإن موعدك الحوض، يا من تحس بحرارة التمسك بالسنة في هذا الزمان اصبر فإن موعدك الحوض، ومع أول شربة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم تنسى كل ما مرّ بك من المظالم والنقائص.
    اللهم نسألك شربة هنيئة من حوض نبينا لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم رحمة اهد بها قلوبنا.
     
  5. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    موضوع الخطبة عن الصراط نتطرق قبل الدخول للموضوع شيئا من امور يوم القيامه

    الخطبة الأولى

    إن الحمد لله نحمده...........


    أما بعد: إذا كان يوم القيامة بُعث الناس من قبورهم، ويكون ذلك بالنفخ في الصور، يأمر الله جل جلاله إسرافيل فينفخ، فيقوم الناس لرب العالمين، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
    فإذا قام الناس من قبورهم بدأ الحشر، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:85، 86]، وْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا [طه:108] فلا تسمع إلا همسًا من هول الموقف وخوف الناس من المصير الذي سيؤولون إليه.
    وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [الإسراء:97]، قال رجل: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟! قال: ((أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!)).
    قال رسول الله : ((يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا)).
    فيقف الناس في الموقف في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم، يكون بعدها العرض والحساب والمناقشة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ [النمل:83-85]، عندها يبدأ المساءلة، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93]، ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة)).
    بعدها توزع الشهادات وتظهر النتائج، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].
    ثم يضرب جسر جهنم ليمر الناس عليه، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ويضرب جسر جهنم))، فقال رسول الله : ((فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو)).
    إنها والله لمواقف سوف نمر بها، يؤمر بك ـ يا عبد الله ـ لكي تعبر الصراط، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، تمشي على جسر وتحتك نار جهنم، نارٌ أُحمي عليها ألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، ثم يطلب منك أن تعبر هذا الجسر، وكما سمعت في حديث أبي هريرة أن هناك كلاليب، تشبه شوك السعدان، لكن لا يعلم عظمها إلا خالقها، مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه، كما في صحيح مسلم: ((وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به))، فما أنت فاعل ـ يا عبد الله ـ والمرور والعبور كما سمعت في الحديث بحسب العمل في الدنيا؟! فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل، ومنهم الناجي.
    أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم))، قلنا يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: ((مدحضة مزلّة، عليه خطاطيف وكلاليب مفلطَحة، لها شوكة عُقَيفاء، تكون بنجد يقال: لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلَّم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا)).
    إن الناس على الصراط كما سمعتم، منهم من يُسلّمه الله تعالى، فلا يحس بألم تلك الخطاطيف والكلاليب، وهؤلاء الناجون أيضًا ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من يكون عبوره كلمح البصر كالطرف، ومنهم من يكون عبوره كالبرق، ومنهم كسرعة الريح، ومنهم كأجاويد الخيل، وهكذا حتى إن آخرهم يسحب سحبًا، ومنهم من ينجو لكن يصيبه شيء من خدوش تلك الكلاليب، فتؤثّر في جسده، ومنهم والعياذ بالله من تأخذه تلك الكلاليب فلا تدعه حتى تنتهي به في قعر جهنم، مكدوسًا فيها، مسوقًا بشدة وعنف من ورائه ليكون فوق من سبق، يكدّسون كما تكدّس الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضًا.
    هذا حال الناس ـ أيها الأحبة ـ يومئذٍ على الصراط، وينفع العبد يومئذٍ الأمانة والرحم، كما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم، أخبر النبي أن الأمانة والرحم تقومان على جنبتي الصراط، فقال: ((وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: ((ألم تروا البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟! ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشدّ الرّجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيّكم قائم على الصراط يقول: رب سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا))، قال: ((وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا)).
    إن الأمانة والرحم، ترسلان فتقومان جنبتي الصراط، ما السّبَب في قيامهما ذلك؟ السبب هو أداء الشهادة للشخص أو عليه بما كان يفعله تجاههما، من القيام بهما، وأداء الواجب الذي أمر الله به نحوهما، والوفاء والتمام الذي كان يسير عليه في حياته الدنيا، أو تشهدان عليه بالخيانة والغدر وعدم القيام بالواجب نحوهما.
    إن الناس على الصراط تجاه الأمانة والرحم قسمان وفريقان لا ثالث لهما: إما أمين فتشهد الأمانة له، أو خائن فتشهد عليه، وإما قاطع فيشهد الرحم عليه، وإما واصل فيشهد له.
    فيا من في أعناقكم أمانات، وكلنا كذلك، وكل بحسبه، أدِّ الأمانة قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها في موطن تكون الزلة تحتها قعر جهنم، إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب:72]. الوضوء أمانة، والغسل أمانة، والعمل أمانة، والبيت والأولاد أمانة، والدعوة أمانة، والعلم أمانة، والولاية أمانة، ألا فليؤد كل مُؤتَمَن أمانته.
    أما الرحم فيوم خلقها الله تعلقت به عز وجل وقالت: هذا مقام العائذ يا ربّ، فقال لها: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ فقالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك.
    فليحذر قاطع الرحم من خطورة الموقف، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23].
    ثم إن دعوى الأنبياء يومئذٍ على الصراط: اللهم سلِّم سلِّم، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثم يوضع الصراط بين ظهري جهنم، والأنبياء بناحِيَتَيه، قولهم: اللهم سلِّم سلِّم، اللّهم سلِّم سلِّم)).
    إذا كان هذا دعوى الأنبياء: "اللهم سلم سلم" فماذا يقول غيرهم؟! ماذا عساه أن يقول قاطع الرحم أو مضيع الأمانة أو مهمِل الصلاة أو تارك الزكاة؟! ماذا عساه أن يقول آكل الربا وظالم العمال وشارب الخمر؟! إذا كان الأنبياء الذين عملهم الدعوة إلى دين الله دعواهم يومئذٍ: اللهم سلم سلم فماذا يقول من همه محاربة الدعوة ومنابذة الشريعة ومخاصمة الملة؟! عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((يُحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فَتَقَادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار))، قال: ((فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء)) رواه الإمام أحمد، وعن أنس رضي الله عنه قال: حدثني نبي الله : ((إني لقائم أنتظر أمتي تعبر على الصراط)) رواه أحمد.
    فإذا عبرت الأمم وسقط من سقط ونجا من نجا وكلٌ أخذ مكانه جيء بالموت، فيوقَف على الصراط ويذبح هناك. أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة، فيطّلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت فيها أبدًا)).
    أيها المسلمون، إن الصراط ممر رهيب وعقبة خطيرة، عليه من أنواع التعذيب ما لا يعلمه إلا الله، عليه كلاليب كشوك السعدان، لا يتكلم عليه أحد غير الرسل من هول الموقف، ودعاؤهم عليه: اللهم سلم سلم، وهو دحض مزلّة، ينزلق فيه المارّة بسرعة، أوّل من يجيزه رسول الله وأمته إكرامًا وتشريفًا لهم، والناس عليه حسب أعمالهم.
    فيا أيها المؤمنون، استعدوا لخطورة الصّراط والمرور عليه؛ إذ هو مظنة الهلكة إن لم يكتب الله السلامة لمن يجتازه. فهذا يسقط، وهذا يزحف، وهذا يمرّ مسرعًا، وهذا تصيب جوانبه النار، وهذا تخطفه الكلاليب، حقًّا إنه لممرّ عصيب ومسلك رهيب، أعاننا الله عليه بفضله ورحمته.
    أقول قولي هذا...




    الخطبة الثانية

    أما بعد: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد أنه قال: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف.
    ثم إن الصراط ـ أيها الأحبة ـ يكون مظلمًا، تخيّل تسير على جسر أدق من الشعر وأحدّ من السيف والطريق مظلم، وتحتك جهنم، وعندها تقسم الأنوار على العباد أيضًا بحسب أعمالهم ليروا الطريق أمامهم، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفأ مرة، إذا أضاء قدّم قدمه، وإذا أطفأ قام))، إلى أن قال: ((فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمرّ الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار)) أخرجه الحاكم في المستدرك.
    وأهل النفاق الذين كانوا يتظاهرون في الدنيا بالصلاح ويظهرون الحرقة على الدين وربما نسبوا لأنفسهم مشاريع إسلامية وهم في الحقيقة منافقون إنما يفعلون ما يفعلون لمصالح شخصية، هؤلاء ينكشفون عندما تقسم الأنوار، فيعطى المؤمن نورًا، ويترك ذلك المنافق الذي قد انطفأ نور الإيمان في قلبه في الدنيا، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]، فيريد المنافق أن يستضيء من نور المؤمن، لكن لا حيلة، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد:13-15].
    وهناك نوعيات من البشر بمجرد ركوبهم على الصراط فإنهم يمنعون من عبور الصراط، فتخرج عنق من النار تلتقطهم وترميهم في جهنم والعياذ بالله. أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((يخرج يوم القيامة عنق من النار، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، تقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين))، وفي رواية أبي سعيد: ((ومن قتل نفسًا بغير نفس)) بدل المصوّرين.
    اللهم هوّن علينا عبور الصراط، واجعلنا اللهم ممن يسوقه عمله وايمانه كالطرف...اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا
     
  6. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الخطبة الأولى
    الحمد لله................
    عباد الله تحدثنا في الجمعة الماضية عن الصراط وقد نصب على متن جهنم وسمعنا بتساقط الناس في جهنم حديثنا اليوم عن النار دار البوار اللهم اجرنا منها ياعزيز ياغفار


    عباد الله: إن الله جل وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه، ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه، التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال.

    لقد حذرنا الله عز وجل من النار في غير ما آية من كتابه، وأنذرنا منها رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث.

    قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال تعالى: فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:24]، وقال تعالى: لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ [الزمر:16].

    وعن عدي بن حاتم قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار، فأعرض وأشاح، ثم قال: ((اتقوا النار)) ثم أعرض وأشاح، حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)) أخرجه البخاري ومسلم.

    وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفَراش وهذه الدواب التي في النار يَقَعْن فيها، وجعل يحجُزُهنّ ويغلِبْنَه فيتقحَّمْن فيها قال: فذلكم مثليَ ومثلكم، أنا آخذ بحُجَزِكم عن النار، هَلُمّ عن النار، هَلُمَّ عن النار، فتغلبوني وتقحَّمون فيها)).

    ومقصود هذا الحديث كما ذكره النووي أنه صلى الله عليه وسلم شبّه تساقط الجاهلين والمخالفين لأمر الله بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك، من منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساعٍ في ذلك بجهله، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعَمَّ وخَصّ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار..)) إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً)).

    يحكى عن يوسف بن عطية، عن المعلَّى بن زياد أنه قال: كان هَرم بن حيان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة كيف نام طالبها، وعجبت من النار كيف نام هاربها، ثم يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97].

    أيها المسلمون، لقد امتدح الله عز وجل عباده المؤمنين، أولي الألباب بأنهم يخافون من النار فقال عز وجل: إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ [آل عمران:190-192].

    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ من النار كما يقول ذلك أنس رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)). ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من حر جهنم)).

    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو نادى منادٍ من السماء، أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجل واحد لخفت أن أكون أنا هو).

    وأخرج الإمام أحمد من طريق عبد الله بن الرومي قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه قال: لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتِها يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتِها أصير.

    فيا عباد الله، إذا كان هذا حال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحال صحابته من بعده، فحري بنا أن يكون خوفنا من النار أشد منهم، لأن أعمالنا وإخلاصنا لا يقاس إلى أعمالهم وإخلاصهم. والخوف وحده لا يُنَجِّي أحداً من النار. فالقدر الواجب من الخوف ما حَمَلَ على أداء الفرائض واجتناب المحارم.

    تأمل يا عبد الله إذا جيء بجهنم إلى الموقف، تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، قال تعالى: وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26].

    عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)) رواه مسلم.

    أيها المسلمون، لقد أعدّ الله لأهل النار طعاماً هو الزقوم، وشراباً هو الحميم فقال سبحانه: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ ٱلْمُكَذّبُونَ لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِـئَونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدّينِ [المعارج:51-56]. وقال تعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً [المزمل:12، 13]، وهو الشوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج. وقال جل وعلا: فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَـٰطِئُونَ [الحاقة:35-37]. (والغسلين): هو صديد أهل النار وهو شرابهم، وقال عز من قائل: وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:15]، وقال جل وعلا: لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:24، 25]، وقال تعالى: هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوٰجٌ [ص:57، 58]، وقال جل وعلا: وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29]، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طِينة الخَبَال)) قالوا: يا رسول الله ما طينة الخَبَال؟ قال: ((عَرَق أهل النار أو عُصارة أهل النار)).

    وأعد الله لأهل النار ثياباً فقال سبحانه: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ [الحج:19]، كيف يقوى الإنسان على لبس ثياب صنعت من النار، وهو لا يطيق ملابسه العادية في حر الصيف. وقال تعالى: سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ [إبراهيم:50].

    وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سِربال من قَطِران ودِرع من جَرَب)).

    ثم إن تحية أهل النار عباد الله هو التلاعن كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]. فبدل السلام يتلاعنون، ويتكاذبون، ويكفِّرُ بعضهم بعضاً. فتقول الطائفة الأولى دخولاً للتي بعدها لا مرحباً بكم، وهذا إخبار من الله جل وعلا بانقطاع المودة بينهم، وأن مودتهم في الدنيا تصير عداوة، كما قال في الآية الأخرى: ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

    فتأمل حال أولئك التعساء، الذين كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، كيف تناكروا، وتلاعنوا في جهنم، وأصبحوا يتقلبون في أنواع العذاب، ويعانون من جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يُفَتِّتْ ذِكْرُه الأكبادَ، يقتحمون إلى جهنم اقتحاماً، فلا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال، قال الله تعالى: إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71، 72]، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا ٱلاْغْلَـٰلَ فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ [سبأ:33]، وقال تعالى: ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ [الحاقة:32].

    إن بين أيدينا يوم لا شك فيه ولا مراء، يقع فيه الفراق وتنفصم فيه العرى، فتدبره ـ يا عبد الله ـ أمرك قبل أن تُحضَر، قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، يا له من يوم يشيب فيه الولدان، وتسير فيه الجبال، وتظهر فيه الخفايا، وتنطق فيه الأعضاء، شاهدةٌ بالأعمال، فانتبه يا من قد وهى شبابه، وامتلأ بالأوزار كتابه.

    أما بلغكم أن النار للكفار والعصاة أعدت، وإنها لَتَحْرِقُ كل من يلقى فيها قال الله تعالى: إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ [الملك:7، 8]، وقال تعالى: إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:32، 33].

    يا غافـلاً عن منايا ساقها القـدرُ مـاذا الذي بعد شيب الرأس تتنظرُ

    عـاين بقلبـك إن العين غافلـةٌ عـن الحقيقـة واعلم أنها سـقرُ

    سـوداء تزفر من غيظٍ إذا سُعرت للظالميـن فمـا تُبقـي ولا تـذر

    لو لم يكن لك غير الموت موعظةٌ لكان فيـه عن اللـذات مزدجـر

    قال الله تعالى: لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، المِهاد هو الفراش، والغواشي هي الُّلحف. وقال عز وجل: وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء:8]، يروى أن رجلاً من سلف هذه الأمة كان إذا دخل المقابر نادى: يا أهل القبور بعد الرفاهية والنعيم، معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتَّان، لباس القَطِران، وبعد تلطف الخدم والحشم، ومعانقة الأزواج، مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد. ولما ماتت زوجة الفرزدق ودفنت وقف الفرزدق على قبرها وأنشد بحضور الحسن رحمه الله تعالى:

    أخاف وراء القبـر إن لم يعافنـي أشد من القبر التهابـاً وأضيقـا

    إذا جاء في يـوم القيامـة قائـدٌ عنيفٌ وسوّاق يسوق الفـرزدقا

    لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القـدادة أزرقـا

    يساق إلى نـار الجحيم مسربـلاً سرابيل من قطرانٍ لباسـاً محرّقـا

    إذا شربوا فيها الصـديد رأيتهـم يذوبون من حـر الصديـد تمزقا

    فبكى الحسن رحمه الله تعالى.

    النار ـ عافانا الله وإياكم ـ منها لها سبعة أبواب، كما أخبر الباري سبحانه وتعالى بذلك في قوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ [الحجر:43، 44]. وقال تعالى: وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ قِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ [الزمر:71، 72].

    وقد وصف الله الأبواب بأنها مُغلقة عليهم فقال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ [الهمزة:8]. يعني مطبقة عليهم.

    وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكفار يحاولون الخروج من النار ولكنهم يرغمون على البقاء فيها قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [المائدة:37]. وقال تعالى: كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا [الحج:22]، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من الشدة وأليم العذاب، ولا سبيل لهم إلى ذلك، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلا جهنم، ضربتهم الزبانية بمقامعِ الحديد فيردونهم إلى أسفلها. عندها يطلبون من المولى الخروج منها، فقال تعالى مخبراً عما قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:107]، فيأتيهم الجواب: قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ [المؤمنون:108]، وقال جل وعز: وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ [الزخرف:77]، وقال عز وجل: لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا [فاطر:36].

    روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أَمْلَح .. فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)).

    وهذا مما يدل على عدم فناء النار، وبقاء أهلها فيها يتقلبون في أنواع العذاب لا راحة ولا نوم، ولا هدوء ولا قرار، بل من عذاب إلى آخر، ولكل واحد منهم حد معلوم، على قدر عصيانه وذنبه، وأن أقلهم لو عرضت عليه الدنيا بحذافيرها لافتدى بها من شدة ما هو فيه، فكيف بمن يُسحبون في النار على وجوههم ويقال لهم: ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وما أدراك ما سقر لا تُبقي ولا تذر، تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك. قال الله تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَا أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ [الأحزاب:66]، ينادُون في وقت لا ينفع فيه النداء، ينادُون إلهاً ضيعوا أوامره، وارتكبوا نواهيه، فيا لها من حسرة، ويا لها من ندامة لا تشبهها ندامة، ويا لها من خسارة لا تعادلها خسارة قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ [الزمر:15].

    بارك الله لي ولكم ..






    الخطبة الثانية


    أما بعد: عباد الله، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن في النار أودية، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه ضعف قال: ((ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره)) رواه الإمام أحمد والترمذي. ثم تأمل بعد ذلك في قعر جهنم وظلماتها وتفاوت دركاتها، فمما رواه مسلم في صحيحه من حديث خالد بن عمير قال خطب عُتْبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: إنه ذُكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً والله لتملأنّ.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وَجْبَةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما هذا))، قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن، حين انتهى إلى قعرها)) رواه مسلم.

    عباد الله، قال الله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ [فاطر:37]. وقال تعالى: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].

    إن هذه الآيات لم تنـزل علينا عبثاً وإنّا ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ لمحاسبون، فلا تُضيِّعوا أعماركم، وتَفَكَّروا ـ فو الله ـ لقد ذهب الكثير ولم يبقَ إلا القليل.

    فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عـن قريب ستندم

    أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنةٍ أو حـرُ نـارٍ تضـرّم

    وبالسـنة الغـراء كـن متمسكاً هي العروة الوثقى التي ليس تفصم

    تمسك بها مسـك البخيـل بماله مـن الله يـوم العرض ماذا أجبتم

    وخذ من تقى الرحمن أعظم جنّـة ليـوم بـه تبـدو عيانـاً جهنم

    وينصبُ ذاك الجسر من فوق متنها فهـاوٍ ومخـدوش ونـاجٍ مسلم

    وتشهد أعضاء المسيء بما جنـى كـذاك على فيـه المهيمن يختـم

    فياليت شعري كيف حالك عندما تطايـر كتـب العالميـن وتقسم

    أتـأخذ باليميـن كتابك أم تكن بالأخرى وراء الظهر منـك تُسلّم

    فبادر إذاً مـا دام في العمر فسحة وعدلك مقبـول وصرفـك قيـم

    وجد وسـارع واغتنم زمن الصبا ففي زمن الإمكان تسـعى وتغنم

    وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ناركم هذه ـ التي يوقِد ابن آدم ـ، جزء من سبعين جزءاً من حر جهنم))، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: ((فإنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهنّ مثل حَرِّها)).

    إن الطريق الوحيد لتخليص الإنسان نفسه من النار هو الابتعاد عن الشهوات، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله: ((حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)) وفي رواية للبخاري: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)) وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها، وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر.

    فقد روى غير واحد من أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه قال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحُفت بالمكاره فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد، وقال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات فقال: ارجع إليـها، فرجع إليها فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها)).

    لابد أن يكون في تصور كل واحد قرب النار منه كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام في حديث رواه البخاري بقوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله، والنار مثل ذلك)).

    ومعناه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون من أيسر الأشياء.

    فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها. روي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لأهل النار خمس دعوات، يُكلّمون في أربع منها، ويُسكت عنهم في الخامسة فلا يُكلّمون فيها. يقولون: رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ [غافر:11]، فيرد عليهم: ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ [غافر:12].

    ثم يقولون: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، فيرد عليهم: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:13، 14].

    ثم يقولون: رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ [إبراهيم:44].

    ثم يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، فيرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ [فاطر:37].

    وأما الخامسة فيقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:106، 107]، فيرد عليهم: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:109، 110].

    قال: فلا يتكلمون بعد ذلك أبداً.

    اللهم ارحم ضعفنا وتول امرنا واجرنا من النار..


     
  7. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    وهذه احبتي ايضا عن النار


    الخطبة الأولى
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره

    أما بعد: النار هي الدار التي أعدها الله للكافرين، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم، الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ [آل عمران:192]. إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ [الزمر:15]. وكيف لا تكون النار كذلك وفيها من العذاب والآلام والأحزان، ما تعجز عن تسطيره الأقلام وعن وصفه اللسان إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:66]، هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَـئَابٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ [ص:55، 56].

    النار يا عباد الله، شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، الذين يدخلونها أعداد لا تحصى. الذين يدخلونها يكون ضرس الواحد منهم في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام. ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا، من الكفرة والمجرمين، ويبقى فيها متسع لغيرهم. روى البخاري ومسلم، حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي قال: ((لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينـزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قَطْ قَطْ، بعزتك وكرمك)).

    عباد الله، هل تعلمون أن نار جهنم تتكلم وتبصر، قال تعالى: إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: ((تخرج عنق من النار، يوم القيامة، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين)) رواه الترمذي.

    أيها المسلمون، هناك ذنوب متوعَّدٌ صاحبها بالنار، وهناك ما هو متحقق دخوله نار جهنم والعياذ بالله، نذكر بعضها:

    أولها وفي مقدمتها، الكفر والشرك بالله جلّ وعلا قال تعالى: وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [البقرة:39]، وقال جل وعز عن الشرك: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

    ومما متوعَّد صاحبه بالنار: النفاق إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلاْسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145]، وقال سبحانه: وَعَدَ الله الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة:68].

    ومن الذنوب الكِبْر، قال رسول الله : ((يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قذفته النار)) رواه أبو داود وابن ماجه.

    ومن الذنوب والكبائر التي متوعد صاحبها بالنار، وهي بلية هذا الزمان ومصيبتها العظمى: الربا. قال الله تعالى في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [البقرة:275]، وقال تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ [آل عمران:130، 131].

    ومن الذنوب أيضاً: أكل أموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً [النساء:29، 30].

    ومن الذنوب عدم دفع الزكاة وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34، 35].

    ومما قد يُدخِل النار، الغفلة عن الآخرة والرضا والاطمئنان بالدنيا إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس:7، 8]، وقال سبحانه: مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [هود:15، 16]، ومما توعد صاحبه بالنار الركون والميل إلى الظلمة وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود:113].

    الإجرام بكل صوره وأشكاله من الذنوب متوعد صاحبه بالنار وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلاْصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ [إبراهيم:49، 50]، وقال تعالى: وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:53]، وقال سبحانه: إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:47، 48]. فلْيُفكِّرْ كل مجرم في حاله وليتذكر هذه الآيات خصوصاً إذا كان إجرامه في حق غيره.

    ومما متوعد صاحبه بالنار، استبدال نعمة الله بالكفر، بل وإلزام الآخرين بذلك قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا لّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ [إبراهيم:28-30] .

    ومما قد يوجب النار الفسق، بكل أنواعه ودرجاته: أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ أَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ [السجدة:18-20].

    ومما متوعد صاحبه بالنار أيضاً معصية الله ورسوله، قال تعالى: وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23]، وقال تعالى: وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـٰلِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [النساء:14].

    ومما متوعد صاحبه بالنار ـ والعياذ بالله منها ـ إضاعة الصلوات، وعدم الاهتمام بها، وهذا لا يكون إلا عن طريق اتباع الشهوات، فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً [مريم:59].

    ومن الذنوب التي يستحق فاعلها النار، الذي يقطع شجرة السدر التي يستظل بها الناس، عن عبد الله بن حبيش قال: قال رسول الله : ((من قطع سدرة، صَوّب الله رأسه في النار)) رواه أبو داود. هذا الذي يقطع ظل شجرة ينتفع الناس بها فكيف بالذي يقطع ظل الشريعة.

    ومن الأمور أيضاً يا عباد الله، المتوعد صاحبها بأن يعذب بسببه في نار جهنم، وهذا خاص بطلاب العلم، وهو عدم الإخلاص في طلب العلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) ـ يعني ريحها ـ رواه ابن داود والحاكم. وعن جابر قال: قال رسول الله : ((لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، من فعل ذلك فالنار النار)) رواه ابن ماجه وابن حبان.

    عباد الله، النار موعود بها مدمن الخمر وقاطع الرحم والمصدق بالسحر والمنان والنمام، وما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار، ومن أشد الناس عذاباً طائفتان المصورون الذين يضاهئون خلق الله، والذين يعذبون الناس في الدنيا.

    أيها المسلمون، إن أهل النار ليسوا على درجة واحدة من العذاب، فهم يتفاوتون، وكل بحسب ما قدم من الأعمال. يقول عليه الصلاة والسلام، فيما رواه مسلم في صحيحه فقال في أهل النار: ((إن منهم من تأخذه النار إلى كَعْبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى رُكْبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حِقْوَيه، ومنهم من تأخذه النار إلى تَرْقُوَته)).

    وكذلك يا عباد الله، فليس كل أحد يعذب كالآخر، وأيضاً فصور العذاب تختلف: فمن المعذبين في جهنم، أجارنا الله وإياكم منها من يُحرق جلده، وكلما احترقت بُدّل بجلد آخر ليحترق من جديد، وهكذا دواليك. إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:56]، ومن الناس من يصب الحميم فوق رأسه، والحميم هو ذلك الماء الذي انتهى حره، فلشدة حره تذوب أمعاءه فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ [الحج:19، 20].

    ومن الناس من يأتيه العذاب عن طريق وجهه، وأكرم ما في الإنسان وجهه، ولذلك نهانا الرسول عن ضرب الوجه، ومن إهانة الله لأهل النار أنهم يحشرون يوم القيامة، على وجوههم عمياً وصماً وبكماً وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، وقال تعالى: وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90]، ثم إن النار تلفح وجوههم، وتغشاها أبداً، لا يجدون حائلاً يحول بينهم وبينها، لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ [الأنبياء:39]، وقال جل وعز: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ [المؤمنون:104]، وقال تعالى: سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ [إبراهيم:50].

    وانظروا ـ يا عباد الله ـ إلى هذا المنظر، الذي تقشعر لهوله الأبدان، وهو قول الله عز وجل: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَا أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ [الأحزاب:66]، أرأيتم كيف يقلب اللحم على النار، كذلك تقلب وجوههم في النار نعوذ بالله من عذاب أهل النار.

    ومن الناس من يسحب في النار إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:47، 48]، الذي يزيد في العذاب أنهم حال سحبهم في النار، يكونون مقيدين بالقيود والأغلال والسلاسل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:70-72].

    ومن الناس من يسود وجهه في النار، بفعله السيئات في الدنيا وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [يونس:27].

    أما سـمعت بأهـل النـار في النــار*** وعن مقاســاة ما يَلقُون في النار

    أما سمعت بأكبــاد لهـم صَدَعــت *** خوفاً من النار قد ذابت على النار

    أما سمعت بأغــلال تُنـاط بهـــم*** فيسحبـون بها سـحباً على النار

    أما سمعت بضــيقٍ في مجالسهــم*** وفي الفــرار ولا فرار في النار

    أما سمعت بحيــاتٍ تـدبُ بهـــا *** إليهم خُلقت من خالـص النــار

    أما سمعت بأجسـادٍ لهـم نَضجــت *** من العذاب ومن غليٍ على النـار

    أما سمعت بمــا يُكلَّفــون بـــه *** من ارتقاء جبال النار فـي النـار

    حتى إذا ما علـوا على شواهقهـــا *** صُبوا بعنـف إلى أسـفل النـار

    أما سمعت بزقــوم يُسوغـــــه *** ماءٌ صديـدٌ ولا تسويغ في النـار

    يسقون منه كؤوسـاً مُلئت سقمـــاً*** ترمي بأمعـائهم رمياً على النـار

    يشوي الوجوه وجوهاً ألبست ظُلمــاً*** بئس الشراب شـرابُ ساكن النار

    ولا ينامون إن طـاف المنـام بهــم *** ولا منام لأهل النار في النــار

    إن يستقيلوا فـلا تقـال عثرتهـــم*** أو يستغيثوا فلا غيـاث في النار

    وإن أرادوا خـروجاً رُدّ خارجهــم*** بمقمع النـار مدحـوراً إلى النار

    فهم إلى النار مدفوعـون بالنـــار*** وهم من النار يهرعون للنــار

    ما أن يخفف عنهم مــن عذابهــمُ *** ولا تفتـ عنهـم سَـورَة النـار

    فيا إلهي ومَـن أَحكامـه سـبقـت*** في الفرقتين من الجنـات والنار

    رحماك يا رب في ضعفي وفي ضعتـي *** فما وَجودِك لي صـبرٌ على النار

    ولا على حر شمـس إن بَـرزتُ لهـا *** فكيف أصبر يـا مـولاي للـنار

    فإن تغمدنـي عفوٌ وثقـت بـــه*** منكـم وإلا فإنـي طعمـةُ النـار

    ما ظنك بعذاب دار أهون أهلها عذاباً من كان له نعلان يغلي منهما دماغه، ما يرى أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم، أما حال أهلها فشر حال، وهوانهم أعظم هوان، وعذابهم أشد عذاب، وما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة، لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أكبادهم جوعاً.

    ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية قد آذى حرها واشتد نضجها، فلو رأيتهم وقد أسكنوا داراً ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، يسحبون فيها على وجوههم مغلولين، النار من فوقهم، والنار من تحتهم، والنار عن أيمانهم، والنار عن شمائلهم، لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأعراف:41]، فغطاؤهم من نار، وطعامهم من نار، وشرابهم من نار، ولباسهم من نار، ومهادهم من نار، فهم بين طبقات النيران وسرابيل القطران وضرب المقامع، وجر السلاسل يتجلجلون في أوديتها، ويتحطمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، ويطوفون بينها وبين حميم آن تغلي بهم كغلي القدر وهم يهتفون بالويل ويدعون بالثبور، يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ [الحج:19-22].

    يتفجر الصديد من أفواههم، تتقطع من العطش أكبادهم، وتسيل على الخدود عيونهم وأهدابهم، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ [النساء:56]، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم من أسرها فكاك، فما حال دار إذا تمنى أهلها تمنوا أن يموتوا؟ كيف بك لو رأيتهم وقد اسودت وجوههم؟ فهي أشد سواداً من الحميم، وعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم وقصمت ظهورهم، ومزقت جلودهم وغلّت أيديهم إلى أعناقهم، وجمع بين نواصيهم وأقدامهم، يمشون على النار بوجوههم، ويطؤون حسك الحديد بأحداقهم، ينادون من أكنافها ويصيحون من أقطارها: يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك العدمُ خير من هذا الوجود، فيجيبهم بعد ألف عام، بأشد وأقوى خطاب وأغلظ جواب إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ [الزخرف:77، 78].

    فينادون ربهم وقد اشتد بكاؤهم وعلا صياحهم وارتفع صراخهم: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:106، 107]، فلا يجيبهم الجبار جل جلاله إلا بعد سنين، فيجيبهم بتوبيخ أشد من العذاب ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ [المؤمنون:108]، فعند ذلك أطبقت عليهم وغلقت، فيئس القوم بعد تلك الكلمة أيما إياس، فتزداد حسراتهم وتنقطع أصواتهم فلا يسمع لهم إلا الأنين والزفير والشهيق والبكاء، يبكون على تضييع أوقات الشباب ويتأسفون أسف أعظم من المصاب، ولكن هيهات هيهات ذهب العمل وجاء العقاب.

    بارك الله لي ولكم...



    الخطبة الثانية


    أما بعد: عباد الله، النار وما أدراكم ما النار، لله ما أشد عذابها، وما أبأس أهلها، فأنى لهم باحتمال حرها وسمومها، أي جزء من أجسامهم يقوى على آلامها؟!. كم تعلو لهم من صيحات، ويتردد منهم من صراخ، ولكن لا يجاب لهم نداء. يستغيثون من الجوع فيغاثون بشجرة الزقوم فيأكلون منها، فتنسلخ وجوههم، فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش، فيستغيثون منه، فيغاثون بماء كالمهل، فإذا أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم والجلود، ويضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور. ويذكرون الرجال الذين كانوا يعدونهم من الأشرار، فينادونهم بطلب الغوث منهم: وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50، 51].

    ويزيد في عذابهم تلك الخلقة التي زيدت فيهم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((ما بين مَنْكِبيَ الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: ((ضرس الكافر ـ أو ناب الكافر ـ مثل أُحُد، وغِلَظ جِلده مَسيرة ثلاث)) وهم في ذلك كله يتنقلون من عذاب إلى عذاب، ومن ألم إلى ألم، لا يفترون عن عويل وصياح: يا ويلنا يا ويلنا.

    من يطيق زفرة من زفراتها؟ من يطيق لحظة من أيامها؟ من طيق لفحة من لهيبها؟ من يطيق لقمة من زقومها؟ من يطيق شربة من حميمها؟ من يطيق الحجاب عن ربه عز وجل، وهو أشد عذابها.

    إلهـي لا تعذبـنـي فإنـي *** مقر بالـذي قـد كـان مني

    فمـالي حيلـة إلا رجائـي*** لعفوك إن عفوت وحسن ظني

    وكم من زلة لي في الخطايـا *** وأنت علـيّ ذو فضـل ومنّ

    إذا فكرت فـي ندمي عليها *** عضضت أناملي وقرعت سنّي

    أجن بزهـرة الدنيـا جنوناً *** وأقطع طـول عمري بالتمنّي

    ولو أني صدقت الزهد عنها *** قلبت لأهلهـا ظهـر المجـنّ

    يظـن الناس بي خيراً وإني*** لشرّ الخلق إن لـم تعف عنّي

    النار عباد الله، دار الذل والهوان، والعذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، دار أهلها أهل البؤس والشقاء، والندامة والبكاء، والأغلال تجمع بين أيديهم وأعناقهم، والنار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم، شرابهم من حميم يصهر به ما في بطونهم والجلود، وأكلهم شجر الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، يدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون، ويسألون ربهم الخروج منها فلا يكلمون، كيف لو أبصرتهم وهم يسحبون فيها على وجوههم وهم لا يبصرون، أم كيف لو سمعت صراخهم وعويلهم وهم لا يسمعون: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ [آل عمران:185].

    جثت الأمم على الركب، وتبين للظالمين سوء المنقلب، انطلق المكذبون إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليلٍ ولا يغني من اللهب، وأحاطت بهم نار ذات لهب، سمعوا الزفير والجرجرة، وعاينوا التغيظ والزمجرة، ونادتهم الزبانية: فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ [النحل:29].

    الهاوية تجمعهم، والزبانية تقمعهم، في مضايقها يتجلجلون، وفي دركاتها يتحطمون. ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار. الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون، وبالنواصي والأقدام يؤخذون، وفي الحميم ثم في النار يسجرون. يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد فوق رؤوسهم. تكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم.

    ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ طعامهم الزقوم والضَّريع، لا يسمن ولا يغني من جوع. شرابهم الحميم والغَسَّاق والماء الصديد، يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، ويملأ البطون: يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:17]، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [فاطر:37].

    يتمنون الموت والهلاك، ولكن أين المفر؟ ومتى الفكاك؟ وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ [الزخرف:77، 78].

    ثم يعلو شهيقُهم، ويزداد زفيرهم، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، فيعظم يأسهم، ويرجعون إلى أنفسهم: سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم:21]، نعوذ بالله ربِّنا من غضبه وأليم عقابه وعذابه.

    عباد الله صلوا وسلموا على من امركم الله بالصلاة والسلام عليه
     
  8. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    الخطبة الأولى : الجنة ونعيمها
    الحمد لله الذي أمر بطاعته ، ونهانا عن معصيته ، ووعد الصالحين بجنته ، ومستقر رحمته ، وتوعد العصاة بدار نقمته ، وزوال نعمته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له السيد المطاع ، له على خلقه الحجة [ البالغة ] بلا نزاع ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى خير أمة وأتباع ، .اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد النبي المختار ، وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأبرار ، وعلى التابعين لهم بإحسان في اقتفاء الآثار
    حديثنا اليوم عن الجنة وما أعد الله فيها لأهلها وقبل ذلك اتكلم عن القنطرة وما ادراك مالقنطرة
    في البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا " وهذه القنطرة من أمور الغيب كالصراط والميزان، وأهل السنة والجماعة يؤمنون بهذا كله، فيؤمنون بكل ما أخبر الله به في كتابه، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، والقاعدة أن أمور الغيب يؤمن بها ولا يطلب العلم بكيفيتها، فلا نعلم كيفية الصراط وحقيقته على ما هو عليه، ولا نعلم كذلك كيفية هذه القنطرة، وبهذا يعلم أن السؤال عن مخطط لمراحل يوم القيامة سؤال غير لائق، فعلى المسلم أن يؤمن بهذه المغيبات تصديقاً لله ورسوله، ولا يطلب كيفيتها، فحقائق الآخرة لا يعلمها إلا الله، وسيدرك الناس من ذلك ما شاء الله لهم يوم القيامة إذا باشروا هذه الأحوال وعاينوا ما كان غيباً، والإيمان الذي مدح الله أهله هو الإيمان بالغيب، أما الأمور المعاينة كالشمس والقمر والأرض والجبال فليس مما يمدح الإيمان بوجوده، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } [البقرة:2-4].
    اسمحوليإخوة الإسلام في هذا اليوم العظيم ومن هذا المقام الكريم أتوجه إليكم بهذا الإعلان الهام والنداء العام، إنه دعوة إلى كل من انتسب إلى دين الإسلام، والداعي هو ربنا الرحمن في كتابه العظيم سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) .
    إنها دعوة مهيبة ورسالة كريمة إلى حيث الراحة والاطمئنان والأمن والأمان والروح والريحان.
    دعوة من الله جل جلاله لسكنى دار الخلد وجنة المأوى، صحتك فيها لا تقل ولا تفنى، وثيابك فيها لا تبلى، ووجهك فيها كالنجم في السما أو هو أصفى، وسنك فيه الثلاثة والثلاثين لا يتعدى، والجمال والكمال عليك فيها قد استولى حياتك فيها حياة رضية، وعيشك فيها سعادة أبدية، وأوقاتك فيها أوقات هنية، إنها دعوة تطير النفس في أجوائها وتحلق الروح في سمائها ويستروح القلب في قسماتها بعيدا عن الحياة الدنيا التي أكثر عيشها كدر ، إن سعد فيها المرء يوما شقي أياما، وإن تنعم ساعة تألم ساعات بل أعواماً. لا يخلو فيها فرح من ترح، ولا بهجة من حزن، ولا سرور من ألم.
    إن كان فيها الإنسان فقيرا تعب في تحصيل قوته وقوت عياله، وإن رزقه المال فيها شقي في حفظه وإنمائه وإن ذاق فيها ما لذ وطاب ضاق بعدها بإخراج فضلاته، فما أحقر نعيم الدنيا الزائف أمام النعيم الحقيقي في الجنة، وما قيمة نعيم الدنيا من نعيم دار يقول الله عز وجل في كرامة أهلها وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريراً ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريراً قوارير من فضة قدروها تقديراً ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلاً ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً وإذا رأيت ثَمَّ رأيت نعيما وملكاً كبيراً عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً .


    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على أثرهم لأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض ولا تحاسد، لكل امرئ منهم زوجتان، كل واحدة منهما يرى مخ سوقهما من وراء لحمهما من الحسن، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون ولا يتمخطون ولا يبصقون، آنيتهم الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ووقود مجامرهم الألوة)) أي أعواد البخور.
    وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمن فيتمنى ويتمنى فيقول له هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه(
    ما بالك ـ يا عبد الله ـ بجنة عرضها السماوات والأرض، ما بين مصراعي الباب مسيرة أربعين عامًا،
    تفتح أبواب الجنة لأهل الجنة : جَنَّـٰتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلاْبْوَابُ وعدتها ثمانية، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. وقد يدعى العبد الصالح المحسن من تلك الأبواب كلها ، قال عتبة بن غزوان : وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام
    للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا، فيها غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام.
    فيها شجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع مائة عام ما يقطعها، وساقها من ذهب، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان فيهما فاكهة ونخل ورمان، قد ذللت قطوفها تذليلاً، إن قام تناولها بيسر، وإن قعد تناولها بيسر، وإن اضطجع تناولها بيسر، كلما أخذ منها شيئًا خلفه آخر.
    فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، يطوف عليهم ولدان مخلدون، إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا من جمالهم وانتشارهم في خدمة أسيادهم، يطوفون عليهم بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين، في آنية الفضة وصحاف من ذهب وأكواب من فضة في صفاء القوارير، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وطعامهم فاكهة مما يتخيرون، ألين من الزبد وأحلى من العسل، ولحم طير مما يشتهون، يُعطى الواحد منهم قوة مائة في الأكل والشرب والجماع، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء، جرد مرد مكحلون، ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس، لا غل بينهم ولا حسد ولا بغضاء.


    أما نساؤهم من الحور العين فلو اطلعت إحداهن إلى الأرض لأضاءت الدنيا، ولملأت ما بينها ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، وللرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب، وأنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارًا، كلما أتاها زوجها رجعت بكرًا كما كانت، متوددة إلى زوجها متحببة إليه، قصرت طرفها عليه، طاهرة مطهرة من الأنجاس والأقذار والأرجاس، وإنهن ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعهن أحد قط.


    وإن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤًا ولباسهم فيها حرير، هم وأزواجهم في ظلال على الأراك متكئون، متكئون على فرش بطائنها من استبرق، وجنى الجنتين دان، يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس.
    وإن في الجنة لسوقًا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالاً، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً.
    وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، لا يبغون عنها حولاً ولا هم منها مخرجون،
    وينادي فيهم مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا، فذلك قول الله عز وجل: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، ثم يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبدًا، ويذبح الموت بين الجنة والنار.
    فإذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويُدْخِلَنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقرّ لأعينهم منه، وهو أعلى نعيم أهل الجنة في الجنة. فإنهم ينعمون برؤية ربهم البر الرحيم الذي مَنّ عليهم حتى أوصلهم بفضله إلى دار السلام والنعيم، يرونه عيانًا بأبصارهم كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22، 23].
    وإن سألت أخي عن أهلها والطريق الموصل إليها فاستمع إلى قول الحق جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    بارك الله لي ولكم ......

    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، وتزودوا من دنياكم بما ينفعكم في الأولى والأخرى، واعلموا أن خير الزاد التقوى.
    عباد الله، ((إن آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فتُرفعُ له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أنه لا يسأل غيرها، وربّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأولين فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر عليه فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم ما يصريني منك ـ أي: ما يقطع مسألتك مني ـ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها، قال: يا رب، أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيضحك الله فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)) رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه.
    وبعد: عباد الله، أسمعتم إلى حال أدنى أهل الجنة منزلة في الجنة، إنه لنعيم عظيم فما بالكم بأعلاها، إنها ـ والله ـ لفرصة عظيمة للراغبين في دخولها، لا سيما في هذا الشهر العظيم الذي يتفضل الله فيه على عباده فيعتقهم من النار ويدخلهم الجنات، فاعمل يا عبد الله.
    واعمل لدار غدًا رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها
    عباد الله صلوا وسلموا على من امركم
     
  9. الصورة الرمزية المناضل..

    المناضل.. تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    تم ولله الحمد الانتهاء من السلسلة ( سلسلة رحلة الى الدار الآخرة)_______________________________________والخطب في تواصل بإذن الله تعالى___________
     
  10. الصورة الرمزية العزة للاسلام

    العزة للاسلام تقول:

    افتراضي رد: منبر المنتدى إليك ايها الخطيب المبارك آمل التثبيت

    بارك الله فيك اخونا الفاضل

    تم التثبيت