::: حميدان .. مأساة شعب بأكمله :::

" ... حكومتنا فعلت أشياء وأشياء فحميدان واحد من أبنائها وحقه عليها أن لا تنساه
مهما اشتدت العراقيل وادلهمت الظلمات .. المشكلة لا تتوقف عند حميدان فالوطن كله
يغلي ويتألم ، والوطن كله يشعر بالمرارة والإهانة ... "

ما ترددت في كتابة موضوع مهما كان نوعه مثل ترددي في الكتابة عن موضوع
" حميدان التركي "، وسبب التردد ليس استهانة بهذا الموضوع فهو يستحق أكثر من
مقال بل يستحق عملاً جاداً يتعدى الكتابة بكل أشكالها، وكان السؤال الذي يتردد في
نفسي: من سيقوم بهذا العمل ومتى وكيف؟
سبب آخر - وإن كان أقل من سابقه - وهو متابعتي لمعظم ما كتب عنه ومن كتاب كثر،
ومعرفتي أنه أصبح محط اهتمام قطاع كبير من أبناء الشعب، وهو قبل ذلك محط
اهتمام عدد من المسؤولين في بلادنا.. ومن أجل ذلك كله كنت متردداً وإن كنت في
الوقت نفسه أقرب إلى اليأس مني إلى التفاؤل من الأمريكان وقضائهم..

القضاء الأمريكي قال كلمته، وهي كلمة ظالمة بكل المقاييس وتحمل في طياتها عداء
شديداً لكل من ينتسب للإسلام خاصة من أبناء هذه البلاد.. ولعل هذه الكلمة تدحض كل
الأقاويل عن عدالة القضاء الأمريكي ونزاهته خاصة عند بعض المخدوعين بالأمريكان
عامة وبقضائهم خاصة فلعل هؤلاء - أياً كانوا - يعيدون النظر في تلك النظرة المثالية
ويضعون الأمريكان حيث يستحقون.. يتحدث قضاة حميدان عن تحرش جنسي مزعوم،
نفته "المدعية" بعد ذلك كما نفت سواه، ولو كان عند هؤلاء القضاة شيء من النزاهة
لاستمعوا إلى شهادة بعض الأمريكان وتزكياتهم الشديدة لحميدان خاصة مشرفه الذي
يعرفه ويختلط به كثيراً لكنهم أصموا سمعهم وبصرهم عن كل شيء لأن سوء النية
كان مبيتاً منذ البداية..

التحرش الجنسي أمر شائع عند الأمريكان فهل كان قضاتهم يصدرون أحكاماً قاسية
على كل متحرش؟

رئيسهم السابق "كلينتون" لم يكتف بالتحرش وفعل مع صاحبته الأفاعيل واعترف بذلك
أمام العالم كله في محاكمة علنية، فهل حكموا عليه بالسجن كما حكموا على حميدان؟
حميدان لم يفعل شيئاً ولم يعترف والخادمة سحبت أقوالها فلماذا حكموا عليه حكماً
جائراً وأعفوا صاحبهم؟ أليس قضاؤهم - كما يدّعون - ينطبق على الجميع؟ ألم أقل إن
حميدان كان هدفاً مقصودا لذاته؟

مغنيهم المشهور "مايكل جاكسون" تحرش حتى كلَّ من التحرش، وعدد من الصبية
رفعوا عدداً من القضايا ضده، ولكن كل هذه القضايا باءت بالفشل وخرج منها "مايكل"
كما تخرج الشعرة من العجين. لست أدري هل كان مذنباً أم بريئاً لكن الذي أدريه أن
تعلقهم برقصاته الشيطانية وأنه ليس عربياً سعودياً مسلماً كان أقوى الأدلة لإثبات
براءته، ولو كان صاحبنا حميدان من شاكلة صاحبهم لأصبح بريئاً لكن كل جريمته أنه
مسلم سعودي!!

"تايسون" الملاكم الأسود لم يتحرش فقط، وكان "تحرشه" من النوع الثقيل فماذا
صنعوا به وكيف حكموا عليه؟ مقارنة بسيطة بين ما اتهم به حميدان - وهو مجرد اتهام
- وبين ما فعله أصحابهم تكفي لإثبات مدى الحقد الهائل الذي يحملونه لنا.. وتكفي كذلك
لمعرفة هشاشة قضائهم وزيفه وظلمه..

الحديث عن الأمريكان وقضائهم أمر لا فائدة منه، ومنذ بداية مأساة حميدان كنت أتوقع
أن يُظلم ولكن ليس بهذا السوء فهو أكثر مما تخيلت بكثير، أما وأن الظلم قد وقع فإن
الأمر يتجه كلية الآن لأبناء الوطن فهذه مأساتهم جميعاً وليست مأساة فرد منهم..

على كل واحد منا أن يضع نفسه موضع "حميدان" وأن يتأمل جيداً حجم الظلم الذي
عاناه، أن يتخيل زوجته وأبناءه، أن يتصور كيف سيقضي بقية حياته في السجون
الأمريكية مضطهداً حتى في سجنه..

حلقوا لحيته لدواع أمنية!! لعل لحيته مليئة بالمتفجرات والقنابل.. استعملوا أصفاداً
صاعقة لتكبيله رغم عشرات الحراس الذين يحيطون به ربما لأنهم كانوا يخشون قوته
الهائلة!! منعوا عنه دواءه، لم يعاملوه مثل البشر مع كثرة حديثهم عن حقوق الإنسان
والديموقراطيات الضائعة التي يحلمون بإعادتها للناس!!

أقول: ليتخيل كل واحد منا ماذا يريد من أبناء وطننا أن يفعلوا من أجله لو أصبح في
وضع يماثل وضع حميدان ابن هذا الوطن.. وأقول ما كنت أعتقده وما زلت عليه: إن
الحق الذي لا تسنده قوة لا قيمة له.. الحق - كل الحق - مع حميدان ولكن أين القوة
التي يستند إليها؟؟ الذي نستطيعه هو مقاطعة أمريكا بكل ما فيها ومهما كان نستطيع
مقاطعة بضائعها، ونستطيع الامتناع عن السفر إليها.. ونستطيع الامتناع عن الدراسة
فيها..

هذا بعض ما نستطيعه ولعل هناك أشياء أخرى وكل يجتهد حسبما يستطيع.. ولأن
تجارنا جزء من هذا الشعب فإن عليهم أن يفعلوا الشيء نفسه، عليهم أن يتركوا
البضائع الأمريكية إلى سواها.. الأمريكان استخفوا بنا وبكرامتنا وآدميتنا وسيفعلون
أكثر من ذلك إن رأونا ساكتين شربنا الذل بصمت مهين..

حكومتنا فعلت أشياء وأشياء فحميدان واحد من أبنائها وحقه عليها أن لا تنساه مهما
اشتدت العراقيل وادلهمت الظلمات.. المشكلة لا تتوقف عند حميدان فالوطن كله يغلي
ويتألم، والوطن كله يشعر بالمرارة والإهانة.. لن نقول إن احترام القضاء واجب لأن
قضاءهم باطل ومنحاز، ولأن حكامهم لا يحترمون قضاء الآخرين مع نزاهته وعدالته
والأمثلة كثيرة ومتعددة.. مأساة حميدان ليست مأساته وحده لكنها مأساة كل بيت في
هذا الوطن.. لك الله يا أخي ولك دعاء كل فرد في وطنك، ولك همة شعب بلادك وكل
مسؤول فيها والله غالب على أمره..


مقال للدكتور محمد بن علي الهرفي