بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد




رحلة الحياة ولا بد تعقبها رحلة الممات .. وبينهما لحظة فاصلة تنكشف فيها حقائق الأعمال إنها :

سكـــــــــــــــــــرة الـــــمــــــــــــــــــــــــــوت !

فعلى فراش الموت .. تظهر حقارة الدنيا .. وحقارة العصيان والطغيان ! وعليه أيضاً تنجلي طهارة الطاعة .. ونورها وفضلها .. وقيمة الإقبال على الآخرة .. وتلك كلها دروس وعظات وإليكم منها قبسات ونسمات !

اللحظــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الفــــــــــــــــــــــــــــــــاصلة !

هي أصعب لحظة تمر على الإنسان في حياته .. تضيق لسمعها الأنفاس .. ويرتجف لها الإحساس .. فهي فصل بين رحلتين .. رحلة الحياة .. ورحلة الموت !

أخي الكريم .. أختي الكريمة :

وفي تلك اللحظة الفاصلة تظهر لك حقائق الدنيا برمتها .. وتدرك يقيناً أنها – بكل تلك الحقائق .. لا تساوي عند الله جناح بعوضه .. وأنها ظل زائل .. لا قيمة لها ولا وزن لها في لحظات الاحتضار العسيرة !

تتيقن وقتها أن لا شيء من الدنيا ينفع .. ولا قدر من مالها وجاهها يشفع .. وتستحضر قول الله جل وعلا وكأنك تسمعه لأول مرة : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِفَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً ){ الكهف:45}

ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له

من الله في دار المقام نصيب

فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه

متاع قليل والزوال قريب

قالت امرأة حبيب بن محمد : كان يقول : إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني ، وافعلي كذا ، واصنعي كذا ، فقيل لامرأته : أرأى رؤيا ؟ قالت : هذا قوله كل يوم !

انفض يديك من الدنيا وساكنها

فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا

أخواني وأخواتي : هكذا كان السلف رحمهم الله يدركون بعيون عقولهم مجيء اللحظة الفاصلة يرونها ويدركون ما تأتي بها من شدائد وأهوال .. فكانوا لذلك أفقه الناس بالحياة .. وأعلم الناس بسبل النجاة !

وكيف تغيب عنك تلك اللحظة والله جل وعلا يقررها ويحذر من مجيئها في آيات كثيرة ، قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمبِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الجمعة : 8 ) ، وقال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) ( العنكبوت : 57 ) وقال تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26}وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ( الرحمن : 26 ، 27 )

فإن لم توقظك هذه النصوص العظيمة .. فمتى تستيقظ ؟ ؟ ؟ ! وإن لم تكن لك واعظٌ فمتى تتعظ ؟! قال الحسن البصري رحمه الله : " إن الموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب فرحاً "

وقال يزيد بن تميم : " من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع "

ولما أحتضر عبد الملك بن مروان قال : " والله لوددت أني عبد رجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها ، وأني لم أل " أي : لم أكن ولياً على أمور المسلمين ...




وإلى لقاء في الوقفة الثالثة بإذن الله تعالى ........!

وصلى الله على سيدنا محمد .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .