بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



يسرنا في هذه الدقائق أن نلتقي بفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور ناصر العمر في حوار يتعلق بما استجد في هذه الأيام، وخاصة أحداث العنف وما تلاها من مبادرات للحوار، فأولاً نرحب بفضيلة الشيخ، وندعوه أن يبدأ بمقدمة مختصرة






بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


ما كنت أريد أن أتحدث عن هذه المبادرة، ولم تكن لديّ أية رغبة في الحديث عن الموضوع، ولكن أمام توالي الحملات الشرسة التي بدأت بما سمعته في المقابلة التي بثت في قناة ( العربية ) من أحد الإعلاميين فكرت في الموضوع، وبناءً على رغبة الإخوة في موقع "المسلم" أدلي هنا بدلوي، وأقول ما أراه حول هذا الموضوع؛ لأننا نمر بمنعطف مهم في حياتنا وفي بلادنا يحتاج إلى وقفات من أصحاب الأمر والعلم والتجربة ومن كل طرف؛ لأن القضية قضية مشتركة _أسأل الله أن يعين ويحفظ ويسدد_.





جزاك الله خيراً يا شيخ لعلنا نبدأ بما ذكرتموه عن المبادرة التي طُرحت مؤخراً من فضيلة الشيخ الدكتور سفر الحوالي وآخرين في موضوع أعمال العنف التي تمر بها البلاد في هذه الأوقات، ولا شك أن هناك تفاعلات متباينة حول هذه المبادرة، فنحب أن نسمع رؤيتكم لهذا الأمر _جزاكم الله خيراً_.





بالنسبة لمبادرة الشيخ سفر _حفظه الله_ استمعت إليها ولن أتحدث عن تفاصيل ما ذكره الشيخ؛ لأن القضية في رأيي لا تتعلق بالتفاصيل، وإنما الموضوع والحديث عن مبدأ الحوار؛ لأن أولئك الذين نقدوا الشيخ نقدوه من حيث مبدأ الحوار مع الطرف الآخر، والذين تحدثوا عن هذه المبادرة أو هذا الحوار أقسام سيأتي تفصيل الحديث عنهم فيما بعد، ولكن أقول: إن موضوع الحوار الجاد المستقل موجود في القرآن والسنة، سواء باسم الحوار "قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ" كما في سورة الكهف، أو باسم المجادلة وهي نوع من الحوار "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، فالمجادلة واردة سواء نص عليها بهذا اللفظ أو كما في قوله _تعالى_: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" فهذا نوع من الحوار والمجادلة، والحياة لاتستقيم من الناحية العقلية والشرعية والطبيعية إلا بالحوار.





فالإنسان حتى في داخل بيته لا بد له من الحوار مع زوجته، مع أبنائه، وأعجب من ذلك أن الحوار يكون بين الشخص ونفسه "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ" فالنفس تسول للإنسان، أي: تحاوره وتراوده على فكرة معينة، وكل واحد منا قد يجلس مدة متردداً، فما هو التردد ؟ إنه تنازع بين طرفين، بينه وبين نفسه؛ فهناك جهة فيه تأمره بالإقدام، وجهة تأمره بالإحجام، فتبدأ المحاورة وتعداد الإيجابيات والسلبيات، ومثل هذا قوله: "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" ما معنى يتفكر الإنسان وهو واحد؟ معناه يفكر ويسأل ويجيب، وهذا نوع من الحوار إذا تأملناه.





فقضية الحوار أستطيع أن أقول: إنها سنة كونية، ومبدأ شرعي، و مبدأ الحوار معمول به على مستوى الأمم والجماعات والأديان والأفراد، بل حدث الحوار حتى في عالم الحشرات كما في قصة النمل عندما جاءت النملة ونصحت قومها "لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ"، بل حدث الحوار بين سليمان والهدد، وهذا نوع من الحوار والأخذ والعطاء، وكذلك الحوار حدث بين سليمان _عليه السلام_ وملكة سبأ ( بلقيس ).


فإذن هؤلاء الذين يتحدثون عن المبادرة -حقيقة- ينكرون الواقع، مع أنهم يمارسون ما ينكرون، ولكن بطريقة مغلوطة، فأقول: إن موضوع الحوار يجب أن يُعنى به ولكن له صفاته، وله لوازمه، وله ضوابطه فليس كل حديث أو مجادلة مقبولة،


فالله يقول: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" وقد تكون المجادلة بالتي هي أسوأ، وفقدان شروط الحوار والمجادلة يذهبها ويفنيها، وهناك عوائق كثيرة تعتري هذا الأمر، لكن نحن نتحدث عن أصل الموضوع، فالذي أفهمه من طرح الشيخ هو طرح أصل المبدأ، ولم يدخل في تفاصيل، وإنما تلك خطوة تالية، وأولئك المنتقدون هجموا مباشرة على أصل الفكرة وأصل المبدأ، فهم يخالفون السنن والعقل والشرع والمنطق والواقع.





جزاكم الله خيراً، كما ذكرتم يا شيخ كثير من الذين كتبوا عن هذه المبادرة يرون أنها ليست في محلها من باب أن الحوار مع حَمَلة السلاح لا يجدي، ويدعون إلى الحلول الاستئصالية، ويقولون: إنها هي الأنفع في مقابلة هذه الأحداث التي تمر بها البلاد، فما رأيكم يا شيخ؟





مرة أخرى أقول: هذه مغالطات، ولكني أريد قبل أن أجيب أن أشير إلى أمور . مشكلتنا أننا لا ننتبه إلى مَن يتحدث، أي هؤلاء الذين يتكلمون ضد المبادرة: هل هم مؤهلون؟ أقصد الذين يقدحون في الحوار أو يقولون: إنه لا يجدي، ما هو رصيدهم من التجربة؟ وما هو رصيدهم من العلم؟ بل وما هو رصيدهم من الإيمان؟ بل ما هو رصيدهم في الحقيقة من الوطنية وحماية الوطن؟





الذي يتأمل في كلامهم يجد أنه تنقصهم المقومات والمؤهلات حتى يؤخذ من كلامهم، ولكن هذا مصداق حديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ عندما ذكر أن بين يدي الساعة سنين خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها المؤتمن، قال: وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في شأن العامة، فهؤلاء ليسوا مؤهلين، وأقول كلمة حق لا أقصدهم جميعاً، لكن أغلب من شنّ هذه الحملة، سواء من نعرفهم بأسمائهم أو بأفكارهم ليسوا مؤهلين للحديث في هذا الجانب.


أما قضية الحوار مع أهل السلاح، فأقول : سبحان الله!





أذكر قصة جميلة، تحدثت في ليلة السابع والعشرين من رمضان العام الماضي عن العفو وأهميتة، وكيف يجب على الإنسان أن يعفو عمن أخطأ عليه، وبدأت أذكر الأدلة، ثم فوجئت قبل أن أخرج من المسجد برجل يأتيني، ويقول: هل موضوع الرقبة، يعني: قتل النفس داخل في العفو؟ قلت: سبحان الله! إذا لم يكن هذا داخل في العفو فعن ماذا يعفو الإنسان إذن؟


أنا أقول: إن لم يكن الحوار مع حملة السلاح يكون مع من إذن؟!


الحوار يكون على قدر الفعل، أليس النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يدعو إلى الحوار والصفان متواجهان عند الحرب، ويقول: فإذا لقيتهم فادعهم إلى الإسلام ثم إلى الجزية ثم في الأخير يكون القتال، بل قبل اللقاء تكون الرسائل والمفاوضات والمحاورات، وحتى إذا تم اللقاء فلا يبدأ بالسلاح.





لكن كون الحوار يجدي أو لا يجدي فهذا أمر آخر، فقد يستجيب أحد الأطراف أو لا يستجيب، وتلك ليست مهمتنا، المهم هل بذلنا مافي وسعنا، وحاورنا من يحمل السلاح؟ نعم أقول: ينبغي أن نحاور كل مَن يحمل فكراً منحرفاً .. من يحمل سلاحاً، وبالأخص إذا ظهر خطره.


أليست إذا اختطفت طائرة يبدأ الحوار؟


إذا حدث اختطاف أو احتجاز رهائن أليس يبدأ معهم بالحوار؟ هذه قضية معروفة، لكن المشكلة مَن المتكلم؟ من المحاور؟ هل هم من أهل العلم ؟هل هم من أهل المعرفة؟ هل هم من أهل الخبرة، بل هم من أهل العقل؟





فضيلة الشيخ هذا يقودنا إلى أن نسأل حول الأمور الإجرائية في مثل هذه المبادرات، بمعنى كيف يمكن مثلاً للعلماء أن يساهموا في وقف أو احتواء أعمال العنف التي تجري الآن؟





الذي أراه بالنسبة لموضوع الحوار أو مبدأ الحوار أن يكون من أحد الطرفين أي أن يبدأ بفكرة الحوار أحد الطرفين أو من طرف ثالث، وهذا ما فعله الشيخ سفر ومَن معه؛ لأن القضية قضية مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر.


فليست القضية الآن فقط بين الدولة وبين هؤلاء، بل هي قضية المجتمع كله، فالجميع طرف فيها، ولا تستطيع أن تجد واحداً في المجتمع إلا وله بها صلة.


ومن أول المسؤولين عن هذا: العلماء، ولهذا قال الله: "وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً" ، فلا شك أن مبادرة العلماء هي الأساس وهي الأصل، فأعتقد أن ما فعله الشيخ مشروع تماماً، والمبادرة إذا جاءت من طرف ثالث تكون أكثر قبولاً غالباً، ويكون ذلك أدعى لنجاحها؛ لأن الطرف الثالث غالباً يكون طرفاً محايداً، والله أعلم.





لعل من شروط النجاح في مثل هذه المبادرات والوساطات أن يكون هناك فهم واضح لأساس المشكلة وجذورها، ومن هنا يمكن أن نسأل، هل أحداث العنف هذه متعلقة بالسياق العام محلياً وعالمياً؟ و هل يمكن تصورها بمعزل عن هذا السياق ؟


لا يمكن أن نتُصوّر هذه الأحداث بمعزل عن السياق أبداً، و العلماء يقولون: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، والذي يريد أن يدخل في إصلاح قضية ما ،لا بد له أن يستوعب ما يجري وما يدور فيها، وأعتقد أن الشيخ سفر وأمثاله من العلماء والدعاة البارزين مشهود لهم، وقد مر بتجربة طويلة جداً، وهو ممن يعرف ما لدى الطرفين؛ لأنه يلتقي بالمسؤولين في الدولة، وله معهم لقاءات و زيارات ومقابلات، ويعرف فكر هؤلاء الشباب أيضاً ، وإن لم يكن يعرف أعيانهم، وقد اهتدى على يديه أناس منهم.





فأعتقد أن من أمثل – والله لا أقولها تزكية للشيخ ولكن أقولها حقاً – هو من أمثل مَن يعرف هؤلاء، ويعرف الطرفين تماماً كما يعرف المجتمع وما يدور فيه وما عليه حال الناس وأوضاعهم، ولقد جاء النقد من الآخرين؛ لأنهم لا يستوعبون القضية ولا يعالجونها بتجرد للحق، أما الشيخ فطرحه عملي، وهو فعلاً مدرك ومتصور لأطراف الموضوع وتاريخه وواقعه يشهد له بذلك هو وكذلك من معه.





أشرتم يا فضيلة الشيخ إلى الموقف السلبي من البعض تجاه هذه المبادرة، إذ تهجموا عليها قبل أن يتفهموا الأمر على حقيقته، والذي يحصل الآن في كثير من الكتابات و الزوايا الصحفية تناول للمبادرة بنبرة حادة بعيداً عن الموضوعية ، وظهر ذلك من خلال القدح في من تبنوا موضوع الحوار والتعرض لأشخاصهم، بل ومحاكمتهم فكرياً وطرح بعض التهويشات والمشاغبات ضدهم، وقليل من الكتاب من طرح طرحاً فكرياً هادئاً متزناً.


السؤال: كيف يمكن أن نفسر هذه المواقف الإعلامية السلبية، مع أن المبادرة لم تأخذ مجراها حتى الآن؟


باختصار شديد .. كما أن الحروب لها تجّار، فكذلك الفتن لها تجّار، وكثير من هؤلاء الكتّاب أعرف أنهم كتّاب فتن لا يبرزون إلا في الفتن، برزوا في حادثة الحرم، وبرزوا في أزمة الخليج، وبرزوا في أزمة العراق، فهم يعرفون أن سوقهم _مع الأسف الشديد_ لا ينجح إلا في أوقات الفتن، وهم يعرفون أن القضاء على الفتنة القائمة الآن ليس في صالحهم، فهذا يعني ذهاب الأدوات التي يتكسّبون من ورائها، فهؤلاء عرفوا أن المبادرة والحل الطبيعي والمنطقي بين الدولة وبين هؤلاء سيفقدهم مواقعهم ومكانتهم التي لم يجنِ منها المجتمع إلا الخراب.


ومرة أخرى أنا أقصد بعض أولئك الكتّاب والعلمانيين ولا أعمّم .. نعم يوجد عقلاء، ولكنهم قلّة، وهم الذين طرحوا بمنطقية وعقلانية، و هؤلاء _مع كل أسف_ لا يمثلون إلا نزراً يسيراً، أما الأغلب فهم أولئك الذين يسيطرون على الإعلام، ولا يتيحون لغيرهم أن يكتب ما يريد بحرية، فهؤلاء يتكسبون من الفتن، وعرفوا أن مبادرة الشيخ يتوقع لها النجاح نظراً لقوتها، وما فيها من إيجابية وشجاعة ومنطقية، والدولة تسعى لمثل هذا فعملوا على إفشالها بقوة.





طبعاً هذا هو منهج المنافقين ليس هناك جديد .. هذا ديدنهم كما ذكر الله عنهم في سورة (براءة) و(البقرة) وغيرها، فلا نستغرب ما حدث، و أختم فأقول: إن هذه الهجمة تدل على قوة المبادرة ومكانتها ولو لم يكن لها قيمة لما التفتوا إليها.





جزاكم الله خيراً، امتداداً للسؤال السابق نقول: إن أولئك تجاوزوا في كتاباتهم الطرح الموضوعي وتعدوه إلى تناول الأشخاص والقدح فيهم واتهامهم باتهامات كاذبة، فهل ترون أن هناك حدوداً قضائية أو نظامية يمكن أن توقف هؤلاء عن مثل هذا الطرح؟





اسمح لي أقول: _مع كل أسف_ في واقعنا الآن لا يوجد وسيلة لإيقافهم، من الممكن أن توجد وسائل إيقاف لمن يتكلم في خطبة الجمعة، أو من يلقي محاضرة فتُلغى محاضرته، أو من يريد أن ينشر كتاباً فيُمنع، ولو كان من الكتّاب المتميزين كما مُنع كثير من المشايخ.


أما هؤلاء المنافقون، فحقيقة يسرحون ويمرحون دون حدود، ولا نعرف أنه أحيل أحد منهم إلى المحكمة الشرعية.


مع أن منهم من يسب الله _جل وعلا_ ولا يحال إلى المحكمة ..


منهم من يستهزئون بالدين، وهو أعظم من الكلام في الشيخ سفر وغيره ولا يحالون إلى المحكمة.





وهم يسيطرون على الصحف ويكتبون كتابات خبيثة جداً ولا يوقفهم أحد ، وأحيانا بعد أن يكتب أحدهم كل ما عنده وينتشر يُمنع مدة يسيرة ثم يُعاد مثل ما فُعل مع أحدهم هذه الأيام، وقد قال كلاماً عجيباً فمُنع أياماً فقط لذر الرماد في العيون.


أتمنى حقيقة أن توجد لأمثال هؤلاء وسائل تردعهم؛ كالإحالة إلى المحاكم ولو لرد الحقوق الشخصية إذ أصبح الناس يتهمون في أشخاصهم وينال من حقوقهم الشخصية.


ومع الأسف منعت المحاكم من أن تناقش ما يتعلق بالصحفيين، أي: لا تستطيع أن تتقدم بدعوى ضد الصحف أو ما يكتب فيها، هذا حسب ما بلغني واطلعت عليه، ثم جاء تعديل على هدا القرار، واطلعت على التعديل، لكنه لا يغير في الأمر الواقع شيئاً، والله المستعان.





جزاكم الله خيراً يا شيخ، لعلنا نختم بأن نطلب من فضيلتكم توجيه رسائل قصيرة في هذا الموضوع لكل من العلماء والمشايخ وللسياسيين وللإعلاميين، وأخيراً لحملة السلاح ومَن يقوم بأعمال العنف.





نعم أوجه الرسالة أولاً للعلماء؛ لأنهم على القول الصحيح هم أولوا الأمر كما بيّن الله _جل وعلا_ وذكر ذلك المفسرون، أقول: مسؤوليتهم كبيرة في هذه الأيام للوقوف في وجه هذه الفتن من جميع الأطراف من الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، فالعلماء هم مصابيح الدجى ومنارات الأمة، فليبينوا للناس الطريق الصحيح ، و العابثون -سواءً من الطرفين ممن وقع في الإفراط أو التفريط- لا يستطيع أحد أن يوقفهم مثل العلماء بالنصح، وكلمة الحق، وبيان المنهج الوسط الذي أرسل الله _جل وعلا_ به محمداً _صلى الله عليه وسلم_ "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً"، فعليهم مسؤولية كبيرة، وأتألم لوجود بعض السلبيات أو بعض التساهل وعدم تصور الموضوع على حقيقته، بينما نحن نملك – أعني: طلاب العلم والعلماء والمشايخ - رصيداً ضخماً من العلم والقبول لدى المجتمع والتجربة، فإذا لم يبينوها في هذه الأيام، فمتى يبينوها ؟ فهل نصبح كمن عنده الملايين وهو مريض، ثم يريد أن يوفر ماله للحاجة ..إذا لم ينفقه لعلاج نفسه الآن فمتى ينفقه ؟


فالمسؤولية عظمية، وهي أمانة أمام الله.





أما السياسيين وأقصد ولاة الأمر فمسؤوليتهم كذلك عظيمة، وهم شركاء في المسؤولية، عليهم أن يضعوا أيديهم في أيدي العلماء الناصحين الصادقين لمواجهة الفتن الجارية الآن بحزم، وعدم التعامل مع طرف دون طرف ...يجب أن يكون التعامل مع جميع الأطراف بنفس القوة ونفس الحزم .


والفتنة في الدين من أعظم الفتن، والذين يريدون الإفساد في البلاد بالتفجيرات يحدثون فتنة، ولكن أعظم منهم مَن يريد فتنة الكفر "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" (البقرة: من الآية191)، "وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ" (البقرة: من الآية217)، "أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا" (التوبة: من الآية49)، فمسؤولية الدولة أن تقف بحزم أمام العابثين من الطرفين، ولكن أمام المنافقين بشكل أخص؛ لأنهم والله يفسدون إفساداً لا يُتصور مداه وهو واقع مشاهد .





أما رسالتي إلى أولئك المنافقين وغيرهم، فأدعوهم إلى التوبة إلى الله _جل وعلا_ والرجوع والإنابة، وإلا فمصيرهم مصير المنافقين على مر التاريخ، وأحذرهم عواقب ما يقومون به في الدنيا والآخرة كما جاء في نصوص الكتاب والسنة، وقد حذّر الله _جل وعلا_ منهم، فقال: "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ" (المنافقون: من الآية4)، أما بقية الكتّاب، فأقول: مسؤوليتهم كبيرة، بل بقية أفراد المجتمع رجالاً ونساء كباراً وصغاراً، والمجتمع الآن كله مستهدف من أعدائه في الخارج والداخل، من اليهود والنصارى والمنافقين .





كل منا يستطيع أن يؤدي دوراً في هذه الأزمة، سواءً بالحوار أو الإصلاح ، ( فالمسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم )كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ ، والله _تعالى_ يقول : "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ" (المائدة: من الآية2) .


ويجب العدل مع الجميع، أقول: يجب العدل، وأن نتقي الله _جل وعلا_ ونلتزم بمنهج العدل في الغضب والرضا مع القريب والبعيد "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" (الأنعام: من الآية152)، "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى" (النحل: من الآية90)، "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا" (المائدة: من الآية8) يجب أن نكون كلنا نصحة للعلماء وللمسؤولين، وأن نقف أمام هذا الظلم والفتنة والداهمة، وإلا فأخشى أن يصبح حالنا كما قال الشاعر:


أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد


وأذكرهم بقوله _تعالى_ ما قال مؤمن بني إسرائيل: "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (غافر:44)، فالأمر عظيم وخطير، وعندما لم يستمع أولئك من قوم فرعون إلى مَن نصحهم ماذا كانت النتيجة؟ هلكوا وحل عليهم العقاب، وكانوا آية لمن بعدهم "آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً" (يونس: 91، 92) فهو فعلاً آية فلنعتبر بهذه الآية، وقوله _جل وعلا_: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ" (الرعد:6) الله المستعان.


_أسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين_.





أما حَمَلة السلاح فهم ثلاثة أصناف : حمَلة السلاح من رجال الأمن، وحمَلة السلاح المجاهدون، وحمَلة السلاح ممن ليسوا من المجاهدين .


أما المجاهدون، فأقول: عليهم أن يتوجّهوا بسلاحهم إلى الأعداء الحقيقيين في فلسطين، أي: لليهود، وللنصارى في العراق، وللروس في الشيشان، أعني: لمواطن الجهاد الحقيقية، ميادين الجهاد قائمة في الأرض، الآن في فلسطين و العراق وفي أفغانستان و الشيشان وفي الفلبين و كشمير قائمة إلى قيام الساعة .. الجهاد ماض إلى قيام الساعة .





أما رجال الأمن، فأقول: مسؤوليتهم أن يتقوا الله _جل وعلا_ بالمحافظة على أمن هذه البلاد، وأن ينتبهوا لمسؤوليتهم العظيمة، وعليهم مسؤولية حساسة في هذه المرحلة، وعليهم أن يتصوروا السؤال والجواب أمام الله _جل وعلا_ بكل فعل يفعلونه، ولهذا أقول: هذه أمانة في أعناقهم.


بالنسبة للآخرين ممن ليسوا من المجاهدين ولا من حملة السلاح من رجال الأمن، فأقول: اتقوا الله في هذه الأمة، فأنتم تقومون بدور خطير ضد المجتمع وضد الأمة، أخاطبهم في أي بلاد كانوا، وفي بلادنا بصفة خاصة، فأنصحهم بالعودة والرجوع والتوبة إلى الله _جل وعلا_ وإلا فسوف يحل بهم ما حل بغيرهم، والله المستعان.





نشكر فضيلة الشيخ جزيل الشكر، وصلى الله على نبينا محمد ،، وجزاكم الله خيراً...