للمقبلين على الزواج فقط
آدابالزفاف
في السنة المطهرة
تأليف العلامة المحدث
محمدناصر الدين الألباني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على نبيهوآله وصحبه ومن والاه، وعلى كل من اهتدى بهداه.
أما بعد : فقد كان الباعث علىتأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالىالأستاذ عبد الرحمن ألباني، فإنه- جزاه الله خيراً- اقترح تأليفها بمناسبة بنائهعلى زوجه، ففعلت، ثم قام هو بطبعها على نفقته ، ووزعها مجاناً في حفلة زفافه، مكانما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها، مما لا يبقى أثره ولا يدومنفعه، فكان ذلك منه سنة حسنة، من حسناته الكثيرة- إن شاء الله- ما أحوج المسلمينإلى الاقتداء به فيها، والسير على منوالها.
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى،وكان من تمام
[6]
الاستفادة منها، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطاروالأمصار، رأى كثيرون إعادة
طبعها، وألحوا عليّ بالطلب، فاستجبت لذلك، وتفرغت لهبعض الوقت، فأضفت إليها زيادات كثيرة، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعةالتي تم بها تأليفها وإخراجها.
وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامةالتي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله، فبينت- ما استطعت- خطأهم فيها،وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها، وذلك بالحجة والبرهان، ليكون القارئ الكريم علىبينة من أمره، وبصيرة من دينه، فلا يتأثر بشبهات الشاكين، وجدال المبطلين، وقلةالسالكين، في زمن أصبح التمسك فيه بالسنة غريباً في بني دينه المحاولين التمسك به،فكيف هو في المخالفين له، الصادين عنه؟!
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا منعباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم:
وإنّ الإسلام بدأغريباً، وسيعود غريباً كما بدأ
[7]
فطوبى للغرباء )) مسلم .
وأقدم بينيدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخمحب الدين الخطيب تفضل بكتابتهاوطبعها في مقدمة الطبعة الأولى، لما فيها من فوائد ومواعظ، وهي في رأيي تمهيد قويلنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه، بل ولميسمعن به من قبل، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاًوارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب.
دمشق في 25/10/1376هـ .
[9]
مقدمةالطبعة الأولىبقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا رب لهم غيره، ولا يطاع في السر والعلن سواه،وصلى الله على معلم الناس الخير محمدٍ هادي الإنسانية إلى سنة الحق، وعلى آله وصحبهوسلم.
وبعدُ؛ فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال؛ يلهيهم مايلهي الأطفال، يلهيهم ما يلهي الأطفال، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل مايصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال،وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات،وحينئذ
[10]
يرجعون إلى ربهم، فيحفظ لهم عقولهم، ويبارك لهم في أوقاتهموأعمالهم وجهودهم، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم، فيستعملونها فيما ينفعهم، ويكونبهم عزهم، ويعلو به سلطانهم.
وتحري سنة الإسلام في الاعتدال، والانتفاع بهدايتهفي التحرر من السفاسف التي صار السملمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة، يتوقفعلى أمرين:
أحدهما: إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كلناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام.
والثاني: ازدياد عدد المسلمينالذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به، حتى يتلقاه عنهمبالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم.
وهذه الرسالة اللطيفة نموذجلناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عنمعلم
[11]
الناس الخير صلى الله عليه وسلم ، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه،وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام، حتى أوغلوا لا فيالجاهلية الأولى التي امتازت- في هذه الناحية- بفطرة العروبة وتحررها من بذخالمترفين، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلىالنار، حتى أصبحت أعباء الزواج
وتكاليفه فوق طاقة الناس، فكادوا ينصرفون عنه- وهوفي نفسه من سنة الإسلام- لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام، فأوقعهم ذلك في شرأنواع الجاهلية.
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها ، تهيألها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها، وهو أخونا بالغيبالشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني، فوضع بين أيدي المسلمين النصوصالصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف، وحبذا لو كانقد اتّسع له الوقت وواتته الأسباب، فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية،وآداب البيت، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية. ولكن ظهور الهلالفي
[12]
ليلته الأولى، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدراًكاملاً.
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه، تهيأ لها كذلكالمسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدالوالتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات، عندما استخارا الله، فخارلهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهليةالأجنبية عنا، والطارئة علينا. فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهدالأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته، حتى يحقق له آماله، ملتزماًسنة الإسلام في ذلك ما استطاع.
وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمةالفاضلة مثلاً من تاريخ نساء العروبة والإسلام، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصبعينيها، لتكون من الخالدات إن شاء الله.
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملكبن مروان
[13]
كان لأبيها- يوم تزوجت- السلطان الأعظم على الشام والعراقوالحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوةشرقاً، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غرباً. ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم
وحسب، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاءالإسلام، وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك،وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وكانت فيما بين ذلكزوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز.
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء،خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة علىوجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال: إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرافي التاريخ، وتغنى بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزاً. ومن فضول القول أنأشير إلى أن عروس عمر بن
[14]
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لاتعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجهاتعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولاتوأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك. إلاأني لا أذيع مجهولاً بين الناس إن قلت: إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها منحيث يتمتع بالعافية المعتدلون، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية منأهل الفاقة والمعدمين، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتيادمألوفة ومملولة، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم مارواه ذلك، فلا يجدونه، بينما المعتدلون يعملون أن في متناول أيديهم وراء الذي همفيه، وأنهم يجدونه متى شاؤوا، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات،ليكونوا أرفع منها، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها، ولذلك اختار الخليفة الأعظمعمر بن عبد العزيز- في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض- أن
[15]
تكوننفقة بيته بضعة دراهم في اليوم، ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأختأربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك؛ لأنها تذوقت القناعة، وتمتعت بحلاوةالاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفهقبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف. بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقليةالطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنها وشعرهاومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائهوأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التيحملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين. وتوفي عقب ذلكأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئاً، فجاءها أمين بيتالمال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك،وحفظتها لهذا اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها. فأجابته بأنها وهبتها لبيت مالالمسلمين طاعة
[16]
لأمير المؤمنين ، ثم قالت: ((وما كنت لأطيعه حياً وأعصيهميتاً )). وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، فيالوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدثعن شرف معدنها، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامهما في جناتالنعيم.
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، وكل عيش مهما خشن أو نعم،إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر منكل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني،جعلنا الله من أهله.
17ذي الحجة سنة 1371هـ
7 سـبتمبر سـنة1952ممحبالدين الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكمكتابه: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةورحمة﴾ [الروم: 21]. والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت منحديثه: ((تزوّجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة )) رواه أحمدوالطبراني بسند صحيح.
وبعد؛ فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً فيالإسلام، قد ذهل عنها، أو جهلها أكثر الناس، حتى المتعبدين منهم، فأحببت أن أضع فيبيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة، إعانة له ولغيره من الإخوةالمؤمنين، على القيام بما شرعه سيد المرسلين.
[18]
عن رب العالمين ، وعقبتهابالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج، وقد ابتُلي بها كثير من الزوجات.
اسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه هو البرالرحيم.
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة، وإنما يعنيني منها في هذه العجالة؛ ماثبت منها في السنة المحمدية، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها، أو محاولةالتشكيك فيها من جهة مبناها؛ حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه، وثقة من أمره،وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة،وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم: ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتناقرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾. [الفرقان: 74]. والعاقبة للمتقين كما قال ربالعالمين: ﴿إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئاً بماكنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين﴾ [المرسلات: 41- 44].
وهاكتلك الآداب:
[19]
- ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أنيلاطفها، كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب ونحوه؛ لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن،قالت:
((إني قيّنت( ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوتهلجلوتها( )، فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعُس( ) لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلىالله عليه وسلم فخضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يدالنبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: فأخذت، فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي صلى اللهعليه وسلم: أعطي تربك( )، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله! بل خذه فاشرب منه ثمناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست ، ثم وضعته على ركبتي، ثمطفقت أديره وأتبعه بشفتي
[20]
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثمقال لنسوة عندي: ((ناوليهن ))، فقلن: لا نشتيه! فقال صلى الله عليه وسلم: ((لاتجمعن جوعاً وكذباً ))أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر. والحميدي في مسنده. وله شاهد في الطبراني.
2- وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أنيضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك وتعالى،ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:
((إذا تزوج أحدكمامرأة، أو اشترى خادماً، [فليأخذ بناصيتها]( )، [وليسم الله عز وجل]، [وليدعبالبركة]، وليقل:
[20]
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذبك من شرّها وشر ما جبلتها عليه.
[وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروه سنامه، وليقلمثل ذلك] )). البخاري وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي.
3- صلاةالزوجين معاً:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معاً، لأنه منقول عن السلف. وفيهأثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:
((تزوجت وأنا مملوك، فدعوتنفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم،قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني فقالوا:
((إذا دخل عليك أهلك فصلركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك )). أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف. وعبد الرزاق.
[23]
الثاني: عن شقيق قال:
((جاء رجل يقال له: أبو حريز، فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكراً]، وإني أخافأن تفركني، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود ):
[24]
((إن الإلف من الله،والفرك من الشيطان، يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم؛ فإذا أتتك فأمرها أن تصليوراءك ركعتين )). زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود:
((وقل: اللهم بارك لي فيأهلي، وبارك لهم فيّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير؛ وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير )). وعبد الرزاق وسنده صحيح، والطبراني بسندين صحيحين.
[26]
4- ما يقولحين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله:
((بسم الله، اللهم جنبناالشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا )).
قال صلى الله عليه وسلم :
((فإن قضىالله بينما ولداً؛ لم يضره الشيطان أبداً )) البخاري وبقية أصحاب السنن إلاالنسائي.
[27]
5- كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في قُبُلها من أي جهةشاء، من خلفها أو من أمامها، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكمأنّى شئتم﴾، أي: كيف شئتم؛ مقبلة ومدبرة، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها:
الأول عن جابر رضي الله عنه قال:
((كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأتهمن دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج] )). البخاري ومسلم والنسائي.
[28]
الثاني: عن ابن عباس، قال:
((كان هذا الحيمن الأنصار؛ وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهمفضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لايأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قدأخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذذونمنهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات؛ فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأةمن الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نُؤتى على حرف،فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شري أمرها، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،فأنزل الله عز وجل: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾. أي: مقبلات ومدبراتومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد ))أبو داود والحاكم.
6- تحريم الدبر:
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتواحرثكم أنّى شئتم﴾،
[30]
والأحاديث المتقدمة، وفيه أحاديث أخرى:
الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
((لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصارتزوجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبّون، وكانت الأنصار لا تجبّي، فأراد رجل منالمهاجرين امرأته على ذلك، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّىشئتم﴾، وقال: لا؛ إلا في صمام واحد ))أحمد،والترمذي وصححه، وأبو يعلى، والبيهقيوإسناده صحيح على شرط مسلم.
[31]
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
((جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئاً، فأوحي إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾،يقول: أقبِلْ وأدبِرْ، واتقل الدبر والحيضة ))النسائي والترمذي والطبراني والواحديبسند حسن.وحسنه الترمذي.
[32]
الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيانالرجل امرأته في دبرها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: حلال. فلما ولّى الرجل دعاه، أوأمر به
فدعي، فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين، أوفي الخرزتين، أو في أي الخصفتين؟أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، أم من دبرها في دبرها؟ فلا، فإن الله لا يستحي من الحق،لا تأتوا النساء في أدبارهن ))الشافعي وقواه، والدارمي،والطحاوي، والخطابي وسندهصحيح .
[33]
الرابع: ((لا ينظر الله إلى رجلٍ يأتي امرأته في دبرها )). النسائي والترمذي وابن حبان وسنده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن راهويه.
الخامس: ((ملعون من يأتي النساء في محاشّهن. يعني : أدبارهن )).ابن عدي بسندحسن.
السادس: ((من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول؛فقد كفر بما أُنزل على محمد )) أصحاب السنن إلا النسائي.
[35]
7- الوضوء بينالجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلىالله عليه وسلم:
((إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ [بينهماوضوءاً] ( وفي رواية: وضوءه للصلاة ) [فإنه أنشط في العود] )) مسلم وابن أبي شيبة،وأحمد وأبو نعيم والزيادة له.
8- الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوءلحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذهوعند هذه، قال: فقلت له : يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال:
[36]
((هذا أزكى وأطيب وأطهر )). أبو داود ، والنسائي، والطبراني،
9- اغتسال الزوجين معاً :
ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ولو رأى منهورأت منه، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كنت اغتسلأنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه]،فيبادرني حتى أقول : دع لي، دع لي، قالت: هما جنبان ))البخاري ومسلم وأبو عوانة في ((صحاحهم )).
[39]
10- الثاني: عن معاوية بن حيدة قال:
قلت: يا رسولالله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكتيمينك )).قال:
[40]
قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال:
((إن استطعت أن لا يرينها أحد، فلا يرينها )).
قال:
فقلت: يا رسولالله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال:
((الله أحق أن يستحيى منه من الناس ))رواهأصحاب السنن إلا النسائي.
[41]
10- توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا ينامانجُنبين إلا إذا توضأ، وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسلفرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة )) البخاري ومسلم وأبو عوانة .
الثاني: عن ابن عمررضي الله عنهما:
((أن عمر قال: يا رسول الله! أينام أحدنا وهو
[42]
جنب؟قال: نعم إذا توضأ ))، وفي رواية: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم )). وفي رواية:
((نعم، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء )).
وفي أخرى:
((نعم، ويتوضأإن شاء )) أخرجه الثلاثة في صحاحهم.
الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ثالثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر،والمتضمخ
[43]
بالخلوق( )، والجنب إلا أن يتوضأ ))حديث حسن أبو داود وأحمدوالطحاوي والبيهقي.
11- حكم هذا الوضوء:
وليس ذلك على الوجوب، وإنماللاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدناوهو جنب؟ فقال:
((نعم، ويتوضأ إن شاء ))ابن حبان في صحيحه.
[44]
ويؤيدهحديث عائشة قالت:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أنيمس ماءً [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل] ))ابن أبي شيبة وأصحاب السنن إلاالنسائي.
[45]
وفي رواية عنهما:
((كان يبيت جنباً فيأتيه بلال، فيؤذنهبالصلاة، فيقوم فيغتسل، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاةالفجر، ثم يظل صائماً. قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم، سواء رمضان أوغيره )) ابن أبي شيبة وسنده صحيح وأبو يعلى.
12- تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحياناً لحديث عائشة قالت: ((كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ،
[46]
أو تيمم )) البيهقيقال لحافظ في ((الفتح )) إسناده حسن.
13- اغتساله قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل، لحديث عبد الله بن قيس قال:
[47]
((سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبلأن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمدلله الذي جعل في الأمر سعة )) مسلم وأبو عوانة وأحمد