الحمد لله رب العالمين ولا عـدوان إلا على الظالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن استن بسنته وسار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد - أيها الإخوة والأخوات - :
فإن من المقرر عند كل مسلم ومسلمة أن الله تبارك وتعالى لم يخلقه خلقه عبثاً ، تعالى الله عن ذلك ؛ إنما هي غاية واحدة ومقصد أوحد من أجله خلق العباد ، ألا وهو تحقيق العبودية لله - جل جلاله - . فهو السيد المولى ، فمن حقه أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر .
ومنذ أن خلق الله - تبارك وتعالى - أبانا آدم وهو قد أخذ عليه العهد قبل أن يخلقنا بأن نعبده ونوحده ولا نشرك به شيئًا كما قال - جل جلاله - : {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا... } (الأعراف 172)
ومع هذا الميثاق إلا أنه من كرمه - جل جلاله - ومن عظم فضله وامتنانه أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين زيادة في الحجة ، وبلاغاً على العباد ، وبشارة لمن أراد موعود الله والدار الآخرة .
وإن المتأمل في واقع أكثر الخلق وعامة الناس يلحظ وبجلاء أن الطائعين لله نزر يسير وعدد قليل مقابل الكمّ الهائل من البشر الذين أغوتهم نفوسهم فأزاغتهم وأضلتهم عن سواء الصراط !!
أيها الإخوة والأخوات: إنه لِمّما يدمي القلب ويدمع العين ما نراه من الاجتراء على حرمات الله من كثير من المسلمين ومع الأسف الشديد .
أجل !! لقد تساهل الكثيرون في المعصية ، وهانت على نفوسهم الذنوب ، فأصبح أولئك يعاقرون ما يسخط الله ويغضبه وكأن شيئاً لم يكن !! فإلى الله المشتكى وهو المستعان .
ومع تقدم إنسان هذا العصر مادياً وحضارياً تنوعت وسائل الإغواء والانحراف ، واجتالت الشياطين أكثر الناس فأغرقتهم في أوحال المعصية ، وأردتهم في حفر الخطيئة ، وزاد البعد عن الله الواحد الأحد الذي لم تنقطع نعمه ، ولم تنتهِ فضائله ؛ بل هي متتابعة تترى على عباده . فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟!!
فيا من أطلق لنفسه العنان ، ولم يرعَ لله - تبارك وتعالى - حقاً : إلى متى وأنت تقتات المعصية وتألفها ؟!!
ألم يحن بعدُ وقت الرجوع إلى الله تبارك وتعالى ؟!
أما آن لك أنْ تنطرح بين يدي مولاك ؟!
أما آن لك أن تفيق من سكرة الذنب ؟!
أيها السائر في طريق الهوى واللذة العابرة : رويداً رويداً . أتعرف الذي تعصيه ؟!!
أتعرف من تبارز بذنبك ؟!
إنه الله الجبار الذي بيده ملكوت السماوات والأرض !!
أيها المسرف على نفسه : كفاك كفاك ...
آن لك أن تضع عصا الترحال , وأن تذرف الدموع الغزار ، دموع الندم على ما فات وسلف من الأزمان الماضية ... على ما سلف من ذنوبك وخطاياك ...
نعم ، آن لك أن تعترف بذنبك لربك وتقول بلسان النادم الأوّاب :
دعـنـي أنـوح عـلى نـفسي وأندبها وأقـطع الـدهر بالتـذكـار والحـزنِ
دعني أسـحُّ دمـوعاً لا انقـطاع لهـا فـهـل عسى عـبرةٌ مـنها تخـلصني
دع عنك عذلي يا من كنتَ تعــذِلني لـو كنت تعلم ما بـي كنت تعذرنـي
أنـا الـذي أغلق الأبــواب مجتهداً على المـعاصي وعـــين الله تنـظرني
يـا زلـةً كُتِـبـت في غفـلة ذهبت يـا حسرة بقيت في القلب تحــرقـني
تمـرُّ سـاعـات أيـامـي بلا نـدم ولا بكـاء ولا خــــوف ولا حـزن
ما أحلـم الله عـني حـين أمـهـلني وقـد تمـاديتُ فـي ذنـب ويـسترنـي
إي والله يا عباد الله ، ما أحلم الله عنا !!
كم عصيناه ويسترنا ؟!! كم خالفنا أمره فما عاجلنا بعذابه ؟!!
أظهر للناس الجميل ، وأخفى عنهم القبيح من سرائرنا . فاللهم رحمة من عندك تكفر بها ما سلف من ذنوبنا وخطايانا.