الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد :
حين تكد الدنيا بهمومها وغمومها خاطر المسلم يجد في هتاف الأذان ونداء الصلاة جلاءا لقلبه وطردا لهمه فيهرع للاستعداد لذلك الموقف الجليل واللقاء الجميل الذي يبرا به كل قلب عليل من كل ماعلق به من أوضار الدنيا وأرجاسها فينطلق إلى ماء الحياة وسر الحياة ومشعل قناديل الضياء على جبين الوجوه المتوضئة المخبتة فيغسل بالماء قلبه غسلا يليق بعظمة من سيقف بين يديه يناجيه ويناديه مرتلا للقرآن بين يديه فما أعذب الوصل عقب حر الشوق ونار الحب والوله فجل من محبوب وتبارك من مطلوب ومرغوب .
الوضوء بريد اللقاء ، ومحطة الصفاء والنقاء ، الخطايا معه لاتقوى على المقاومة فتتساقط كما يتساقط ورق الشجرة اليابسة ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ ) قالوا : بلى . يارسول الله ! قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ).
وفي صحيح مسلم أيضا من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه توضأ ، ثم قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ مثل وضوئي هذا ثم قال : ( من توضأ هكذا غفر له ماتقدم من ذنبه ، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ).
وفيه أيضا عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ ، فأحسن الوضوء ، خرجت خطاياه من جسده ، حتى تخرج من تحت أظفاره ).
الوضوء تطهير وتحرير ، تطهير من الذنوب بعون الله ، وتحرير للنفس من ربق عبوديتها لشهواتها ، وسمو بها إلى سامق الجوزاء ذلك لأن " الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " .
هو نور للوجه وغسل لما علق به من ظلمة ، غسل رباني لسائر الجوارح وياليت شعري كيف بك إذا نظرت إلى تلك الوجوه المتوضئة وقد كساها الوضوء حلة الجمال بعد أن تحاتت الذنوب عن العينين واليدين والرجلين ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا توضأ العبد المسلم – أو المؤمن -ـ فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء – أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – حتى يخرج نقيا من الذنوب ) .
يالها من بركات ورحمات يمن بها الكريم الرحمن على من يشاء من عباده ، ويالها من لحظات نورانية ونسمات ربانية يفيضها ذلك الماء المبارك على تلك الوجوه التي تستشعر معنى رقرقة الماء بين أصابع يديها ورجليها عندما تخلل الماء بينهما امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبدا لله وطلبا لمرضاة الله حتى يتخلل ماء الحياة بين مسارب عروقها وجداول خلجات نفسها فتستشعر العلو والرفعة التي امتن الله بها بفضله وبرحمته " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " وإي والله هو خير من كل مايجمعون وهو خير من كل مايكنزون وهو خير من الدنيا ومافيها.
أهل الدنيا المنكبون عليها اللاهون عن سر النعيم الحقيقي يأتون يوم القيامة وقد اكلولحت الوجوه ، وأما المتطهرون طهارة الحس من كل أوضار الشرك ، وطهارة البدن بما يفيضون عليها عند كل داع للقاء الملك فهم أصحاب الوجوه الناضرة وهم الغر المحجلون ففي صحيح مسلم ( أنتم الغر المحجلون من إسباغ الوضوء) وللبخاري ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء ) .
فيا أيتها النفوس الطاهرة المتطهرة ويا أيتها القلوب النيرة المتنورة مزيدا من غسل القلوب ومزيدا من الفيض الذي لايعدله شيء ومزيدا من التنافس في باب الخيرات وإسباغ الوضوء في الكريهات وتذكري يا أيتها الأنفس أن الموعد هناك وأن اللقاء هناك وأن الوسم يومئذ وسم العبودية وأن الرسم رسم التحجيل فمن تذكر الدعوة وصفات أهلها صبر وصابر وجهد وجاهد لأن الغرة يومها سابغة ومن سبغت غرته حينها فلا تسل عنه فهو مع الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون .
------
منقول...