الفصل الثامن عشر
يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي بعثه الله تعالىفي أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته, ويقتدون بأمره, ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون, ويفعلون مالا يؤمرون, فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل".
يتناول هذا الحديث الصحيح قضية من أهم القضايا الإسلامية التي تكثر حولها الجدل.. قضية واجب المسلم, وضرورة عمل الجماعي, وفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, والمجاهدة باليد أو اللسان, ومعنى المجاهدة بالقلب.. وكلها أمور تستحق أن نقف عندها لتوضيح ما استشكل فهمه, وتبسيط ما حاول البعض تهويله أو التهوين من شأنه.
قضية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
قال الله عز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران:104].
(فالمهمة التي شاء الله عز وجل أن يلقى أعباء القيام بها على عائق الأمة المسلمة عبرت عنها الآية الكريمة بمصطلحين: أحدهما الدعوة الى الخير, والآخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
أما الدعوة الى الخير:
فقد روى أبو جعفر الباقر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية الكريمة {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} فقال: الخير اتباع القرآن وسنتي.
وبذلك يصبح معنى الآية: إنه لابد من وجود أمة (أى جماعة) تعمل على نشر الإسلام وتطبيقه, واتباع تعاليم القرآن الكريم وسنة الرسول الأمين فيما يخص أمور الدنيا والدين.
أما المصطلح الآخر فهو مصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى هو موضوع البحث:
فقد ذكر الإمام الغزالى في كتابه القيم (إحياء علوم الدين) وهو يتحدث عن موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, فقال:
(الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين, وهو المهمة التي ابتعث الله لها النبيين أجمعين, ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة, واضمحلت الديانة, وعمت الفترة, وفشت الضلالة, وشاعت الجهالة, واستشرى الفساد, واتسع الخرق, وخربت البلاد, وهلك العباد, ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد).
* فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو مهمة الأنبياء. قال الله تعالى يصفرسول الله صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} [الأعراف:157].
* ومهمة الأمة المسلمة من بعد النبي, قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110].
أى أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عمل دعوى.. تقوم به الأمة المسلمةبين الناس وفي نفسها, فهي إذا لم تلزم نفسها بالمعروف ولم تنته هي عن المنكر فكيف يصح لها أن تأمر غيرها وتنهاه؟
* وهو عبادة واجبة,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتى الزكاة, وتصوم الرمضان, وتحج البيت, والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وتسليمك على أهلك, فمن انتقص شيئا منهن فهو سهم من الإسلام يدعه, ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره".
وعن جابر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام أن أقلب مدينة كذا وكذا بأهلها. فقال يارب إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين. قال: اقلبها عليه وعليهم, فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط".
الجانب السياسي في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
قال الله تعالى {الذين إن مَّكَّنَّاهمّ في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج:41].
* ومعنى ذلك أنه كما أن للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جانبا دعويا, فكذلك له جانب سياسي. أى أن الأمة المسلمة وأولى الأمر فيها مطالبون بتطبيق شرع الله فريضة من الله. وأداء هذه الفريضة من اهم مسؤولياتها وأكبر واجباتها لا يجوز لها شيء من التهاون فيها, فضلاً عن إهمالها, ولأنها هي التي تضفى عليها الطابع الإسلامي والصبغة الإسلامية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي بعثه الله تعالىفي أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته, ويقتدون بأمره, ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون, ويفعلون مالا يؤمرون, فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل". فإذا جاء هؤلاء الخلوف وانحرفوا بالمجتمع المسلم عن هدى الرحمن وسنة نبيه ولم ينفع معهم النصح والتذكير فقد وقع واجب التغيير على أبناء الأمة كل حسب قدرته.
ولكن لماذا تتحنل الأمة هذا الواجب؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يعمل فيهم المعاصى, ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لم يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".
ولكن كيف تكون مقاومة المنكر؟
1- فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن:
وحول هذا الموضوع قال العلماء كلاما كثيرا.. منه أنه ينبغى على العصبة المؤمنة أن تجاهد المنكر وتزيله بيدها, وأن تستعمل السيف إذا لزم الأمر, وقد اشترط الفقهاء أن لا يؤدى ذلك إلى ضرر أكبر.
2- ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن:
والإصلاح باللسان متقدم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالقوة. ولقد نعى الإسلام على الأمة أن تهاب الظالم وتخشاه فلا تردعه عن ظلمه, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".
3- ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن:
والمجاهدة بالقلب تعنى أن الإنسان إذا لم يستطع أن يجاهد بيده ولا بلسانه لظروف خاصة به مثل شدة بطش الحاكم أو الخوف منه.. فتكون مجاهدة بالقلب. وهي ليست مجرد الإنكار القلبي والستكانة بعد ذلك, بل تعني أن يتحول هذا الإنكار إلى فكرة يبثها المنكر بقلبه بين أقرانه يجمع عليها جميع المنكرين بقلوبهم, حتى يتكون منهم تيار غالب يقوى أفراده بعضهم بعضا, بحيث تصبح لهم قوة مادية يستطيعون بها أن ينكروا بألسنتهم أو بأيديهم.
وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان:
فالقوى الذي لا ينكر بيده, والعالم الذي لا ينكر بلسانه, والآخرون الذين لا ينكرون بقلوبهم.. ليس عندهم حبة خردل من إيمان..
الفصل التاسع عشر
يوازن بين الفردية والعمل الجماعي
ذكرنا في بحثنا "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
1- إن الدعوة إلى الله تعالى وظيفة الرسل, قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أنة رسلولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الظاغوت} [النحل: 36].
2- وإن هذه المهمة انتقلت إلى الأمة المسلمة من بعد الرسل, قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110].
3- وإن الدعوة إلى الله هي واجب كل مسلم ومسلمة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
4- والمسلم القائم على أمر الدعوة الذي تمنعه ظروفه من أن يجاهد الظلم والمنكر بيده أوبلسانه.. يلجأ إلى أضعف الإيمان فليجاهد بقلبه.
5- من هذا المنطلق قامت الحركات الإسلامية في مختلف بلدان المسلمين في قديم الزمان وحديثه. بعض هذه الحركات كان محلى النشأة والاهداف, وبعضها كان عالمى النظرة والتطلعات. فما أن تتدهور أوضاع الأمة المسلمة, فتفقد وحدتها وقوتها, وينال منها أعدائها, أو يتحكم فيها حكام يشيعون الظلموبهادنون العدو.. حتى تصدى لهذه الأوضاع رجال ربانيون يتعاهدون على إعادة الأمور إلى نصابها, وإعادة الأمة إلى دينها.. وهؤلاء هم طليعة الحركة الإسلامية في كل مكان وزمان.
6- وفي عصرنا الحديث, وقد فقدت الأمة الإسلامية شخصيتها, وعاث فيها أعداؤها, فرقوا وحدتها, واستعمروا أوطانها, واستلبوا أرضها, واستبدلوا أحكام الشريعة فيها بقوانين مستوردة, وأقصوا الإسلام من دائرة التأثير, قامت حركات إسلامية أهمها: حركة الإخوان الممسلمين في البلاد العربية, والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية, وحزب السلامة والرفاة في تركيا, وحزب ماشومي في أندونيسيا.. وأعداد كبيرة من الحركات الإسلامية الأخرى التي تمت بصلة فكرية أو تنظيمية لواحدة من هذه الحركات.
7- ولقد واجهت هذه الحركات الإسلامية مقاومة شرسة من القوى المختلفة المتحكمة, ولم تكن في أكثر الأحيان معارك متكافئة, وكيف يقاوم شباب أعزل أوضاعا أقوى منهم بكثير تملك الجيوش والسلاح وتملك السجون والمعتقلات.. وما زالت الحرب مستمرة.. والكفة تكاد ترجح إلى جانب أنصار الحركة الإسلامية, فالظلم مهما ارتفع واشرأب, نهايته وخيمة وعاقبته انهيار..وصدق الله العظيم إذ يقول:{ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} القصص:5].
8- وللحركة الإسلامية جملة عناصر تتكون منها وهي:
أولاً: القيادة والقاعدة وطبيعة العلاقات بين الفريقين.
ثانياً: طبيعة التنظيم وأهدافه.
ثالثاً: المنهاج التربوي الذي يعيد صياغة الفرد والمجتمع.
ولا بأس أن نقف ولو باختصار على هذه العناصر, نحللها ونعدد اختلاف وجهات النظر حولها, فقد يكون في ذلك بعض الفائدة.
9- معنى التنظيم:تطلق كلمة التنظيم على كل تجمع من الناس, يسعون نحو هدف محدد, يجعلون عليهم رئيسا هو القائد, ينظمون أمورهم حسب لوائح يتفقون عليها, ولا تشذ التنظيمات الإسلامية عن هذا النمط, وإن كان التنظيم الإسلامي يحاول أن يضبط وجوده, وأهدافه, وعلاقات القائد بقاعدته, حسب التعاليم الإسلامية, بل ولربما حاول التنظيم الإسلامي أن يقتفى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف أطوار دعوته, وبقدر تجهد الاجتهادات والتفسيرات لتصرفات القائد محمد صلى الله عليه وسلم فإننا نجد تعدد أشكال التنظيمات وأهذافها بالقدر نفسه.
* فمنهم من يرى أن التنظيم ينبغي أن يضم عناصر قليلة, منتقاة, صاحبة علم وثقافة, وخلق ومركز اجتماعي, وقدرة على خدمة الدعوة والارتقاء بها, وقيادة الجماهير بعد ذلك نحو الهدف المنشود. وهو ما يشبه بالمجموعة الطليعية في زماننا هذا.
* ومنهم من يرى أن التنظيم هو إطار شامل يضم الناس جميعا, يتلقون فيه مقدارا معينا من الإعداد والتربية, ويزداد حجم التنظيم بازدياد نشاط أعضائه في ضم المزيد من العناصر, وتصبح نظرة الرضا كاملة ينظرها العنصر إلى زميله في التنظيم.. بينما ينظر الآخرين بعين الشك وعدم الأطمئنان.
* والتنظيمات الإسلامية تضم كلا النوعين.. ففي الوقت الذي تتشدد فيه الجماعة الإسلامية في باكستان بشروط العضوية, ولا تقبل في صفوفها إلا النخبة كأعضاء عاملين.. تتساهل حركة الإخوان المسلمين في هذه الشروط ولكلا الطريقتين مزاياهما.. وعيوبهما
.
10_ بين الدين والسياسة:والدعوة إلى فصل الدين عن السياسة قديمة.. غير أنها استقرت عرفا سياسيا في القرن الماضي والقرن الحالي.. والدعوة في أصلها غربية كنسية ينسبونها إلى قول السيد المسيح: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا النوع من الفهم لا يعرفه الإسلام ولا يقره. والإسلام دين يتناول جميع مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها الجهاد والعبادات والعقائد.. ولا يعرف مثل هذه التقسيمات.. والدول الغربية التي تآمرت على المسلمين.. وأسقطت دولة الخلافة, واحتلت بلاد المسلمين, فرضت عليهم أوضاعا ثقافية وسياسية وقانونية لا يقرها الإسلام ولا تخدم غير أغراض المستعمر.. ومنها هذه الفرية "فصل الدين عن السياسة".. وللأسف الشديد فإننا نجد بعض التنظيمات الإسلامية تسير في الاتجاه نفسه, وتزعم لنفسها مسارا بعيدا عن السياسة.. ونستطيع أن نقول: إن الغاية الرئيسية للتنظيمات الإسلامية هي إقامة الحكومة المسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية.. وكل ابتعاد عن هذه الهدف يعتبر انحرافا عن الإسلام. والدعوة الإسلامية الأولى لم تحاربها قريش من أجل توحيد الآلهة بإله واحد.. إنما حاربتها لأنها أرادت أن تقيم سلطان الله مكان سلطان قريش!
11-بين السرية والعلنية: وهذه قضية أخرى خطيرة جدا, تعانى منها التنظيمات السياسية بعامة والتنظيمات الإسلامية بخاصة.. جميع الحركات الإسلامية بدأت علنية تدعو إلى الناس أن يمارسوا حقهم المشروع في عملية التغيير بالوسائل السلمية, فقد ضمنت القوانين وحقوق الإنسان حريته في القول والكتابة والتجمع. ولكن الإرهاب بكل أنواعه مورس بحق الإسلاميين جعلهم يحولون عملهم الدعوي إلى تحت الأرض.
والأمر الطبيعي أن ينظر الإسلاميون إلى السرية على أنها طارئة. يعملون على تخطيها والعودة إلى العلنية الطبيعية.. ولكن بعض التنضيمات استمرأت الأمر, وخلطت بين الدعوة والتنظيم, وبدأت تدخل بالدعوة دهاليز السرية.. وفي الدهاليز تتم المؤامرات وتنحرف الدعوات, باسم السرية تقتل الفضيلة وتشيع الرذيلة, ويحكم على العول ويبرأ المجرمون, ويرتفع الأراذل ويذل الأفاضل.
يكفى في أجواء السرية هذه أن تلقى الكلمة.. وتحاط بأجواء خاصة.. لتصبح حقيقة غير قابلة للنقص.. تماما مثل تعاويذ الكهان! فلا قائدها يقدم البرهان.. ولا السادة السامعون يطالبون بالدليل.. وكيف يحق لهم ذلك والأمر في غاية السرية.. باسم هذه السرية وببركاتها قامت أعمق الخلافات التي لا تحل! وأسوأ المعارك التي لا سبب لها! إن هذه السرية.. هي غير سرية الدعوة في مكة التي نظم فيها الصف الإسلامي صفوفه, وهيأ نفسه للمعركة الطويلة مع الشرك.. استوعب خلالها المسلمون معنى الإسلام ومعنى الدعوة حتى لا يقع أي تناقض في دعوتهم.. أو بين دعوتهم وسلوكهم.
12- معنى القيادة: لابد لكل جماعة من رئيس, تلك حقيقة قررتها الشريعة وأمرت بها,ويؤيدها الواقع ويدركها العقل السليم, وفي الحديث الشريف: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" ويقول الإمام ابن التيمية تعليقاعلى هذا الحديث: "فأوجب (ص) تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر, تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بالقوة والإمارة".
وتقوم القيادة:
* بإدارة الجماعة.
* ووضع الخطط لها.
* وتحديد الأهداف المرحلية والنهائية.
* ووضع الوسائل المناسبة لهذه الأهداف.
* وتنفيذ الخطة.
* وتشكيل الأجهزة التي تشرف على متابعة التنفيذ.
فإذا تصورنا أن جميع هذه المهام تقع على عاتق القيادة الحركية في التنظيمات الإسلامية.. فمعنى ذلك أن القيادة يجب أن تكون على درجة عالية من الكفاءة, ليس في الجوانب الشرعية التي يكتفى بها البعض بل وفي مختلف جوانب المعرفة.
فعلى الإدارة مثلا أن تعرف الكثير عن علوم الإدارة:
* كيف تختار العناصر المناسبة.
* كيف تعدهم, وترفع باستمرار مستوى أدائهم, وتحسن توجيههم حسب قدراتهم.
* كيف تنظمهم.
* كيف يمكن الأستفادة منهم وتحقيق أهدافها من خلالهم.
ومن واجبات القيادة:
* أن تضع الرجل المناسب في مكان المناسب.
* وأن تمنح الثقة وتعطى الصلاحيات وتحاسب على الإنتاج فالقدرات تبنى بالمسئوليات.
* وأن تتابع العمل ولا تكتفى بالتقارير.
* القيادة الإسلامية لابد أن تكون على درحة عالية من الكفاءة والثقافة الإسلامية والعلوم العصرية المتنوعة..
* وعلى القائد الإسلامي أن يكون حارسا للمباديء أمينا على المفاهيم والتصورات التي يدعو بها.
* وعلى القائد الإسلامي أن يكون قدوة صالحة, راجح العقل, شجاعا, حليما, عفوا, رفيقا, متثبتا, وفيا للعهد, صادقا, ذكيا, حاضر البديهة, سليم الصدر, لا يقبل العاية ةالنميمة.
* وعلى القائد الإسلامي أن يتخذ البطانة الصالحة.
* وعليه قبل كل شيء أن يتأكد من تطبيق الشورى في جميع مواقع اتخاذ القرار.
* والقائد مسئول عن عمله, يحاسب إن قصر أو خطأ.
13- البيعة: في حالات الكثيرة يكون الخطط بين قائد الجماعة المسلمة أيا كان اسمها.. وبين الخلافة أو قيادة الدولة الإسلامية. وإذا كان خروج المسلم على الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله يعتبر كبيرة من الكبائر.. فإن الأمر في حالة الجماعة الإسلامية ليس كذلك.. ولقد بالغ بعض الكتاب الإسلاميين عندما عرفوا البيعة بأنها عهد على الطاعة, كأن يعاهد الرجل أميره على أن يسلم له النظر في نفسه وأمور المسلمين, لا ينازعه في شيء من ذلك, ويعطيه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره.
14- أركان البيعة: وفي رسالة التعاليم ذكر الإمام حسن البنا (رحمه الله) أركان البيعة فقال إنها عشرة: الفهم, الإخلاص, العمل, الجهاد, التضحية, الطاعة, الثبات, التجرد, الأخوة, الثقة.
وهذا يعني أن الفرد في الحركة الإسلامية يبايع القائد على هذه الأركان.
15- الشورى والعدالة: والشورى هي أساس العلائق بين المسلمين. والعدل هو شرط لإقامة علاقة صحيحة بين القائد والأتباع. والشورى كما أنها اساس قانوني تقوم عليها العلاقات في كل تجمع إسلامي صغر أو كبر, كذلك فهي خلق إسلامي وصفة لازمة للمؤمنين المصدقين المستجيبين لله. قال تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} [الشورى: 38].
والشورى واجب على الحاكم والمحكوم, ونتائجها تلزم القائم بالأمر, ولا شورى بدون معلومات يقدمها المسئول للآخرين, والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. أما حجب الشورى.. فكما أنها سبب رئيس لانحدار الأمة فهي سبب كاف لعزل القائد أو الخليفة.
أما العدل الذي ينادى به الإسلام فهو عدل مطلق يساوى بين الناس, قال تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء:58].
16- الطاعة: وللقائد المسلم مقابل أدائه لواجباته, وقيامه بحقوق الآخرين, السمع والطاعة بالمعروف. فمن غير المعقول أن يكون القائد قائما بما عليه لله وللأمة, ثم لايكون مسموع الكلمة ولا مطاعا, والطاعة بالمعروف قضية ضرورية في كل المجالات.
17- التربية والتعليم: ذكرنا في بحثنا السابق "الأمر بالنعروف والنهى عن المنكر"ما يلى:
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجمع _في الأصل_ بين عملين:
* عمل الدعوة.وعمل التربية والتنظيم.
ويتم هذان العملان بترتيب طبيعي. فيدعوا المسلم الناس أولا إلى دين الإسلام,ثم يعنى بتربية الذين يؤمنون به وتنظيمهم. وعلى هذه التربية وهذا التنظيم يتوقف نجاح الدعوة أو إخفاقها. فإذا كان التنظيم محكما موطدا, والتربية سليمة قوية, أفلحت الدعوة, وإلا كان الفشل مصيرها المحتوم. ولذلك كان بين الدعوة والإرشاد, وبين التنظيم والتربية صلة قوية وارتباط وثيق. فلا توجد التربية والتنظيم بدون الدعوة, كما أن من المستحيل بلوغ الدعوة إلى غايتها المنشودة من غير تربية وتنظيم. ومعنى ذلك أن قضية التربية والتعليم هي جزء المكمل للدعوة والإرشاد وهما قضيتان في موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والتربية والتعليم ضروريان لذلك الإنسان الذي استجاب للدعوة وشرح الله صدره للإسلام, فلا يصح أن يترك لفهمه القديم ولانحرافه السابق, فقد ثبت في السنة المطهرة, أنه عندما أسلم عمير بن وهب, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "
فقهوا أخاكم في دينه, وأقرئوه القرآن".
الفصل العشرون
ينفق من ماله
عن أبى هريرة _رضى الله عنه_ قال: قال رسول الله (ص): "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان, فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا".
تناول هذا الحيث الصحيح قاعدة هامة من قواعد الحياة الإسلامية والنظام الإسلامي.. فالمجتمع الإسلامي, مجتمع متماسك ومتوازن في جوانبه الروحية والمادية, وفي جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فلم يركز الإسلام على جانب دون آخر, بل عالج جميع القضايا الإنسانية التي يتعرض لها الكائن البشري معالجات تنسجم مع فطرته, يعالجها من هنا ويقومها من هنال حتى تستجيب للتوجيه الصحيح الذي فيه خير الإنسان والمجتمع.في مجتمعات أخرى غير الإسلام سابقة أو لاحقة, وجدت قيم شاذة مسخت الإنسان وقزمت فطرته.. وفي مجتمعات أخرى تتسمى بالإسلام اسما ولكنها لا تطبقه بالفعل يشقى فيها الإنسان كذلك, لأنها مثل الأولى لم تطبق على الإنسان توجهات الفطرة التي جاء بها الإسلام ووازن بها حياة الإنسان من كافة الجوانب.
الفصل الحادي والعشرون
إداري ناجح
وعلى الداعية المسلم أن يكون إداريا ناجحا.. فالإدارة من العلوم الحديثة التي استفادت منها الدول الفربية (خاصة) واستطاعت بها أن ترتقى في البناء في مجالات كثيرة وأن تصون في الوقت نفسه هذا البناء. من مقتضيات الإدارة الناجحة أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وأن تمنح الثقة وتعطى الصلاحيات وتحاسب على الإنتاج.فالقدرات بالمسئوليات.. وبدون المسئولية تضعف الكفاءات وتتقزم. ومن مقتضيات الإدارة الناجحة المتابعة والاستفادة, فلا يجوز أن تبنى الأجهزة لمجرد الرغبة في وجودها, ولكن لأن الحركة تحتاجها وتنتظر قراراتها وشتان بين حركة تعمل بالأجهزة.. وبين أجهزة تشكل ولا تتابع ولا يستفاد منها.
1- تنظيم الوقت:
إن التزام الوقت, وتقدير قيمة الزمن من عناصر تقدم الأمم أو تخلفها, فإذا رأيت أمة كسولة يتسكع شبابها وشيوخها في الطرقات, أو في المقاهى, ليلهم كنهارهم, صبحهم كمسائهم.. لا يعرفون لهم غاية أو هدفا.. إذا رأيت مثل هذه الأمة فاعلم أنها أمة ميتة لا تعيش.
الزمن يمضي ولا يعود.. وهو ما عبر عنه حسن البصرى_رضي الله عنه_ بقوله: "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى: يا ابن آدم, أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد, فتزود مني فإني إذا مضيت لا إعود إلى يوم القيامة". إذا كان الأمر كذلك, وللوقت كل هذه الأهمية, فعلى الداعية المسلم أن يعيد حساباته ويحدد أولوياته ويجعل تنظيم الوقت من أهم العناصر في حياته العملية.
2- التخطيط:
والتخطيط هو تحديد الأهداف في عمل معين, وتحديد الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الأهداف, بأكبر كفاءة وأقل تضحية.. فالتخطيط هو الوسيلة التي تنقلك من خطوة إلى خطوة بعدها ومن مرحلة إلى مرحلة متقدمة بالأسلوب الذي يختاره المخطط الذي يتناسب مع طاقاته وقدراته.
أخي المسلم الداعية:
عليك ان تكون إداريا ناجحا, فخلال المائة العام الأخيرة تطورت النظرية الإدارية إلى حد كبير وذلك في إطار المناخ المحيط بها, نظرا لتطور النظم السياسية والاقتصادية, وللطفرة الهائلة التي حدثت في مجال العلم والتقدم التكنولوجي, وطرق المواصلات والاتصالات, واستخدام الحاسب الآلي في معظم مجالات العمل الإداري, وفي بداية القرن العشرين ظهرت الأفكار الإدارية التي تهدف إلى الحصول على أقصى إنتاجية ممكنة بأقل تكاليف ممكنة, وفي هذا الشأن ظهر التركيز الشديد على وظائف الإدارة المتمثلة, في التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والقيادة والرقابة على عمليات مختلفة في مشروعات الأعمال وظهرت المدرسة الإدارية التي تعتمد على التجارب العلمية في تحقيق واجباتها المختلفة.
أصبحت الإدارة علما لا يستغنى عنه أحد.. وصارت القرارات تستند على التجارب العلمية لا الحس أو التخمين أو الخبرات السابقة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
**********************