النسيج الكوني بين العلم والقرآن





أحدث الحقائق الكونية تتجلى في كتاب الله تعالى


الحمد لله الذي نوّر قلوبنا بنور القرآن، وصلى الله على من كان القرآنُ نوراً وهدىً وشفاءً له، سيدنا ومولانا وقرة أعيننا محمد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً. اللهم اجعل كل حرف في هذا البحث خالصاً لوجهك الكريم.
بداية الرحلة
ما أكثر الآيات التي استوقفتني طويلاً، فوقفتُ أمامها خاشعاً في محراب جلالها وجمالها، متأمِّلاً دقّة بنائِها وإحكامها، وروعةَ أسلوبها وسحرها، ومتدبِّراً دِلالاتها ومعانيها، ومتفكِّراً في عجائبها وعلومها ومعجزاتها.
كيف لا أقف هذا الموقف وأنا أمام أعظم وأجمل وأروع كتاب على الإطلاق، ألا وهو الكتاب الذي وضع الله تعالى فيه علمَه فقال: (لـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً)[النساء: 166]، إنه علم الله الذي يعلم أسرار الكون والذي أودع في كتابه هذه الأسرار، وقال عنه: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)[الفرقان: 6].
ومن هذه الآيات قوله تعالى عن السماء: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)[الذاريات: 7]. لقد قرأتُ هذه الآية منذ سنوات وكرّرتها مراراً في محاولة لفهم معنى (الْحُبُكِ)، فكانت توحي إليّ هذه الكلمة بالنسيج المحبوك!
ولكن رجعتُ إلى أقوال المفسرين رحمهم الله تعالى، ووجدتُ أن أكثرهم قد فهم من كلمة(الْحُبُكِ)النسيج المحبوك والشديد والمحكم، وقالوا بأن قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) أي ذات الشكل الحسن وذات الشدة وذات الزينة وذات الطُّرُق (1).ولكنني كنتُ أتساءل: أين هذا النسيج المحكم في السماء ونحن لا نرى إلا النجوم والكواكب؟ وبحثت في بعض المراجع التي تتناول علم الفلك وبنية الكون، ولم أعثر على ما يشير إلى أي نسيج وقتها.
وبقيت هذه الآية في ذاكرتي عدة سنوات ولا أجد لها تفسيراً دقيقاً، حتى قبل أيام من كتابة هذا البحث، عندما كنتُ أتصفَّح بعض المواقع العالمية عن بنية الكون، وآخر ما وصلوا إليه من حقائق يقينية وثابتة عن السماء، وكانت المفاجأة الكبرى عندما قرأتُ خبراً أطلقه المرصد الأوروبي الجنوبيEuropean Southern Observatory من خلال موقعه على الإنترنت عنوانه:"لمحة عن النسيج الكوني المبكر جداً" (2).

وبعدما قرأت الأسطر الأولى من هذه المقالة أدركتُ بأن القرآن الكريم قد سبق هؤلاء العلماء بأربعة عشر قرناً في الحديث عن هذا النسيج الكوني وسمَّاه (الْحُبُكِ)، بل إن الله تعالى قد أقسم به.
بين اللغة والتفسير
ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، فنحن أمام كتاب الله تبارك وتعالى، والقول في كتاب الله بغير علم يُهلك صاحبه ويعرِّضه لغضب الله عزّ وجلّ. وأنه لا يجوز لي أبداً أن أحمِّل هذه الآية معنىً لا تحتمله، ولا ينبغي أن أسوق نفسي باتجاه فهم جديد لهذه الآية أو غيرها من آيات الله تعالى، إلا إذا أيقنتُ حقيقةً أن الله تعالى يقصد هذا المعنى تماماً.
بل إن التسرُّع في تفسير آية من آيات القرآن بالاعتماد على نظريات علمية قد يثبت خطؤها في المستقبل، قد يمسُّ كتاب الله تعالى، ويكون حجَّة بيد أعداء الإسلام للنيل من هذا الدين الحنيف، بهدف التشكيك في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
لذلك كان لا بد من اللجوء أولاً إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن، والبحث عن معاني هذه الكلمة، وهذا ما فعلته. فبعد رحلة في عالم المعاجم اللغوية (3)، وجدتُ بأن هذه الكلمة قد جاءت من الفعل (حَبَكَ) وأن العرب تقول: "حبك النساج الثوب" أي نَسَجَه، و(حَبَكَ) الحائكُ الثوبَ أي أجاد صنعه وشدّه وأحكمه، و(الحُبُك) هي جمع لكلمة (حبيكة) وهي الطريق.
ونرى من خلال المعاني اللغوية لهذه الكلمة أن كلمة (الحُبُك) تتضمن معاني أساسية تدور حول النسيج والخيوط المحبوكة بإحكام والمشدود بعضها إلى بعض. ولكن المفسرين رحمهم الله تعالى لم يدركوا أبعاد هذا المعنى لأن العصر الذي عاشوا فيه لم تتوفر لديهم علوم الفلك الحديثة، بل إن فكرة النسيج الكوني حديثة جداً لا يعود تاريخها إلا إلى بضع سنوات فقط!
مفاجأة جديدة
لقد أيقنتُ من خلال هذا المعنى اللغوي أن شكل هذا النسيج الكوني لابدَّ أن يكون كالنسيج ذي الخيوط المتشابكة والمربوطة ببعضها. وقد كانت المفاجأة الثانية عندما رأيتُ صورة هذا النسيج كما رسمته أضخم أجهزة الكمبيوتر (4)،وكان تماماً عبارة عن خيوط مترابطة بنسيج رائع ومحكم يدل على عظمة الخالق سبحانه!
شكل رقم (1)النسيج الكوني كما رسمته أجهزة السوبر كومبيوتر لأول مرة في القرن 21 وهو يضم مئات البلايين من المجرات، وكل مجرة تضم مئات البلايين من النجوم، وتمثل النقاط المضيئة تجمعات المجرات الضخمة.وجميعها رتبها الله تعالى في هذا الكون الواسع ببنية نسيجية رائعة كالنسيج المحبوك، بل وأقسم بها فقال: (والسماء ذات الحُبُك)!

ولكن هذه المقالة العلمية حول ملامح النسيج الكوني لا تكفي أبداً، فقد تكون نظرية وليست حقيقة علمية، وأنا كمؤمن ينبغي أن أتأكد من أية معلومة جديدة وأتثبت من صدقها قبل أن أقتنع بها لأبني عقيدتي على أسس علمية سليمة.
لذلك بدأتُ بمطالعة مئات الأبحاث حول النسيج الكوني والخيوط الكونية وجميعها صدر منذ بضع سنوات. ووجدت بأن جميع العلماء يؤكدون هذه الحقيقة بل هي من أهم الحقائق الواضحة والمؤكدة في القرن الحادي والعشرين.
وبعد أن رأيتُ هذا النسيج بالمعادلات الرقمية والصور التي رسمها الكمبيوتر، أدركتُ بأن القرآن تحدّث صراحة عن النسيج الكوني cosmic webالذييفتخر علماء الغرب اليوم بأنهم هم أول من تحدث عنه (5).
بحث لا بدّ من الإطلاع عليه
ولكن قبل المضي في هذا التفسير العلمي للآية وحرصاً على كتاب الله تعالى وتوخّياً للدقة والأمانة العلمية كان لا بدّ من الإطلاع على ما كتبه علماؤنا المحدثين من أمثال الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار حفظه الله.
فقد وجدتُ بحثاً لهذا العالِم الجليل تناول فيه هذه الآية بشكل رائع (6)،وقد فسَّر هذه الآية بأربع نقاط:
‏1‏ ـ السماء ذات الصنع المحكم والإبداع في الخلق‏.
‏‏2‏ ـ السماء ذات الروابط الشديدة والنسيج المحكم‏.‏
‏3‏ ـ السماء ذات التباين الواضح في كثافة المادة المكونة لها‏.‏
‏4‏ ـ السماء ذات المدارات المحددة لجميع الأجرام الجارية فيها‏‏.
شكل (2) السماء من حولنا كما نراها بالتلسكوبات الحديثة، فهي مزينة بالنجوم ومحكمة البناء وكل نجم فيها يسير بمدار محدد. ولو انحرف نجم عن مساره قليلاً لانهار هذا البناء بالكامل، فسبحان من نسج هذه النجوم وأحكمها ونظّمها!
ووجدتُه يقول عن النسيج المحكم في بحثه هذا: "وهنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء‏,‏ بأنها ذات حُبُك أي ذات ترابط محكم شديد يربط بين جميع مكوناتها‏,‏ من أدق دقائقها وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة‏,‏ إلى أكبر وحداتها وهي التجمعات المجرية العظمي إلى كل الكون"‏.
ووجدت بأن الدكتور زغلول لم يتناول النسيج الكوني بمفهومه الحالي، والسبب في ذلك أن حقيقة النسيج الكوني لم يتم تأكيدها مئة بالمئة بلغة الأرقام إلا في هذا العام أي 2005، وهذا يدلّ على حرص علمائنا على عدم إقحام أي نظرية علمية لم ترقَ لمستوى الحقيقة في كتاب الله تعالى.
والنقاط الأربعة التي تناولها هذا العالِم جميعها صحيحة وتفسّر بعض معاني الآية، فالكون محكم البناء وقد أبدع الخالق العظيم في كل شيء فيه. والسماء ذات روابط محكمة تربط جميع أجزائها بحقول من الجاذبية والقوى الأخرى. والسماء ذات تباين واختلاف في توزع وكثافة المادة، فتجد فيها الثقوب السوداء ذات الوزن الضخم، وتجد فيها شبه الفراغ بين النجوم. والسماء ذات مدارات محددة، وكل نجم وكل مجرة تسبح في فلك محدد.
مزيد من المعاني والدلالات
ولكن هنالك المزيد من الدلالات والمعجزات، فقبل الشروع في تأمل المعاني الغزيرة التي تحملها هذه الآية ينبغي أن نتأمل أولاً ما كشفته أبحاث القرن الحادي والعشرين في مجال العلوم الكونية. فقد لاحظ العلماء في السنوات القليلة الماضية أن كل ما نراه في هذا الكون لا يشكل إلا أقل من 5 بالمئة، وأن أكثر من 95 بالمئة من الكون يتألف من مادة غير مرئية لا نبصرها هي المادة المظلمة (7).
شكل (3) المادة المظلمة يمثلها في هذا النسيج الكوني اللون الأسود وهي المادة التي تملأ المكان بين المجرات وتسيطر على توزع المادة في الكون المرئي، وقد رسمت هذه الصورة الكونية بواسطة السوبر الكومبيوتر حيث تمثل كل نقطة فيها تجمع يضم آلاف المجرات وربما الملايين، ويمثلها اللون الأصفر، والمناطق الزرقاء هي أماكن الكثافة الأقل من المجرات. فتأمل عظمة الكون وعظمة خالق الكون سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا النسيج الرائع!
وتذكَّر معي هنا قولَ الحقّ تبارك وتعالى: (فلا أُقْسٍمُ بما تُبْصٍرونَ * وما لا تُبْصِرونَ)[الحاقة: 38-39]. فقد أنبأنا القرآن عن أشياء لا نبصرها بل وأقسم بها أن القرآن حقّ، أل تتضمن هذه الآية إشارة غير مباشرة للمادة المظلمة التي يكتشفها العلماء اليوم؟
علماء الفلك يستخدمون تعابير القرآن!
ولكن السؤال: كيف استطاع علماء الغرب اكتشاف المادة المظلمة إذا كنا لا نبصرها؟ وكيف اكتشفوا النسيج الكوني؟ بل من أين جاءت هذه التسمية وهم لم يطّلعوا على القرآن؟ وهنا كان من الضروري القيام برحلة جديدة من رحلات البحث في أحدث ما وصل إليه العلماء في هذا المجال. وكانت المفاجأة المذهلة من جديد عندما قرأت تأكيداً على لسان العلماء الذين اكتشفوا هذا النسيج ورأوه للمرة الأولى (8) يقولون فيه:
"We have little doubt that for the first time, we are here seeing a small cosmic filament in the early universe".
"كان لدينا شك للوهلة الأولى, إننا نرى هنا خيطاً كونياً صغيراً في الكون المبكر".
ثم يقولون بعد ذلك بالحرف الواحد:
"We see it at a time when the universe was only about 2 billion years old".
نحن نراه(هذا الخيط) في زمن عندما كان عمر الكون فقط 2 بليون سنة.
ثم يتابعون مؤكدين رؤيتهم ورؤية علماء الفلك لتوزع هذه المادة في مرحلة مبكرة من عمر الكون:
Astronomers can "see" the distribution of matter in the early universe.
الفلكيون يمكنهم أن "يروا" توزع المادة في الكون المبكر.
ولكن الذي لفت انتباهي أن هؤلاء العلماء يستخدمون كلمة "نرى" بل ويضعون هذه الكلمة ضمن قوسين للدلالة على أنها كلمة جديدة الاستخدام مع العلم أن هذه الصور التي يرونها لهذا النسيج تعود إلى 13 بليون سنة!
وبعد تفكير طويل في السبب الذي جعل هؤلاء العلماء يصرون على رؤيتهم لملامح هذا النسيج [7]، تذكرتُ قول الحق تعالى مخاطباً هؤلاء المنكرين لكتابه المجيد: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْناهُمَا)؟[الأنبياء: 30].
فسبحان الله!! إن الله عز وجل يقول: (أولم يرَ)، وهم يقولون "إننا نرى" We seeوكأنهم يرددون كلام الله تعالى وهم لا يشعرون! والله يقول: (الذين كفروا)وهم يعترفون بإلحادهم وعدم إيمانهم بالقرآن. والله تعالى يحدد الزمن بكلمة (كانتا)أي في الماضي، وهم يقولون: "الكون المبكر" early universe..والله تعالى يقولرَتْقاً) وهم يعترفون بأنهم بدأوا برؤية أول خيط في هذا الرتق بقولهم: "خيطاً كونياً صغيراً" small cosmic filament.
أليست هذه معجزة قرآنية ينبغي على كل مؤمن أن يتفكر فيها؟ بل ويفتخر بهذا الكتاب العظيم الذي هو بحق كتاب العجائب والحقائق، وليس كما يدّعون أنه كتاب أساطير وخرافات.
وأمام هذه المعجزة القرآنية، معجزة خطاب القرآن للكفار بأنهم سيرون هذا الرتق الكوني في بداية الكون، وهم قد رأوا هذا النسيج فعلاً من خلال أجهزتهم وحواسبهم. أفلا يستيقنون بأن هذا القرآن هو من عند الله تعالى الذي خلقهم ويسَّر لهم هذا الاكتشاف وحدثهم عنه في كتابه قبل أن يكتشفوه بأربعة عشر قرناً! لقد اكتشفوا بداية هذا النسيج وتتراءى لهم ملامح هذه الخيوط الكونية، ولكننا نراهم يستمرون بالبحث عن هذا الرتق الكوني . لذلك نجد البيان الإلهي في هذه الآية الكريمة يسألهم: (أفَلا يؤمنون)؟؟؟
وكما نعلم من معاجم اللغة العربية(9) كلمة الرتق تعني السدّ والفتق تعني الشق وكلتا الكلمتين تتضمن إشارة صريحة إلى النسيج. والسؤال: أليس هؤلاء العلماء يردّدون هذه الآية وهم لم يطلعوا عليها؟
وعندما صرح القرآن بأن الكون كان رتقاً أي نسيجاً متماسكاً كالسد المنيع، نرى علماء هذا العصر يؤكدون وبشدة أنهم يرون هذا النسيج في المراحل المبكرة من عمر الكون!! بل إن هؤلاء العلماء لا يشكون أبداً في وجود هذا النسيج، حتى إنهم بدأوا يتساءلون عن الكيفية التي حُبكت فيها هذه الخيوط الكونية العظمى (11). وتأمل معي هذا النسيج الذي رسمه الكومبيوتر على شبكة ثلاثية الأبعاد لجزء كبير من الكون المرئي ونرى فيه بوضوح أن ما نبصره في هذا الكون أقل بكثير مما لا نبصره!
شكل (4) رسم ثلاثي الأبعاد للنسيج الكوني، وهذا هو شكل الكون قبل 13 بليون سنة، أي عندما كان عمر الكون 2 بليون سنة، ونرى فيه التجمعات المجرية تتوضع كالخيوط المحبوكة في النسيج، وتأمل قوله تعالى: (والسماءِ ذاتِ الحُبُك).
حقائق علمية يقينية
والآن ينبغي علينا أن نتعرّف على الكيفية التي جعلت علماء الفلك يجزمون بهذا النسيج، بل ويجمعون على ذلك. وتبدأ القصة عندما بدأ علماء الكون برسم خرائط للنجوم والمجرات ولاحظوا وجود مناطق تتجمع فيها هذه المجرات بما يسمى عناقيد المجرات galaxy clusters ووجدوا بأن هذا الكون يحوي أكثر من مئتي ألف مليون مجرة!
شكل (5) مجرة تضم مئات البلايين من النجوم، هذه المجرة يوجد منها في كوننا المرئي عدة مئات من البلايين، وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد إلا أنه لا يشكل إلا أقل من 5 بالمئة من الكون! فكم هي قدرة الله تعالى الذي خلق كل هذه المجرات؟
وعندما توفرت إمكانية الحسابات الضخمة باستخدام السوبر كومبيوتر فكَّر العلماء بإدخال جميع المعلومات اللازمة إلى هذا الكومبيوتر العملاق والتي تتضمن بيانات رقمية حول موقع المجرة وبعدها عنا بالسنوات الضوئية وشدة إشعاعها، بالإضافة إلى معلومات حول التجمعات المجرية الضخمة ومعلومات أخرى تشمل أكثر من مليون مجرة.
وعندما نفّذ الكومبيوتر العمليات الرقمية كانت الصورة الناتجة تشبه النسيج، وهذا ما جعل العلماء مباشرة يطلقون عليها اسم النسيج الكوني cosmic web.
شكل (6) تأمل كيف أن هذا النسيج يتألف من خيوط متباعدة بما يناسب قوله تعالى: (كانتا رتقاً ففتقناهما)، ويقول العلماء إن هذا النسيج كان قطعة واحدة لا يوجد فيها أية فراغات وذلك في بداية خلق الكون أثناء الانفجار الكبير big bang ثم تباعدت أجزاؤه عن بعضها[انظر الروابط في نهاية البحث].
المجرات كاللآلئ التي تزين الكون!
والآن تأمل معي هذه الصورة للنسيج الكوني، والطريقة التي نسج الله تعالى بقدرته هذه المجرات وجعلها بناءً محكماً يزين السماء.
شكل (7) صورة الكون وتبدو المجرات كاللآلئ التي تزين العقد! وهذه الصورة موجودة على الرابط: http://www.gsfc.nasa.gov/topstory/20020812gamma.htmlوهي صورة معقدة جداً للنسيج الكوني تُظهر تماماً البناء الكوني المُحكم وزينته.
إن هذه الصورة عندما رآها العلماء قالوا بالحرف الواحد:
"Galaxies slowly formalong the filaments like pearls on a string".
"إن المجرات تتشكل ببطء على طول الخيوط كاللآلئ على العقد".
وتأمل أخي المؤمن كيف سبق القرآن هؤلاء العلماء في الحديث عن زينة السماء، بل وخاطبهم بها! يقول تعالى: (أفلم يَنْظُرُوا إلى السَّماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا) [ق: 6]. هذا الموضوع سيكون عنوان بحثنا القادم بإذن الله تعالى لنرى فيه كيف بدأ علماء الغرب باستخدام التعابير القرآنية بحرفيتها، مثل كلمة (بناء) building الواردة في قوله تعالى: (والسّماءَ بناءً)[البقرة:22].
نتائج البحث ووجه الإعجاز
1- بما أن جميع المفسرين وجميع علماء اللغة يُجمعون في تفسيرهم على أن أصل كلمة (الحُبُك)جاء من النسيج المحبوك، فيكون القرآن بذلك هو أول كتاب تحدث عن هذا النسيج الكوني وربطه بالسماء في قوله تعالىوَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)[الذاريات: 7].وفصَّل القول ع
ن الآلية الهندسية التي جعلت هذا الرتق المنسوج ينفتق وينشق في قوله تعالى مخاطباً الكفار بما سيرونه بأعينهمأَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْناهُمَا)؟[الأنبياء: 30].
2- ومن النتائج المهمة لهذا البحث وجود إشارة واضحة في هذه الآية إلى أن ما نراه الآن في الكون من مجرات لايمثل شكلها اليوم، بل هو الشكل الذي كانت عليه في الماضي (12)، في قوله تعالى في هذه الآية كانَتَا):أي في الماضي. وهذا سبق علمي للقرآن في الحديث عما يسميه العلماء اليوم early universe.أي الكون في مراحله المبكرة.
3- الكلمات التي يستخدمها القرآن دقيقة جداً من الناحية العلمية، والدليل على ذلك أن علماء الفلك في القرن 21 بدأوا يستخدمون نفس الكلمات القرآنية في أبحاثهم. فكلمة (الحبك)وكلمة (رتقاً)وكلمة (ففتقناهما)جميعها تحمل إشارة مباشرة للنسيج المحبوك، والعلماء يستخدمون هذا الاسم للتعبير عن الكون، أي النسيج الكوني.
4- أكدت الآية أن الذين سيرون هذا الرتق الكوني هم من الكفار الذين لا يؤمنون بالقرآن فوجّهت الخطاب لهم:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وهنا نتساءل من جديد ونطرح سؤالاً على كل من يظن أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم:
كيف استطاع هذا النبي الأميّ عليه صلوات الله وسلامه أن يتنبّأ بأنه سيأتي أناس بعده بألف وأربع مئة سنة وهم من غير المؤمنين وأنهم سيكتشفون بنية الكون النسيجية، وأنهم سيرون خيوط هذا النسيج الكوني؟ بل لو كان محمد صلى الله عليه وسلم هو من لفّق هذه الآيات فلماذا لم ينسب هذا الاكتشاف العظيم لنفسه أو لقومه، بل نسبه لأعداء الإسلام؟؟؟
وأخيراً
لو توجهنا اليوم بسؤال لهؤلاء العلماء الذين اكتشفوا هذا النسيج المعقد، وصرفوا بلايين الدولارات في سبيل رسم هذه الصورة الكونية، وقلنا لهم:
ما رأيكم أن الشيء الذي تكتشفونه في القرن الحادي والعشرين، قد تحدث عنه كتاب موجود منذ القرن السابع الميلادي!
إنهم سيسارعون للقول بأن ذلك سيكون مستحيلاً، والسبب هو أن التنبؤ بوجود بنية نسيجية للكون والحديث عن الرتق والفتق، يحتاج إلى عدسات مكبرة ومراصد تتوضع في مختلف أنحاء العالم، ويحتاج لآلاف الباحثين لرسم خرائط لملايين المجرات، وتحديد أماكنها وتحليل أطيافها. وسوف يتطلَّب ذلك وجود أجهزة سوبر كومبيوتر عملاقة، وإلى تكاليف باهظة. وهذه الإمكانيات لم تتوفر إلا في نهاية القرن العشرين، فأنى لبشرٍ أن يتنبَّأ بنسيج كهذا؟؟
ونقول لهم نعم! إن قولكم صحيح لو كان القرآن من صنع بشر، ولكن هذا القرآن هو كلام ربّ البشر تبارك وتعالى! فهل تخشع قلوبكم أمام هذه المعجزة التي هي دليل مادي على صدق كتاب الله عز وجل وصدق رسالة الإسلام؟ إذن استمعوا معي إلى هذا البيان الإلهي:
وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِين