بسم الله الرحمن الرحيم


هل تأملت النحل وأحواله وأعماله وما فيها من العبر والآيات الباهرات ، ألم ترى أقراص شمعها السداسية في دقتها الحسابية وإتقان بنائها وإحكام صنعها ، الذي أدهش وما زال يدهش علماء النحل والحساب ، ماهي آلات الحساب والمقاييس التي سمحت لهذا المخلوق بالوصول إلى هذا العمل الهندسي الدقيق ، هل هذا بواسطة قرنين استشعار والفكين الذين يدعي علماء الأحياء أن الطبيعة زودتها بهما ، سبحان الله ، وتبارك الله ، عجيب وغريب منطق هؤلاء ، يتسترون وراء كلمات جوفاء كالطبيعة والتطور والصدفة ، كلما وقفوا أمام بديع صنع الله وإعجازه في الخلق فأنى يؤفكون وجحدوا بها واستيقنتها
سبحان الله ، لله في كل شيءٍ آية ، وتعمى عنها عيون أو تتعامى ،
النحل مأمور بالأكل من كل الثمرات خلافاً لكثير من الحشرات التي تعيش على نوع معين من الغذاء ، وتعجب أنها لا تأكل من التبغ فلا تأكل إلا الطيبات فهل يعتبر بذلك أهل الغفلات ، زودها الله بقرنين استشعار وجعل فيهم شعيرات عصبية دقيقة يصل عددها إلى ثلاثين ألفاً تشكل حاسة الشم والسمع واللمس ، وتعمل كالكشاف في ظلام الخلية ، فسبحان من وهبها ذاك وبه زودها ، للنحلة عيون كثيرة ، في حافتي الرأس عينان ، وعينان أخريان في أعلى الرأس وتحتهما عين ثالثة ، مما جعل لها سعة أفق في النظر ، فالنحلة ترى أقصى اليمين وأقصى الشمال والبعيد والقريب في وقت واحد ، علماً بأن عيونها لا تتحرك ، ولذا فالنحل يعيش في أماكن يعيش فيها السحاب معظم شهور السنة مع أن رؤية الشمس كما هو معلوم ضرورية لمعرفة مكان الحقول التي فيها غذاء النحل ، وهنا تكمن الحكمة في قوة رؤية النحل ، فبإمكانها رؤية الشمس من خلال السحب ، كل ذلك لئلا يموت جوعاً في حالة اختفاء الشمس خلف الغمام ، كما هو في بعض البلدان ، إنها لحقيقة مذهلة ، تدل على حكمة الله ، وقدرة الله ، ووحدانية الله ، وكمال تدبيره فتبارك الله أحسن الخالقين ، أما فم النحلة فمن أعاجيب خلق الله في خلقه ، إذ هو مزود بما يمكنه من أداء جميع الوظائف الحيوية فهو يقضم ويلحس ، ويمضغ ويمتص ، وهو مع هذا شديد الحساسية لما هو حلو الطعم طبيعياً ، ولا يتحرج من المواد المرة ، إذ يحولها إلى حلوة بإذن ربه الذي ألهمه فسبحانه وبحمده لا شريك له ، أما سمع النحل فدقيق جداً ، يتأثر بأصوات وذبذبات لا تستطيع أن تنقلها أذن الإنسان ، فسبحان من زوده بها ، وتحمل مع ذلك النحلة ضعفي وزنها ، وبسرعة أربعمائة خفقة جناح في الثانية الواحدة ، فسبحان الله ، سبحان من خلق فسوى وقدر فهدى ، عُبِدَ وَوُحِّدَ وصُلِّيَ له وسُجِدَ له ، هناك من النحل مرشدات ، عندما تجد مصدراً للغذاء تفرز عليه مادة ترشد إليه بقية الجانيات للرحيق ، وعندما ينضب وينتهي الرحيق تفرز عليه المرشدات مواد منفرة منه ، حتى لا يضيع الوقت في البحث فيه ، ثم تنتقل إلى مصدر آخر ، من علمها وأرشدها؟ إنه الله ، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها فلا إله إلا هو ، تستطيع العاملة خارج الخلية الرجوع إلى خليتها والتعرف عليها من بين عشرات الخلايا ، بلا عناء ولا تعب ، ولو ابتعدت عنها آلاف الأميال ، ولذا يقول أحد علماء الأحياء الكفار ، وقد رصد النحل بمناظيره فترة طويلة ، يقول: يا عجباً لها تنطلق آلاف الأميال من شجرة إلى ثمرة إلى زهرة ، ثم تعود ولا تخطئ طريقها ، ربما أن لها ذبذبات مع الخلية ، أو أنها تحمل لاسلكياً يربطها بالخلية ، ربما ، ربما ، ثم يقف حائراً بليداً تائهاً ، أما نحن فلا ، إنا نوقن أن الله ألهمها ذلك ، وأوحى إليها ، وعندنا سورة في كتاب الله تسمى سورة النحل ، (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) ، تأمل قدرة الله بخلقه يوم جعل من النحل حراساً للخلية يستطيعون أن يميزوا كل غريب ودخيل عليهم من النحل ، فيطرحوه خارجاً أو يقتلوه ، علماً أن تعداد الخلية يصل إلى ثمانين ألف نحلة أو أكثر فسبحان من ألهمه ، سبحان من ألهمه معرفة صاحبه من غيره ، سبحان ربك رب العِزِّ مِنْ مَلِكٍ ، من اهتدى بهدى رب العباد هُدِي ، الكل في النحل يعمل في الخلية لأجل الكل ، لا حياة لفرد عند النحل بدون جماعة ، ولذلك أذهل ذلك علماء النحل (صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه وأنظفه ، ولذلك لا تلقي مخلفاتها في خليتها ، بل تطير ثم تلقيها بعيداً عنها ، وتأبى النتن والروائح الكريهة ، تأبى القذارة ، ولذلك إذا رجعت إلى الخلية بالعشية ، وقف على باب الخلية بواب منها ، ومعه أعوان كثر ، وكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها فإن وجد فيها رائحة منكرة ، أو رأى بها قَذَراً منعها من الدخول وعزلها إلى أن يدخل النحل كله ، ثم يرجع إلى الممنوعات المعزولات فيتبين ويتثبت ، ويتفقدها مرة أخرى ، فمن وجدها وقعت على شيء نجس أو منتن ، قدها وقطعها نصفين ومن كانت جنايتها خفيفة ، بها رائحة وليس عليها قَذَر ، تركها خارج الخلية حتى يزول ما بها ثم يسمح لها بالدخول ، وهذا دأب وطريقة البواب كل يوم في كل عشية ، فتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها ، لا تضل عنها تسيح سهلاً وجبلاً خماصاً ، فتأكل من على رؤوس الأشجار والأزهار ، فتجني أطيب ما فيها ثم تعود إلى بيوتها بطاناً ، فتصب فيها شراباً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية