د. مقبل صالح أحمد الذكير - [COLOR=#8080c0]05/11/1427هـ[/COLOR]

ما فتئ كثير من ضحايا سوق الأسهم والمتورطين فيها، يسألوننا قائلين ناشدناكم الله يا أهل الاقتصاد والمعرفة دلونا ماذا نفعل؟ وكيف نتصرف؟ لقد أنهكتنا السوق وضاعت مدخراتنا! تراجعت صحتنا، وأشتد قلقنا، وساءت حياتنا الاقتصادية، واضطربت أحوالنا الاجتماعية. ها أنتم ترون أننا في بحر عشرة أشهر تعرضنا إلى ثلاث موجات موجعة من تراجع السوق، أولاها كان في شباط (فبراير)، وثانيتها في آب (أغسطس)، وآخرها الآن في تشرين الثاني (نوفمبر). حتى بات هم بعضنا الآن النجاة برأسماله فقط، بل إن بعضنا الآخر يتمنى، من هول الصدمة وعظم الكارثة وفقدان الأمل، إعادة نصف رأسماله ليتخلص من هذا الذل والهوان وما اعتراه من نصَبٍ وهذيان. إن الناس في محنة كبرى لا يعلم مداها سوى الله تعالى!
نرجوكم لا تكتفوا بالقول إن هذه سوق مخاطرها عالية، وإن الناس وحدهم يتحملون مسؤولية الانخراط فيها، فمع صحة هذا الوصف عامة، إلا أن الحقيقة تظل أنها كارثة قومية بكل المقاييس تستدعي تضافر جهود الجميع. ولا أدل على ذلك، من أن المحنة طالت حتى من وضعوا أموالهم في صناديق البنوك، وحالهم لا يقل فداحة عن المنخرطين مباشرة في السوق.
أنتم تعرفون أن السوق ظلت تقفز سنة بعد أخرى منذ عام 2003 حتى نكبة شباط (فبراير) 2006م، تحت سمع وبصر المسؤولين عن توجيه السياسة الاقتصادية وإدارتها في مجتمعنا، وكانت أخبار مكاسبها تسترعي انتباه الناس وتجذبهم إليها شيئا فشيئا، حتى ظن الناس وكأنها رسالة إليهم بأنها الفرصة الذهبية لتحسين أحوالهم المعيشية، فغشي السوق من غشاها حتى حلت الكارثة! فأين كان المسؤولون عنها؟ ألم يكن جديرا بهم منذ اللحظة الأولى التي رأوا فيها هذا الانحراف الاقتصادي، أن يسارعوا لاتخاذ المناسب من السياسات الاقتصادية لتوجيه السيولة وجذبها نحو قطاعات اقتصادية أخرى أفضل وأكثر فائدة لأصحاب المدخرات وللاقتصاد عموما؟ خاصة أن اقتصادنا زاخر بفرص واعدة كثيرة تدعمها سوق واسعة. لماذا لم ينهضوا سريعا فيشرعوا الأبواب ويتبنوا من السياسات ما يوجّه الناس ويجذبهم نحو الأصلح والأنسب من الأنشطة الاقتصادية، كما جرى في طفرة السبعينيات السابقة؟ لماذا تركوا المليارات تنزلق وتحتقن في سوق الأسهم لتولد طلبا عاليا على أسهم موجودة، ويجري تدويرها بين المتداولين لترتفع أسعارها إلى مستويات قياسية، وتنقلب السوق لتدخل في دوامة حمى مضاربة صاخبة وعنيفة؟ أما كان بالإمكان الإسراع بتذليل سبل تكوين شركات إنتاج جديدة عملاقة وقوية تمتص هذه الفوائض المالية وتزيد من عمق سوق الأسهم، باكتتابات جديدة تشكل صمام أمان ضد ممارسات المضاربة التي حفلت بها سوقنا وكانت أقرب للقمار منها لأي مسمى آخر؟ الأمر الذي زاد بشدة من درجة مخاطر السوق؟ أين كانوا قبل حلول الكارثة؟ ولماذا سكتوا طيلة ثلاث سنوات؟ وهم المؤتمنون على إدارة دفة الاقتصاد؟
ألم يقرأوا عشرات التقارير الصادرة من مصادر المعلومات الاقتصادية المتخصصة، ويسمعوا ما قاله وما زال يردده المراقبون في الدول الخليجية المجاورة لنا من أن أغلب المشاريع الاقتصادية والبنيات التحتية الاستثمارية التي قامت عندهم، كان يجب أن تقوم في الاقتصاد السعودي، لأنه الأكبر حجما والأوسع سوقا في المنطقة؟ وأن البيروقراطية الجامدة هي التي أجبرت الشركات التجارية والمالية الكبرى على الاستقرار بالقرب من المملكة، بدلاً من أن تستقر داخلها، مكلفة بلادنا الملايين إن لم تكن المليارات من الإيرادات التي كان يتوقع تحقيقها؟
بالإضافة لخسارة العديد من الوظائف وفرص العمل التي كان يمكن أن تولدها؟ وها أنتم قد قرأتم وقرأ الجميع معكم عن أضحوكة إلغاء ذلك المؤتمر الذي كتب عنه الدكتور عبد الرحمن الزامل في "[COLOR=black]الاقتصادية[/COLOR]" يوم الأربعاء الماضي!
هل سألتم أنفسكم يا أهل الرأي والاختصاص والمسؤولية، قبل تقريع الناس، ما البدائل التي كانت متاحة لهم لتنمية مدخراتهم؟ هل غفلتم عن حقيقة أن أصحاب المدخرات الصغيرة يمثلون النسبة الكبرى من المواطنين، وأن رعاية مصالحهم هي في الواقع رعاية للمجتمع وصيانة لكيانه وضمان لاستقراره؟ ألا تعرفون أن تدهور الأحوال الاقتصادية لغالب أهل البلد هو سبب ماحق يمنع رواج اقتصاده مهما بلغ دخله القومي؟ لأن المال حينها يصبح دُولة بين الأغنياء منهم!
هل انتهى بنا الحال، بصرف النظر عن الأسباب والنتائج، إلى الاكتفاء بتحميل الناس عامة، من لا حول لهم ولا قوة في إدارة الشأن الاقتصادي، مسؤولية ما جرى ويجري؟ ولماذا يظل المسؤولون عن هذا الفشل الاقتصادي الكبير يتهربون من تحمل مسؤولياتهم؟ ويلقون بتبعاته على أضعف حلقات المجتمع، ولا يخضعونهم للحساب أو المراجعة؟ إننا نرى فشلا كبيرا في التصدي لمواجهة وحل عدد من المشاكل الاقتصادية في وقت تفيض فيه الموارد العامة. فقد شهد اقتصادنا أكبر موازنة في تاريخه هذا العام، ووزارة المال أعلنت قبل أيام عن أعلى حصيلة من النقد الأجنبي دخل خزائنها. إن كل هذا يؤكد أن مشكلتنا ما كانت في يوم بسبب المال، لكنها بسبب سوء الإدارة.
ماذا فعلتم أنتم يا أساتذة الاقتصاد وعلوم المال والتجارة؟ أين دوركم كمتخصصين وحملة شهادات عليا نحو بلدكم الذي هيأ لكم التعليم العالي، كيف تردون إليه الجميل؟ ألستم جندا من جنود الوطن تقفون على ثغره الاقتصادي؟ ألا تشعرون بما حل بالناس؟ إننا لا نحدثكم عن مشكلة محدودة كاختناق قطاع اقتصادي أو تأخر توفير خدمة أو حتى فشل تنفيذ مشروع ما، ولا نتحدث عن مشكلة حلت بفئة محدودة من الناس, إننا نتحدث عن كارثة اقتصادية وطنية عمت الجميع, كارثة ألقت بثقلها لتزيد من حدة المشاكل التي نعاني منها أصلا. انظروا إلى بيوتنا وتفقدوا أحوالنا، فما من بيت يخلو من شاب أو فتاة إلا وهو إما بين عاطل عن العمل أو عاجز عن متابعة الدراسة في الجامعات أو الكليات سواء المدنية منها أو العسكرية. ثم جاءت كارثة سوق الأسهم لتقضي على مدخراتنا وتزيد من مصابنا. نعم ضاعت مدخراتنا التي كنا نعتمد عليها لتوفير الحد الأدنى لمساندة ولرعاية هؤلاء الفتية العاطلين والقابعين في منازلنا، حتى لا يضيعوا من بين أيدينا، إلى أن يقضي الله فيهم أمرا كان مفعولا!
ناشدناكم الله يا أبناء جلدتنا، قولوا لنا ما هذا الذي يجري لنا ولاقتصادنا؟ هل ُهنّا على بعضنا ونحن الكرام مع غيرنا؟ ألا توجد مقترحات وحلول لمواجهة هذه النكبات حتى لو بطرق متدرجة ؟ ألا توجد مؤشرات إحصائية تدل بلغة الأرقام والحقائق، لا لغة العموميات والانطباعات الشخصية والأمنيات والوعود العِذاب، على مدى ومقدار وفداحة ما حل بالناس؟ قولوا لنا ما نسبة مساهمة القطاع الحكومي في توفير فرص وظيفية للعاطلين خلال سنة واحدة فقط؟ وكم هي نسبة مساهمة القطاع الخاص؟ وكم عدد المقبولين في التعليم العالي وكم نسبتهم من أعداد خريجي الثانوية؟ وكيف يمكن استيعاب الأعداد المتبقية من هؤلاء ودمجهم في المجتمع؟ إن بعض أبناء الأسر بدأ يتمرد ويصبح فريسة للضياع وللتطرف، لقد فقدوا الصبر وأصابهم الوهن والإحباط! أليس فيكم من يقدر الواقع وخطورة ما يجري فيه حق تقديره؟ فيخبرنا كيف يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ قبل خروج الأمور عن السيطرة؟
ما لنا نسمع من الجميع جعجعة ولا نرى طحنا؟ ما قيمة ارتفاع نسبة ما تسمونه معدل النمو في دخلنا القومي، دون أن ينعكس هذا على حياتنا ومستوى معاشنا؟ وكيف يخرج علينا بعض المسؤولين يقولون إن معدل التضخم تحت السيطرة وإنه لم يتعد نسبة 2 في المائة أو نحوها؟ بينما نحن في الواقع نجاهد ونكافح في سباق مراثوني مع ارتفاع تكاليف الدواء والغذاء ومستلزمات البناء، التي قفز بعضها إلى نحو 30 في المائة عن أسعارها قبل سنة ؟ ما بالنا كأفراد ومواطنين عاديين لا نشعر بأثر مخصصات الإنفاق الضخمة التي أعلنت في ميزانية السنة المالية الحالية، ونحن الآن نقترب من نهاية الشهر العاشر منها؟ ولماذا كنا نشعر بأثر حقيقي لبرامج الإنفاق في فترة طفرة السبعينيات، ولا نشعر به الآن؟ قولوا لنا ما الأسباب؟ وما الحل؟ وأين المخرج؟ وإلى أين المصير؟