هذا تفسير عجيب ، وموقف فريد ، قل أن تجد له مثيلاً ، أو تسمع له نظيراً .

إنه موقف أحد تلاميذ مدرسة النبوة ، يفسر به آية طالما قرأناها وسمعناها ولكن إلى الله نشكو


حالنا !!



عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال : ‏



‏كان ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏أكثر ‏ ‏الأنصار ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏مالا من نخل وكان ‏(((‏ أحب أمواله إليه ‏ ‏بيرحاء )))‏ ‏ ‏وكانت

مستقبلة المسجد وكان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال ‏ ‏أنس ‏

‏فلما أنزلت هذه الآية ‏

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ

‏قام ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏‏ إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

‏ ‏فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : ‏

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ


‏وإن أحب أموالي إلي ‏ ‏بيرحاء ‏ ‏وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث


أراك الله

قال فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

(‏ ‏بخ ‏ ‏ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين )

فقال ‏ ‏أبو طلحة ‏: ‏أفعل يا رسول الله فقسمها ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏في أقاربه وبني عمه .


[أخرجه البخاري رقم 4279 ومسلم رقم 998 ] .



فهذا الموقف ذكره يكفي و يغني عن التعليق عليه ؛ ولكن إذا أردنا أن نكون على بينة من روعة هذا


الموقف العملي المفسر لهذه الآية فلننظر إلىحالنا مع هذه الآية ، وما موقفنا منها عندما تتلى علينا ؟!


هل فكر أحدٌ منا أن ينفق أحب ما يملك فضلاً على أن يفعل ذلك ؟!

وماذا لو طُلب من أحدنا أن يفسر هذه الآية ؟ ماذا كان يفعل ؟!

إن فعل أبي طلحة رضي الله عنه هو التفسير المنشود ، الذي نحتاج إليه ، وهو ما عنيته سابقاً عندما



أشرت إلى أننا بحاجة إلى تفسير عملي لآيات القرآن الكريم أكثر من حاجتنا إلى التفاسير الكلامية التي

أكثرنا منها حتى مللنا من كثرة الكلام .



فما أروع هذا الموقف ! إنه الإيمان الراسخ ، واليقين بما عند الله ، وإيثار



ما يبقى على ما يفنى ، وهذا ما دفعهم إلى اتخاذ مثل هذه المواقف الرائعة .

فنسأل الله أن يلحقنا بهم بحبنا لهم ، أما أعمالنا فلن توصلنا إلى ما وصلوا إليه ولو أنفقنا مثل جبل أحد


ذهباً .