ما أشبه الليلة بالبارحة


رسالة نصير الدين الطوسي من هولاكو إلى أهل الشام .. وجواب أهل الشام عليها

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ..

وبعد..

فهذه رسالة طاغوت من الطواغيت قد خطها له ذنب من الأذناب بأسلوب متعال متجبر إلا أنه أسلوب ركيك وضيع .. عندما قرأت سجعها المتكلَّف تذكرت كتابات الحلبي وأمثاله وخطاباتهم في الدفع عن طواغيت العصر .. وعندما رأيت ثناءها على أهل الكفر وتعظيم شأنهم وتهويل قوتهم وتخويف المسلمين بجيوشهم؛ تذكرت مشايخ السوء وعلماء الانهزام وفقهاء الانبطاح وأذناب الحكومات وأزلام هيئات المناصحة ومشايخ إعادة التأهيل، وما سمي بالصحوات زورا وبهتانا وحقها أن تسمى بالغفوات والانسحاقات تحت أقدام المحتلين والأعداء والطواغيت، ولكنه تزوير الحقائق وقلب الأسماء! من باب تسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية لتجميل القبيح، وتسويغ الباطل وتسويقه وتلميعه وترويجه وهو أسلوب طالما استعمله شياطين الإنس والجن، اتباعا لسيدهم الأول الذي سمى شجرة الحرمان والطرد ليسوّقها ويزوّقها ويزينها لأبينا؛ سماها شجرة الخلد وملك لا يبلى !! واليوم نشاهد ذلك ونسمعه في الإعلام المأجور والصحافة العميلة والفضائيات التي تفتري صناعة الموت وتصنع الكفر والفسوق والعصيان ..

وما أشبه الليلة بالبارحة .. فإن لكل زمان ناسه الذين تتوارث كل طائفة منهم دور من كانوا على شاكلتها؛ فلأنصار الدين وأتباع الأنبياء طائفة تقوم بأمر الدين لا يضرها من خالفها ولا من خذلها؛ لا يزالون يرثون الأنبياء ويتوارثون دعوتهم في كل زمان، فيرفع الله ذكرهم كما رفع ذكر الأنبياء، ويخلد أثارهم ويبقيها ويحببها للخلق كما وعد (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) [الرعد 17].

وفي المقابل وكما أن للأنبياء أعداء من طواغيت الشرك وأئمة الكفر يسعون في الأرض بالفساد، ويعملون على إضلال العباد وتعبيدهم لباطلهم وشركهم المتنوع في كل زمان؛ فكذلك لأتباع الأنبياء أعداء من نفس الجنس؛ يقتفون آثار أسيادهم الذين سبقوهم من طواغيت الكفر حذو القذة بالقذة ..

وبين هؤلاء وهؤلاء منافقون ومرجفون، وأحذية لطواغيت الخارج والداخل يدفعون عن باطلهم، ويسهّلون من جرائمهم وكفرهم، ويدعون الناس إلى الدخول في دين الطاغوت، ويعملون على فتنتهم عن التوحيد وحرفهم إلى الشرك والتنديد .. (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا) [الإسراء: 84 ].

وإن ممن توارثوا وورّثوا لأتباعهم وطائفتهم العمالة لأعداء الأمة المحتلين نصير الشرك والكفر والطغيان ..

واسمه محمد بن محمد بن الحسن ويكنى بأبي جعفر وشهرته نصير الدين! الطوسي نسبة إلى مدينة طوس من توابع (قم) ولد سنة 597هـ . وتوفي لا رحمه الله سنة 672هـ وقيل انتحر في بغداد، وقبره معروف إلى اليوم في الكاظمية؛ مكتوب عليه : (الشيخ الخواجة [1] نصير الدين الطوسي ) ..

ويسميه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته ابن القيم وابن كثير وغيرهم بنصير الشرك لأنه نصر التتار على أهل السنة، تماما كما يفعل اليوم أحفاده وأتباعه مع كل محتل لبلاد المسلمين يصطفون في عدوتهم ضد أهل السنة ..

فيوم استولى التتار على بغداد وأباحها هولاكو لجنوده سبعة أيام وقيل أربعين يوما، ولم يؤمن فيها إلا النصارى والفلاسفة والمنجمين وكل مبغض للخلافة من الروافض كابن العلقمي وابن الدوامي وابن الدامغاني ونصير الشرك هذا الذي أرّخ لهذا اليوم بأن سماه فتحا في رسالته المشهورة: ( رسالة فتح بغداد ) [2] تماما كما يسمي أحفاده اليوم احتلال الأمريكان للعراق بتحرير بغداد !! فسبحان الذي جعل لكل قوم في كل زمان ورثة وأتباع يسيرون على نهجهم حذو القذة بالقذة ..

ولإخلاص نصير الشرك هذا للمحتل الكافر وحقده على أهل السنة؛ فقد قربه هولاكو وصيّره من حاشيته ومن المقربين إليه ثم عينه سنة 662هـ وزيرا له وبقي في وزارة هولاكو حتى توفي وخلفه ابنه أباقاخان فاستمر الطوسي في الوزارة حذاء لابن هولاكو أيضا وزيرا ومشيرا لمدة تسع سنين وهلك وعمره 75سنة ..

يقول المؤرخون لخيانات هذا الرجل :

(فلما قدم هولاكو بغداد 656هـ وتهيّب من قتل الخليفة هوّن عليه الوزير – الطوسي – ذلك، فقتلوه رفسا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه وأشار الطوسي بقتل جماعة كبيرة – من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء وأولي الحل والعقد – مع الخليفة فباء بآثامهم ) انظر البداية والنهاية وغيرها ..

قلت : وهذا عين ما فعله ويفعله الشيعة الروافض اليوم في أفغانستان والعراق من مظاهرة للصليبين وغيرهم على أهل السنة ..

ولا غرابة فكذلك كان حالهم مع الصليبيين الأوائل؛ فقد ذكر ابن الأثير في تاريخه (الكامل) أن العبيديين هم من دعا الصليبيين إلى بلاد الشام، ووعدوهم بالنصر على الخلافة السنية في بغداد ..

وقال ابن القيم رحمه الله عن الطوسي :

( ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد، وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفا نفسه من أتباع الرسول الكريم – وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد ألبته، واتخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن، فلم يقدر على ذلك، فقال هي قرآن الخواص، وذاك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر، وتعلم السحر في آخر الأمر، فكان ساحرًا يعبد الأصنام، وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتابه سماه المصارعة أبطل فيه قوله بقدم العالم وإنكار المعاد ونَفْي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه للعالم، فقام له نصير الإلحاد وقعد، ونقضه بكتاب سماه مصارعة المصارعة.. وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ) اهـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/263) .

وقال الشيخ محب الدين الخطيب:

( النصير الطوسي . جاء في طليعة موكب السفاح هولاكو، وأشرف معه على إباحة الذبح العام في رقاب المسلمين والمسلمات، أطفالاً وشيوخًا، ورضي بتغريق كتب العلم الإسلامية في دجلة، حتى بقيت مياهها تجري سوداء أيامًا وليالي من مداد الكتب المخطوطة التي ذهب بها نفائس التراث الإسلامي من تاريخ وأدب ولغة وشعر وحكمة، فضلاً عن العلوم الشرعية ومصنفات أئمة السلف من الرعيل الأول، التي كانت لا تزال موجودة بكثرة إلى ذلك الحين، وقد تلف مع ما تلف من أمثالها في تلك الكارثة الثقافية التي لم يسبق لها نظير" الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الاثنى عشرية (ص47،48) .

قلت : وهذا هو عين مافعله الشيعة حين دخل الأمريكان وحلفاؤهم تتار العصر بغداد؛ فقد عمدوا إلى كثير من الوثائق والمخطوطات فنهبوها أو أحرقوها..

وخيانة الروافض لأهل السنة واصطفافهم جنب أعدائهم ومظاهرتهم عليهم؛ أمر مشهور تاريخيا لا يستطيع الروافضُ أنفسُهم دفعه والجدال فيه؛ ولماذا يدفعونه وهم يفاخرون به ..

يقول أحد أعلامهم وهو محمد باقر الموسى في (روضات الجنات) في ترجمة الطوسي مثنيا عليه في استيزاره وعمالته للتتار (1/300، 301) : ( هو المحقق المتكلم الحكيم المتجبر الجليل.. ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية –ع-استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هولاكو خان بن تولي جنكيز خان من عظماء سلاطين التتارية، وأتراك المغول ومجيئه في موكب السلطان مؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد؛ لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، وقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد دائرة الجور والإلباس بإبداد دائرة ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام في أتباع أولئك الطغاة إلى أن سال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار </b>فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار، ومحل الأشقياء والأشرار) .

هذه هي نظرة أئمة الشيعة إلى هذا الخائن !! وهذا هو تقييمهم له ولعمالته لأعداء الإسلام؛ ولا عجب فالطيور على أشكالها تقع ..

ولذلك فقد امتدح إمامهم المعظم عندهم الخميني؛ نصير الشرك الطوسي هذا، وبارك خياناته واعتبرها نصرًا حقيقيًّا للإسلام، حيث قال في كتابه (الحكومة الإسلامية) :

( وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحدًا منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله ) .

ويقول الخميني أيضًا في الكتاب نفسه ص128 عن الطوسي : ( ويشعر الناس بالخسارة!! أيضًا بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام ) اهـ .

ولك أن تتأمل أي خدمات جليلة للإسلام والمسلمين تلك التي يتطلع إليها هؤلاء!! ويمتدحونها ويتحسرون عليها .. إنها عين الخدمات التي لا زال يقدمها الروافض لأهل السنة في سجون إيران، وعين ما قدموه قبل ذلك في لبنان على يد حركة أمل الشيعية بزعامة المُجرم نبيه بري , حين ارتكبت أفظع الجرائم ضد الفلسطينيين في مخيمات بيروت ( صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ) بين عامي 1984- 1987م, فبأوامر مباشرة من نبيه بري كانت تحرق النساء والأطفال والرجال العزل وهُم أحياء، ويمنع عنهم الماء والطعام حتى يموتوا عطشا وجوعا ويلقى بهم من أعلى برج المر في بيروت.

أما موقف مفتي حركة أمل وزعيم المجلس الشيعي الأعلى؛ عبد الأمير قبلان فقد أفتى آنذاك بذبح الفلسطينيين في المخيمات , وعندما سُئل في حينها عن منع الماء والغذاء عن المخيمات أجاب قائلا بحقده الرافضي المتأصل : ( فليأكلوا الفئران والقطط والكلاب!!.(

وهو عين ما قدمه ويقدمه المالكي وجيش المهدي ومنظمة الغدر للمسلمين السنة من خدمات في العراق، بدعم ومساندة من إيران، وعين ما قدمه إخوانهم في أفغانستان !!

ولذلك فليس غريبا أن تتآمر إيران على جيرانها من أهل السنة في الجهة الأخرى فتعقد مؤتمراً في طهران لعملاء أمريكا زرداري باكستان وكرزاي أفغانستان للتنسيق فيما بينهم لمحاربة حركة طالبان في باكستان وأفغانستان !!

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بعد أن ذكر تكفير الروافض لأهل الإسلام: (ولهذا السبب يُعاونون الكفار على الجمهور المسلمين؛ فيعاونون التتار على الجمهور، وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيزخان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام، وفي قدوم هولاكو إلى بلاد العراق، .... وبهذا السبب ظهر فيهم من معاونة التتار والإفرنج على المسلمين، والكآبة الشديدة بانتصار الإسلام ما ظهر، وكذلك لما فتح المسلمون الساحل ـ عكة وغيرها ـ ظهر فيهم من الانتصار للنصارى وتقديمهم على المسلمين ما قد سمعه الناس منهم، وكل هذا الذي وصفت بعض أمورهم، وإلا فالأمر أعظم من ذلك .. وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين، وهذه من شيم المنافقين ..! )

...إلى أن قال: (والرافضة تحب التتار ودولتهم؛ لأنه يحصل لهم بها من العز ما لا يحصل بدولة المسلمين. والرافضة هم معاونون للمشركين واليهود والنصارى على قتال المسلمين، وهم كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل إسلامهم إلى أرض المشرق بخراسان والعراق والشام، وكانوا من أعظم الناس معاونة لهم على أخذهم لبلاد الإسلام وقتل المسلمين وسبي حريمهم، وقصة ابن العلقمي وأمثاله مع الخليفة، وقضيتهم في حلب مع صاحب حلب مشهورة يعرفها عموم الناس.

وكذلك في الحروب التي بين المسلمين وبين النصارى بسواحل الشام فقد عرف أهل الخبرة أن الرافضة تكون مع النصارى على المسلمين، وأنهم عاونوهم على أخذ البلاد لما جاء التتار، ......وإذا غلب المسلمون النصارى والمشركين كان ذلك غصة عند الروافض، وإذا غلب المشركون والنصارى المسلمين كان ذلك عيداً ومسرة عند الرافضة .. )اهـ. مختصرا من الفتاوى (28/478 و 488 و 527).

قلت : وما أشبه الليلة بالبارحة .. فجرائم الروافض اليوم وممالأتهم للصليبيين المحتلين لبلاد المسلمين في العراق وأفغانستان، واصطفافهم إلى جنب العلمانيين واللادينيين والمرتدين في سائر بلاد المسلمين؛ واضح مكشوف لا يجهله أحد، وأمثال نصير الشرك الطوسي هذا كثيرون في الأحذية التي يستعملها المحتل لبلاد المسلمين، ثم ينصبهم تحت سطوة السلاح مسؤولين ورؤساء ووزراء في البلاد التي يحتلها ..

ولكن لله تعالى جندا مخلصين يستعملهم سبحانه لاستئصال هذه القاذورات ورميها في مزبلة التاريخ؛ يتصدون لباطلهم ويبيدون خضراءهم و(خضراء) أسيادهم، فهنيئا لمن يصطفيهم الله لذلك الشرف العظيم، ويجعله في أجنادهم ومن أنصارهم فيتشرف بدفع الصائل عن أهل الإسلام في زمن تكالب الأمم والأعداء .. ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ) [ الحديد10]؛ ولذلك فلا شك أن القائمين بهذا من المجاهدين هم خلاصة أهل الإسلام وزبدة أصحاب الطائفة المنصورة نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أجنادها.

وإليك أخي القاريء الآن رسالة نصير الشرك الطوسي من قِبل هولاكو إلى أهل الشام وجواب أهل الشام عليها؛ كما جاءت في صورة عن مخطوط مكتبة الدراسات العليا في كلية الآداب في جامعة بغداد برقم 975 [3]


نص الرسالة

رسالة نصير الدين من قِبل هولاكو إلى أهل الشام وجوابها منهم



بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد

قُل اللهم فاطر السموات والأرض؛ الذي يعلِّم به جمال الدين (بكتمر) و(علاء الدين القيمري) وساير أمراء الشام والأجناد .

اعلموا أنا جند الله[4]، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل عليه غضبه[5]، لا نرقّ لشاكٍ، ولا نرحم عبرة باكٍ . قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل كل الويل لمن لم يكن من حزبنا[6]، قد خرّبنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأظهرنا في الأرض الفساد، خيولنا سوابق ورماحنا خوارق، وليوثنا سواحق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، من رام سلمنا سلم، ومن رام حربنا ندم، ملكنا لايرام، وجارنا لا يضام [7]، فإن أنتم قبلتم شرطنا، وأطعتم أمرنا، كان لكم مالنا، وعليكم ما علينا. وإن أنتم خالفتم وأبيتم، وعلى غيكم تماديتم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، الحصون بين أيدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا ترد ولا تدفع، ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع، لأنكم أكلتم الحرام، وأظهرتم البدع، وخنتم الأيمان، وضيعتم الجُمَع، وتفاشيتم الحسد والطغيان[8]؛ فاستبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،[9] وقد ثبت عندكم أنكم كفره[10]، وحق عندنا أنكم فجرة، وقد سلطنا عليكم الله من بيده الأمور مقدره والأحكام مدبّرة، فعزيزكم لدينا ذليل، وكثيركم لدينا قليل، والأمن والخوف لمن هو بين أيدينا طويل، فإنا ملوك الأرض شرقا وغربا، وأصحاب الأموال صلبا ونجبا، وآخذون كل سفينة غصبا، فميزوا بعقولكم طرق الصواب، وأسرعوا إلينا برد الجواب، من قبل أن تستعر الحرب نارها وترمي إليكم شرارها، فلا تبقي لكم باقيه، وتضحي الأرض منكم خاليه، وينادي عليكم منادي الفناء، فهل تحس منهم من أجاب، أو تسمع لهم رِكزا، وقد أنصفناكم[11]، وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذّر، وسألناكم ونشرنا جواهر الكلام، والسلام.


جواب أهل الشام


قل: اللهم على كل شيء قدير والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، على كتاب ورد فجرا عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدّها[12]، وجعل الصحيح مقبولا عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترقون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيا وآمرا، قل يا ايها الكافرون لا أعبد ما تعبدون،[13] ففي كل كتاب لعنتم، وبكل قبيح وصفتم، وعلى لسان كل رسول ذكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد؛ ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالي بالأصول[14]، ونحن المؤمنون حقا لا يداخلنا عيب، ولا يصدنا غيب، القران علينا نزل وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت[15]، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقيه، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضريه، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها في المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا[16] صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعه [17]، قلتم قلوبنا كالجبال، وعدونا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا ؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنيه، إن عشنا فسعيدا، وإن متنا فشهيدا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة ؟ لا سمعا لكم ولا طاعة ، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء.

هذا كلام في نظمه تركيك وفي سلكه تسليك، ولو كشف الغطاء ونزل القضاء، لبان من أخطأ، أكفر بعد الإيمان ونقض بعد التبيان ؟ قولوا لكاتبكم الذي رصف مقالته، وفخّم رسالته [18]،ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء .

كتبتَ : سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لك هذا الخطاب، وسيأتيك الملك الناصر وبكتمر وعلاء الدين القيمري وساير أمراء الشام ينفرون الإيصال إلى جهنم وبئس المهاد، وضرب اللمم بالصماصم الحداد، وقل لهم : إذا كان لكم سماحة، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلى قراءة آيات وتلفيق حكايات، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أولاء في أواخر صفر موعدنا الرَسْتَن[19] وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر والسلام .) اهـ.


(انتهت الرسالة)



ما أشبه الليلة بالبارحة


أخرج الطبراني في المعجم الصغير عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون أمراء يقضون لكم فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم، قال : يا رسول فكيف نصنع ؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية الله عز وجل ).

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فإنك أخي قارئ هذه الكلمات لو تدبرت أحوال الفريقين والحزبين في كل زمان .. لرأيت الصور نفسها تتكرر، والمشاهد نفسها تعاد، حزب الرحمن وحزب الشيطان، أما حزب الشيطان فذلة وسقوط وهوان رغم العدة والعدد ورغم الترهيب والوعيد، فإن ذل الشرك والمعصية لا يغادرهم ولا ينفك عنهم .. وأما حزب الرحمن فعزة واستعلاء وظهور وإباء رغم قلة العدد والعدة ورغم القرح والاستضعاف .. وها نحن اليوم نسمع نداء العزة في خطاباتهم التي يخاطبون بها أعداءهم الذين تمالئوا عليهم من كل حدب وصوب؛ كرجع الصدى لخطاب إخواننا أهل الشام في هذه الرسالة.. فلله در الأولين منهم والآخرين ..

فليختر كل أمريء لأي الفريقين ينحاز ؟ وأي الطائفتين ينصر؟ وفي أي الصفين يقوم ؟ وأي العدوتين يوالي وأيهما يعادي ؟؟

(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) [ الحج 19].

ثم بعدُ شتان بين المنقلبين وبين العاقبتين في الدنيا والآخرة ..

قال أبو بكر ابن عياش: (… أهل السنة يموتون، ويحيى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون، ويموت ذكرهم، لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان لهم نصيب من قوله: (( ورفعنا لك ذكرك )). وأهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله: (( إن شانئك هو الأبتر )) أهـ من فتاوى شيخ الإسلام .




[1] ولو كان في زماننا لما كان إلا حذاء للخواجات كما هو شأن طائفته اليوم في العراق وأفغانستان..

[2] نقلا عن كتاب ( الفيلسوف نصير الدين الطوسي مؤسس المنهج الفلسفي في علم الكلام الإسلامي!!) لأستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد بجامعة بغداد د.عبد الأمير الاعسم، ط. دار الأندلس بيروت.
ومنه أخذت مخطوط الرسالة وأعدت قراءتها وتدقيقها ونسخها وتصحيحها . ومما قاله الدكتور عبد الأمير ص 44 عن رسالة الطوسي الموسومة بـ( فتح بغداد ) : ( وقد أهمل ذكرها الشيخ نعمه بين مؤلفاته سترا لشيخهم، وكأنه يريد من الناس أن ينسوها .. لكن التاريخ لا ينسى ) اهـ.

[3] صورة المخطوط مرفقة في نهاية الرسالة- في الملف المرفق

[4] تأمل كيف تتكرر تزكية الطغاة والمحتلين أنفسهم على الله، وكيف يلبسون حروبهم لباس الدين؛ كما أعلنها عدو الله بوش في بداية حربه على أفغانستان حين سماها بـ ( الحرب الصليبية )، وتأمل كيف سمى الطوسي جند الطاغوت وجند الشيطان بجند الله، تماما كما يفعل اليوم أتباعه فيسمون حزب الشيطان بحزب الله!! فما أشبه الليلة بالبارحة .

[5] وتأمل تلاعب هذا المجرم في استدلاله بالقدر، فيخلط بين مشيئة الله الشرعية ومشيئته القدرية، ويجعل مشيئة الله مسوغة لإجرام أولياء نعمته وتسلطهم على المسلمين؛ وهكذا هم سدنة الطواغيت في كل زمان يلبسون الحق بالباطل، ويطوّعون الدين لخدمة الطاغوت، ويجعلون أدلة الشرع مطية لباطل حكامهم ..

[6] تأمل كيف يدعو هذا الخائن المسلمين ويرهبهم ويخوفهم للانضمام إلى حزب الشيطان وعدوة المحتل وصف الطاغوت وللدخول في طاعة المجرمين. وهي المهمة نفسها التي يمارسها اليوم علماء الطواغيت!! فبدلا من دعوتهم الناس إلى الكفر بالطواغيت واجتناب عبادتهم كما هي دعوة الرسل كافة؛ يدعون الناس إلى الدخول في عبادة الطواغيت وتوليهم!!

[7]تأمل تضخيم الأذناب لجيوش ساداتهم وتخويفهم المسلمين بعددهم وعدتهم!! فهذا ديدنهم في كل زمان؛ بل نسمعه اليوم من مشايخ السلاطين كمبرر لانبطاحهم وانبطاح ساداتهم تحت أحذية الكفار وانسياقهم لإرادات الأعداء .

[8] أنظر كيف يبرر هذا الخائن ظلم أسياده المحتلين وتسلطهم على العباد وانتهاكهم للدماء والأعراض والأموال بمبررات يلبسها لباس الشرع! فيرقع باطل أسياده وكفرهم، ويجعل الذنب ذنب الضحية لا الجزار!! وما أشبه الليلة بالبارحة فدوما يُصوَّر المجاهدون في الإعلام المأجور على أنهم هم المعتدون على الشريعة، وأنهم هم المتعدون لحدودها، بل يُنعتون في فتاوى أذناب السلاطين بأنهم ممن يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا!! أما المحاربون الحقيقيون لله ولرسوله، والساعون ليل نهار في نشر الفساد والإفساد في البلاد والعباد فأولئك إما ولاة أمور شرعيين يجب لهم السمع والطاعة، أو مستأمنين ومعاهدين من مسهم لم يرح رائحة الجنة .

[9] تأمل قلب هذا الخائن للحقائق، وتلبيسه الحق بالباطل، وتنزيله للآيات التي أحق من يوصف بها أسياده وأولياء نعمته الكفرة الظلمة؛ ينزلها على أهل الإسلام المظلومين .. وكذلك يفعل أذناب الطواغيت ومشايخ الأمريكان من علماء السوء مع المجاهدين!! فما أشبه الليلة بالبارحة .

[10] تأمل تكفيره لأهل السنة في الوقت الذي يتولى فيه أعداء الملة!! فأي موازين هذه ؟ ولقد قرأت لعلي الحلبي جملة في خطبته الشهيرة التي ألقاها بين يدي ولي نعمته؛ قال فيها عمن وصفهم (بالسفهاء المارقين الجاهلين الذين ألقوا بسواد قلوبهم على أطراف ألسنتهم)، إلى قوله : ( فصاروا يرمون عموم الأمة بالضلال الكبير، وحكامها بالكفر والتكفير .. )! إلى أن قال : ( وهذه - والله - كلمات لو عكست على أولئك الجهلة : ما وجدت لهم بدلا ..) أهـ ص13 من خطبته المطبوعة . وتأمل قسمه على تكفيرهم!! فمن هم الخوارج الحقيقيون الذين يكفّرون بغير ما يكفر به أهل السنة والجماعة ؟! ما أشبه الليلة بالبارحة .

[11] هكذا هم في كل زمان يدّعون العدالة والإنصاف وإقامة حقوق الإنسان بل والحيوان!! وهم ألدو الخصام الساعون في الأرض فسادا والمهلكون للحرث والنسل .. وهذا الخائن العميل يلبسهم كذبا تلك الصفات ويسبغ عليهم زورا وبهتانا تلك الدعاوى! كما هو شأن وشغل كل ذنب من أذناب الطواغيت وكل حذاء من أحذية الأعداء المحاربين مع أسيادهم المجرمين .

[12] في الأصل أشدها؛ وبجوارها تصويب غير واضح .

[13] تأمل براءة أهل الشام من هولاكو وأجناده وإظهارهم للكفر بهم، وردّهم عليهم باطلهم رغم ضعف المسلمين في ذلك الزمان، ورغم ما سمعوا به من استباحة بغداد، وما بلغهم عما سفك فيها من دماء، صدق الله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ المنافقون 8] .

[14] في المخطوط عكس هذا، هكذا : ( ولا عز من نصار فرعون من تمسك بالأصول ولا يبالي بالفروع )، وهناك تصويب فوق كلمة نصار كأنها ( أنصار )، وأظن العبارة منقلبة عما صححته، لانسجامه مع الرد على ما عيّر به هولاكو والطوسي أهل الشام من المعاصي وجعلها سببا لتسلط التتار عليهم، فكأن أهل الشام يردون عليهم مقالتهم بأنّ تعييركم لنا بهذه الفروع وإنكارها علينا لا ينفعكم ولو كنتم قائمين بها ،لأن أنصار فرعون ونحوه من الطواغيت لا ينفعهم التمسك بمثل هذه الفروع، ماداموا لا يبالون بالتمسك بالأصول . والله أعلم .

[15] الرتوت : ذكور الخنازير .

[16] الجواشن جمع جوشن : وهو الدرع .

[17] لله درهم : ( إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قٌتلنا فبيننا وبين الجنة ساعه ) . شتان بين هذه العزة والاستعلاء رغم الضعف والقلة، وبين ذِلة الخونة والعملاء .

[18] الإشارة هنا والخطاب موجّه إلى الخائن نصير الشرك الطوسي، وتأمل تحقيرهم لخطابه وتهديده ووعيده بقولهم عنه أنه : (كصرير باب، أو طنين ذباب) فلله درهم .

[19] الرستن : قرية من قرى الشام، جاء في معجم البلدان أنها بين حماه وحمص، ولا زالت معروفة إلى اليوم في سورية وتتبع محافظة حمص تقع شمال مدينة حمص .