من رحم الفشل يولد النجاح!
فشل
في عمله عام 1831.* فشل في عمله مرة أخرى عام 1834.* أصيب بصدمة عصبية نتيجة موتزوجته عام 1835، تطورت إلى انهيار عصبي عام 1836.* فشل في الانتخابات في سنة 1838.* ثم مرة ثانية في عام 1846.* ثم ثالثة في عام 1847.* فشل في انتخابات النواب عام 1855.* فشل في أن يصبح نائب الرئيس عام 1856.* فشل مرة أخرى في انتخابات النواب عام 1858.وبعد كل هذا السجل العامر بالفشل فقد انتخب إبراهام لنكولن رئيسًا للولاياتالمتحدة الأمريكية عندما بلغ الستين من عمره وهو الذي لخص تجربته في النجاح والفشلبقوله: [إنك لن تفشل إلا إذا انسحبت] أيها القارئ الكريم: إن طريق النجاح لا ......

يكون عادة سهلا ميسورا، مفروشًا بالورود والرياحين، والذين حققوا
إنجازات باهرة في حياتهم، وخلد التاريخ أسماءهم قد تجرعوا مرارة الفشل طويلاً قبلأن يحققوا هذه النجاحات، فالنجاح الحقيقي الدائم لا يأتي عادة إلا بعد صراع مرير معالفشل، وفي ظل ظروف صعبة قد تبعث في قلب الإنسان اليأس والقنوط، وما قصة إبراهاملينكولن إلا حلقة ملقاة في فلاة التاريخ، الذي يثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنظروف الفشل هي التي تصنع النجاح، وأن النجاح الحقيقي الدائم لا يولد إلا من رحمالفشل، كما يقول كريسي ويتينج مقدم برنامج [سجل النجاح] البرنامج الأشهر بين برامجالإذاعات الأمريكية:[إن الفشل هو السبيل الوحيد للنجاح، والمثل المعروف [وراء كل عظيم امرأة] ينبغي تعديله بحيث يصبح وراء كلعظيم سجل طويل من التجارب الفاشلة صنع له النجاح في النهاية]


الفشل أقصرطريق للنجاح لماذا؟

قد
يتعجب البعض من هذا الكلام، إذ كيف يكون الفشل طريقًا إلى النجاح ؟!
كيف يلتقي
هذان الضدان بحيث يكون أحدهما طريقًا للآخر، بل وضرورة لازمة له ؟!
والجواب سهل
ميسور بحمد الله، ذلك أن النجاح الباهر الدائم يتطلب من الشخص أن تتوافر فيه سماتخاصة، وخبرات متنوعة، لا يمكن أن تتكون في الشخص إلا عبر معاناة الواقع، والاحتكاكالطويل به، وخوض الصراع مع المشكلات والعقبات، ومن ثم يكتسب الإنسان الصفاتالإنسانية اللازمة للنجاح الدائم والتي من أهمها الصبر والإرادة والعزم والتصميم،وأما أصحاب النجاح السهل الذي لم يأت عبر التعب والمعاناة فإنهم سرعان ما يصابونبالإخفاق والإحباط عند أول عقبة تهدد ما حققوه من نجاح، ومن ثم ما يتحول نجاحهم إلىفشل أو إخفاق ذريع وقديمًا قال العرب: [ الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك].
وها
هو أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي رحمه الله يشرح لنا ذلك في وحي قلمه فيقول: [ ما أشبه النكبة بالبيضة، تحسب سجنا لما فيها، وهي تحتوطه وتربيه وتعينه علي تمامه،وليس عليه إلا الصبر إلي مدة والرضا إلى غاية، ثم تنقف البيضة فيخرج خلقا آخر، وماالمؤمن في دنياه إلا كالفرخ في بيضته، عمله أن يتكون فيها، وتمامه أن ينبثق شخصهالكامل، فيخرج إلى عالمه الكامل ].
بين الماء والزيت
:
ويشرح لنا
الإمام ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره تلك الحقيقة الثابتة في حوار طريف متخيلبين الماء والزيت، ذلك أنهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء، فقالالماء للزيت منكرًا: [لم ترتفع علي، وقد أنبت شجرتك ؟ أين الأدب ؟! فقال الزيت: لأني صبرت على ألم العصر والطحن، بينما أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة،وبالصبر يرتفع القدر].
فليس هناك نجاح يرتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، إلا
إذا سبقه صبر على ألم عصر المحن وطحن والشدائد والإخفاقات، وأما من يريدون السلامة،فإنهم أبدًا يعيشون بالأسفل مع ذاك الماء.
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لن
تبلغ المجد حتى تلعق الصبراإشارات القرآن:
وكم هي عديدة تلك الآيات
القرآنية التي يشير الله تبارك وتعالى فيها إلى تلك السنة ومثيلاتها، فمن هذهالإشارات:


1
ـ لن يغلب عسر يسرين
:
كما يقول الله تعالى
: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح: 5، 6]، فكلمة العسر جاءت معرفة في الآيتين بالألف واللام، بمعنى أنه عسر واحد في كلتاالآيتين، أما كلمة اليسر فجاءت نكرة في نفس الآيتين، فاليسر في الآية الأولى غيرهفي الآية الثانية، ومن ثم علق الإمام الشافعي على هاتين الآيتين بقوله: [ لن يغلب عسر يسرين ].
فلن يغلب عسر الفشل يسر النجاح أبدًا، ولكن ذلك
لابد وأن يكون مقرونًا بالعمل والصبر والدأب، كما يشير تعالى في الآية التي تليهاإلى ذلك بقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8].


2
ـ تنبع الحياة من قلب الموت
:
يقول تعالى
: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد: 17].
فتأمل أيها القارئ الكريم في مخلوقات الله من حولك، تجد أن الحياة تخرج
دائمًا من قلب الموت، فهذه الأرض الجامدة، تراها ميتة، لا حياة فيها، فإذا أنزلالله تعالى عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من صنوف الحياة والجمال كل زوج بهيج.
وتلك البيضة التي تبدو للعيان جمادًا لا حراك فيه، ما إن تدخل في فترة الحضانة،
إلا وتدب بداخلها الحياة، فيخرج منها مخلوق جميل، يشع بالحيوية والنشاط.
وهذا
الليل البهيم، بكل ما فيه من ظلام حالك، ما إن ينبلج الصباح حتى تخرج الشمس بكلضوئها وحيويتها، لتحيل موات ذلك الليل، إلى نهار حي مشرق.
وهكذا ظلمات الفشل ما
أن يثابر الإنسان على عبورها، ويصبر على معاناتها حتى تنقلب بإذن الله إلى أنوارللنجاح مشرقة، تملأ حياة صاحبها حيوية وسعادة وبهجة.