هَمَساتٌ في قلوبِ الفتياتِ• كم من فتاة تعرَّفت على شاب باسم الصداقة، وباسم التعارف، وتحت شعار تبادل الخبرة والمشاورة والمناصحة! وكانت تلك الفتاة -وربما بطيب قلب منها، أو لغفلة بسبب ابتعادها عن نهج ربها- تظن أن هذه الصداقة هي بداية مثالية لطريق السعادة المنشودة؛ فأخذت تنسج في مخيلتها خيوطًا لآمال حلوة، وأحلام عذبة، وأمنيات تداعب خاطرها، ولاحت أمام ناظريها أطيافٌ لمستقبل مليء بالحبور، وإذ بها -وبلا شعور منها- أخذت ترسم بسمة على شفاهها، وتسكب يقينًا ورضًا في خافقها. ولكن، وبعد فترة يسيرة، ترى أن تلك الخيوط قد تصرَّمت، وتلك الأحلام قد تبدَّدت، وتلك الأمنيات قد تلاشت. وأما الأطياف المليئة بالحبور، فقد تبعثرت، فذهبت كل آمالها سدًى، وتحوَّلت البسمة إلى غُصَّة، واليقين إلى شك وخوف، وعَرَفت -ولكن بعد فوات الأوان- أن الصداقة المزعومة، وتلك السعادة المنشودة، والشعارات اللامعة البراقة؛ ما هي إلا زيف وخداع، وسراب في صحراء الوهم، ثم عادت إلى واقعها، واستيقظت من إغفاءتها، وهي كَسِيرة القلب، مَهِيضة الجناح، تسكب على وَجْنَتيها العبرات، وتَرتَشِف الأسى من كؤوس الحسرات. • أجمل ما في الفتاة تربيتها، وأجمل ما في تربيتها حياؤها، وأفضل بِساط تمشي عليه الفتاة هو بساط الحياء؛ لذلك قال -تعالى-: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25]. • كثيرة هي مغريات الحياة؛ فلا تغترِّي، وقريبة منك غَيَاهِب جُبِّ الضلال، ومَهَاوي حَضِيض الفتن؛ فإياك أن تقعي، ولا تعجبي لقلة السالكات سُبل الهدى، وتذكَّري دائمًا: أن الكرام قليل. • حذارِ من أن تعيشي حياة الضياع، وأن تكوني لقمة سائغة في براثن السِّباع، فالحذر مطلوب من الرجل، ولكن على الفتاة أن تكون أشدَّ حذرًا، وأكثر حِيطة؛ فالزجاج عندما يتصدَّع ويتبعثر لا يمكن جبرُه وجمعه من جديد! والماء عندما يُسكَب ويُرَاق لا يمكن أن يعود إلى الكأس! • تُخطِئ مَن تظن أن العلم يعني انحدار الأخلاق، أو الجرأة التي قد تصل إلى حد الوقاحة، وتخطئ من تظن أن حرية المرأة تعني طرح الحشمة، وخلع مُلاءة العفاف. • مسكينة تلك الفتاة التي لا ترى في أبيها إلا جلاَّدًا مُكفَهِر الوجه، مقطَّب الحاجبين، يتساقط الشَّرَر من عينيه، لا ينظر إليها إلا شزرًا، ولا يستمع إليها إلا قهرًا، لم تسمع منه طوال حياتها كلمة لطيفة، ولم تشعر يومًا ما أنه يحوطها بشيء من الحنان، حنان الأبوَّة الذي سمعت به من أترابها، وتفاخرت به كثيرًا صديقاتُها، إلا أن تلك المسكينة كانت تظن أن حنان الأبوة ما هو إلا ضرب من الخيال، أو هو أحد المستحيلات الثلاثة. مسكينة؛ لأنها كانت -إن غلبها الكرى- تحلم بيد أبوية حانية تَربِت على كتفيها، وإن سرحت بفكرها في اليقظة، فما أكثر ما تتخيل أن أباها يقبِّلها بوجه باسم، ويعانقها بلهفة وحرارة. • إن كنت تنتظرين ذاك الفارس الوسيم، ذا الحصان الأبيض، الذي طالما كنا نسمع عنه في القصص الخيالية؛ فأنت واهمة، وواهمة جدًّا، فخذي هذه الحقيقة واطرحي ظلام الشك بأنوار اليقين، وكوني على علم تام بأن تلك الخيالات ما هي إلا من الثقافة الغربية، التي زُرعت في قلوبنا، وتغلغلت إلى عقولنا، وجثمت -مع مرور الزمن، وكثرة المغريات والفتن- متربعةً على عرش قلوبنا. فإن كنت حالمة بذاك الفارس ولا بد؛ فلتحلمي بشابٍّ حافظ لكتاب الله، ومقتفٍ أثر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذي دين قويم، ونهج مستقيم، وأمانة وفضيلة، وورع مشبوب بطهر وعفاف، يركب التقوى حصانًا أبيض، وبيده سيف العزة الإسلامية، والكرامة الإيمانية مُصْلتًا. • لا تظني أن كل فتاة تزوَّجت، فهي تَرفُل في أثواب السعادة، وتَنغَمِس في أنهار من تسنيم النعيم، وترتوي -حتى التضلع- من فُرَات الهناء؛ فكم من متزوجة تتجرَّع المرارة والألم، وتشرق بكدر الشقاء صباحَ مساءَ، وكم من متزوجة تعاني ما تعاني، ولكنها تُخفِي جراحها في قلبها، وتحبس عبراتها في جَفْنها، وقد لا تبوح لأحدٍ ما بذلك الألم الدفين، والسر المرير. فاعلمي أن السعادة ما نالتْها كلُّ متزوجة، وأن الكآبة لا تتجرَّعها كل عزبة، فالسعادة من المقدَّرات. وباختصار شديد: لو اطلعتم على الغيب، لرضيتم بالواقع! • فرق كبير بين الفتاة الواثقة بنفسها، وبين الفتاة المتكبرة والمتعالية باسم الثقة بالنفس! وفرقٌ كبير بين الفتاة المتعلمة والفتاة الجاهلة. لكني سأهمس في أذنك بالتالي:• اعلمي أن ما كل فتاة حصلت على أعلى الشهادات تكون متعلمة؛ فالعلم في الحقيقة إنما هو أخلاق سامية، وأدب رفيع، وطُهر وفضيلة؛ فأن تكون المرأة أميَّة -لا تعرف القراءة ولا الكتابة- وهي في غاية الأدب والحشمة والفضائل - خيرٌ لها من أن تكون متعلمة، وهي غارقة في مستنقع الرزايا، ومتلطخة بأوحال اللامبالاة، وانعدام المسؤولية!
الشيخ الأديب : مصطفى قاسم عباس