بقلم :خالد رستم

في الوقت الذي يجري فيه مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي تحقيقاته بقضية التجسس لحساب اسرائيل مع لاري فرانكلين الاختصاصي في قسم شئون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في البنتاغون الذي يعمل الى جانب مساعد وزير الدفاع الأميركي دوغلاس فيث المسئول الثالث في البنتاغون بعد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومساعده بول ولفوفيتز تشدقت احدى محققات مكتب التحقيقات الفيدرالي قائلة «نعم هناك في وزارة الدفاع جاسوس ولكنه يتجسس لحساب اسرائيل وليس عدواً».


ألا تكفي هذه العبارة من المهانة للتأكيد على أن القضية غير مفاجئة بالنسبة للادارة الأميركية. وفرانكلين نقل وثائق الى اسرائيل بشأن السياسة الأميركية تجاه ايران وشارك مع دوغلاس في اعداد السياسة التي وضعها البنتاغون حيال العراق حيث كان يعمل مع دوغلاس الذي أنشأ وحدة استخبارات خاصة قبل الحرب على العراق والتي سعت للترويج لقضية أن بغداد كانت لها علاقات مع تنظيم القاعدة وهو موقف انتقده المحللون في الاستخبارات الأميركية.


ما يمكن الاشارة اليه هل نسي المحققون في المكتب الفيدرالي التعهد الذي قطعته اسرائيل والمتضمن التوقف عن التجسس في الولايات المتحدة منذ الفضيحة التي أدت الى اعتقال جوناثان بولارد اليهودي الأميركي الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة لتجسسه لحساب اسرائيل. ان الأجهزة الموسادية تشعر بارتياح مطلق أثناء نشاطها على الأراضي الأميركية حتى لو تعرضت لفضائح كبيرة ففي عام 1985 م وبعدما انفجرت قضية الجاسوس الأميركي بولارد تزامنت فضيحة موسادية أخرى بطلها المستثمر الأميركي ريتشارد سميث .


حيث أقدم المذكور على تقديم 810 دوائر الكترونية لاسرائيل تستخدم في صناعة السلاح النووي، جراء ذلك اضطرت الحكومة الاسرائيلية لتقديم تفسير للعملية واضطرت لتقديم وعود باعادة القطع غير المستعملة، بيد أن ريتشارد سميث حاول اثبات أنه لا يعلم مدى خطورة البضاعة وأثرها في الصناعة النووية متظاهراً بالبساطة والغباء لكن القضية تطورت ووصلت الى المحكمة حيث أقرت لجنة المحكمة أن رجل الأعمال المذكور مذنب لممارسته نشاطاً محظوراً مع جهة أجنبية .


وما ان أعلنت اللجنة قرارها حتى فر المذكور خارج الولايات المتحدة لجهة غير معلومة حسب الرواية الأميركية وفي نفس العام برزت قضية أخرى تظهر حجم النشاط الموسادي في الولايات المتحدة حيث قام رجال الجمارك الأميركيين بزيارة مفاجئة لثلاثة مصانع عسكرية كانت الشكوك تحوم حولها في ارسال مخططات ووثائق سرية الى اسرائيل تتعلق بتطوير سبطانات مدفعية الدبابات بهدف زيادة أمدية رماياتها ودقتها..


مباشرة ردت الحكومة الاسرائيلية بتعليق صحفي مدعية أنها ضحية للمؤامرات، حينها استدعى وزير الدفاع الاسرائيلي اسحاق رابين السفير الأميركي في تل أبيب وعبّر له عن دهشته لما حصل وطلب تفسيراً لذلك كما تم استدعاء الصحفيين المحليين والأجانب الى مكتب الجنرال مناحيم ميرون مدير العلاقات العامة في الوزارة واتهم الولايات المتحدة بتدبير لعبة «قذرة» ضد بلاده وأبلغ الصحفيين الأميركيين العاملين في اسرائيل بضرورة تقديم كافة كتاباتهم الى الرقابة العسكرية الاسرائيلية قبل ارسالها أو نشرها.


ولم يمض وقت طويل حتى جاء الرد الأميركي، ففي بداية تموز عام 1986 نقل مراسل الشبكة التلفزيونية الأميركية سي بي اس عن معلومات لوزارة الدفاع الأميركية أن لجنة الرقابة في الوزارة وبالتعاون مع الجمارك تجري تحقيقاً حول سرقة التكنولوجيا الأميركية في صناعة القنابل العنقودية من قبل اسرائيل، كما أنها استدعت السفير الاسرائيلي في واشنطن مائير روزين لتفسير العملية مع بعض الاسرائيليين في السفارة .


والذين لا يحملون جوازات سفر دبلوماسية بنفس الوقت لم تود واشنطن تأزيم العلاقات مع حليفها الاستراتيجي، لذلك قام وزير الخارجية الأميركي بزيارة شيمون بيريز لمدة ساعة ونصف بعدها بثلاثين ساعة فقط ـ كما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست ـ أعلنت الحكومة الاسرائيلية عن أسفها للحكومة الأميركية بخصوص عمليات التجسس الاسرائيلية على الأراضي الأميركية وقد رحب شولتز مباشرة بالبيان الاسرائيلي واصفاً اياه بالرائع. وبالنسبة لبولارد اليهودي الأميركي الذي تجسس على الولايات المتحدة .


ودمر جهاز الاستخبارات الأميركية في الشرق الأوسط والاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية حين باعت أو قايضت اسرائيل معلومات بولارد المسروقة مع السوفييت. وقد تم اعدام عدد من عملاء المخابرات المركزية الأميركية نتيجة لتجسس «بولارد» ومن المحتمل أن ادارة أمن الدولة السوفييتية توصلت الى حل شيفرات أسرار أميركية عليا اما عن طريق اسرائيل مباشرة أو عن طريق جواسيس في الحكومة الاسرائيلية:


ويقول النائب السابق عن ولاية لويزيانا ورئيس منظمة الوحدة والحقوق الأوروبية الأميركية ديفيد ديوك ان غدر بولارد كان سبباً في أسوأ الكوارث الأمنية في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر وهكذا فان اسرائيل التي تتلقى المليارات من المساعدات الأميركية تجسست علينا بغدر وألحقت الأذى بأمن الولايات المتحدة ولاظهار ازدرائها لنا قايضت الأسرار الخطيرة التي سرقتها منا مع ألد أعداء أميركا وحتى بعد اعتذار اسرائيل عن تجسس بولارد فقد استمرت في التجسس علينا.


وذكرت صحيفة «لوس أنجلوس» عام 1997 أن يهودياً أميركياً يدعى «ديفيد أ. تينينبوم» اعترف بافشاء أسرار لاسرائيل وأورد هنا ما قالته الصحيفة: «اعترف مهندس مدني يعمل في منشأة قيادة عسكرية بالقرب من ديترويت بافشاء معلومات عسكرية سرية الى مسئولين اسرائيليين على مدى السنوات العشر الماضية، حتى بعد أن أثبتت اسرائيل استعدادها للتجسس علينا وألحقت ضرراً خطيراً بعمليات أميركا الاستخباراتية، عين الرئيس كلينتون يهودياً صهيونياً متفانياً رئيساً لمجلس الأمن القومي.


وهو أعلى منصب استخباري في البيت الأبيض حتى صحيفة «معاريف» الاسرائيلية أشارت الى «بيرغر» على أنه يهودي محب ومعنى ذلك انه مخلص لاسرائيل أولاً. ان تعيين ـ بيرغر ـ رئيساً لمجلس الأمن القومي بعد قضية الجاسوس بولارد هو جنون صرف. ان حقيقة تمكن اسرائيل من ارتكاب هذه الاساءات ضد الولايات المتحدة دون أن تتعرض لهجوم اعلامي مرير أو حتى انهاء المساعدات لها يظهر الخيانة التي تصل الى أعلى درجات المؤسسة الأميركية.


ولا عجب اطلاقاً حين أدلى أرييل شارون بتصريح لشمعون بيريز (في 3 أكتوبر عام 2001 ) رداً على ما أثير من أن اسرائيل قد تخسر المساعدات الأميركية ان لم تسحب قواتها المتوغلة في الضفة الغربية فقال: «كلما قمنا بشيء تقول لي ان أميركا ستفعل هذا وذاك، أريد أن أخبرك أمراً واضحاً جداً: لا تقلق من الضغط الأميركي على اسرائيل فنحن الشعب اليهودي نسيطر على أميركا ويعرف الأميركيون هذا.


لقد فشل خبراء من وزارة الخارجية الأميركية في التوصل الى حل للخلاف حول ما اذا كان الهجوم الاسرائيلي على سفينة التجسس الأميركية ليبرتي خلال حرب 1967 متعمداً أم لا رغم أن واشنطن لم تغير رأيها الأولي الذي توصلت اليه قبل 35 عاماً بأن الهجوم كان نتيجة اهمال كبير من جانب القوات الاسرائيلية وعدم معرفة هوية السفينة وأنه لم يكن نتيجة عمل عدواني متعمد ضد الولايات المتحدة. وكان معظم الناجين من الحادث وعائلا الضحايا يعتقدون أن اسرائيل هاجمت السفينة عمداً .


واتهموا وزارة الخارجية بالمساعدة على التغطية على دور اسرائيل في الهجوم وكانت السفينة تعرضت لهجوم في الثامن من يونيو 1967 م في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة سيناء اذ هاجمتها طائرات وطوربيدات اسرائيلية مما أدى الى مقتل 34 من بحارتها وجرح 171 آخرين ومن أبرز المشككين في التفسير الاسرائيلي للحادث جيمس بامفور مؤلف العديد من الكتب حول الاستخبارات الأميركية الذي جدد دعوته الى فتح تحقيق جديد في الحادث بقوله:


ان الاسرائيليين تعمدوا اغراق «ليبرتي» لاخفاء مجزرة ارتكبت بحق أسرى حرب مصريين في سيناء معتبراً أن ادارة ليندون جونسون التي كان حكم آنذاك أخفت الحقائق للحيلولة دون الاضرار بالعلاقات مع اسرائيل وطالب بامفور في كتاب ألفه عام 2001 م بنشر البيانات الاستخبارية التي تم الحصول عليها من طائرة تجسس أميركية كانت في المنطقة في ذلك الوقت، وعندما حاول سوسر انهاء فترة الأسئلة والأجوبة قال لينتيني: دعونا نستمع الى ناجٍ آخر ومن حقه الحديث وانكم تحاولون التغطية على هذه الفضيحة التجسسية.


ـ كاتب سوري


______________________

والله المستعان
اخوكم - ابن حجـــــــــــــــر