من اخلاقنا في الوجدان
الاحساس والتأثر
ـ من سرته حسنته وساءته فذلكم المؤمن ـ
المؤمن الذي يتمتع بدرجة عالية من الاحساس و
والتاثر , يبقى حي القلب , مرهف الحس , وينعكس ذلك على سلوكه , بتفاعله مع مايجري حوله , وانفعاله بما يثير ويحرك , فيغضب لله , ويفرح لنصرة دين الله , ويتمعر وجهه اذا انتهكت حرمات الله , ويهتم لحال عباد الله وسطوة اعداء الله ..
والفاقد لهذا الخلق : تراه بليدا جامدا , ميت الشعور , خامل الاحساس , يتلقى كل مايجري حوله بفتور , الا ان يكون امرا يمس مصالحه الشخصية , فيثور له ويغضب , ويهتم لاجله ويسعى , وهل امر نفسه اولى عنده من امور جميع المسلمين ؟ وهل مصيبته في نفسه اشد عليه من كل مصائب المسلمين ؟
ان صاحب الاحساس والتأثر يراعي مشاعر اخوانه ويحترمها , ويحذر ان يمسها بسوء , يروى ان اباسفيان ـ في هدنة صلح الحديبية ـ قبل اسلامه ـ مر على سلمان وصهيب وبلال فارادوا ان يسمعوه قولا يغيضه , فقالوا :
والله مااخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها , فاستنكر عليهم ابو بكر ما قالوا , وقال لهم :
اتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟!
وذهب ابو بكر فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى , فكان اول امر اهم رسول الله , ان تساءل عن مشاعرهم تجاه ماصدر من ابي بكر , فقال له : ياابابكر ! لعلك اغضبتهم ؟ لئن كنت اغضبتهم , لقد اغضبت ربك , فاتاهم ابو بكر يسترضيهم , ويستعطفهم , قائلا :
ياإخوتاه ! اغضبتكم ؟ قالوا : لا . يغفر الله لك يااخي .
حين تكون هذه الصورة نموذجا يحتذى في العلاقات بين الاخوة , تتحقق فينا اخوة الاسلام بأسمى صورها .
ومن علامات حياة ا لقلب , واالتفكير في الاخرين , والاهتمام بامورهم , ان يحزن المؤمن لحزن من يحب ومن الصور البارزة لهذه المشاركة الشعورية : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شارو اصحابه في اسرى بدر , فراى عمر ان يقتلوا , وراى ابو بكر ان يعتبروا اسرى , ويؤخذ منهم الفداء , فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى راي ابو بكر , فلما نزلت الاية في اليوم التالي :
(( مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ
والاية تعاتبهم تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وتشير الاية التي تليها الى انه كان سيمسهم عذاب لذلك :
(لَّوْلاَكِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي , وابو بكر يبكي معه , ووجدهما عمر على هذا الحال فقال :
يارسول الله ! اخبرني من أي شيئ تبكي انت وصاحبك ؟ فان وجدت بكاء بكيت وان لم اجد بكاء تباكيت لبكائكما ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ابكي للذي عرض على اصحابك من اخذهم الفداء , لقد عرض علي عذابهم ادنى من هذه الشجرة .. )
وحين اذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بزيارة قبر امه
: ( بكى هناك , وابكى من حوله )
من الصحابة , ولما زار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة ـ وهو يحتضر ـ فراى ماغشيه من نزع الروح , بكى ( فلما راى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم , بكوا )
وبذلك نرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رقيق القلب , سريع الدمعة , بالغ التأثر , قوي الاحساس , وكذلك نجد الصحابة من حوله , فكيف نجد قلوبنا من بعدهم ؟
ومن شواهد هذا الاحساس , وذلك التأثر , في مجتمع المسلمين ان امراة من الانصار , لما علمت حزن عائشة رضي الله عنها , لما رميت به من حديث الافك , ذهبت اليها , وجلست تبكي معها ؟
فهل يطيب لك نوم وانت تعلم ان اخا لك في محنة ؟
اذا وجدت مصائب اخوانك تمر على مشاعرك دون ان تحركها , وتعبر امام عينيك ولا تدمعها , فاعلم ان قلبك بحاجة الى جلاء واحياء
ومن ابرز ما يتمثل فيه خلق : ( الاحساس والتأثر ) : حزن المرء على نفسه اذا اذنب , وندمه على مااجترح , فيدفعه ذلك الى ا لتوبة .
يروى ان عائشة كانت نذرت ان تهجر ابن اختها عبد الله بن الزبير , ثم تم الاصلاح بينهما ( .. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك , فتبكي , حتى تبل دموعها خمارها )
لحزنها على مانذرت من شر ,.‘
ثم يأتي على الناس زمان , يفعلون فيه الموبقات , وهي ادق في عيونهم من الشعر , لاستصغارهم لما فعلوا , ويفعل احدهم الذنب , فلا يتأثر له الا كما يتأثر من وقفت على انفه ذبابة , فهشها بيده , وانتهى كل شيئ , ان هذا لدليل ضعف الايمان ,