الثبات
ـ يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ـ
كثيرا مانجد شبابا يحنون الى البدايات التي كانوا يتفجرون فيها حيوية , ويتدفقون حماسا , ويبالغون في الحرص على دقائق السنن , ناهيك عن البعد عن دائرة الحرام والشبهات . ثم ماذا ؟
.. كلت النفوس , وفترت الهمم , واكتفى كل شاب بان يكون واحدا من عامة المسلمين , وهذا احسن حالا ممن انقلبوا على اعقابهم فغدوا يعادون الدعوة ويسخرون من اهلها ويحذرون من سبيلها , انها معركة تقرير المصير بين الاتداد على الاعقاب والثبات .
نعني بالثبات الاستمرار في طريق الهداية , والالتزام بمقتضيات هذا الطريق والمداوامة على الخير , والسعي الدائم للاستزادة , ومهما فتر المرء فهنالك مستوى معين لايقبل التنازل عنه او التقصير فيه , وان زلت قدمه فلايلبث ان يتوب , وربما كان بعد التوبة خيرا مما كان قبلها , ذلك هو حال المتصف بخلق الثبات .
وللثبات صور تشمل عددا من جوانب حياة المسلم منها الثبات في المعركة كما ثبت الربيون الكثير مع انبيائهم , وكان قولهم ..
ربَّنَااغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا
وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
والفئة الصابر ة بإمرة طالوت الذين قال الله فيهم ..
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
وفي ذلك توجيه للمؤمن ان يلتجئ الى الله طالبا منه التثبيت
وخوطب ابناء هذه الامة بامر الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ
فكان من الكبائر في ديننا الفرار من الزحف
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعمق هذا المعنى يوم الاحزاب وهو ينقل التراب وقد وارى التراب بطنه وهو يقول
: ( لولا انت مااهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا , فانزل السكينة علينا وثبت الاقدام ان لاقينا , ان الألى قد بغوا علينا اذا ارادوا فتنة أبينا )
ولان مسالة الثبات على الدين قضية تشغل فكر المسلم فانه يكثر من الدعاء بها , فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : ( يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
لذا كان حذيفة يحذر العلماء والعباد لانهم قدوة :
( يامعشر القراء استقيموا , فان اخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا )
ومن صور الثبات في الفتن
الصبر في ايام الصبر التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
( الصبر فيهن مثل القبض على الجمر )
وفي رواية ( للمتمسك فيهن يومئذ بما انتم عليه اجر خمسين منكم )
وفي اشد مايلقاه المسلمون من الفتن حين يخرج الدجال ويعيث يمينا وشمالا فان الوصية الاساسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي يوصي بها امته حينئذ : ( ياعباد الله . اثبتوا )
ومن اهم صور الثبات المداومة على الطاعات , فالمطلوب في بعضها المثابرة عليها ( من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى ا لله له بيتا في الجنة )
وفي رواية مسلم تقول ام حبيبة راوية الحديث , ويقول كل من عمرو بن اوس والنعمان بن ثابت ـ من رجال السند ـ
( ماتركتهن منذ سمعتهن )
وتقول عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وكان احب الدين اليه ماداوم عليه صاحبه )
وحين سئل صلى الله عليه وسلم : أي العمل احب الى الله ؟
قال : ( ادومه وان قل )
والثبات مظهر بارز للاستقامة , لان المتذبذب المتقلب لايقدر على الثبات , ولايقوى على الاستقامة
وقد كان آل محمد صلى الله عليه وسلم اذا عملوا عملا اثبتوه .
يقول النووي : ( أي لازموه وداوموا عليه )
ونختم القول الجامع في بيان حقيقة الاسلام
ايمان وثبات ( قل لي في الاسلام قولا لا اسال عنه احدا بعدك , قال : قل آمنت بالله ثم ا ستقم )
ثبتنا الله واياكم .
يتبع ..