الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين.

أيها الإخوة! تنبغي الإشارة إلى أن أي عمل مهما كان يبدو بسيطا يجب ألا يغيب جانب التوكل على الله فيه، لأنه لا سهل إلا ما جعله الله سهلا..
في حلقتنا الأولى تحدثنا عن تأثير المعاصي، وأنها عقبة كؤود في طريق تحصيل الخشوع وحضور القلب في الصلاة؛ إذ أن حضور الشيء يستلزم كونه حيا، والمعاصي تميت القلب! فكيف لقلب ميت أن يحضر في الصلاة..

سنشرع الآن بعون الله بخطوات أخرى بعد أن عاهدنا أنفسنا على محاسبة النفس وترك المعاصي وعدم الوقوع في آفة استصغار الذنوب حتى ولو كانت صغيرة، وأولى هذه الخطوات تعظيم قدر الأذان.

فإذا سمعت قول المؤذن "الله أكبر" وكنت أقوم بعمل لا يترتب عن إيقافه ضرر، يلزمني أن أتوقف عنه وأردد مع المؤذن مع استحضار معاني الكلمات، إذ إن التفرغ للترديد مع المؤذن وعدم شغل الجوارح بعمل آخر يعينك على التدبر في كلمات الأذان فتكون هذه أول خطوة للشوق إلى الصلاة.

واعلموا أيها الإخوة أن أمر الترديد مع المؤذن له تأثير على قلب المصلي؛ فأنت بمجرد أن تسمع أول نبرة من الأذان توقف عن العمل، وخذ نفسا عميقا، واستحضر أنه نداء للخير، واشرع في استحضار معاني الكلمات.

ففي الأذان تكبير لله، وهي إشارة إلى تقديم الاستجابة والمبادرة بالصلاة، فالاستجابة لأمر الله أولى من أي عمل، وفيه الشهادتان وهما أول أركان الإسلام وهي إشارة بأن استجابتي دليل من أدلة حسن إقامتهما، ثم تأتي بعدهما الدعوة إلى الإقبال على الصلاة، فتقول أنت " لا حول ولا قوة إلا بالله" وعند قولها استحضر معناها.. ثم يقول المؤذن "حي على الفلاح" فيتضح بذلك أن الصلاة إحدى الأسباب المباشرة للفلاح " والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب وعلى النجاة من المرهوب" ( شرح رياض الصالحين لابن عثيمين) وأعيد بعد قول المؤذن حي الفلاح قولي: لا حول ولا قوة إلا بالله..، ثم يتكرر التذكير بتكبير الله تعالى وأن أمر إجابته أولى من كل أمر، كما قال سبحانه عن أهل الإيمان: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار" ( النور:37)، ثم تأتي بعد ذلك كلمة التوحيد وفيها إشارة إلى لزوم إخلاص العبادة لله وحده فأعمل العمل وكلي حرص على تطهيره من الرياء والنفاق فيخرج خالصا طاهرا كما يخرج اللبن من بين فرث ودم..

واعلموا أيها الإخوة أنه مما يدل على تعظيم قدر الأذان والترديد معه أنني وإن كنت أقرأ القرآن فالأولى أن أتوقف عن التلاوة حتى أردد مع المؤذن وأستحضر المعاني؛ إذ أن بعض الأعمال المفضولة تصبح فاضلة في أوقات مخصوصة، ومن ضمنها أن الترديد مع المؤذن أولى من الاستمرار في التلاوة وقت الأذان.. كما أن في تكرار كلمات الأذان إشارة إلى التأكيد؛ فأنت إن أردت تأكيد أمر كررته.. ولحديثنا بقية، ونحن الآن نمضي خطوة خطوة، ولا ننس الاستعانة بالمولى جل وعلا، ولا نيأس من مجاهدة النفس لأجل تحصيل الخشوع، وبعون الله سننال المطلوب وسننجوا من كل مرهوب، وتابعونا في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يتبع...